نعم، فبغض النظر عن المصطلحات التي استعملها رئيس الوزراء الإسرائيلي، من المكن فعلا أن تكون هذه الدولة المنشودة “مكافأة” لهذا “الإرهاب” الذي يتحدث عنه، لكنها بالتأكيد لن تكون مكافأة حقيقية، كما لن تكون كما يريدها الطامحون إليها، فضلا عن أنها ليست “مكافأة” أكيدة ولا مضمونة.
نعم، فلولا ما حصل في السابع من أكتوبر لما عاد هذا الحديث على كل لسان عن دولة فلسطينية، مهما كان ما يضمره كل واحد عند الإشارة إليها، ومهما كان تصوّره حولها، وذلك بعد أن تراجعت القضية كثيرا على جدول أعمال العالم وذهب في ظن نتنياهو أن بإمكانه فرض تلك الخريطة التي رفعها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، متوهما أن إقامة علاقات مع أبو ظبي أو المنامة أو الخرطوم أو الرباط يعفيه من همّ البحث عن تسوية مع أصحاب الشأن الحقيقيين، وبعد أن ظنت أغلب العواصم العربية أن الانقسام الفلسطيني ومسلسل التطبيع رسّخا إلى الأبد حالة الاحتلال.
نعم، فما الذي يحول دون أن يرى الفلسطينيون أن هذا “الإرهاب” الذي تتحدث عنه حكومة نتنياهو قد يكون هو السبيل الموصل إلى قيام الدولة الفلسطينية المنشودة طالما أن المفاوضات لم تكن سوى عبارة عن مسلسل لا ينتهي من المماطلة والتسويف وبيع الأوهام؟ وطالما أن الشرعية الدولية باتت مشلولة بحكم التسلط الأمريكي على صناعة القرار الأممي؟.
أما لماذا هذه “المكافأة” المفترضة ليست كاملة فلأن الدولة، التي يشار إليها يمينا وشمالا في كل محفل، لن تكون الأرجح تلك الدولة التي يمكن أن تقام على كامل الأراضي الفلسطينية التي تصنّفها القوانين الدولية “أراضي محتلة” عام 1967 أي كامل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، إذ لا أحد يتحدث حاليا في سياق خوضه في هذا الموضوع عن ضرورة إنهاء الاحتلال أو تفكيك المستوطنات أو التراجع عن اعتبار القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل. لهذا فما يتم الخوض فيه حاليا لا يعدو أن يكون حديثا عن دولة بمواصفات هلامية كتلك التي أشار إليها الرئيس بايدن، أو كتلك التي تحدّث عنها وزير خارجيته حين يقرن أية إشارة إلى هذه الدولة بضرورة “ضمان أمن إسرائيل” دون أي كلمة مثلا عن دولة متواصلة جغرافيا أو بحدود معترف بها تضمن أمن الفلسطينيين بجوار دولة نووية ترفض أي تراجع عن سياستها الاستيطانية وتواصل قضم الأراضي بكل شراهة حتى استحال عمليا قيام دولة بهذا العدد من المستوطنات والمستوطنين الذين تضاعف عددهم 4 مرات منذ اتفاق أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
أما لماذا هذه الدولة “المكافأة” المفترضة ليست مضمونة.. فذلك لسبب بسيط وهو أن صخب الحديث عن دولة فلسطينية يتصاعد ويخفت حسب الأحداث، ففي كل مرة تشتعل فيها المنطقة تتحوّل كلمة الدولة إلى ما يشبه “التعويذة” السهلة على كل لسان، لكن ما إن تهدأ الأمور حتى يكون للعالم شأن آخر يغنيه. لقد ورد الحديث عن دولة فلسطينية في هذه العقود الأخيرة على لسان كل قادة العالم تقريبا، وأبرزهم رؤساء الولايات المتحدة وأوروبا، دون أثر حقيقي على الأرض بل العكس هو الصحيح فكلما مرت السنوات التهمت الحكومات الإسرائيلية المزيد من الأراضي ليتحوّل الحديث عن دولة إلى ملهاة سمجة.
يكفي هنا التذكير، على سبيل المثال لا الحصر، بقمة زعماء الاتحاد الأوروبي في برلين في مارس أذار 1999 حين دعا هؤلاء “ألا تمتد المفاوضات (الفلسطينية الإسرائيلية) إلى ما لا نهاية” معلنين وقتها أن الاتحاد الأوروبي “مستعد للنظر في الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب”. مضى خمسة وعشرون عاما ولم يأت بعد هذا “الوقت المناسب” مع أن دولة مثل السويد مثلا اعترفت بهذه الدولة 2014 وكانت أول دولة أوروبية تقدم على ذلك، في حين تشير دول أخرى إلى إمكانية اتخاذها مثل هذه الخطوة لكنها تحجم عنها في الأخير.
وطالما أن هناك شبه إجماع إسرائيلي كامل على رفض قيام دولة فلسطينية، البعض بشكل مطلق والبعض الآخر إن هي أعلنت أو أعترف بها بشكل أحادي الجانب، رغم كل المطالبات الدولية القديمة والجديدة، فإنه من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، أن ترى مثل هذه الدولة النور إن لم تسع واشنطن جادة إلى ذلك، وتفرضها فرضا متسلحة بعقوبات أو التهديد بها، وهي ما لا شيء جديا يشير إليه حاليا.
إذا والحال على ما هو عليه، من يمكن أن يلوم الفلسطينيين إن هم سعوا إلى هذه الدولة بكل الوسائل حتى ينتزعونها بالقوة لتكون وقتها “مكافأة” مستحقة وليست هدية أو منّة من أي كان؟
------------!
القدس العربي
نعم، فلولا ما حصل في السابع من أكتوبر لما عاد هذا الحديث على كل لسان عن دولة فلسطينية، مهما كان ما يضمره كل واحد عند الإشارة إليها، ومهما كان تصوّره حولها، وذلك بعد أن تراجعت القضية كثيرا على جدول أعمال العالم وذهب في ظن نتنياهو أن بإمكانه فرض تلك الخريطة التي رفعها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، متوهما أن إقامة علاقات مع أبو ظبي أو المنامة أو الخرطوم أو الرباط يعفيه من همّ البحث عن تسوية مع أصحاب الشأن الحقيقيين، وبعد أن ظنت أغلب العواصم العربية أن الانقسام الفلسطيني ومسلسل التطبيع رسّخا إلى الأبد حالة الاحتلال.
نعم، فما الذي يحول دون أن يرى الفلسطينيون أن هذا “الإرهاب” الذي تتحدث عنه حكومة نتنياهو قد يكون هو السبيل الموصل إلى قيام الدولة الفلسطينية المنشودة طالما أن المفاوضات لم تكن سوى عبارة عن مسلسل لا ينتهي من المماطلة والتسويف وبيع الأوهام؟ وطالما أن الشرعية الدولية باتت مشلولة بحكم التسلط الأمريكي على صناعة القرار الأممي؟.
أما لماذا هذه “المكافأة” المفترضة ليست كاملة فلأن الدولة، التي يشار إليها يمينا وشمالا في كل محفل، لن تكون الأرجح تلك الدولة التي يمكن أن تقام على كامل الأراضي الفلسطينية التي تصنّفها القوانين الدولية “أراضي محتلة” عام 1967 أي كامل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، إذ لا أحد يتحدث حاليا في سياق خوضه في هذا الموضوع عن ضرورة إنهاء الاحتلال أو تفكيك المستوطنات أو التراجع عن اعتبار القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل. لهذا فما يتم الخوض فيه حاليا لا يعدو أن يكون حديثا عن دولة بمواصفات هلامية كتلك التي أشار إليها الرئيس بايدن، أو كتلك التي تحدّث عنها وزير خارجيته حين يقرن أية إشارة إلى هذه الدولة بضرورة “ضمان أمن إسرائيل” دون أي كلمة مثلا عن دولة متواصلة جغرافيا أو بحدود معترف بها تضمن أمن الفلسطينيين بجوار دولة نووية ترفض أي تراجع عن سياستها الاستيطانية وتواصل قضم الأراضي بكل شراهة حتى استحال عمليا قيام دولة بهذا العدد من المستوطنات والمستوطنين الذين تضاعف عددهم 4 مرات منذ اتفاق أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
أما لماذا هذه الدولة “المكافأة” المفترضة ليست مضمونة.. فذلك لسبب بسيط وهو أن صخب الحديث عن دولة فلسطينية يتصاعد ويخفت حسب الأحداث، ففي كل مرة تشتعل فيها المنطقة تتحوّل كلمة الدولة إلى ما يشبه “التعويذة” السهلة على كل لسان، لكن ما إن تهدأ الأمور حتى يكون للعالم شأن آخر يغنيه. لقد ورد الحديث عن دولة فلسطينية في هذه العقود الأخيرة على لسان كل قادة العالم تقريبا، وأبرزهم رؤساء الولايات المتحدة وأوروبا، دون أثر حقيقي على الأرض بل العكس هو الصحيح فكلما مرت السنوات التهمت الحكومات الإسرائيلية المزيد من الأراضي ليتحوّل الحديث عن دولة إلى ملهاة سمجة.
يكفي هنا التذكير، على سبيل المثال لا الحصر، بقمة زعماء الاتحاد الأوروبي في برلين في مارس أذار 1999 حين دعا هؤلاء “ألا تمتد المفاوضات (الفلسطينية الإسرائيلية) إلى ما لا نهاية” معلنين وقتها أن الاتحاد الأوروبي “مستعد للنظر في الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب”. مضى خمسة وعشرون عاما ولم يأت بعد هذا “الوقت المناسب” مع أن دولة مثل السويد مثلا اعترفت بهذه الدولة 2014 وكانت أول دولة أوروبية تقدم على ذلك، في حين تشير دول أخرى إلى إمكانية اتخاذها مثل هذه الخطوة لكنها تحجم عنها في الأخير.
وطالما أن هناك شبه إجماع إسرائيلي كامل على رفض قيام دولة فلسطينية، البعض بشكل مطلق والبعض الآخر إن هي أعلنت أو أعترف بها بشكل أحادي الجانب، رغم كل المطالبات الدولية القديمة والجديدة، فإنه من الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، أن ترى مثل هذه الدولة النور إن لم تسع واشنطن جادة إلى ذلك، وتفرضها فرضا متسلحة بعقوبات أو التهديد بها، وهي ما لا شيء جديا يشير إليه حاليا.
إذا والحال على ما هو عليه، من يمكن أن يلوم الفلسطينيين إن هم سعوا إلى هذه الدولة بكل الوسائل حتى ينتزعونها بالقوة لتكون وقتها “مكافأة” مستحقة وليست هدية أو منّة من أي كان؟
------------!
القدس العربي