غير أن الأغنية التي برزت عن سواها، ولم تتوقف الإذاعات العربية عن بثها في مناسبتي عيد الفطر وعيد الأضحى منذ أربعينيات القرن الـ 20 هي أغنية «يا ليلة العيد أنستينا» للسيدة أم كلثوم، ولهذه الأغنية قصة كتبت تفاصيلها أكثر من صحيفة مصرية، وملخصها أن أم كلثوم سمعت، أثناء دخولها مبنى الإذاعة المصرية ذات يوم في سنة 1937، أحد البائعين يروج لبضاعته صائحاً «يا ليلة العيد أنستينا»، فاستقرت الجملة في ذهنها، وقررت أن تكون ضمن أغنية تغنيها للعيد.
وحينما دخلت الإذاعة وجدت الموسيقار زكريا أحمد، والشاعر بيرم التونسي في انتظارها، فطلبت من بيرم أن يكتب لها أغنية تتضمن تلك العبارة التي سمعتها صدفة، لكن بيرم تعرض لوعكة صحية فلم يقم بالمطلوب، الأمر الذي جعلها توكل العملية للشاعر أحمد رامي الذي كتب:
*يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا*
*يا ليلة العيد، هلالك هل لعينينا فرحنا له وغنينا*
*وقلنا السعد ح يجينا على قدومك يا ليلة العيد*
*جمعت الأنس ع الخلان ودار الكاس على الندمان*
*وغنى الطير على الأغصان يحيي الفجر ليلة العيد*
*حبيبي مركبه تجري وروحي في النسيم تسري*
*قولوا له يا جميل بدري، حرام النوم في ليلة العيد*
*يا نور العين، يا غالي يا شاغل مهجتي وبالي*
*تعالى اعطف على حالي، وهني القلب بليلة العيد،*
*يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا...*
قام زكريا أحمد بوضع لحن جميل لهذه الكلمات، وغنتها أم كلثوم، لتحقق الأغنية نجاحاً ساحقاً لم تحققه أية أغنية سابقة خاصة بالعيد، وفي 17 سبتمبر 1944 الذي صادف ليلة عيد الفطر في 29 رمضان 1363 للهجرة غنت «الست» الأغنية في حفل ساهر بالنادي الأهلي. وبينما هي تغني وصل إلى مكان الحفل الملك فاروق، وهو يقود سيارته بنفسه، فأمر بألا تتوقف الحفلة، واتخذ مقعداً، وجلس ينصت لأدائها. وهكذا واصلت أم كلثوم غناءها، لكن ذكاءها قادها إلى إدخال جمل في النص الأصلي لأغنية «يا ليلة العيد» ترحيباً بمقدم ملك البلاد فغنت:
*«يا نيلنا، ميتك سكر وزرعك في الغيطان نور،*
*يعيش فاروق ويتهنى ونحيي له ليالي العيد».*
وزيادة في الاحتفاء بمليكها انتقلت بحسن لباقة وتصرف إلى الكوبليه الأخير من أغنية «حبيبي يسعد أوقاته»، فغنت «حبيبي زي القمر قبل ظهوره يحسبوا المواعيد، حبيبي زي القمر يبعث نوره من بعيد لبعيد، والليلة عيد على الدنيا سعيد، عز وتمجيد لك يا مليكي».
وكان من نتيجة هذا التصرف الكلثومي الذكي أن أنعم الملك عليها بنيشان الكمال من الدرجة الثالثة، وهو وسام رفيع يُنعم به على الملكة، وأميرات الأسرة المالكة فقط، وبعد نهاية وصلتها طلبها الملك للمثول أمامه، فجاءت وصافحته وقبلت يده، وجلست إلى جانبه، ثم أخبرها رئيس الديوان الملكي حسنين باشا بقرار منحها نيشان الكمال، لتصبح أم كلثوم بذلك أول فنانة مصرية في تاريخ مصر القديم والحديث تنال لقب «صاحبة العصمة».
* (البيان) *