وتشهد مناطق شمال غرب سوريا تصعيداً عسكرياً مكثفاً، ارتفعت وتيرته مع دفع القوات الروسية والنظام السوري بتعزيزات ومعدات عسكرية متطورة إلى تخوم مناطق نفوذ المعارضة، بالتزامن مع تجدد حملة القصف الجوي والبري بعد فترة "تهدئة" عاشتها المنطقة.
وخلال السنوات الماضية حوّل النظام السوري مناطق سيطرة المعارضة إلى شماعة للتهرب من الرد أو المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً الهجمات التي ينفذها الاحتلال في عمق الأراضي السورية "محاولات لسحب اهتمام الجيش السوري من منطقة إدلب وشرق الفرات نحو احتساب الخطر الإسرائيلي المباغت والمتصاعد".
مكاسب على حساب غزة
ومنذ بدء عملية "طوفان الأقصى" سعت روسيا إلى إخراج النظام من دائرة المواجهة، وهو ما برز من خلال رفض هبوط طائرة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في مطار اللاذقية الذي يخضع للوصاية الروسية، ومنع الطيران المدني الإيراني من استخدام المطار، فضلاً عن إخطار الميليشيات المنتشرة في الجنوب السوري بضرورة إفراغ مواقعها العسكرية وتقليص وجودها في المنطقة.
لكن ومع انتقال جيش الاحتلال من مرحلة القصف الجوي والصاروخي "التمهيدي" إلى الاجتياح البري لقطاع غزة، وتزايد الانتقادات اللاذعة التي يواجهها "حلف المقاومة" ودعوته إلى انخراط أقوى في الحرب، يعتبر مراقبون أن افتعال مواجهة برية مع المعارضة قد يتحول إلى خيار للنظام الذي فشل في ضبط المليشيات ومنع الهجمات الصاروخية التي تستهدف مواقع الاحتلال في الجولان.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي أن روسيا أكثر المستفيدين من الحرب في غزة، ولا تريد إقحام نظام الأسد فيها خشية سقوطه، باعتباره حليفها الأول في المنطقة وللحفاظ على اتفاقياتها المتعددة معه.
ويقول ل"المدن"، إن "نظام الأسد يهمّه استمرار الحرب وادعائه بمحاربة الإرهاب وذلك لشد عصب حاضنته خلفه ولجم مطالبهم وتذمرهم من سوء الحالة المعيشية التي يعانون منها، والتي تندرج ضمن خطط تخويفهم من العدو، تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا مطالب أهم من محاربة الإرهاب".
ويضيف أن "روسيا تمتلك قواعد عسكرية في حميميم وطرطوس، وهو التواجد العسكري الوحيد لها خارج حدودها الجغرافية، وهي حريصة على الإبقاء عليها ولا تريد انخراط حليفها في المعركة إن حدثت".
وينظر إلى اشتراك الطيران الروسي في التصعيد الأخير كدليل على توتر العلاقة الروسية-التركية الذي أخذ يتعمق أكثر بعد الانتخابات التركية الأخيرة، وبالتالي فهي تريد الضغط على أنقرة لإعادة العلاقات كسابق عهدها، من دون أن تتخذ خطوات تُقرأ على أنها قطيعة.
توريط روسيا
بدوره يعتقد الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أن النظام يحاول جرّ موسكو لهذه العملية، التي تتناقض مع مصالحها في الحفاظ على الاتفاقيات والمسارات العسكرية والسياسية في الشأن السوري والأوكراني.
ويقول ل"المدن": "ما يحصل من حراك شعبي بدأ يأخذ طابعاً سياسياً في السويداء، يحرج النظام أكثر من صمته على أحداث غزة، فالنظام وجيشه لا يقومون بأي رد فعل تجاه الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية عبر قصف مطاري دمشق وحلب على الدوام، لذا لن يكترث لمعاناة الفلسطينيين الذين قتل منهم بعدد ما تقتل إسرائيل".
ويضيف أن "روسيا تعلم يقيناً أن أي عملية اجتياح برية ستخلق أزمة إنسانية على الحدود الجنوبية لتركيا وهذا يعني تحميل الجانب التركي عبء جديد في المنطقة، على خلاف النظام، الذي يرى في أي عمل عسكري جديد نافذة تنتشله من حالة الركود والنسيان بعد الصراع الحاصل في فلسطين، تكون نتائجه ايجابية حتى وإن لم يتقدم ذراعاً واحداً".
ويتوقع خليفة أن يقتصر الجهد الروسي على القصف الجوي فقط، خاصة وأن الوضع في أوكرانيا غير مستقر، في ظل استمرار خسائر الجيش الروسي واشتداد المعارك في خاركوف، فضلاً عن معركتهم السياسية مع أمريكا التي قد تلجأ لتسليح المعارضة.
-----
المدن
-----
المدن