وحضر في المؤتمر الذي أقامته منظمة “اليوم التالي” في 30 من تشرين الأول، نحو 70 شخصًا بشكل فيزيائي وعن بعد عبر الإنترنت، بينهم خبراء حقوقيون وقانونيون وفاعلون في الملف السوري، كما شارك معدو تقرير “الإصلاح الانتخابي وعملية الانتقال الديمقراطي في سوريا” الصادر عن المنظمة ذاتها في أيلول 2022، في مناقشة محاور التقرير المكون من 311 صفحة مع الخبراء لإثراء محاور المؤتمر.
وتستند فكرة المؤتمر الذي حضرته عنب بلدي، إلى ما نص عليه قرار مجلس الأمن “2254” لعام 2015، الذي رسم خارطة طريق للانتقال الديموقراطي في سوريا، وأكد دعمه “لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة”، وهو ما يستوجب تحديد متطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم الذين يعيشون في بلاد اللجوء.
دساتير تكرس فوز الحزب الواحد
طرح أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة “حلب” سابقًا، وعضو الهيئة التدريسية في جامعة “الشارقة” حاليًا، سام دلة، عدة محددات يجب أن يضمنها القانون الانتخابي لأي دولة، وهي التنافسية والعدالة والنزاهة والاستقرار، وذلك خلال مشاركته كمتحدث بالمؤتمر.
وأكد دلة أنه منذ دستور 1963 حتى دستور 2012 في ظل حكم حزب “البعث” لسوريا، حكمت عدة نصوص فيها البيئة الانتخابية بشكل يقوم على أسس “ايديولوجية” مثل تبني “الفكر الاشتراكي” عبر المادة الثامنة في الدستور التي تفرض حزب “البعث” قائدًا للدولة والمجتمع، وبالرغم من إلغائها نصًا في دستور 2012، لا تزال عمليًا قائمة في الممارسات الانتخابية.
وشملت قوانين الانتخابات في هذه الدساتير على مبادئ عامة، مثل أنها عامة وسرية ومتساوية، لكنها تتعارض مع الآلية التنفيذية، مثل تحديد دوائر انتخابية لمحافظة ما أكثر بفارق كبير عن المحافظة الأخرى، مثل وجود خمسة دوائر في محافظة الرقة وأكثر من 30 دائرة انتخابية في مدينة حلب، وهو ما ينتهك مبدأ المساواة، كما لم تحدد قوانين الانتخاب موضوع الدعاية الانتخابية أو التنافسية أو نزاهة الانتخابات، وفق دلة.
وعادة ما يكون القضاء الضامن الأساسي للعملية الانتخابية، وفي الانتخابات النيابية والرئاسية تمثل المحكمة الدستورية العليا هذه الجهة، لكنها في سوريا لم تمارس أي عمل بحكم طبيعة الدستور الذي يعطل هذه المحكمة سواء من خلال عملية تعيين أعضائها من قبل شخص واحد وهو رئيس الجمهورية ولمدة محددة تقل عن مدة ولاية الرئيس.
وتسببت هذه الممارسات وغيرها في تشويه العملية الانتخابية وتشكيل قناعة لدى معظم السكان بأن النتائج محسومة مسبقًا، وفق ما أشار إليه الأكاديمي السوري، الذي تطرق إلى أن النظام الانتخابي الأمثل لا يكفي لجعل العملية الانتخابية فعالة، ذاكرًا أن دول معروفة بتطبيق الديمقراطية مثل بريطانيا وأمريكا لديها أسوأ الأنظمة الانتخابية، لكن الحامل الاجتماعي والثقافي في هذه البلدان يجعل الانتخابات ذات مصداقية عالية وذات اهتمام شعبي حتى خارج حدود هذه البلدان.
القاضي خالد الحلو شارك بدوره في توضيح كيف أدت القوانين التي فرضها حزب “البعث” منذ عام 1963 في غياب أي تفكير سياسي خارج “الحزب القائد”، مثل إسناد السلطة التشريعية والتنفيذية لقيادة “الثورة” (ثورة الثامن من آذار) حينها، وإعلان “حالة الطوارئ” الذي منع أي تغيير اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي بعيدًا عن فكر عكس حزب “البعث”.
وبعد هذه “الترسانة من القوانين”، يأتي دور الأجهزة الأمنية المسلطة على كل الدولة ولا يمكن ملاحقتها، وهو ما شكل تركيبة كاملة للسيطرة على كل أجزاء الدولة، وفق الحلو.
وبالرغم من توقيع حكومة النظام على عدة اتفاقيات دولية تتعلق بحقوق الانتخابات مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان واتفاقيات إقليمية أخرى، كان يمر التوقيع كأنه “بروتوكول دولي”، وفق وصف الحلو، دون أن يؤثر على القوانين الداخلية أو يجري أي تعديلات لتتوافق معها.
وكان النظام يعارض أو يتحفظ على عدة فقرات في هذه الاتفاقيات الدولية، بحجة أنها تتعارض مع “روح الدستور السوري أو التقاليد الوطنية والدينية والثقافية”.
ما موقف المعارضة
شارك في المؤتمر رئيس “هيئة التفاوض السورية”، بدر جاموس، الذي أكد على استمرار ضغوط المعارضة نحو الأمم المتحدة في سبيل تحريك جميع سلال الملف السوري الأربع التي سماها المبعوث الأممي السابق دي ميستورا، ومنها سلة الحكم واللجنة الدستورية وسلة الانتخابات وغيرها. وعبّر جاموس عن أسفه في وضع الأمم المتحدة الحالي، لأنها سمحت للنظام بالتحكم بالعملية السياسية عبر ربط استمرارها بمشاركته بالمفاوضات، موضحًا أن “الهيئة” طالبت الأطراف الدولية والأمم المتحدة بالاعتماد على الأطراف السورية التي تقبل بالتفاوض، وهي تمثل ثلثي الأطراف من معارضة ومجتمع مدني كما في حالة اللجنة الدستورية، وذلك عبر الاستمرار باجتماعات اللجنة بهذين الطرفين دون حضور النظام، وهو ما يفرض ممارسة ضغط عليه وعلى الدول الداعمة له.
تتكون اللجنة الدستورية من ثلاثة وفود، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، بهدف وضع دستور جديد لسوريا وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.
وأشار جاموس إلى أن الشرعية الدولية اليوم ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن أمام استحقاق دولي بما يخص قطاع غزة، أثبتت فيها أن مجلس الأمن “معطل”، وأن على الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن تغيير هذه السياسة وفرض تطبيق القرارات الدولية، لمنع استمرار الفوضى وعدم الاستقرار لوقت طويل في أي بلد، وبالأخص عندما يكون النظام لا يريد اي حل سياسي، حيث يجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن أن يتحملا مسؤوليتهما بفرض هذه القرارات الدولية الموجودة.
وفي مسار الانتخابات، شكل “الائتلاف الوطني السوري” لجنة الانتخابات بمشاركة أعضاء من منظمات المجتمع المدني، وبحسب جاموس، فقد جرى تأمين دعم للجنة من عدة منظمات دولية، كما يشارك عدة خبراء سوريين وأجانب في دراسة الموضوع الانتخابي باللجنة وماهية القوانين الانتخابية المرتبطة مع موضوع الدستور.
وذكر جاموس أنه جرى الانتهاء من وضع نحو 80% من القوانين التي يجب العمل عليها فيما يخص الانتخابات، مشيرًا إلى أن الورشات الخاصة بلجنة الانتخابات مستمرة بوتيرة ورشة كل شهر ونصف، بعدها تتحول المعلومات الصادرة عنها لـ”هيئة التفاوض” لدراستها ومناقشتها مع جهات أخرى، ثم تأكيدها مع لجنة الانتخابات إلى حين الوصول لمشروع انتخابي يمكن أن تضعه “الهيئة” على الطاولة في تفاوض رسمي مع النظام أو الأمم المتحدة.
دور أممي
اتفق المشاركون بالمؤتمر على أن مدة 18 شهرًا لإجراء انتخابات عملًا بالقرار الأممي “2254” نحو الانتقال الديموقراطي للحكم في سوريا، هي مدة غير كافية، لعدة أسباب منها الحاجة لمدة زمنية من أجل تشكيل هيئة انتخابية وأحزاب سياسية ذات قاعدة شعبية.
المسؤول القانوني في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، المحامي مهند شراباتي، الذي شارك في إعداد تقرير “الإصلاح الانتخابي”، أفاد أنه من الصعب تخيل انتخابات ناجحة في سوريا بدون إشراف دولي من الأمم المتحدة، بسبب غياب بيئة قانونية مؤسساتية للانتخابات أو ممارسة للديمقراطية على مدى عقود، ووجود نحو نصف الشعب السوري في بلاد اللجوء.
وبالرغم من أن القرار الدولي “2254” ينص على إجراء انتخابات تتوافق مع معايير الشفافية الدولية، بإشراف من الأمم المتحدة، إلا أنه لم يوضح ماهية هذا الإشراف، وهو ما حاول التقرير استعراضه عبر تجارب الأمم المتحدة في الإشراف على انتخابات سابقة في بلدان مختلفة، مثل نامبيا وكمبوديا والبوسنة.
تملك الأمم المتحدة جهازًا أساسيًا يتعامل مع الانتخابات في الدول الأعضاء يدعى إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، الذي ساهم بدعم الدول الخارجة من الصراعات بعمل تجارب انتخابية، تطلبت الإشراف والمصادقة على كل تفاصيل العملية الانتخابية، وليس فقط مراقبتها، وفق شراباتي.
كما يمكن أن تمتد عملية الإشراف بالأمم المتحدة إلى ما بعد الانتخابات حتى تضمن الاستقرار السياسي بالبلد، وتساعد السكان لأن تستعيد الثقة بالمؤسسات الحكومية، وهو ما يعطيها صلاحيات واسعة، قد يوصف بأنه تعد على “سيادة الدولة”، وفق شراباتي، الذي أكد أن الأمم المتحدة لا تبدأ بهذه العملية إلا بطلب من الدولة أو بتفويض من مجلس الأمن.
وأفاد المحامي السوري أنه يمكن ضمن تفاصيل عملية الإشراف الأممي، إحضار قوة أممية لتوفير بيئة آمنة للناخبين، وتأمين الدعم اللوجستي لإجراء العملية الانتخابية، وممارسة دور تثقيفي للموظفين والمجتمع المحلي والمدني حول العملية الانتخابية.
مسؤولية الثقافة الانتخابية الشعبية
طرحت أثناء مناقشات المؤتمر عدة أفكار منها أهمية نشر الوعي الانتخابي بين فئات المجتمع، لمعرفة حقوقه الانتخابية وأهمية إعطاء صوته في انتخابات نزيهة وعادلة وتنافسية، كما أشار بعض المشاركين إلى أهمية وسائل الإعلام المستقلة في نشر هذا الوعي، وبالأخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تستحوذ على الجانب الأكبر من متابعة السوريين.
أستاذ القانون الدستوري، سام دلة، قال لعنب بلدي، إن العملية الانتخابية مثل “التمرين الرياضي”، لذا لا بد من وجود أشخاص سواء ناخبين أو مرشحين منتخبين يمارسون هذه العملية القابلة للربح أو الخسارة، حسب الشعبية الموجودة والقدرات في إقناع الناس.
من جهة أخرى، يجب تدريب السوريين وتحفيزهم وإرشادهم بشأن أهمية هذا الأمر والإحساس بقيمة صوت كل شخص سوري في هذا الإطار، وبأن هذه المشاركة المجتمعية هي مشاركة مفيدة للفرد والمجتمع، وفق دلة، الذي عبّر عن أسفه من تجربة بعض المؤسسات الموجودة في المعارضة أو في المجتمعات المدنية التي تشكلت خارج سوريا، بأنها لا تشجع على ممارسة العملية الانتخابية، إذ إنها تقوم على نفس المبدأ أو الثقافة التي بنى النظام عليها المجتمع السوري.
وناقش المشاركون دور وسائل الإعلام التثقيفي والتوعوي في تحديد الأجندات السياسية للدول والأحزاب، ما يجعلها ركيزة أساسيّة في بناء الرأي العام، كما تلعب هذه الوسائل دورًا أساسيًا في التشجيع على المشاركة السياسية في الانتخابات، من خلال تقديم تقارير حول أماكن الاقتراع، وشرح الإجراءات المتعلّقة بعمليّة الترشح والاقتراع.
ويجب على وسائل الإعلام التعريف بالمرشحين وبرامجهم الانتخابيّة، وفتح مساحات تمكّن الناخبين من التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم بما فيهم النساء والأقليات القوميّة والدينية والفئات الاجتماعية الأكثر ضعفًا.
كما أن للإعلام دور رقابي وتقييمي خلال كافة مراحل الانتخابات، منذ بناء العملية الانتخابية من ناحية طرح المعلومات حول الهيئة المنظمة للانتخابات وأعضائها وعلاقتها بالسلطات وإتاحة المعلومات عن المرشحين وفتح الباب للمساءلة ومناقشة شرعية كل من المرشحين والهيئة والعملية الانتخابية، ووضع كل ذلك في إطار النقاش العام.
ومع انطلاق العملية الانتخابية يتبدى دور الإعلام الرقابي في الانتخابات بشكل أكبر عبر رصد الانتهاكات والمخالفات والشروع بالتحقيقات الصحفية، بالإضافة إلى رصد حالات التزوير من خلال التواجد في مراكز الاقتراع والاطلاع على فرز الأصوات وعدّها وضمان حرية التعبير وحق الاختيار.
أما في المرحلة التي تلي انتهاء الانتخابات، فإن لوسائل الإعلام المختلفة دورًا هامًا في تقييم العملية الانتخابية بمجملها وأداء المرشحين وخطاباتهم، وأداء الهيئة المنظمة للانتخابات ونسب المشاركة السياسية، ومدى تطابق برامج المرشحين والأحزاب مع تنفيذها، وكل ما يتعلق بجودة الانتخابات ومطابقتها للمعايير الأممية حول الديمقراطية من كونها نزيهة وحرة وشفافة وسرية وتضمن المساواة.
-------------
عنب بلدي