تعود مسلة الأقصر إلى عهد الملك رعمسيس الثاني، أشهر ملوك الأسرة 19 بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم، الذي أمر ببناء مسلتين أمام معبد الأقصر تخليدا لانتصاراته في حملات عسكرية حمت أرض مصر من اعتداءات أجنبية واستباحة ممتلكاتها.
واختلف علماء تاريخ مصر القديم في تحديد الدلالة الدينية لبناء هذه الكتل الحجرية ذات الأضلاع الأربعة والقمة الهرمية، "هُريم"، والتي تقام فوق قاعدة يُسجل عليها نص تذكاري للملك والإله الذي كرست من أجله.
واتفق البعض على أنها ترمز لهبوط أشعة الشمس من السماء ممثلة في شكل الهُريم، في حين يرى آخرون أن الهُريم يلعب نفس دور الهرم كرمز "للتل الأزلي" الذي بدأت عليه عملية خلق الكون، بحسب العقيدة الدينية في مصر القديمة.
أسهم كتاب "وصف مصر" الذي وضعه الفرنسيون بعد عودتهم من حملتهم العسكرية على مصر (1798-1801) في زيادة الولع الفرنسي بحضارة مصر القديمة، لاسيما بعد تسجيل آلاف الصور لصروح بالغة الضخامة رآها العالم لأول مرة مليئة بنصوص غير مفهومة حتى اكتشف العالم الفرنسي جان-فرانسوا شامبليون أسرار هذه النصوص المصرية القديمة.
ازداد الاهتمام بآثار مصر فاستخدمها محمد علي والي مصر (1805-1848) أداة سياسية تخدم مصالحه، مغتنما صراع الدولتين العظميين وقتها، إنجلترا وفرنسا، على مسلتي "كليوباترا" في الإسكندرية وأهدى المسلتين لهما مقابل مساندتهما وتقوية موقفه السياسي أمام السلطان العثماني.
وصل شامبليون إلى مصر في أغسطس/آب 1828 ووطأ أرض الإسكندرية على رأس بعثة علمية تهدف إلى مراجعة صحة منهجه في قراءة النصوص الهيروغليفية، علاوة على فحص مسلتي "كليوباترا"، وتبين أنهما لا تمتان بصلة للملكة، بل أقامهما الملك "تحوتمس الثالث" في القرن 15 قبل الميلاد لوضعهما في معبد الشمس في مدينة هليوبوليس القديمة، ثم نقلهما البطالمة إلى الإسكندرية بعد 13 قرنا، وأُطلق عليهما بالخطأ مسلتا "كليوباترا".
وعندما زار شامبليون معبد الأقصر في جنوبي مصر أعجب بمسلتيه كما يتضح من رسالة أرسلها لشقيقه جاك-جوزيف بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1828، وردت ضمن "الرسائل واليوميات خلال رحلة مصر" التي جمعتها المؤرخة هرمين هارتلبن:
"رأيت قصر الأقصر العملاق، تنتصب أمامه مسلتان ارتفاع كل منهما 80 قدما (حوالي 24 مترا)، نحتتا بإتقان من كتلة واحدة من الجرانيت الوردي، فضلا عن أربعة تماثيل ضخمة لرعمسيس الأكبر من الجرانيت الوردي أيضا".
ويضيف شامبليون : "يعجز لساني عن وصف واحد من ألف مما يجب وصفه عند التعرض لمثل هذه الأشياء، فإما أن يظنني الناس مفعما بالحماس أو معتوها مجنونا إذا نجحت في إعطاء صورة ولو شاحبة هزيلة عنها... أعترف أننا في أوروبا لسنا سوى أقزام، وأنه لا يوجد شعب، قديما أو حديثا، بلغ فهم وتصور فن العمارة بمثل هذه الدرجة الرفيعة التي بلغها المصريون القدماء."
وأمام هذا السحر والإعجاب تراجع شامبليون عن فكرة استلام مسلتي "كليوباترا"، هدية محمد علي، كما قال في رسالته لشقيقه بتاريخ 4 يوليو/تموز 1829:
"أشعر حيالهما بالشفقة والرثاء منذ أن رأيت مسلات طيبة (الأقصر). فإن كان محتما نقل مسلة مصرية إلى باريس فلتكن إحدى مسلتي معبد الأقصر، وستجد مدينة طيبة العريقة السلوى في الاحتفاظ بمسلة الكرنك، التي تعد أروع المسلات جميعا".
اثار موقف شامبليون جدلا بين المؤرخين، لاسيما وأنه دأب في أكثر من مناسبة على طلب الحفاظ على آثار مصر، من بينها مذكرة رفعها إلى محمد علي في هذا الشأن تحت عنوان "مذكرة سُلمت إلى الوالي بشأن حفظ وصيانة الآثار المصرية القديمة":
"ستدين أوروبا بأسرها بالعرفان لسمو الملك إذا تفضل باتخاذ تدابير فعّالة تهدف إلى صيانة المعابد والقصور والمقابر وجميع الآثار الأخرى التي لا تزال تشهد على عظمة وقوة مصر القديمة، والتي تعد في ذات الوقت أروع ما يزين مصر الحديثة".
ويضيف شامبليون في مذكرته : "يمكن لجلالة الملك، بغية تحقيق هذا الهدف، أن يأمر بعدم اقتلاع، بأي حال من الأحوال، أي أحجار أو قوالب طوب منقوشة أو غير منقوشة من الأبنية والآثار القديمة التي لا تزال قائمة في المواقع سواء في مصر أو النوبة".
ويرى المؤرخ الفرنسي روبير سوليه، في دراسته الخاصة "الرحلة الكبرى للمسلة"، أن شامبليون "لم يكن من بين الأجانب الذين كانوا ينهبون التراث المصري بهدف التربح، بل كان يهدف إلى وضع تلك القطع الأثرية في مكان آمن حتى يستطيع العلماء دراستها ويستمتع بها الجمهور الأوروبي".
ما شامبليون نفسه فقد أفصح في رسالته لشقيقه بتاريخ 4 يوليو/تموز 1829 قائلا:
"ستصبح فرصة عظيمة لعرض أثر مثل هذا القدر من الروعة في فرنسا بدلا من الأشياء التافهة والزينة الرخيصة التي نسميها نحن بكل زهو آثارا وطنية، والتي تصلح بالكاد لتزيين صالونات صغيرة ... إن كتلة كتلك المسلة المهيبة تكفي بمفردها للتأثير بشدة على العقول والأعين. كما أن عمودا واحدا من أعمدة الكرنك يعد أثرا بمفرده أكثر من الواجهات الأربعة لفناء متحف اللوفر".
مغامرة شاقة
كيف نُقلت كتلة حجرية تزن 230 طنا من الأقصر إلى باريس؟
استبعد شامبليون فكرة تقطيع المسلة ووصف ذلك بـ "تدنيس للمقدسات"، لاسيما وأن الرومان كانوا قد نجحوا في القرن الرابع الميلادي قبل فرنسا في نقل مسلة من معبد الكرنك، عبر البحر المتوسط، ونصبوها في ميدان القديس بطرس في روما. واستبعد شامبليون فكرة تقطيع المسلة ووصف ذلك بـ "تدنيس للمقدسات"
شيدت فرنسا لهذا الغرض سفينة مستوية القاع تستطيع السفر في مياه البحار والأنهار، تفاديا لتعدد نقل المسلة من سفينة لأخرى وأطلقت عليها اسم "الأقصر"، غادرت ميناء تولون في 15 أبريل/نيسان عام 1831، وعلى متنها طاقم من 150 شخصا من حرف مختلفة، جميعهم تحت قيادة المهندس "أبوللينير لوبا".
وصل الطاقم إلى الأقصر يوم 14 أغسطس/آب، وبدأ العمل ثم توقف بسبب وباء الكوليرا الذي أصاب 15 فرنسيا، وتسبب في وفاة 128 مصريا، ووصف ريمون دي فرنيناك سان-مور، قائد بعثة نقل مسلة الأقصر إلى باريس، في مذكراته وملاحظاته بعنوان "رحلة السفينة الأقصر في مصر" التي نشرها في باريس عام 1835 مشهد هؤلاء المصريين :
"إن الفلاحين المساكين الذين أصابهم وباء الكوليرا لم يكن لديهم مشروب سوى ماء النيل ولا سرير سوى الأرض، ومع ذلك لم تصدر منهم أي صرخة أو شكوى، فمنهم يتعلم المرء أن احتقار الحياة يوجد في العراء أكثر مما يوجد في كتب الفلاسفة".
لم تُقطع المسلة عن قاعدتها قبل يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، وكتب فرنيناك رسالة إلى شامبليون :
"ابتهج معنا يا سيدي المواطن، لقد غادرتنا الكوليرا، وخضعت المسلة الغربية بالأقصر أمام أبسط الوسائل الميكانيكية الحديثة. أمسكنا بها أخيرا ومن المؤكد أننا سنحضر إلى فرنسا هذا الصرح الذي لابد وأنه سيزودكم بمادة لدروسكم الممتعة... ستشهد باريس ما صنعته حضارة قديمة من أجل صيانة التاريخ في ظل عدم وجود مطبعة. وسترى (باريس) أنه إذا كانت فنوننا مدهشة، فإن شعوبا أخرى صنعت فنونا قبلنا بأزمنة طويلة لا تزال نتائجها المدهشة تذهلنا حتى اليوم"
لزم الأمر التفاوض مع الأهالي لشراء بيوتهم وهدمها من أجل إفساح الطريق ونقل المسلة على قضبان من الخشب بمساعدة 400 عامل مستأجرين إلى أن وضعت المسلة على ظهر السفينة في نهاية ديسمبر/كانون الأول.
واجهت السفينة بعد إبحارها صعوبات واضطرت إلى الرسو من جديد في مدينة رشيد بسبب عدم قدرتها على اجتياز مياه النيل إلى البحر المتوسط، فاستعانت بواحدة من أوائل السفن البخارية الفرنسية في العصر واسمها "أبو الهول" وقطرت "الأقصر" وسط بحر مضطرب لمدة يومين هدد السفينة بالغرق وهلاك الطاقم والمسلة في قاع البحر، حسبما وصف فرنيناك في مذكراته.
صلت السفينة إلى ميناء تولون يوم 10 مايو/أيار 1833، وعبرت مصب نهر السين ووصلت إلى باريس في 23 ديسمبر/كانون الأول بعد رحلة شاقة.
كان رفاعة الطهطاوي، رائد حركة التنوير الفكري في مصر خلال القرن التاسع عشر، أول من اعترض على نقل المسلة بعد عودته من بعثته العلمية في باريس، ورأى الخطوة بمثابة إهدار للثروة القومية وسجل اعتراضه بوضوح كما ورد في كتابه "تخليص الأبريز إلى تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس":
"إن مصر أخذت الآن في أسباب التمدن والتعلم على منوال بلاد أوروبا فهي أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة، وسلبه عنها شيئا بعد شيء يعد عند أرباب العقول من اختلاس حلي الغير للتحلي به فهو أشبه بالغصب وإثبات هذا لا يحتاج إلى برهان".
كما اعترض الشاعر الفرنسي بيتروس بوريل عام 1833 وقال بعبارة شديدة اللهجة مخاطبا الحكومة الفرنسية، أوردها سوليه في دراسته:
"ألا يمكنكم ترك كل منطقة وكل مناخ محتفظا بمفاخره وبزخرفته؟ ليس لأي شيء قيمة إلا حينما يكون في موضعه الخاص ووسط أرضه ومسقط رأسه وتحت ظل سمائه. يوجد ارتباط متبادل وتآلف حميم بين الصروح والبلاد التي أقامتها. يجب أن تتجاور المسلات المصرية مع أعمدة المعابد".
أراد شامبليون وضعها في ساحة متحف اللوفر أو أمام كنيسة "مادلين"، لكن الملك لوي-فيليب الذي كان قد وصل إلى الحكم أراد أن تقام في ميدان الكونكورد، وأصر شامبليون على رأيه معتبرا ميدان الكونكورد يقلل من هيبة المسلة، وساءت العلاقات بينهما، وتوفي شامبليون دون تحقيق مطلبه
اضطرت فرنسا إلى صنع قاعدة جديدة للمسلة من الجرانيت المستخرج من منطقة بريتاني شمال غربي فرنسا، نظرا لترك القاعدة الأصلية في الأقصر لسوء حالتها، واستعان المهندس "لوبا" بنحو 420 جنديا فرنسيا لرفع المسلة في الميدان، ووصف لوبا خطورة المهمة في مذكراته بعنوان "مسلة الأقصر" الصادر في باريس عام 1839 قائلا:
"إن عدم فهم أمر صادر، أو وجود رباط غير جيد، أو مسمار أعوج، كان يمكن أن يؤدي إلى كارثة رهيبة، ففي حالة سقوط الرافعة ستتحطم المسلة، وتضيع ملايين الفرنكات، وسوف يُسحق أكثر من مائة عامل بلا شك".
أخيرا تجمع جمهور قُدّر بنحو 200 ألف شخص في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1836 في الميدان، ووقف أوركسترا من مائة عازف على ناصية شارع "سان-فلورانتين" يعزف مقطوعة موزار "أسرار إيزيس الخفية"، وكُتب على قاعدة المسلة السطور التالية:
"في حضور الملك لوي-فيليب الأول، نقلت هذه المسلة من الأقصر إلى فرنسا، ونُصبت فوق هذه القاعدة بإشراف المهندس لوبا وسط تصفيق جمهور كبير".
كما أهدى الملك المسلة إلى ذكرى نجاحات جيش الجمهورية ولكن في عبارة باللغة اللاتينية، وليست الفرنسية، خلت من ذكر صانع المسلة الأصلي، الملك رعمسيس الثاني، وصاحب اختيار المسلة، شامبليون، وعُهد بتحريرها إلى أكاديمية المخطوطات والآداب وترجمها إلى الفرنسية آلان باجاس، وورد النصان في دراسة جان فيدال بعنوان "الغائب عن المسلة":
"ملك الفرنسيين إذ يرغب في أن ينقل إلى الأجيال التالية إحدى قمم الفن المصري وكذلك الذكرى الرائعة لإحدى الأعمال المجيدة التي تحققت بالسلاح مؤخرا على ضفاف النيل. رُفعت هذه المسلة الممنوحة لفرنسا من مصر ذاتها، ورُفعت من مقابر طيبة في 25 أغسطس 1832 ونقلت إلى فرنسا على متن سفينة شيدت لهذه المناسبة خلال رحلة دامت 13 شهرا وأقيمت هنا في 25 أكتوبر 1836، سابع أعوام ولايته للحكم".
ظلت المسلة المصرية مصدر إلهام وولع بحضارة مصر، وسحرت شاعر الرومانسية الفرنسي "تيوفيل غوتييه" فنظم لها قصيدة طويلة بعنوان "حنين مسلات" في ديوانه "الخزفيات وأحجار الكاميو" عام 1851، مبتكرا حوارا بين المسلة في باريس وشقيقتها في الأقصر، تشكو كل منهما للأخرى آلام الوحدة كهذه المقتطفات :
"أشعر بالملل في وسط هذا الميدان، مسلة غير متجانسة مع المكان، الثلج وقطرات الضباب المتجمد والرذاذ والمطر يثلج جبيني... أنا من استطعت بقامتي العظيمة تحدي الزمن ووقف رعمسيس ذات يوم أمامي كالقشة، صرت أداة تسلية في باريس... نهر السين الذي تصب فيه بالوعات الشوارع، هذا النهر القذر المكون من جداول يلوث قدمي التي كان نهر النيل أبو الأنهار يقبّلها كل فيضان".
"أسهر الليل، حارس وحيد لهذا القصر الكبير الخرب، في تلك الوحدة السرمدية أمام فضاء شاسع، في أفق لا يحده شيء تحت شمس غائمة، تبسط الصحراء العريضة الصامتة أمامي بلا نهاية كفنها الأصفر... الريح هنا لا تمسح أبدا دمعة العين الجافة، يتكيء الزمن المتعب على جدران القصور الساكنة، فلا يوجد ما يزعزع وجه الخلود، فمصر في هذا العالم المتغير تتربع على عرش السكون".
دأبت فرنسا على الاحتفال بمناسباتها الوطنية في ميدان الكونكورد، فقُدّر للمسلة أن تشهد على الأحداث الكبرى حتى وقتنا هذا من بينها:
ديسمبر/كانون الأول 1840، ينتظر الجمهور في ميدان الكونكورد رفات بونابرت، وتتوقف العربة الجنائزية أمام المسلة ثم تتجه إلى ساحة "إنفاليد" لدفن الرفات.
أبريل/نيسان 1846، زار إبراهيم باشا، ابن محمد علي، باريس للعلاج وتأمل المسلة، وبعد خمسة أشهر أهدت فرنسا مصر ساعة من الطراز الغربي تزين مسجد محمد علي بالقاهرة، كشكر من فرنسا للوالي على هبة المسلة.
فبراير/شباط 1848، تحدث صدامات بين الجماهير والفرسان الملكيين حول المسلة، ويتنازل لوي-فيليب عن العرش ويمُحى اسمه مؤقتا من فوق قاعدة المسلة.
نوفمبر/تشرين الثاني 1848، يحتفل الفرنسيون أمام المسلة بالدستور الذي وضعته الجمعية الوطنية (البرلمان).
14 يوليو/تموز من كل عام تحتفل الجمهورية الفرنسية بعيدها الوطني، "يوم الباستيل"، وتقام العروض العسكرية والجوية أمام المسلة.
اقترحت عالمة دراسات تاريخ مصر القديم "كرستيان ديروش-بوبلكور"، في سبعينيات القرن الماضي كما ذكرت في دراستها "تحت أعين الآلهة"، وضع هُريم ذهبي فوق قمة المسلة، وحدث سجال بين مؤيد ومعارض لسنوات، حتى جددت نوبلكور مطلبها عام 1998 في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك بمناسبة الاحتفال بمرور مائتي عام على حملة بونابرت في مصر، وقالت إن فكرتها "سوف تحافظ على المسلة وتعطيها شكلا جماليا ورمزيا".
واغتنمت نوبلكور، حسبما قالت في دراستها، فرصة زيارة الرئيس المصري السابق حسني مبارك لباريس كمناسبة لوضع الهريم الذهبي، وقالت :"كنت واثقة أن الهريم إذا لم يوضع في هذه المناسبة، فلن يحدث ذلك أبدا، لذلك كتبت إلى الرئيس شيراك".
ووضعت لافتة مذهبة إلى جانب قاعدة المسلة تخلّد ذكرى الحدث وترد الاعتبار لجان-فرانسوا شامبليون الذي لم يذكر اسمه عليها منذ أن وضعت في الميدان.
وإن لم توجد إشارة واحدة في جميع النصوص الفرنسية واللاتينية على قاعدة المسلة تمجد صاحبها، الملك رعمسيس الثاني، فإنه يخلد ذكره إلى الأبد في نصوص "مقدسة" باللغة المصرية القديمة تردد له تراتيل النصر على أوجه المسلة الأربعة:
"ملك مصر العليا وملك مصر السفلى، حاكم وملك مصر، الذي أدب الشعوب، حورس الوضاء، حارس السنين، عظيم بانتصاراته، ملك الشعب المطيع، الشمس الحامية للحقيقة، حاكم الحكام، الذي أنجب شمو، لكي يمارس الأحكام الملكية على العالم عددا كبيرا من الأيام، ابن الشمس، عزيز آمون: رعمسيس: ليحيا".
واختلف علماء تاريخ مصر القديم في تحديد الدلالة الدينية لبناء هذه الكتل الحجرية ذات الأضلاع الأربعة والقمة الهرمية، "هُريم"، والتي تقام فوق قاعدة يُسجل عليها نص تذكاري للملك والإله الذي كرست من أجله.
واتفق البعض على أنها ترمز لهبوط أشعة الشمس من السماء ممثلة في شكل الهُريم، في حين يرى آخرون أن الهُريم يلعب نفس دور الهرم كرمز "للتل الأزلي" الذي بدأت عليه عملية خلق الكون، بحسب العقيدة الدينية في مصر القديمة.
أسهم كتاب "وصف مصر" الذي وضعه الفرنسيون بعد عودتهم من حملتهم العسكرية على مصر (1798-1801) في زيادة الولع الفرنسي بحضارة مصر القديمة، لاسيما بعد تسجيل آلاف الصور لصروح بالغة الضخامة رآها العالم لأول مرة مليئة بنصوص غير مفهومة حتى اكتشف العالم الفرنسي جان-فرانسوا شامبليون أسرار هذه النصوص المصرية القديمة.
ازداد الاهتمام بآثار مصر فاستخدمها محمد علي والي مصر (1805-1848) أداة سياسية تخدم مصالحه، مغتنما صراع الدولتين العظميين وقتها، إنجلترا وفرنسا، على مسلتي "كليوباترا" في الإسكندرية وأهدى المسلتين لهما مقابل مساندتهما وتقوية موقفه السياسي أمام السلطان العثماني.
وصل شامبليون إلى مصر في أغسطس/آب 1828 ووطأ أرض الإسكندرية على رأس بعثة علمية تهدف إلى مراجعة صحة منهجه في قراءة النصوص الهيروغليفية، علاوة على فحص مسلتي "كليوباترا"، وتبين أنهما لا تمتان بصلة للملكة، بل أقامهما الملك "تحوتمس الثالث" في القرن 15 قبل الميلاد لوضعهما في معبد الشمس في مدينة هليوبوليس القديمة، ثم نقلهما البطالمة إلى الإسكندرية بعد 13 قرنا، وأُطلق عليهما بالخطأ مسلتا "كليوباترا".
وعندما زار شامبليون معبد الأقصر في جنوبي مصر أعجب بمسلتيه كما يتضح من رسالة أرسلها لشقيقه جاك-جوزيف بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1828، وردت ضمن "الرسائل واليوميات خلال رحلة مصر" التي جمعتها المؤرخة هرمين هارتلبن:
"رأيت قصر الأقصر العملاق، تنتصب أمامه مسلتان ارتفاع كل منهما 80 قدما (حوالي 24 مترا)، نحتتا بإتقان من كتلة واحدة من الجرانيت الوردي، فضلا عن أربعة تماثيل ضخمة لرعمسيس الأكبر من الجرانيت الوردي أيضا".
ويضيف شامبليون : "يعجز لساني عن وصف واحد من ألف مما يجب وصفه عند التعرض لمثل هذه الأشياء، فإما أن يظنني الناس مفعما بالحماس أو معتوها مجنونا إذا نجحت في إعطاء صورة ولو شاحبة هزيلة عنها... أعترف أننا في أوروبا لسنا سوى أقزام، وأنه لا يوجد شعب، قديما أو حديثا، بلغ فهم وتصور فن العمارة بمثل هذه الدرجة الرفيعة التي بلغها المصريون القدماء."
وأمام هذا السحر والإعجاب تراجع شامبليون عن فكرة استلام مسلتي "كليوباترا"، هدية محمد علي، كما قال في رسالته لشقيقه بتاريخ 4 يوليو/تموز 1829:
"أشعر حيالهما بالشفقة والرثاء منذ أن رأيت مسلات طيبة (الأقصر). فإن كان محتما نقل مسلة مصرية إلى باريس فلتكن إحدى مسلتي معبد الأقصر، وستجد مدينة طيبة العريقة السلوى في الاحتفاظ بمسلة الكرنك، التي تعد أروع المسلات جميعا".
اثار موقف شامبليون جدلا بين المؤرخين، لاسيما وأنه دأب في أكثر من مناسبة على طلب الحفاظ على آثار مصر، من بينها مذكرة رفعها إلى محمد علي في هذا الشأن تحت عنوان "مذكرة سُلمت إلى الوالي بشأن حفظ وصيانة الآثار المصرية القديمة":
"ستدين أوروبا بأسرها بالعرفان لسمو الملك إذا تفضل باتخاذ تدابير فعّالة تهدف إلى صيانة المعابد والقصور والمقابر وجميع الآثار الأخرى التي لا تزال تشهد على عظمة وقوة مصر القديمة، والتي تعد في ذات الوقت أروع ما يزين مصر الحديثة".
ويضيف شامبليون في مذكرته : "يمكن لجلالة الملك، بغية تحقيق هذا الهدف، أن يأمر بعدم اقتلاع، بأي حال من الأحوال، أي أحجار أو قوالب طوب منقوشة أو غير منقوشة من الأبنية والآثار القديمة التي لا تزال قائمة في المواقع سواء في مصر أو النوبة".
ويرى المؤرخ الفرنسي روبير سوليه، في دراسته الخاصة "الرحلة الكبرى للمسلة"، أن شامبليون "لم يكن من بين الأجانب الذين كانوا ينهبون التراث المصري بهدف التربح، بل كان يهدف إلى وضع تلك القطع الأثرية في مكان آمن حتى يستطيع العلماء دراستها ويستمتع بها الجمهور الأوروبي".
ما شامبليون نفسه فقد أفصح في رسالته لشقيقه بتاريخ 4 يوليو/تموز 1829 قائلا:
"ستصبح فرصة عظيمة لعرض أثر مثل هذا القدر من الروعة في فرنسا بدلا من الأشياء التافهة والزينة الرخيصة التي نسميها نحن بكل زهو آثارا وطنية، والتي تصلح بالكاد لتزيين صالونات صغيرة ... إن كتلة كتلك المسلة المهيبة تكفي بمفردها للتأثير بشدة على العقول والأعين. كما أن عمودا واحدا من أعمدة الكرنك يعد أثرا بمفرده أكثر من الواجهات الأربعة لفناء متحف اللوفر".
مغامرة شاقة
كيف نُقلت كتلة حجرية تزن 230 طنا من الأقصر إلى باريس؟
استبعد شامبليون فكرة تقطيع المسلة ووصف ذلك بـ "تدنيس للمقدسات"، لاسيما وأن الرومان كانوا قد نجحوا في القرن الرابع الميلادي قبل فرنسا في نقل مسلة من معبد الكرنك، عبر البحر المتوسط، ونصبوها في ميدان القديس بطرس في روما. واستبعد شامبليون فكرة تقطيع المسلة ووصف ذلك بـ "تدنيس للمقدسات"
شيدت فرنسا لهذا الغرض سفينة مستوية القاع تستطيع السفر في مياه البحار والأنهار، تفاديا لتعدد نقل المسلة من سفينة لأخرى وأطلقت عليها اسم "الأقصر"، غادرت ميناء تولون في 15 أبريل/نيسان عام 1831، وعلى متنها طاقم من 150 شخصا من حرف مختلفة، جميعهم تحت قيادة المهندس "أبوللينير لوبا".
وصل الطاقم إلى الأقصر يوم 14 أغسطس/آب، وبدأ العمل ثم توقف بسبب وباء الكوليرا الذي أصاب 15 فرنسيا، وتسبب في وفاة 128 مصريا، ووصف ريمون دي فرنيناك سان-مور، قائد بعثة نقل مسلة الأقصر إلى باريس، في مذكراته وملاحظاته بعنوان "رحلة السفينة الأقصر في مصر" التي نشرها في باريس عام 1835 مشهد هؤلاء المصريين :
"إن الفلاحين المساكين الذين أصابهم وباء الكوليرا لم يكن لديهم مشروب سوى ماء النيل ولا سرير سوى الأرض، ومع ذلك لم تصدر منهم أي صرخة أو شكوى، فمنهم يتعلم المرء أن احتقار الحياة يوجد في العراء أكثر مما يوجد في كتب الفلاسفة".
لم تُقطع المسلة عن قاعدتها قبل يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، وكتب فرنيناك رسالة إلى شامبليون :
"ابتهج معنا يا سيدي المواطن، لقد غادرتنا الكوليرا، وخضعت المسلة الغربية بالأقصر أمام أبسط الوسائل الميكانيكية الحديثة. أمسكنا بها أخيرا ومن المؤكد أننا سنحضر إلى فرنسا هذا الصرح الذي لابد وأنه سيزودكم بمادة لدروسكم الممتعة... ستشهد باريس ما صنعته حضارة قديمة من أجل صيانة التاريخ في ظل عدم وجود مطبعة. وسترى (باريس) أنه إذا كانت فنوننا مدهشة، فإن شعوبا أخرى صنعت فنونا قبلنا بأزمنة طويلة لا تزال نتائجها المدهشة تذهلنا حتى اليوم"
لزم الأمر التفاوض مع الأهالي لشراء بيوتهم وهدمها من أجل إفساح الطريق ونقل المسلة على قضبان من الخشب بمساعدة 400 عامل مستأجرين إلى أن وضعت المسلة على ظهر السفينة في نهاية ديسمبر/كانون الأول.
واجهت السفينة بعد إبحارها صعوبات واضطرت إلى الرسو من جديد في مدينة رشيد بسبب عدم قدرتها على اجتياز مياه النيل إلى البحر المتوسط، فاستعانت بواحدة من أوائل السفن البخارية الفرنسية في العصر واسمها "أبو الهول" وقطرت "الأقصر" وسط بحر مضطرب لمدة يومين هدد السفينة بالغرق وهلاك الطاقم والمسلة في قاع البحر، حسبما وصف فرنيناك في مذكراته.
صلت السفينة إلى ميناء تولون يوم 10 مايو/أيار 1833، وعبرت مصب نهر السين ووصلت إلى باريس في 23 ديسمبر/كانون الأول بعد رحلة شاقة.
كان رفاعة الطهطاوي، رائد حركة التنوير الفكري في مصر خلال القرن التاسع عشر، أول من اعترض على نقل المسلة بعد عودته من بعثته العلمية في باريس، ورأى الخطوة بمثابة إهدار للثروة القومية وسجل اعتراضه بوضوح كما ورد في كتابه "تخليص الأبريز إلى تلخيص باريز أو الديوان النفيس بإيوان باريس":
"إن مصر أخذت الآن في أسباب التمدن والتعلم على منوال بلاد أوروبا فهي أولى وأحق بما تركه لها سلفها من أنواع الزينة والصناعة، وسلبه عنها شيئا بعد شيء يعد عند أرباب العقول من اختلاس حلي الغير للتحلي به فهو أشبه بالغصب وإثبات هذا لا يحتاج إلى برهان".
كما اعترض الشاعر الفرنسي بيتروس بوريل عام 1833 وقال بعبارة شديدة اللهجة مخاطبا الحكومة الفرنسية، أوردها سوليه في دراسته:
"ألا يمكنكم ترك كل منطقة وكل مناخ محتفظا بمفاخره وبزخرفته؟ ليس لأي شيء قيمة إلا حينما يكون في موضعه الخاص ووسط أرضه ومسقط رأسه وتحت ظل سمائه. يوجد ارتباط متبادل وتآلف حميم بين الصروح والبلاد التي أقامتها. يجب أن تتجاور المسلات المصرية مع أعمدة المعابد".
أراد شامبليون وضعها في ساحة متحف اللوفر أو أمام كنيسة "مادلين"، لكن الملك لوي-فيليب الذي كان قد وصل إلى الحكم أراد أن تقام في ميدان الكونكورد، وأصر شامبليون على رأيه معتبرا ميدان الكونكورد يقلل من هيبة المسلة، وساءت العلاقات بينهما، وتوفي شامبليون دون تحقيق مطلبه
اضطرت فرنسا إلى صنع قاعدة جديدة للمسلة من الجرانيت المستخرج من منطقة بريتاني شمال غربي فرنسا، نظرا لترك القاعدة الأصلية في الأقصر لسوء حالتها، واستعان المهندس "لوبا" بنحو 420 جنديا فرنسيا لرفع المسلة في الميدان، ووصف لوبا خطورة المهمة في مذكراته بعنوان "مسلة الأقصر" الصادر في باريس عام 1839 قائلا:
"إن عدم فهم أمر صادر، أو وجود رباط غير جيد، أو مسمار أعوج، كان يمكن أن يؤدي إلى كارثة رهيبة، ففي حالة سقوط الرافعة ستتحطم المسلة، وتضيع ملايين الفرنكات، وسوف يُسحق أكثر من مائة عامل بلا شك".
أخيرا تجمع جمهور قُدّر بنحو 200 ألف شخص في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1836 في الميدان، ووقف أوركسترا من مائة عازف على ناصية شارع "سان-فلورانتين" يعزف مقطوعة موزار "أسرار إيزيس الخفية"، وكُتب على قاعدة المسلة السطور التالية:
"في حضور الملك لوي-فيليب الأول، نقلت هذه المسلة من الأقصر إلى فرنسا، ونُصبت فوق هذه القاعدة بإشراف المهندس لوبا وسط تصفيق جمهور كبير".
كما أهدى الملك المسلة إلى ذكرى نجاحات جيش الجمهورية ولكن في عبارة باللغة اللاتينية، وليست الفرنسية، خلت من ذكر صانع المسلة الأصلي، الملك رعمسيس الثاني، وصاحب اختيار المسلة، شامبليون، وعُهد بتحريرها إلى أكاديمية المخطوطات والآداب وترجمها إلى الفرنسية آلان باجاس، وورد النصان في دراسة جان فيدال بعنوان "الغائب عن المسلة":
"ملك الفرنسيين إذ يرغب في أن ينقل إلى الأجيال التالية إحدى قمم الفن المصري وكذلك الذكرى الرائعة لإحدى الأعمال المجيدة التي تحققت بالسلاح مؤخرا على ضفاف النيل. رُفعت هذه المسلة الممنوحة لفرنسا من مصر ذاتها، ورُفعت من مقابر طيبة في 25 أغسطس 1832 ونقلت إلى فرنسا على متن سفينة شيدت لهذه المناسبة خلال رحلة دامت 13 شهرا وأقيمت هنا في 25 أكتوبر 1836، سابع أعوام ولايته للحكم".
ظلت المسلة المصرية مصدر إلهام وولع بحضارة مصر، وسحرت شاعر الرومانسية الفرنسي "تيوفيل غوتييه" فنظم لها قصيدة طويلة بعنوان "حنين مسلات" في ديوانه "الخزفيات وأحجار الكاميو" عام 1851، مبتكرا حوارا بين المسلة في باريس وشقيقتها في الأقصر، تشكو كل منهما للأخرى آلام الوحدة كهذه المقتطفات :
"أشعر بالملل في وسط هذا الميدان، مسلة غير متجانسة مع المكان، الثلج وقطرات الضباب المتجمد والرذاذ والمطر يثلج جبيني... أنا من استطعت بقامتي العظيمة تحدي الزمن ووقف رعمسيس ذات يوم أمامي كالقشة، صرت أداة تسلية في باريس... نهر السين الذي تصب فيه بالوعات الشوارع، هذا النهر القذر المكون من جداول يلوث قدمي التي كان نهر النيل أبو الأنهار يقبّلها كل فيضان".
"أسهر الليل، حارس وحيد لهذا القصر الكبير الخرب، في تلك الوحدة السرمدية أمام فضاء شاسع، في أفق لا يحده شيء تحت شمس غائمة، تبسط الصحراء العريضة الصامتة أمامي بلا نهاية كفنها الأصفر... الريح هنا لا تمسح أبدا دمعة العين الجافة، يتكيء الزمن المتعب على جدران القصور الساكنة، فلا يوجد ما يزعزع وجه الخلود، فمصر في هذا العالم المتغير تتربع على عرش السكون".
دأبت فرنسا على الاحتفال بمناسباتها الوطنية في ميدان الكونكورد، فقُدّر للمسلة أن تشهد على الأحداث الكبرى حتى وقتنا هذا من بينها:
ديسمبر/كانون الأول 1840، ينتظر الجمهور في ميدان الكونكورد رفات بونابرت، وتتوقف العربة الجنائزية أمام المسلة ثم تتجه إلى ساحة "إنفاليد" لدفن الرفات.
أبريل/نيسان 1846، زار إبراهيم باشا، ابن محمد علي، باريس للعلاج وتأمل المسلة، وبعد خمسة أشهر أهدت فرنسا مصر ساعة من الطراز الغربي تزين مسجد محمد علي بالقاهرة، كشكر من فرنسا للوالي على هبة المسلة.
فبراير/شباط 1848، تحدث صدامات بين الجماهير والفرسان الملكيين حول المسلة، ويتنازل لوي-فيليب عن العرش ويمُحى اسمه مؤقتا من فوق قاعدة المسلة.
نوفمبر/تشرين الثاني 1848، يحتفل الفرنسيون أمام المسلة بالدستور الذي وضعته الجمعية الوطنية (البرلمان).
14 يوليو/تموز من كل عام تحتفل الجمهورية الفرنسية بعيدها الوطني، "يوم الباستيل"، وتقام العروض العسكرية والجوية أمام المسلة.
اقترحت عالمة دراسات تاريخ مصر القديم "كرستيان ديروش-بوبلكور"، في سبعينيات القرن الماضي كما ذكرت في دراستها "تحت أعين الآلهة"، وضع هُريم ذهبي فوق قمة المسلة، وحدث سجال بين مؤيد ومعارض لسنوات، حتى جددت نوبلكور مطلبها عام 1998 في عهد الرئيس الفرنسي جاك شيراك بمناسبة الاحتفال بمرور مائتي عام على حملة بونابرت في مصر، وقالت إن فكرتها "سوف تحافظ على المسلة وتعطيها شكلا جماليا ورمزيا".
واغتنمت نوبلكور، حسبما قالت في دراستها، فرصة زيارة الرئيس المصري السابق حسني مبارك لباريس كمناسبة لوضع الهريم الذهبي، وقالت :"كنت واثقة أن الهريم إذا لم يوضع في هذه المناسبة، فلن يحدث ذلك أبدا، لذلك كتبت إلى الرئيس شيراك".
ووضعت لافتة مذهبة إلى جانب قاعدة المسلة تخلّد ذكرى الحدث وترد الاعتبار لجان-فرانسوا شامبليون الذي لم يذكر اسمه عليها منذ أن وضعت في الميدان.
وإن لم توجد إشارة واحدة في جميع النصوص الفرنسية واللاتينية على قاعدة المسلة تمجد صاحبها، الملك رعمسيس الثاني، فإنه يخلد ذكره إلى الأبد في نصوص "مقدسة" باللغة المصرية القديمة تردد له تراتيل النصر على أوجه المسلة الأربعة:
"ملك مصر العليا وملك مصر السفلى، حاكم وملك مصر، الذي أدب الشعوب، حورس الوضاء، حارس السنين، عظيم بانتصاراته، ملك الشعب المطيع، الشمس الحامية للحقيقة، حاكم الحكام، الذي أنجب شمو، لكي يمارس الأحكام الملكية على العالم عددا كبيرا من الأيام، ابن الشمس، عزيز آمون: رعمسيس: ليحيا".