نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


الدّولار بصفته رهاناً مشوّقاً





كل عقد أو اثنين، يعاد طرح فكرة موت الدولار كعملة كونية. وكل بضعة أعوام يتفرج العالم على أروقة الكونغرس تغص بزعماء الكتل الحزبية في رقصتهم التقليدية لرفع سقف الدين. ولكن، كيف يتسنى لأميركا أن تستدين من جيبها؟ ومن يسمح لها؟


 
في ما يسمى بـ"صدمة نيكسون"، وبعدما زاره الجنرال ديغول ليطالبه بالمقابل الذهبي لودائع فرنسا في الصناديق الأميركية، سارع نيكسون إلى إخراج الدولار من معيار الذهب. فمن شاء سحب أمواله تطبع له الخزينة الأميركية ما يلزمه من الدولارات الورقية، لتصبح تغطية الدولار بالمعادن الثمينة صفراً!
 
في حينه ساد صخب الاقتصاديين اليساريين، عن قرب انهيار الاقتصاد الأميركي الذي صار معلقاً بقيمة وهمية مجردة وغير قابلة للقياس، ما يتعارض تعارضاً فظاً مع نظرية القيمة الماركسية. فلقد صار الدولار الأميركي مجرد عملة ورقية، لا يعكس قيمة ملموسة. 
 
لكن الله سترنا من دعوات تلاميذ ماركس، ولم ينهر الاقتصاد العالمي، وفاز رهان المقامر المحترف نيكسون في خلق قيمة الدولار بالاستناد إلى مجرد الثقة الكاملة بالاقتصاد الأميركي، والائتمان إليه، وبالاستقرار السياسي للولايات المتحدة بالمعنى العريض! 
 
عملياً، وإلى حد كبير، تُعتبر قيمة الدولار مقياساً لعافية الاقتصاد والاستقرار السياسي والثقة بالحكومة والنظام المالي الأميركي. 
 
على المدى القصير جداً تتأثر قيمة الدولار بالعرض والطلب في أسواق الصرف. على المدى المتوسط، يلعب التضخم وأسعار الفائدة دوراً هاماً. فكلما كان التضخم الأميركي أقل يزيد الطلب على الدولار ويسمح أيضاً للمستثمرين بعائدات أفضل في الولايات المتحدة للمستثمرين الأجانب ليرتفع سعر الدولار ارتفاعاً أكبر. وعلي المدى الأبعد يلعب الدين الحكومي دوراً في قيمة الدولار. 
 
لكن العوامل الراسخة في تحديد قيمة الدولار على المدى البعيد تكمن في القوة الاقتصادية والاستقرار السياسي للدولة الأميركية، ومدى جاذبية الاقتصاد الأميركي للمستثمرين. 
 
هذا التفاعل المعقد بين العوامل المساهمة في تشكيل قيمة الدولار يجعل إدارة قيمته أقرب إلى فن إدارة الفوضى، مع كل ما يعنيه ذلك من تقلبات حتمية. 
 
ثمة عامل إضافي يضخّم قيمة الدولار في النموذج الاقتصادي الأميركي، إنه نظام الإقراض. 
 
يضيف نظام الإقراض الأميركي قوة كبيرة للدولار على المدى الطويل، لكنه يعرضه أيضاً للاهتزاز على المدى المتوسط. لتصبح الأزمات سمة كامنة وجوهرية في صلب الاقتصاد الأميركي. بحكم نظام الإقراض المصرفي الاحتياطي الجزئي، يتعين على البنوك الاحتفاظ بجزء ضئيل فقط من أموال المودعين في الاحتياطي، ويسمح لها بإقراض الباقي. فإذا أودعت 1,000 دولار في البنك، واشترط الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) أن يحتفظ البنك في خزينته بـ10% أي بـ100 دولار فقط، فإن البنك يقرِض 900 دولار لعملائه الآخرين. عندما يتم إيداع 900 دولار مرة أخرى في البنك، يتم الاحتفاظ بـ90 دولاراً احتياطياً، ويمكن إقراض 810 دولارات من جديد. وتستمر هذه العملية إلى أجل غير مسمى لتخلق الألف دولار في نهاية المطاف أضعاف أضعاف قيمتها، وليتوسع المعروض النقدي الإجمالي في الاقتصاد، وتصبح عملة الدولار مجرد دَين.
 
وحدها الخزينة الأميركية يمكنها تعديل المعروض النقدي مباشرة عن طريق عمليات التبادل في السوق المفتوحة (شراء الأوراق المالية الحكومية وبيعها)، أو تغيير سعر الحسم أو تعديل متطلبات الاحتياطي. هذا العامل يعزز الطبيعة الافتراضية لقيمة الدولار.
 
فيما تزيد الديون المعروض النقدي، تقوم الخزينة بموازنة المعروض لمنعه من التحول إلى أداة تضخمية. فالتضخم مصدر قلق، فيما لو أصبح نمو المعروض النقدي يفوق كثيراً نمو الناتج في الاقتصاد. تلك هي اللعبة اليومية للبنوك المركزية وهي تطارد قيمة الدولار التي تحددها الخزينة الأميركية بهدف الحفاظ على التضخم عند معدل مستهدف. 
 
عندما تنفق الحكومة الأميركية أموالاً أكثر مما تجمع من الإيرادات، فإنها تقترض لتغطية الفرق. ويتم تحديد المبلغ الإجمالي للأموال المسموح للحكومة الأميركية باقتراضه من خلال سقف الديون.
 
لا يرتبط سقف ديون الولايات المتحدة ارتباطاً مباشراً بالاحتياطي الجزئي المصرفي أو التضخم. لذلك نجد سقفاً يتحرك بقرارات تشريعية. ويشمل ذلك الأموال المقترضة من كل من المستثمرين العامين (مثل إصدار سندات الخزانة) ومن الصناديق الحكومية (مثل الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي).
 
ما لم يتم رفع سقف الديون تتخلف الحكومة الأميركية عن سداد التزاماتها. ويحمل ذلك مخاطر محلية ودولية، لأنه باختصار يهدد الثقة المؤسسة لقيمة الدولار. 
 
لكي نفهم هذه اللعبة، علينا أن ندرك أن الكونغرس يجعل رفع سقف الدين أمراً مفروغاً منه، قبل بداية اللعبة بكثير. فمن خلال إقراره موازناته يرفع الكونغرس الإنفاق، ليصبح رفع السقف أمراً حتمياً. 
 
لكن حفلة رفع سقف الدين تبقى مشوّقة للغاية. فحين يجتمع أعضاء الكونغرس من الحزبين فإنهم يعرفون أنهم سيرفعونه حتماً لأنهم سبق أن أقروه أصلاً خلال مناقشة الموازنة، ليصبح رفع سقف الدين تحصيل حاصل. لكن في هذه المناسبة الفريدة يضطر الرئيس وحزبه لاستجداء رضا المعارضة الحزبية التي تنتهز هذه المناسبة الجميلة للمساومة على أوجه صرف الموازنة. 
 
كل هنا يغنّي على ليلاه وكل يدّعي وصلاً بليلى. ولطالما كان وسيكون سقف الدين نقطة شد سياسي حول السياسة المالية والإنفاق الحكومي لكن نهاية اللعبة واضحة.
 
الآن، ومع تصاعد الاحتدام العسكري في العالم، وفي سياق التحديات الكبيرة للأمن القومي، تصبح زيادة الإنفاق الدفاعي الأميركي حتمية، ويصبح رفع الإنفاق الحكومي لا مفر منه. 
 
منذ إقرار هذه الآلية انقطع حبل الشد في المفاوضات بين الحزبين مرات عدة. كان أكثرها سوءاً زمن ترامب حين كلف الانقطاع الخزانة خمسة مليارات دولار. وهو في كل الأحوال ثمن مقبول للعبة ديموقراطية سياسية محتدمة. لكن، ليس هناك سياسي واحد يمكن أن يبقى حبل المفاوضات مقطوعاً ويتحمل عواقبه الكارثية على الجميع.  
 
إذ تدور هذه الزوبعة في فنجان الكونغرس، يسوق البعض فيها بعيداً ليتصوروها زوبعة في المحيط الهادئ، فتسيل الأقلام للكتابة عن نهاية الدولار ونهاية النظام الليبرالي ونشوء عملات بديلة للبريكس أو غيره. في الحقيقة، الأمر متعلق بحجم هذه العملات وقدرتها على أن تصبح عملات كونية متداولة تسمح بالثقة بفاعلية الاقتصاد المؤسس لها.
 
المعيار هنا هو مدى قدرة هذه العملات على أن تصبح قابلة للتداول. فهل تتصورون ما سيحصل لو رفعت الحكومة الصينية القيود على إخراج اليوان لتصبح عملة قابلة للتداول الدولي؟ رأيي ورأي الخبراء الصينيين، أن تريليونات من اليوانات، ستهرب، سبحان الله، لتتحول إلى الدولار!
-------
النهار العربي

سمير التقي
الاثنين 29 ماي 2023