نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عامٌ من الألم

19/09/2024 - الياس خوري

الصراع على دمشق.. إلى متى؟

13/09/2024 - جمال الشوفي

( ماذا نفعل بالعلويين؟ )

12/09/2024 - حاتم علي

(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)

07/09/2024 - سميرة المسالمة *


نظرة إسلامية للعالم





ظهرت مؤخراً محاولة جديدة لتفسير التخلف العربي للباحث في فلسفة العلم الأستاذ سمير أبو زيد، طرحها في مقالة له في مجلة "المستقبل العربي" (عدد سبتمبر 2009)، ونشرها كاملة في كتاب أصدره "مركز دراسات الوحدة العربية" بعنوان "العلم والنظرة العربية إلى العالم: التجربة العربية والتأسيس العلمي للنهضة"، ويقوم هذا التفسير الجديد حول فكرة محورية، هي أن النظرة العربية للعالم معادية للعلم المعاصر.


ولكي يثبت الباحث مقولته انطلق من فرضية أساسية هي "أن المعاينة المباشرة منذ بداياتها وحتى الآن لتأسيس العلم في المجتمعات العربية قد فشلت، وأن السبب في ذلك هو أن العلم السائد في تلك الفترة هو العلم الحتمي الميكانيكي الحديث، الذي يتناقض مباشرة مع النظرة العربية للعالم".
ولكي نبسط هذه الفرضية نقول إن الباحث ينطلق من فكرة معروفة في فلسفة العلم المعاصرة وهي أن فكرة الحتمية كانت مسيطرة على تفسير الظواهر في سياق العلم الحديث، بما تنطوي عليه هذه الفكرة من إمكان صياغة قوانين عامة لها تفسيرات كلية شاملة، تفسر مسارات الظواهر المتعددة وتحولاتها. غير أن العلم المعاصر -نتيجة تطورات معقدة شتى- أسقط فكرة الحتمية.
ولكن بعيداً عن هذه الإشارات التي قد تكون غامضة نظراً لإيجازها نظريات فلسفية كبرى في عبارات محدودة، فإن ما يهمنا هو في أطروحة الباحث حول كون النظرة الحتمية للعلم التي كانت سائدة في العلم الحديث، تتناقض مع النظرة العربية للعالم، ولذلك لم يستطع المجتمع العربي إنجاز مشروع علمي حديث.
وإذا كان الباحث قد حاول أن يعرف مفهوم النظرة للعالم بالاستناد إلى الفكر الفلسفي الغربي، والتي من باب التبسيط عرفناها بأنها هي النظرة للكون والمجتمع والإنسان، إلا أنه حين أراد أن يحدد أصل تكون النظرة العربية للعالم قرر أن "الفكر العربي المعاصر ينتمي ثقافياً/ حضارياً إلى الحضارة العربية الإسلامية. وهو في جوهره كفكر يطرحه المفكرون العرب المعاصرون يعبر على العموم عن محاولة التوفيق بين نظرة الحضارة الإسلامية القديمة إلى العالم، وفكر الحداثة المعاصر".
ثم يقيم الباحث بعد ذلك تفرقة مهمة بين المثقفين العرب والجمهور العربي. إذ يرى أن -في رأيه- نظرة المثقف والمفكر في المجتمع تمثل التفكير الواعي عند الفرد. في حين أن نظرة الجمهور في المجتمع تماثل التفكير غير الواعي للفرد.
وبناءً على هذه التفرقة الأساسية، فإن نظرة المفكرين العرب هي نظرة توفيقية بين النظرة الإسلامية القديمة والنظرة الغربية الحديثة. في حين أن النظرة غير الواعية للمجتمع أي نظرة الجمهور، هي النظرة الإسلامية. وهذه الأطروحة الأساسية التي يطرحها سمير أبو زيد، تحتاج إلى تحليل نقدي دقيق، وذلك لأنها تقيم تفرقة فاصلة بين المثقفين العرب من ناحية، والجماهير العربية من ناحية ثانية.
فالمثقفون يعملون على مستوى الوعي للتوفيق بين النظرة الإسلامية القديمة (التي لم يحددها بدقة) والنظرة الغربية الحديثة، في حين أن الجماهير تعمل على مستوى اللاوعي، ولذلك هي تتبنى النظرة الإسلامية!
وفي تقديرنا أن هذا الفصل القاطع بين المثقف والجمهور تعسفي، لأن هناك علاقة عضوية بينهما، ولعل مصداق ذلك يبدو في المصطلح الذي صكه المفكر الإيطالي المشهور "جرامشي" عن "المثقف العضوي" الذي يلتحم بالجماهير، ويعبر عن مصالحها الطبقية.
والأطروحة الثانية الأساسية التي يقدمها الباحث هي رده أصول تكون النظرة العربية للعالم إلى القرآن الكريم، إذ يقرر "والنظرة العربية- الإسلامية إلى العالم تشكلت واكتملت من خلال نص منزل، وفي فترة لا تتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً".
ويضيف إن النظرة للعالم عموماً، يمكن أن تنشأ بناء على اعتقادات دينية أو طبيعية أو عقلية، أو بناء على مزيج منها جميعاً وذلك في الثقافات المختلفة، أما لدينا نحن فرؤية العالم مصدرها ديني أساساً، ونجد جذورها في القرآن الكريم، وتقوم على عناصر اعتقادية هي قدرة العقل وحدوده، ووظيفة الإنسان وظيفتان: عبادة الله وإقامة المجتمعات الأخلاقية، والقدرة على الاختيار، فالإنسان قادر على الاختيار على المستوى الجزئي ولكنه مجبر بحكم خلق الله لطبيعته على المستوى الكلي، وهناك قوانين الوجود وهي التغير على المستوى الجزئي الإنساني وله أسباب هي السنن الكونية، وعلى المستوى الكلي (الإلهي) ناتج من الإرادة الإلهية، وأخيراً هناك قاعدة التطور، أي أن الوجود يعتمد على التدرج مع الزمن.
وإذا تأملنا جوهر هذه الأطروحة المتكاملة التي يقدمها سمير أبو زيد وصلنا إلى نتيجة مهمة، هي أنه على رغم نصاعتها الفكرية، فإن خطورتها الفكرية -إن صح التعبير- أنها تريد أن ترد الرؤية العربية للعالم، أي النظر للكون والمجتمع والإنسان، إلى نص واحد.
ومعنى ذلك التقييد المطلق لحركة الفكر العربي المعاصر الذي إن أراد أن ينطلق للقضاء على أسباب التخلف وسعياً إلى التقدم، عليه أن يعود في كل جزئية تتعلق بالعالم الطبيعي أو العالم الاجتماعي إلى هذا النص، بحيث يغرق المفكر العربي نفسه -أياً كان اتجاهه- في تفسير النصوص الدينية وتأويلها، وعليه ألا يخرج إطلاقاً على النص، وإلا عد ذلك خروجاً على حدود النظرة العربية الإسلامية للعالم!
وعلى رغم الطابع الفلسفي البحت لمحاولة سمير أبو زيد وهي مقدّرة في ذاتها باعتبارها اجتهاداً يستحق التأمل، إلا أنها في الواقع ليست سوى إعادة إنتاج -وإن كان بصورة مبتكرة- لمشروع أسلمة "المعرفة"، الذي تبناه المعهد الإسلامي في واشنطن، الذي أسسه الأستاذ طه جابر علواني.
وهذا المشروع قام على أساس مسلمة زائفة، هي ضرورة "أسلمة" العلم الغربي قبل أن نتبناه في المجتمع العربي. ولأنصار المشروع تعريفات غامضة لما يطلق عليه "الأسلمة". وقد فشل المشروع فشلا ذريعاً، لأنه تبين أنه ليست هناك ما يسمى معرفة علمية "إسلامية" ومعرفة علمية "مسيحية" أو "بوذية"!
وهكذا يمكن القول إن هذا المشروع الفكري الجديد يمكن أن يضاف إلى المشاريع الإسلاموية الأخرى، التي ليس من شأنها إلا أن تبعدنا -للأسف الشديد- بالفعل عن مسار العلم المعاصر، وهو أساس التقدم الحضاري الراهن.
-------------------
الاتحاد - ابوظبي


سيد يسين
الخميس 5 نونبر 2009