أما العزلة المفروضة أميركياً وأوروبياً فهي مستمرة، وشروط فكها تحتاج إلى جهود كبيرة داخلية وعربية وإقليمية وبالطبع دولية، ذلك أن الانفتاح العربي على النظام الذي صمد بدعم روسي وإيراني لم يأت بلا مطالب من نوع العمل على خريطة طريق لتسوية سياسية تنهي حرب سوريا، والتشدد الأميركي والأوروبي في رفض الانفتاح والإعلان عن عدم تشجيع الأصدقاء العرب على الانفتاح يشترط عملياً العمل على التسوية السياسية بحسب القرار الدولي (2254) الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع قبل سنوات، وما تطلبه روسيا إلى جانب الصين هو أيضاً التسوية السياسية، لكن خارج إطار "عملية جنيف" الدولية والشراكة مع أميركا، وفي إطار "عملية أستانا وسوتشي" ضمن الرباعي الروسي - التركي - الإيراني - السوري.
التسوية تحت إشراف الأمم المتحدة والتي يعمل لها الموفد الدولي الثالث غير بيدرسون متوقفة منذ سنوات، وحتى اللجنة الدستورية فإنها لم تتقدم خطوة واحدة على الطريق إلى التفاهم على دستور جديد للبلاد، ولا يزال بيدرسون يجول في عواصم المنطقة والعالم ويبحث عن "شكل دولي جديد لفتح باب التقدم في التسوية خطوة بخطوة"، ضمن اقتراحه "خطوة في مقابل خطوة" الذي رفضه النظام والمعارضون
واللاتسوية تعني استمرار أميركا والاتحاد الأوروبي في سياسة "ثلاث لاءات" حول سوريا، لا تطبيع مع دمشق، ولا مساهمة في إعادة الإعمار، ولا رفع للعقوبات حتى تحقيق تقدم في العملية السياسية بموجب القرار (2254).
وهناك "لاء رابعة" تكمل اللاءات الثلاث هي، لا لعودة اللاجئين إلى سوريا بصرف النظر عن أثقال اللجوء السوري على اللاجئين وعلى البلدان المضيفة، لا سيما لبنان وتركيا والأردن، ذلك أن التسوية السياسية تبدو صعبة على النظام الذي كان يمكن أن يجنب سوريا الحرب كلها لو أراد المشاركة منذ البدء، ولم يتحرك على أساس أن التظاهرات السلمية هي مجرد مرحلة في "حرب كونية" على سوريا لإسقاط النظام، لكن الأصعب هو الرهان على الوقت لكي يصبح اللاحل هو الحل بتسليم الجميع، فلا الأزمة السياسية التي قادت إلى الحرب خفت بل ازدادت عمقاً في الحرب، ولا ما خلفته الحرب من دمار مادي ومعنوي ومن ضرر على النسيج الاجتماعي السوري يمكن القفز من فوقه بسهولة، والمسألة في النهاية ليست أن تكون سوريا أو لا تكون، بل كيف تكون ويكون نظامها؟
بيدرسون تحدث عن "جمود إستراتيجي" في سوريا، ودمشق أوحت أنها رفضت عرضاً أميركياً لمقايضة سوريا بأوكرانيا، وقبل حرب أوكرانيا ومتغيراتها قال بيدرسون إنه "ليس بين أميركا وروسيا اختلافات إستراتيجية في ما يخص سوريا، فهناك مصالح مشتركة بمحاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الذي يتطلب تسوية سياسية"، ومن دون التسوية السياسية فإن الانفتاح العربي يبقى نوعاً من توسيع المساحة السياسية والاقتصادية لسوريا من دون التأثير في العزلة الأميركية والأوروبية لسوريا المحتاجة إلى إعادة الإعمار، وأي مستقبل لسوريا من دون تسوية وإعادة إعمار وعودة لاجئين؟
---------
اندبندنت عربية