إن السبب الذي جعلني أشعر بقلقٍ بالغٍ إزاء غزو إسرائيل لغزة بهدف القضاء على «حماس» بالكامل لم يكن مردّه بكل تأكيد إلى أي تعاطف مع «حماس»، التي تُعد نقمة على الشعب الفلسطيني أكثر منها على إسرائيل، وإنما كان بسبب قلق عميق لأن إسرائيل كانت تتصرف بغضب أعمى، وتسعى لتحقيق هدف غير قابل للتحقيق، ألا وهو: محو «حماس» من على وجه الأرض، كما قال أحد وزرائه.. وبدون خطة للصباح التالي.
فبقيامها بذلك، قد تعلق إسرائيل في غزة للأبد، فتتحمّل مسؤولية كل مشاكلها، وتضطر لحكم أكثر من مليوني شخص وسط أزمة إنسانية، والأدهى هو أنها بذلك ستشوّه سمعة الجيش نفسه الذي كانت تسعى لإعادة ثقة الإسرائيليين فيه.
كل هذا ذكّرني بأمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر. وسألتُ نفسي، ما الذي أتمنى لو أنني فعلته قبل أن نطلق حربين انتقاميتين في أفغانستان والعراق دفعنا فيهما ثمناً باهظاً جداً؟
الحقيقة أنني أتمنى لو أنني دافعتُ عمّا تسمّيه وكالةُ المخابرات المركزية «الخلية الحمراء» أو «الفريق الأحمر» – والمقصود بذلك مجموعة من ضباط الاستخبارات خارج سلسلة القيادة العسكرية أو السياسية المباشرة، الذين كانت ستتمثل مهمتهم الرئيسية في بحث وتدقيق خطط الحرب وأهدافها بالنسبة للعراق وأفغانستان واختبارها عبر اقتراح بدائل خاصة بأهداف قابلة للتحقيق لاستعادة الأمن والردع الأميركيين، وفي نشر توصيات «الفريق الأحمر» ليطّلع عليها الجمهور قبل ذهابنا للحرب.
وكما قال لي مسؤول متقاعد في الاستخبارات الأميركية: إن الدور الذي لعبته «الخلية الحمراء» التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية بخصوص مشاكل شائكة أخرى كان يتمثّل في «مساعدة الحكومة الأميركية على اتخاذ القرارات بأعين مفتوحة وخفض المخاطر وليس القضاء عليها. فاتخاذ قرارات مبنية على الكم الكافي من المعلومات ليس علامة على الضعف، وأعتقدُ أن الخلية الحمراء أداةٌ عظيمةٌ لدراسة الخيارات البديلة والتأثيرات المحتملة من الدرجة الثانية والثالثة. ولهذا ينبغي على القادة الإسرائيليين أن يكونوا دقيقين، وليس متحمسين فقط في هذه اللحظة».
وعليه، فمع أخذ كل ذلك في الاعتبار، أقترحُ على إسرائيل ألا تشكّل فقط «فريقاً أحمر» لتحديد كيفية التعامل مع «حماس» في غزة، ولكن أن تشكّل أيضا «فريقاً أزرق» قصد إنجاز قراءة نقدية لعمل «الفريق الأحمر». فإسرائيل تحتاج لنقاشٍ داخلي أكثر قوة، لأنها اندفعت بوضوح إلى حرب ذات أهداف متعددة ومتناقضة. فهدف إسرائيل المعلَن هو استعادة كل رهائنها المتبقين، أكثر من 100 جندي ومدني، مع تدمير «حماس» وبنيتها التحتية بشكل نهائي، مع القيام بذلك بطريقة لا تتسبب في خسائر مدنية في غزة بأعداد أكبر مما تستطيع إدارة بايدن الدفاع عنه، وبدون أن يؤدي ذلك إلى تحمّل إسرائيل المسؤولية عن غزة للأبد واضطرارها لدفع فواتيرها كل يوم. وكلها أهداف بعيدة المنال في الواقع!
بدلاً من ذلك، إليكم ما قد يشير به «فريقٌ أحمر» إسرائيلي ويدافع عنه. أولاً، لأن الجيش ومجلس الوزراء الإسرائيليين تسرّعا في الدخول إلى غزة في هذه الحرب ولم يخطّطا لمرحلتها الأخيرة على ما يبدو، تجد إسرائيل نفسها الآن في مأزق صعب. ذلك أنها دفعت أكثر من مليون مدني من شمال غزة إلى جنوبها لإبعادهم عن القتال في وقت تحاول فيه القضاء على كل مقاتلي «حماس» في مدينة غزة وضواحيها. ولكن الطريقة الوحيدة التي قد تتمكن بها إسرائيل الآن من نقل الحرب البرية إلى جنوب غزة، حول خان يونس، حيث يشتبه أن كبار قيادات «حماس» مختبئون في الأنفاق، تتمثّل في التحرك عبر هذه الكتلة من النازحين وخلق المزيد منهم. وأمام هذا المأزق، سيقترح «الفريق الأحمر» الإسرائيلي بديلاً جذرياً: ضرورة أن تدعو إسرائيل إلى وقف دائم لإطلاق النار يعقبه انسحابٌ إسرائيلي فوري لكل القوات العسكرية في غزة شريطة أن تعيد «حماس» كل الرهائن المتبقين لديها، مدنيين وعسكريين، إضافة إلى أي موتى. ولكن «حماس» لن تحصل على أي سجناء فلسطينيين بالمقابل. مجرد صفقة نظيفة: انسحابٌ إسرائيلي ووقفٌ دائمٌ لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين يفوق عددهم الـ 130 رهينة.
سيقول «الفريق الإسرائيلي» الأزرق: لدينا فكرة أفضل. أولاً، لنخفض مستوى أهدافنا. ولنعلن أن هدف الجيش ليس محو «حماس» من على وجه الأرض، وإنما تقليص قدرتها القتالية بشكل كبير. وذلك لأننا في الحقيقة لا نؤمن بالردع، هكذا سيقول «الفريق الأزرق». فـ«حزب الله» لم يُردع في الواقع منذ 2006. إن ذلك مجرد وهم. إننا نؤمن، نحن أعضاء الفريق الأزرق، بأهمية تقليص قدرات أعدائنا بشكل مستمر.
وخلاصة القول: إن «حماس» و«حزب الله» يريدان جرّ إسرائيل إلى حالة حرب دائمة. ولكن إسرائيل تحتاج إلى «فريق أحمر» و«فريق أزرق» للدعوة بدلاً من ذلك لوقف إطلاق النار لفترة أطول، وحدودٍ أكثر مناعة ومراقبة.
----------
-*كاتب وصحفي أميركي.
- ينشر في الاتحاد بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»