ويكرّر الموالون لسوريا شعاراتهم المبتذلة، مصرّين على اعتقاد ثبت بطلانه بأنّ الحكومة اللبنانية قادرة بشيء من النواح والصراخ، على إقناع الغرب عمومًا والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا برفع العقوبات عن النظام السوري، من دون أن يغيّر هذا النظام شيئًا في نهجه المغضوب عليه دوليًّا.
وهذا يفيد بأنّ لبنان، إذا ما ثابر على الاعتقاد بأنّ طريق التخفيف من حدّة أزمة النازحين يبدأ وينتهي باسترضاء النظام السوري، سوف يدفع أثمانًا مضاعفة لكارثة النازحين.
وتقدّم معاناة الدولة الأردنيّة المستمرة مع عصابات تهريب المخدّرات التي تتّخذ من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري في جنوب البلاد مثالًا صاخبًا على ذلك، إذ كانت عمّان رائدة في تسويق إعادة دمشق إلى "الحظيرة العربيّة"، اعتقادًا من مسؤوليها بأنّ ذلك يدفع السلطات السوريّة إلى التعاون في مكافحة الكوارث الناجمة عن تفلّت الأوضاع في سوريا، لا سيّما في ملفّي تهريب المخدّرات وتدفق النازحين، لكنّ التجربة الأردنيّة التي بدأت، منذ حوالي ستة أشهر، أسفرت عن إحباط حقيقي، فالانفتاح على النظام بدل أن يُضعف عصابات تهريب المخدرات رفع من مستوى عدائيّتها، واضطر الجيش الأردني إلى استنفار قواه لينفّذ عمليات، بعضها علني وبعضها الآخر سرّي، في الداخل السوري، وإنشاء غرفة عمليات تشارك فيها دول عدّة، وإحياء مشروع قديم يقضي بإقامة منطقة أمنية تعزل الأردن عن سوريا.
لا يذهب الأردن حاليًا في تفسير هذا الواقع المؤذي إلى ما كان يذهب إليه قبل الانفتاح على النظام السوري، حين سبق له أن اتّهم صراحة مجموعة من الجيش السوري بالتواطؤ مع الميليشيات الإيرانية العاملة في سوريا، ولكنّه بدأ يتصرّف على هذا الأساس غير آبه بمعرفة ما إذا كان يقف وراء ذلك قرار نظامي سوري أو عجز سلطوي أسدي.
وما يصح على وضعية النظام السوري حيال تهريب المخدرات إلى الأردن كمعبر إلى دول الخليج العربي، يصح على وضعيّته حيال تشجيع السوريّين الذين يعانون الأمرّين في بلادهم المفتقدة الأساسيّات الحياتيّة، على النزوح إلى لبنان، على الرغم من فقدان "بلاد الأرز" لأيّ قدرة استيعابيّة.
ولا حلّ لهذه التحديات اللبنانية الجديدة، في ضوء عجز النظام السوري أو تواطئه، سوى النهج الأردني في مكافحة المخدرات، وهذا يقتضي أن تحزم السلطات اللبنانية أمرها، وتقيم غرفة عمليات تشارك فيها دول عدّة، من أجل تنسيق التصدّي لموجات النزوح بما يتوافق مع المصلحة اللبنانية العليا، بغض النظر عن موقف النظام الأسدي من الخطوات التي تتفق في شأنها غرفة العمليات هذه.
ولا يمكن، وفق تجارب كثيرة، الرهان على النظام السوري، لأنّ هذا النظام لا يُعير أيّ اهتمام حقيقي بشعبه، فيتركه ضحيّة كوارث ماليّة واقتصاديّة وحياتيّة ضخمة، على الرغم من أنّ تجاوز ذلك لا يحتاج منه إلّا إلى تطبيق القرارات الدوليّة، ولا سيّما منها القرار 2254.
ويحاول محور الممانعة أن يشيح أنظار الشعوب العربيّة عن الواقع المأساوي للشعب السوري، حتى لا يُدرك أنّ الارتماء في أحضان الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا وسائر الشرق، لا يُطعم جائعًا.
وكان الأجدر بممثلي النظام الإيراني بدل أن يأتوا إلى لبنان تباعًا، حيث يحاولون في إطار الدعاية المتواصلة لـ"حزب الله" إيهام اللبنانيّين بأنّهم يحملون مفتاح الحلول لمشكلاتهم التي صنعها الغرب، أن يقدّموا في سوريا، حيث يملكون الكلمة الفصل سياسيًّا وميدانيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، أدلة ميدانيّة إلى قدراتهم الإبداعيّة، فلا يبقى محرومون وجائعون ومقهورون لا طموح لديهم سوى النزوح واللجوء والهجرة ولو في قوارب الموت ومواكب الذل!
-------------
النهار العربي
-------------
النهار العربي