ردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في معرض تعليقه على طلب الأسد مغادرة القوات التركية لشمال سوريا أكثر من مرة، "لا يمكن أن يكون هناك شيء من هذا القبيل. نحن نحارب الإرهاب هناك حيث يوجد تهديد للأمن القومي التركي". بينما يقول الأسد إن "الإرهاب في سوريا هو صناعة تركية".
سترتكب دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، خطأ فادحا إذا ما وضعت بين يدي الرئيس أردوغان فقط ملخصا لما قاله الأسد حول العلاقة مع تركيا وشرطه قبل عقد أي لقاء مع الرئيس التركي.
ترجمة مفصلة لمقابلة الأسد مع "سكاي نيوز"، وما ردده حول الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية في الداخل السوري، ورأيه الأخير في مسار العلاقات بين دمشق والعواصم العربية وموسكو وطهران، ونظرته إلى قوى المعارضة السورية بعد 12 عاما من الثورة، كلها مسائل أساسية تسهل لصانع القرار التركي اليوم معرفة طريقة تفكير النظام في سوريا وتصوره للحل وسبل إخراج البلاد من أزماتها.
الأسد يقول إن "المطالبة برحيله هي صناعة خارجية ولا علاقة للداخل السوري بها. وأن اللاجىء لا يعود بسبب الوضع المعيشي". وأنقرة تردد أنه بالنسبة للعملية السياسية وعودة السوريين إلى وطنهم، فهذه قضايا ينبغي النظر إليها في إطار خريطة الطريق. لكن الأمر يعتمد على نهج النظام في دمشق. "لو تم طرح شروط مسبقة، مثل سحب قواتنا المسلحة فلن يحدث أي تقدم".
الأسد على حاله لم يتبدل ولم يغير في مواقفه وآرائه لأن داعميه لا يريدون منه أن يفعل ذلك. وعلى هذا الأساس ستقوّم القيادة التركية مواقفها الجديدة حيال النظام وملف الأزمة السورية.
أين أصبحت الطاولة الرباعية والتفاهمات التركية الروسية وما الذي يمكن أن تنقذه القمة التركية الروسية المرتقبة في أنقرة؟ وهل يمكن للأسد أن يصعّد على هذا النحو من جديد دون تعليمات تأتيه من "الأصدقاء الذين يختارهم بدقة" كما يقول؟
قبل اشتداد المعارك على جبهات القرم كان التنسيق الأميركي – الروسي في شرق الفرات يتم بشكل أو بآخر لمنع وقوع أي توتر أو إنفجار أمني واسع لا يريده كلا الطرفين. هل ما زالت الأمور على حالها اليوم؟ لا طبعا. روسيا تحشد المزيد من القوات هناك وبوتين يتحدث عن استعداد بلاده للمواجهة مع حلف الأطلسي في سوريا. واشنطن التي رفعت من مستوى جاهزيتها القتالية على الجبهات هي وحليفها المحلي، تقول إنها لن تتوقف كثيرا عند الدعوات الموجهة من التحالف الثلاثي السوري الروسي والإيراني لسحب قواتها من شرق البلاد. هل من علاقة بين استهداف قافلة جنود النظام قبل أيام وبين التعبئة العسكرية على ضفتي الفرات التي تشارك فيها القوى المحلية والإقليمية؟ ولماذا الزج باسم داعش في الاستهداف طالما أن المواجهات المرتقبة لا دور أو وجود لهذه المجموعات فيها؟
الحشد والتعبئة العسكرية للأطراف المحلية والإقليمية وتبادل الاتهامات المتزايد بين واشنطن وموسكو حول الإخلال ببروتوكولات التنسيق والتعاون بينهما في شرق الفرات، إلى جانب قرار بعض العواصم العربية تجميد ما بدأته من حوار مع النظام، كلها بين أسباب تزايد المخاوف في بقعة جغرافية تتداخل فيها المصالح والحسابات.
التوتر الروسي الإيراني الأميركي في سوريا لا يمكن فصله عن التصعيد الحاصل بين أنقرة ودمشق. كل الجبهات باتت مهددة وسيناريوهات الحروب بالوكالة قد تتراجع لصالح المواجهات المباشرة بين اللاعبين الإقليميين الموجودين على الأرض.
هذا ما يريده النظام في دمشق وهذا ما يمنحه الفرص الإضافية للبقاء على قيد الحياة والمساومة وعقد الصفقات السياسية وإبعاد الأنظار عن كل مشكلات سوريا المعيشية والاقتصادية والأمنية. الكثير من المعطيات تقول إن ما بذل من جهود أمام طاولة موسكو الرباعية لم ينجز الاختراق المطلوب وأن الأمر يحتاج إلى لقاء قمة تركي روسي للتهدئة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أشهر. فهل ينجح بوتين وأردوغان في ذلك؟ أم أن عروض بايدن للرئيس التركي على هامش قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس هي التي نسفت خطط التقارب ومحاولات رسم خريطة طريق جديدة في سوريا على حساب اللاعب الأميركي؟
وافق النظام على إدخال المساعدات الأممية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى لمدة 3 أشهر جديدة مخالفا طروحاته ومواقفه السابقة بالتنسيق مع الحليف الروسي. مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بسام صباغ يقول إن القرار "يأتي انطلاقاً من حرص سوريا على تعزيز الاستقرار ومواصلة الجهود التي تبذلها لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في جميع المناطق السورية".
فما الذي حصل عليه النظام ومن أقنعه بذلك؟ ولماذا يقدم على خطوة من هذا النوع تتعارض مع السلوك الروسي أمام مجلس الأمن الدولي حول الموضوع؟ لمن هي هدايا النظام هنا؟ للأمم المتحدة؟ أم لبعض العواصم العربية؟ أم هي ليست مسألة توزيع هدايا بل محاولة إجراء مقايضات طالما أنه تحدث عن الظروف المادية والمعيشية الصعبة التي تحول دون عودة اللاجئين؟
تصعيد الأسد لا يمكن فصله أيضا عن الانفتاح العربي الأخير نحوه وما يقال حول تراجع وجمود في خطوة الانفتاح هذه. فهل ستلتئم لجنة الاتصال العربية التي شكّلها وزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة السورية مع دمشق وستقوم بزيارة للعاصمة السورية؟ أم أن اللقاء سيتم في أيلول المقبل على هامش انعقاد الجامعة على مستوى وزراء خارجية الدول العربية. مشكلة القيادات العربية مع الأسد تبقى تمسكه بموقف أن سوريا تعرف كيف تختار أصدقاءها بشكل صحيح وهو يتحدث عن روسيا وإيران.
كان الرئيس التركي يعلن قبل أشهر "أننا لسنا منغلقين على موضوع لقاء بشار الأسد، الباب مفتوح". إبراهيم كالن يترجم ذلك بقوله "إن تركيا بدأت اللقاءات مع النظام السوري من أجل مصالحها وسلامة الشعب السوري ومصالحه وحقوقه أيضا". أنقرة تتحدث عن الإرهاب في شرق الفرات ودمشق عن غربه. نتنياهو يدخل على الخط هنا مستفيدا من السجال الحاصل ليقول "الجولان سيبقى إلى الأبد جزءا من إسرائيل". ليس مهماً معرفة رأي بايدن وبوتين حول هذا الكلام.
-----------
تلفزيون سوريا
*كاتب وأكاديمي نركي.