وبالرغم من أن هذه الظواهر ليست جديدة، إلا أنها اتخذت مؤخرًا أبعادًا غير مسبوقة بسبب تعميم أشكال معقدة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تسمح بمشاركة النصوص والصور أو مقاطع الفيديو والروابط عبر الإنترنت ونشرها في غضون ساعات. وعلى المستوى الدولي هناك خطط لتنفيذ سياسات التجهيل وتحديد الدول والشعوب التي يجب تجهيلها من خلال تقديم المعلومات المغلوطة والخرافات لخداع الناس وقبولها كحقيقة.
ويتم التركيز بشكل خاص على الأطفال والشباب حيث يتم إقناعهم بتبني وجهات نظر محددة، وتغييب الوعي. ومع وجود العديد من مصادر المعلومات عبر الإنترنت، أصبح من الصعب التمييز بين الأخبار الصحيحة من المغلوطة.
تحدث روبرت بروكتور المؤرخ والأستاذ الجامعي عن علم التجهيل باعتباره سياسة لإشاعة الجهل والأمية للتحكم في الشعوب عن طريق تضليلها بالأخبار الزائفة والقصص غير الصحيحة لكسر إراداتها وتحطيم آمالها. يمكن أن تؤدي سياسة التجهيل وبث المعلومات المضللة إلى استقطاب الرأي العام لتعزيز التطرف وخطاب الكراهية ومن ثم تقويض المجتمعات.
وتعمل سياسات التجهيل من خلال الاستفادة من التحيزات المعرفية والمحفزات العاطفية للناس، حتى يتم قبول المعلومات المتوافقة مع معتقداتهم الدينية أو الطائفية، فتتخطى المنطق العقلاني. والكثير من الأحزاب والجماعات السياسية تستخدم أساليب عديدة لإنشاء حسابات في منصات التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة، والقصص المزيفة، حتى تبدو كحقائق.
إن أخطر ما في سياسة التجهيل هو ضياع الهوية وخلط الأوراق لتمزيق المجتمع والقضاء على الرأي الجمعي الموحد. وتؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والثقافية من خلال اللعب على التوترات العرقية والطائفية.
ولعل من أهم وسائل تجهيل الشعوب إضعاف التعليم، وعمليات غسل الدماغ الممنهجة في الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى. إضافة إلى نشر معلومات غير دقيقة لإثارة الخوف والشك بين المواطنين لتسهيل السيطرة على عقولهم.
إن اليقظة أصبحت أكثر أهمية من أيّ وقت مضى. ويتوجب على النخب المثقفة والفاعلة في المجتمع نشر الوعي بمخاطر التجهيل والعمل على تثقيف الناس وتعليمهم. إضافة إلى إرشادهم بضرورة التحقق من صحة المعلومات من مصادر موثوقة، وعدم نشر أي معلومة إلا بعد التأكد من مصداقيتها بالرجوع إلى أكثر من جهة.
إن سياسة تضليل الشعوب تعد من أكبر تحديات العصر التي يغذيها التقدم التكنولوجي، وتتطلب بذل كل الجهود لكشف الدعايات الكاذبة والأخبار المزيفة حفاظا على تماسك المجتمع وسلامته.
--------
العرب اللندنية