وإذا كان أوكامبو استعمل عبارة «صلب جدا» لوصف ملف الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها الأسد بعد 20 شهرا فقط فترى أي وصف يمكن أن يطلق على حصيلة 12 عاما كاملة من الدماء والدموع دفعت بنصف الشعب السوري بين نازح أو لاجئ؟! ومع كل ذلك، لم تر محكمة الجنايات الدولية وجاهة في إصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوري لكنها مع ذلك سارعت إلى إصدار واحدة ضد الرئيس الروسي بعد عام واحد فقط من اندلاع حربه على أوكرانيا.
لا فائدة طبعا في تكرار «مناحة» عدم التحرك ضد رؤساء غربيين ارتكبوا فظاعات موثّقة في العراق وأفغانستان وغيرهما، ولا فائدة كذلك من الهتاف ضد «المعايير المزدوجة» التي جعلت كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين في مأمن من أية ملاحقة دولية صغيرة أو كبيرة، لأن الإجابة معروفة وهي أن هؤلاء «يحقّ لهم ما لا يحق لغيرهم» وأنهم فوق القانون الدولي رغم أنف الجميع. لا فائدة أيضا من التساؤل عن سبب ما تبديه الآن العدالة الدولية مثلا من «رحابة صدر» واضحة في مطالبة حكام السودان بضرورة التسليم الفوري للرئيس المخلوع عمر البشير للمحاكمة عن الجرائم المنسوبة إليه في إقليم دارفور لأن هؤلاء الحكام، بفضل علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة، استطاعوا مراعاة نوع من «ظروف التخفيف» إلى حد الآن على الأقل.
غض نظر محكمة الجنايات الدولية عن الجرائم التي يتهم بها بشار الأسد، وعدم إصدار مذكّرة توقيف بحقه، هو تحديدا ما جعل العالم يقبل تدريجيا، وبدرجات متفاوتة، فكرة بقائه «في حالة سراح» لا تلاحقه سوى تقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية وبعض المحاولات التي لا حظ لها من النجاح مثل تلك القضية التي رفعتها ضده في مارس/آذار 2019 مجموعة محامين لتكون أول قضية ترفع ضد الأسد، في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي باسم 28 لاجئا سوريا في الأردن، قالوا إنهم أجبروا على الخروج من بلدهم، مطالبين المحكمة بالتحقيق في جرائم محتملة ضد الإنسانية منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري عام 2011.
صحيح أن سوريا ليست طرفا في محكمة الجنايات الدولية، وكذلك هي روسيا أيضا، لكن ذلك لم يمنع من تجاهل الأولى والانقضاض على الثانية، وفقط عندما فعلت ما فعلته في أوكرانيا، وليس في سوريا مثلا التي دخلتها في سبتمبر/ أيلول 2015 لتكون شريكة حقيقية في كل الجرائم المرتكبة هناك.
هذا التراخي الدولي، لاسيما منذ أن تراجع باراك أوباما عن خطوطه الحمراء حين استعمال بشار الكيمياوي ضد شعبه، ثم تهديدات دونالد ترامب الفارغة من بعده، هو الذي ميّع القصة كلها فتقدمت الدول العربية بخطى حذرة في البداية، ثم بخطى حثيثة مؤخرا، للتطبيع معه في استهانة مؤلمة للغاية بنصف مليون ضحية، وفي نوع من وضع الملح في الجرح ثم تحريك السكين داخله.
هذا التطبيع لا يختلف، في البعد الأخلاقي على الأقل، مع التطبيع مع إسرائيل، فمن لا يحرجه أن يضع يده في يد من فعل ما فعل بالفلسطينيين، لا شيء يحول دون أن يٌقدم على الشيء ذاته مع من بطش بشعبه دون رحمة. هذا التطبيع مع نظام دمشق قد لا يقبله أي سوري حر إلا عن مضض شديد، ولكن ما لم يستطع قبوله هو أن يبادر أخاه الفلسطيني الذي يعرّف نفسه بأنه «مقاوم» ودائما ما يستصرخ ضمائر القريب والبعيد لنصرته، بمصالحة آل الأسد رغم ما ارتكبوه في حق شعبه السوري، بل وفي حق الفلسطينيين أنفسهم، قديما وحديثا، بما لا يقل، وقد يفوق، ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي.
في النهاية، لا مجرم من ساسة هذا العالم إلا من يراه الغرب كذلك، ومن يريد إبعاده عن المحاسبة فمغفور له، وفي نفس الوقت لا ضحايا حقا بالنسبة لذات الغرب سوى من يراهم كذلك، أما غيرهم فلا بواكي لهم.
القدس العربي
لا فائدة طبعا في تكرار «مناحة» عدم التحرك ضد رؤساء غربيين ارتكبوا فظاعات موثّقة في العراق وأفغانستان وغيرهما، ولا فائدة كذلك من الهتاف ضد «المعايير المزدوجة» التي جعلت كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين في مأمن من أية ملاحقة دولية صغيرة أو كبيرة، لأن الإجابة معروفة وهي أن هؤلاء «يحقّ لهم ما لا يحق لغيرهم» وأنهم فوق القانون الدولي رغم أنف الجميع. لا فائدة أيضا من التساؤل عن سبب ما تبديه الآن العدالة الدولية مثلا من «رحابة صدر» واضحة في مطالبة حكام السودان بضرورة التسليم الفوري للرئيس المخلوع عمر البشير للمحاكمة عن الجرائم المنسوبة إليه في إقليم دارفور لأن هؤلاء الحكام، بفضل علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة، استطاعوا مراعاة نوع من «ظروف التخفيف» إلى حد الآن على الأقل.
غض نظر محكمة الجنايات الدولية عن الجرائم التي يتهم بها بشار الأسد، وعدم إصدار مذكّرة توقيف بحقه، هو تحديدا ما جعل العالم يقبل تدريجيا، وبدرجات متفاوتة، فكرة بقائه «في حالة سراح» لا تلاحقه سوى تقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية وبعض المحاولات التي لا حظ لها من النجاح مثل تلك القضية التي رفعتها ضده في مارس/آذار 2019 مجموعة محامين لتكون أول قضية ترفع ضد الأسد، في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي باسم 28 لاجئا سوريا في الأردن، قالوا إنهم أجبروا على الخروج من بلدهم، مطالبين المحكمة بالتحقيق في جرائم محتملة ضد الإنسانية منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري عام 2011.
صحيح أن سوريا ليست طرفا في محكمة الجنايات الدولية، وكذلك هي روسيا أيضا، لكن ذلك لم يمنع من تجاهل الأولى والانقضاض على الثانية، وفقط عندما فعلت ما فعلته في أوكرانيا، وليس في سوريا مثلا التي دخلتها في سبتمبر/ أيلول 2015 لتكون شريكة حقيقية في كل الجرائم المرتكبة هناك.
هذا التراخي الدولي، لاسيما منذ أن تراجع باراك أوباما عن خطوطه الحمراء حين استعمال بشار الكيمياوي ضد شعبه، ثم تهديدات دونالد ترامب الفارغة من بعده، هو الذي ميّع القصة كلها فتقدمت الدول العربية بخطى حذرة في البداية، ثم بخطى حثيثة مؤخرا، للتطبيع معه في استهانة مؤلمة للغاية بنصف مليون ضحية، وفي نوع من وضع الملح في الجرح ثم تحريك السكين داخله.
هذا التطبيع لا يختلف، في البعد الأخلاقي على الأقل، مع التطبيع مع إسرائيل، فمن لا يحرجه أن يضع يده في يد من فعل ما فعل بالفلسطينيين، لا شيء يحول دون أن يٌقدم على الشيء ذاته مع من بطش بشعبه دون رحمة. هذا التطبيع مع نظام دمشق قد لا يقبله أي سوري حر إلا عن مضض شديد، ولكن ما لم يستطع قبوله هو أن يبادر أخاه الفلسطيني الذي يعرّف نفسه بأنه «مقاوم» ودائما ما يستصرخ ضمائر القريب والبعيد لنصرته، بمصالحة آل الأسد رغم ما ارتكبوه في حق شعبه السوري، بل وفي حق الفلسطينيين أنفسهم، قديما وحديثا، بما لا يقل، وقد يفوق، ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي.
في النهاية، لا مجرم من ساسة هذا العالم إلا من يراه الغرب كذلك، ومن يريد إبعاده عن المحاسبة فمغفور له، وفي نفس الوقت لا ضحايا حقا بالنسبة لذات الغرب سوى من يراهم كذلك، أما غيرهم فلا بواكي لهم.
القدس العربي