- شيوع الضرب والصعق الكهربائي والاحتجاز في وضعيات مؤلمة
- إعادة العراقيين من مخيم الهول في شمال شرق سوريا
- يجب على السلطات التحرك الآن قبل أن يتعرض آلاف آخرين لانتهاكات مماثلة
“اتفقت السلطات العراقية والأمم المتحدة على إعادة عشرات الآلاف من العراقيين إلى مركز الجدعة من مخيم الهول في شمال شرق سوريا خلال السنوات المقبلة. من غير المقبول أن يفر العراقيون من ويلات الحرب والاحتجاز طيلة عقد من الزمان، ليجدوا في انتظارهم مزيد من الأهوال. قبل أن يتأذى من هذه الممارسات الآلاف من الأشخاص المزمع إعادتهم إلى مركز الجدعة، يجب على السلطات العراقية اتخاذ خطوات عاجلة لوقف استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة”.
يجب على السلطات العراقية اتخاذ خطوات عاجلة لوقف استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئةوقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات شخصية مع أفراد اعتقلوا في مركز الجدعة، ومع ذويهم، أثناء زيارة بحثية إلى العراق في يوليو/تموز 2024، ومقابلات أخرى عن بعد خلال الفترة بين يوليو/تموز 2024 وسبتمبر/أيلول 2024. كما أجرت المنظمة مقابلات مع 16 من موظفي الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، ومع رئيس محكمة استئناف نينوى.
أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية
شملت سبع من الحالات الثماني التي تم توثيقها روايات مفصلة عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي استخدمتها قوات الأمن العراقية أثناء تحقيقاتها مع المعتقلين. ويقضي ستة من الأشخاص الذين أجريت مقابلات معهم حاليًا عقوبات بالسجن لمدد طويلة، فرضت عليهم بناءً عى اعترافاتهم المشوبة بالتعذيب. وتشبه هذه الأنماط من الانتهاكات تلك التي تعرض لها رجال عراقيون نقلوا من السجون في شمال شرق سوريا إلى السلطات العراقية، والتي وثقتها منظمة العفو الدولية في تقرير مفصّل أصدرته في وقت سابق من هذا العام.
في يوليو/تموز 2024، رفضت السلطات العراقية السماح لمنظمة العفو الدولية بزيارة البلاد لإجراء مقابلات في مركز الجدعة متذرعة بـ “مخاوف أمنية”. وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعثت منظمة العفو الدولية رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي عرضت فيها بالتفصيل نتائج تحقيقها؛ ولم تتلق المنظمة أي رد حتى وقت نشر هذا التقرير.
’كل شخص يقبض عليه تقريبًا يتعرض للتعذيب… هذا أمر روتيني‘
حتى سبتمبر/أيلول 2024، بلغ عدد المحتجزين في مركز الجدعة 2,223 شخصًا، من بينهم 1,318 طفلًا، و627 امرأة، و278 رجلًا. ويخضع مركز الجدعة لإدارة وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، بدعم من عدة وزارات عراقية أخرى، ومن الأمم المتحدة – بما في ذلك المنظمة الدولية للهجرة، واليونيسف، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي – ومنظمات غير حكومية دولية ومحلية. منذ عام 2021، ألقت قوات الأمن العراقية القبض على نحو 80 شخصًا في مركز الجدعة بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية؛ وكانت الغالبية العظمى منهم من الرجال، ولكن كان من بينهم أيضًا نساء وأطفال.
تقوم قوات الأمن العراقية بهذه الاعتقالات التي تجري في مركز الجدعة، بما فيها الجيش، والشرطة، وقوات المخابرات. ووفقًا لما ذكره رئيس محكمة استئناف نينوى، فإن المقبوض عليهم في مركز الجدعة يخضعون عادة للتحقيق في سجن الفيصلية بالموصل أو بغداد، ثم يقدمون للمحاكمة عادةً أمام محكمة تحقيق نينوى المختصة بقضايا مكافحة الإرهاب في الموصل.
وذكر سليم*، الذي أُلقي القبض عليه هو وابنه عبد الله* عام 2023، أنهما قاسيا التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء التحقيق معهما. وقال لمنظمة العفو الدولية: “ضربوني، و… قيّدوا يدي خلف ظهري؛ ضربوني على باطن قدمي بخرطوم أخضر اللون… ظللت أردد ’لا‘ مرارًا وتكرارًا… وأثناء التعذيب، قالوا إنهم يريدون مني أن أعترف بأشياء لم أفعلها. لم أعترف، فكانت النتيجة أنني بقيت عاجزًا عن المشي أربعة أيام”.
وقال سليم إنه رأى عبد الله في زنزانتهما المشتركة بعد التحقيق معه: “علّقوا ابني أربع ساعات… تعرض للتعليق [الضرب أثناء تعليقه من قضيب معدني]، وضربوه على قدميه، وسبوه، وأهانوا كرامته… كل شخص يقبض عليه تقريبًا يتعرض للتعذيب… هذا أمر روتيني”. أما مريم*، التي اعتقلت في مركز الجدعة عام 2024، فقالت لمنظمة العفو الدولية إنها تعرضت للصعق الكهربائي، والركل، والضرب بعصى على عنقها، والتحرش الجنسي أثناء التحقيق معها. كما أجبرت على أن تشهد تعذيب محتجزين آخرين. وقالت لمنظمة العفو الدولية: “كان [المحقق]… يسبني، ويقول أشياءً عن جسمي. لا أستطيع قول بعض الكلمات [التي قالها]؛ يعجز لساني حتى عن التلفظ بها… ظلوا يلحون علي كي أقول إنني مع تنظيم الدولة الإسلامية”.
وأما مصطفى، الذي قبض عليه عام 2024، فقد زارته زوجته بعيد التحقيق معه؛ وقالت لمنظمة العفو الدولية: “لم أتمكن من التعرف عليه… كانت أسنانه مكسورة، ولم يكن قادرًا على السماع؛ ولا يزال غير قادر على السماع بشكل جيد. وكانت ضلوعه مكسورة… بدا واضحًا لنا أنه تعرض لتعذيب شديد”.
الاختفاء القسري
في ست من الحالات الثماني التي وثقتها منظمة العفو الدولية، بدا وكأن المعتقل من مركز الجدعة قد أخفي قسرًا لفترة تتراوح بين 14 يومًا وثلاثة أشهر. في معظم الحالات، رفض المسؤولون الإفصاح عن مكان احتجاز المعتقل. وفي كثير من الأحيان، لم يعرف أقارب المعتقل مصيره إلا من خلال محتجزين آخرين أفرج عنهم.لقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن وثقت نمطًا مطردًا دأبت عليه قوات الأمن، يتمثل في إلقائها القبض على عراقيين في مخيمات النازحين داخليًا، ثم إخضاعهم للاختفاء القسري.
وقالت زوجة مصطفى لمنظمة العفو الدولية: “ظللنا نسأل الإدارة عن مكانه؛ كانوا لا يقولون لي شيئًا سوى أنهم أخذوه… [وكانوا] دائمًا يعطونني إجابات مختلفة. لم يكن يعجبهم سؤالي عن زوجي. خشيت جدًا أن أسألهم، وبدا واضحًا لي أنهم يغضبون عندما أسألهم”.
الاعتقالات الجائرة
في حين استندت بعض الاعتقالات في مركز الجدعة إلى أسباب مشروعة، إلا أن بعض المواطنين العراقيين وموظفي المنظمات الدولية أشاروا إلى عدة عوامل كثيرًا ما تفضي إلى اتهام باطل بالانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية. ففي بعض الحالات، اتهم أفراد بالتورط في أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية بسبب انضمام أحد أقاربهم لهذا التنظيم. فقد اعتقل حيدر*، ابن فاطمة*، في مركز الجدعة عند وصوله إلى مخيم الهول، وكان عمره 14 سنة حينها. وقالت فاطمة لمنظمة العفو الدولية: “كان هناك شخص من [قريتنا] أخبر الجميع أن أفراد عائلتنا إرهابيون، الأب والأبناء… لم تكن له [لحيدر] أي صلة بالإرهاب؛ كان مجرد طفل”.
يمكن للعداوات الشخصية أيضًا أن تؤدي إلى توجيه تهم باطلة؛ ففي حالتين من الحالات التي وثقتها منظمة العفو الدولية، نشأت تهم الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية من خلافات زوجية. وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن وثقت هذه الأنماط طوال فترة الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وفي أعقابه.
وفي بعض الحالات، قد يلجأ بعض أفراد المجتمع الذين استقر بهم المقام في منزل شخص غادر العراق إلى اتهامه بالانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية كي لا يضطروا للتخلي عن حيازتهم للعقار.
أوضاع السجن اللاإنسانية
في جميع الحالات الثماني التي وثقتها منظمة العفو الدولية، وجهت السلطات الاتهام لكل من هؤلاء الأفراد بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2005 الذي تشوبه عيوب جسيمة في العراق. وأفرج عن اثنين منهم بعد التحقيق معهما ومحاكمتهما. أما الستة الباقون فقد أدينوا جميعًا بالتهم الموجهة إليهم، وحُكم على خمسة منهم بالسجن المؤبد (20 سنة)، وعلى آخر بالسجن 15 سنة. ويقضي الستة جميعًا العقوبات المفروضة عليهم إما في سجن الناصرية المركزي، أو سجن بابل المركزي. ووفقًا لما ذكره بعض أفراد أسرهم، فإن الظروف المحتجزين فيها، وخصوصًا في الناصرية، غير إنسانية، حيث يحرم السجناء من الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والصرف الصحي والرعاية الصحية. وقد سبق لمنظمة العفو الدولية أن تلقت بلاغات عن سوء معاملة حراس السجن للسجناء في الناصرية، بما في ذلك الإساءة اللفظية والبدنية بصفة معتادة.
ووصف جميع الأقارب التكاليف الباهظة لتزويد ذويهم المسجونين بما يحتاجونه من الغذاء والثياب والدواء. وقال والد عبد الله، المحتجز حاليًا في بابل: “نرسل إليه الدواء، و300-350 ألف دينار شهريًا [ما يعادل 230-270 دولارًا]… وننفق مبالغ طائلة لزيارتهم وإحضار الطعام والثياب لهم”.
وقال الكثير من الأقارب إنهم أصبحوا في وضع بائس لأن المقبوض عليهم هم في كثير من الأحيان المعيلون الوحيدون لأسرهم. وقالت زوجة مصطفى، الذي يقضي عقوبة السجن لمدة 20 سنة، لمنظمة العفو الدولية: “إننا محطمون حقًّا الآن؛ أحد أطفالنا يعمل في مرأب للسيارات، يعطي الزبائن إيصالات… والآخر يعمل في محل للبوظة والعصائر؛ وهما اللذان يعولان الأسرة… نحن نتسول المساعدة من أي شخص نقابله… لا نقدر حتى على دفع الإيجار”.
تحث منظمة العفو الدولية السلطات العراقية على وضع حد فوري لاستخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة والاختفاء القسري ضد المعتقلين في مركز الجدعة، وإجراء محاكمات جديدة تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة لجميع من أدينوا استنادًا لاعترافات مشوبة بالتعذيب. ويجب على الأمم المتحدة إجراء مزيد من التحقيقات بشأن المعاملة التي يلقاها المقبوض عليهم في مركز الجدعة، والتوقف عن دعم السلطات العراقية وعن التعاون معها عندما يُستخدم مثل هذا الدعم على نحو ينطوي على التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان.