نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عامٌ من الألم

19/09/2024 - الياس خوري

الصراع على دمشق.. إلى متى؟

13/09/2024 - جمال الشوفي

( ماذا نفعل بالعلويين؟ )

12/09/2024 - حاتم علي

(عن الحرب بصفتها "الأهلية" ولكن!)

07/09/2024 - سميرة المسالمة *


حول تجربة الوحدة المصرية - السورية




-1في 22 شباط/ فبراير 1958، أحرزت الحركة القومية العربية، بعد نضال استمر حوالى نصف قرن، أول انتصار قومي وحدوي في تاريخ العرب المعاصر، تمثل في وحدة مصر وسوريا في إطار دولة موحدة اسمها "الجمهورية العربية المتحدة". بعد ثلاث سنوات وسبعة أشهر انفصمت هذه الوحدة.
في أي سياق، عربي ودولي، قامت الوحدة؟
ما مفاعيلها السياسية على الإمبريالية، إسرائيل والرجعيات العربية؟
كيف كانت العلاقة بين الإقليمين المصري والسوري في إطار هذه الوحدة؟
كيف وقع الانفصال؟ ولماذا؟ وما هي دروس هذه التجربة؟ هل فشلت أم قتلت؟



بعد الحرب العالمية الثانية، حين خرجت دول الاستعمار التقليدي كدول من الدرجة الثانية، وحين صعدت القوتان الجديدتان الرئيسيتان على المسرح الدولي (الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة) وحين استأنفت الشعوب، بعد انتهاء الحرب، نضالها ضد الاستعمار، أصبحت عملية نزع الاستعمار التقليدي مطروحة في أمر اليوم.
ولم يكن سهلاً على دول الاستعمار التقليدي القبول بهذا الميل التاريخي، فأرادت تسوية بينها وبين الشعوب العربية تكفل لهذه الشعوب انتقالاً ما من التبعية إلى شبه الاستقلال في إطار النفوذ الإمبريالي للدول الغربية. وهنا تضافرت، على رغم التناقضات التكتيكية والجزئية، جهود دولتي الاستعمار التقليدي (إنكلترا وفرنسا) مع دول الاستعمار الجديد (الولايات المتحدة) التي كانت تطمح إلى وراثة التركة الاستعمارية القديمة ليس فقط لمتابعة استغلال الشعوب العربية واضطهادها، بل أيضاً لجعلها مرتكزاً لعملية محاصرة وصد الاتحاد السوفياتي التي بدأت مع مشروع ترومان وتصاعدت مع سياسة "حافة الحرب " التي مارسها دالاس ، وزير الخارجية في عهد آيزنهاور.
في سياق محاولة إعادة وضع الشعب العربي في دائرة النفوذ الغربية، أي لجعل الاستقلالات السياسية التي يطالبون بها نصف استقلال أو شبه استقلال، طرحت الإمبرياليات مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط وميثاق الأمن المتبادل مع مصر (1951- 1953). وبالنسبة إلى سوريا، توالت المشاريع "الوحدوية" من العراق، متواكبة مع سلسلة من المؤامرات وعمليات الإفساد والإرشاء للقسم الأكثر تأخراً ويمينية من البنية السياسية السورية (1949- 1957).
ولم يلبث المشروع الاستعماري أن أخذ يتبلور: المطلوب إقامة "حلف أطلسي صغير" للشرق الأوسط. وعلى رغم بعض تناقضات جزئية وثانوية بين أمريكا وإنكلترا، سارت قدماً عملية بناء الحلف الذي سمي "حلف بغداد" في ما بعد، والذي اكتمل تقريباً في تشرين الأول/ أكتوبر1955، وكان يضم في عضويته، فضلاً عن إنكلترا، باكستان، تركيا، إيران، والعراق. أما أمريكا، فقد اكتفت بعضوية اللجنة العسكرية فقط.
كانت مصر التي وقعت مع إنكلترا اتفاقية الجلاء في تشرين الأول/ أكتوبر1954، قد رفضت رفضاً قاطعا الدخول في أحلاف مع الدول الغربية. لذا اتجه حلف بغداد، في محاولة لعزل مصر وإجبارها بالتالي على القبول بالدخول في عضويته، إلى تكثيف مؤامراته وضغوطه على سوريا للسيطرة عليها وإدخالها في الحلف. وعندما أدركت مصر هذه الواقعة بادرت إلى هجوم معاكس كان بداية انفجار أكبر وأعظم المعارك السياسية والعسكرية التي شهدها الوطن العربي، منذ الاجتياح الاستعماري. هذا الهجوم المعاكس أخذ يتجه رويداً رويداً إلى مزيد من الراديكالية في موقفه من الإمبريالية ورؤيته لها من جهة، كما أنه اتجه، من جهة أخرى، إلى عزل العراق الذي أرادوا له أن يكون جسراً بين الحلف والوطن العربي، عن التأثير ببقية العرب.
وفي هذه المعركة، كانت سوريا الميدان الرئيسي طوال أكثر من خمس سنوات على الأقل، وبلغت ذروتها خلال السنتين الأخيرتين اللتين سبقتا قيام الوحدة. ففضلأ عن المؤامرة الأمريكية- العراقية- الإنكليزية التي كشف عنها النقاب في تشرين الأول/ أكتوبر 1956، والتي تواطأ فيها قطاع غير صغير من الكتلة السياسية التقليدية السورية، حيكت مؤامرة أخرى للقيام بانقلاب مسلح ينفذ، كما قال عبد الله سعادة (1) ، في وقت واحد مع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وما لبثت الولايات المتحدة، بعد فشل العدوان الثلاثي، أن بادرت للعمل منفردة للإعداد لانقلاب عسكري (مؤامرة ستون)، لكنه أحبط وكشف عنه النقاب في 12 آب/ أغسطس 1957. وتابعت الإمبريالية الأمريكية جهودها لقلب سوريا عبر الحشود العسكرية التركية على الحدود الشمالية لسوريا.
في هذه المعركة، أيضاً، برزت مصر وسوريا بوصفهما المركزين العصبيين والقلعتين الأماميتين للأمة العربية بأسرها. وكان من الطبيعي، في غمار هذه المعمعة المميتة، أن يتقارب هذان المركزان، أن يشعر كل واحد أنه بحاجة لحماية الآخر والتضامن معه. من هنا بالضبط بدأ الطريق الوحدوي الذي قاد إلى قيام الجمهورية العربية المتحدة.
وفي هذا الطريق، أيضاً ، خاض كل من البلدين معركة سويس خاصة به. مصر خاضت، "سويسها" دفعة واحدة في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956، أما سوريا فقد خاضت "سويسها" مقسطة على أربع أو خمس سنوات، امتدت منذ العام 1953 وحتى قيام الوحدة (2). والسبب الذي جعل السويس المصرية تأتي دفعة واحدة، يعود أساساً إلى أن عبد الناصر استطاع أن يوحد الجبهة الداخلية المصرية وأن يشل القوى السياسية التي يمكن الاستعمار أن يلعب بها أو يحركها من جهة، ومن جهة أخرى يعود إلى كون مصر عبد الناصر كانت، بالطبع، أكثر فاعلية وتأثيراً من سوريا، كما أنها كانت موقداً ومحركاً لحركة الكفاح ضد الاستعمار في طول الوطن العربي وعرضه، بل وفي قسم من أفريقيا أيضا. وفي المقابل فإن تخلخل البنية السياسية السورية وتناثرها، جعل الإمبريالية قادرة على الدوام على أن تلعب بالقوى السياسية التقليدية المتأخرة، وهذا ما أبقى لها الأمل، بالتالي، في أن ترى سوريا ساقطة في دائرة النفوذ الإمبريالي.

إذاً ، ففي الصراع في سبيل الاستقلال، وضد حلف بغداد، ثم مرورأ بالعدوان الثلاثي، ووصولا إلى مبدأ آيزنهاور (الذي جاء ذروة السياسة الهجومية الاستعمارية الأمريكية بعد تصفية قواعد الاستعمار القديم) وعلى أشلائه قامت وحدة العام 1958، أي إنها الوحدة التي قامت "إثر حالة حرب، بل وسط حالة حرب سياسية من أكبر حالات الحرب الباردة التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية".
وهكذا، ففي هذه المعركة الطويلة المريرة ضد الاستعمار، السياسية حيناً والعسكرية حيناً آخر، كان النزوع الوحدوي يتحدد ويتبلور بوصفه نزوعاً معادياً للاستعمار، بحكم السياق الذي اندرج فيه، والعدو الذي قاتله والقوى التي حملت لواءه . من هنا يبدو بمثابة توتولوجيا الاشتراط الذي طرحه بعض الماركساويين حول ضرورة قيام الوحدة العربية على أسس معادية للاستعمار، ذلك لأن المنحى التاريخي للنضال الوحدوي هو منحى معاد للاستعمار. وبالتالي فإن اشتراطاً كهذا إن لم يكن نافلة فهو، بكل تأكيد، مطلب أقل جدية وأقل تطلباً من السيرورة العملية للنزوع الوحدوي . والمشاريع الوحدوية المناقضة لهذا النزوع، ومثالها الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق الذي قام رداً على الجمهورية العربية المتحدة، هو الاستثناء المصطنع الذي يثبت القاعدة، وليس العكس.
العامل الخارجي، إذاً، هو الذي لعب الدور الحاسم في صنع وحدة العام 1958. لا شك في أن الايديولوجيا القومية العربية، ذات الجذور التاريخية العريقة والتأثير الوازن في سوريا، هي التي جعلت الشعب السوري يعتبر على الدوام تخلّيه عن كيانه السياسي بمثابة انتصار، إلا أن الصراع الذي فرضته الإمبريالية على الأمة العربية عموماً ، وعلى مصر وسوريا خصوصاً ، لعب الدور الحاسم والمسرع في إقامة هذه الوحدة.
العامل الخارجي (ولعب دوراً كبيراً في الوحدة الألمانية، كما لاحظ أنجلس)، وليس التطور البرجوازي، المصري أو السوري، هو الذي لعب دور المحرك للنزوع الوحدوي . ولعل افتقار هذه الوحدة إلى هذا العامل كان عاملاً في ضعفها وثغرة في بنيانها، فالتطور البرجوازي الكولونيالي، بتبعيته للخارج، شكل عنصر نبذ مضاداً للنزوع الوحدوي، خلافاً للتطور البرجوازي الغربي الذي كان عامل جذب وتوحيد قومي.
إن افتقار الجمهورية العربية المتحدة إلى طبقة برجوازية حقة (والبرجوازية الكولونيالية ليست سوى كاريكاتور برجوازية) جعلها ترتكز على البرجوازية الصغيرة. غير أن الأخيرة هذه ليست طبقة بالمعنى العلمي للكلمة، وبخاصة في البلدان المتخلفة ، لكونها فراطة لا تجمعها مصالح مشتركة، ولا تربطها، إيجابياً، ايديولوجيا مشتركة، ولا ترتكز على قاعدة محددة من وسائل الإنتاج. ولأن البنية السياسية للنظام الناصري لم تستطع أن تجبل وتبلور طبقة سياسية حديثة من الفراطات البرجوازية الصغيرة، بقي بنيان دولة الوحدة هذه ثلوماً ، فاستطاعت الإمبريالية أن تنفذ إليها ، مستفيدة من عوامل متعددة، على رأسها عامل الافتقار إلى تواصل الأرض ، وتضربه من الداخل.
والواقع أننا عندما نتحدث عن طبقات في المجتمع العربي إنما نفعل ذلك على سبيل التقريب. فلم يشهد مجتمعنا الإقطاعية ولا الرأسمالية في صيغتيهما الأوروبية، والبنى التقليدية ما قبل البرجوازية والتطور الرأسمالي المحدود والمشوه ما زالت تحجز الاستقطاب الطبقي وتشوهه. لذا فإن ما نسميه طبقات هو، في الواقع، بالأحرى فئات اجتماعية متشابكة ومتفاوتة في السلم الاجتماعي، تتصارع فيما بينها وتمارس الواحدة إزاء الأخرى اضطهاداً ما أو أستغلالاً ما. وبالتالي فما نزال إزاء "بداوة طبقية" أو "طبقية مبذونة"، إذا صح التعبير.
المسرح السياسي السوري، حيث عاشت برلمانية شرقية بكل قباحاتها وحسناتها (قياساً بالمملوكيات "الثورية")، كان يقدم عينة من هذه الحقيقة الواقعية التي ذكرنا. فالكتل والتيارات السياسية لم تكن منقسمة وموزعة على أساس اعتبار طبقي ما وحده. لا شك في أننا كنا نتبين ملمحاً طبقياً عاماً في ثنايا الايديولوجيا والبنية الاجتماعية لهذه الكتلة أو ذاك الحزب، لكن الاعتبارات المحلية والعشائرية والطائفية والايديولوجية كانت تلعب، بصورة واعية أو غير واعية، دوراً وازناً في الخريطة السياسية لسوريا.
إذا أخذنا هذا التحفظ بالاعتبار، واذا أخذنا بالاعتبار أيضاً كون النزوع الوحدوي في سوريا كان يجد ديناميته خلال الصراع مع الإمبريالية، يمكننا القول، خلافاً للماركساوية الاقتصادية التبسيطية، إن القوى السياسية التي وقفت مع الوحدة هي عينها القوى التي ناضلت ضد الإمبريالية خلال الفترة 1954- 1958 (مع استثناء ضعيف المغزى، تمثل في موقف الحزب الشيوعي السوري المعارض للوحدة)، وهذه القوى مكونة أساساً من حزب البعث والجيش السوري، فضلاً عن كسور من الكتلة السياسية التقليدية، كانت مجرورة أكثر مما هي مندفعة. أما القوى التي عارضت الوحدة أو توجست منها، فهي نفسها تقريباً القوى التي كانت إما خائفة من الإمبريالية أو ميالة للمصالحة معها أو مرتبطة بها، وهي قوى يغلب فيها الملمح التقليدي المختلط بالمتبرجز، فضلاً، عن كسور مهمة من الكتلة البرجوازية الصغيرة (الإخوان المسلمين).

في بلد لم تخترقه السياسة بمعناها الحديث، لم يمارس السياسة بمعناها العصري، وبالتالي حيث الالتزام بالمصلحة القومية والتصرف وفقاً لها من قبل الكتل الشعبية مثقل ومغموس بقبليات ما قبل قومية، وحيث الرابطة بين النخبة السياسية وقواعدها الشعبية تذهب إلى أبعد وأعمق من الموقف السياسي للنخبة لتصل إلى ولاء معزول إلى هذا الحد أو ذاك عن الموقف السياسي- في بلد كهذا حيث ذهبت الجماهير السورية، لعمق النزوع الوحدوي في سوريا وللصورة البطولية التي خرج بها عبد الناصر من معركة السويس، إلى مواقع أخرى بعيدة، بالنسبة إلى مسألة الوحدة مع مصر، عن مواقع النخبة السورية التقليدية- المبرجزة، فاندفعت في موج زاخر هادر يهتف للوحدة، أو المأتم القومي الذي عاشته عند الانفصال ، لا بد أن يصاب بالذهول إزاء هذه الظاهرة.
في تلك المعركة الضارية التي فرضتها على سوريا الإمبريالية والقوى الرجعية العربية الضالعة معها، كانت البنية السياسية السورية تتمزق، وهي البنية التي كانت مخلخلة بالأساس ، بفعل التناثر السوري ذي الجذور التاريخية. والقول بأن "سوريا أصبحت في أواخر صيف 1957 على شفا الانحلال كمجتمع سياسي منظم " (3) ينطوي على مبالغة ولا ريب، لكن فيه بعض حقيقة. ثم إن الانفصال بين الكتلة الرئيسية من النخبة السياسية والجماهير، والتمزق الذي أصاب هذه النخبة، وأخيراً ابتعاد أو إبعاد القسم من هذه النخبة، الذي دفع سوريا في طريق الوحدة ، عن مركز القرار في الجمهورية العربية المتحدة، خلق في سوريا فراغاً سياسياً لم يستطع أن يملأه هذا السديم الشعبي ، وإن الملتهب، الذي سار وراء عبد الناصر. ومن هذا الفراغ، الناجم بالطبع عن قصور في الوعي، الذي يفصل القائد عن الجماهير، استطاعت الرجعية السورية، مستفيدة من التناقض بين البيروقراطيتين العسكريتين السورية والمصرية، ومرتكزة على دعم الرجعية العربية والدول الإمبريالية (حتى فرنسا الديغولية لم تكن بعيدة، ناهيك عن أمريكا وإنكلترا، عن مؤامرة الانفصال) (4)، أن تنفذ إلى بناء الوحدة وتضربه من الداخل.
إن مسألة إسقاط الوحدة (ولا نقول سقوط ولا فشل) تعود، في التحليل الأخير، إلى مسألة الوعي. وهذا القصور في الوعي لا يقتصر على نخبة النظام الناصري، بل يتعداها إلى جماع الحركة القومية العربية المشرقية، التي يتجلى قصور وعيها ليس فقط في كونها عجزت عن استشراف السيرورة المعقدة والشاقة للنضال الوحدوي ، بل أيضاً في كونها عجزت عن وضع المسألة القومية في صلب قضية تقدم الأمة العربية، عن رؤية التفاعل الجدلي بين التقدم والتوحيد القومي ، وأخيراً في تصورها الساذج، المتهافت والمتناقض ، لمسألة تقدم المجتمع العربي بوجه عام .
والواقع ان ما أعطى مسألة الوعي أهميتها الحاسمة بل المحورية في تجربة وحدة العام 1958 بين مصر وسوريا هو، أولاً، العداء الشرس الذي واجهت به القوى الإمبريالية هذه الوحدة، ناهيك عن العداء المتفاوت الشراسة والاستقتال الذي لقيته من قبل الدول المجاورة للوطن العربي : ففضلاً عن إسرائيل، التي رأت في هذه الوحدة تحولاً خطيراً في ميزان القوى، كانت إيران وتركيا تناصبانها العداء، وأخيراً توجس أو حذر أو عدم أرتياح الاتحاد السوفياتي، صديقنا التاريخي والاستراتيجي . أما العامل الثاني الذي أعطى مسألة الوعي هذه الأهمية المحورية فهو عدم الاتصال الأرضي بين سوريا ومصر. ولو أن سوريا كانت جغرافياً، بالنسبة إلى مصر، ليبيا أو السودان، لما أخذت مسألة الوعي هذا الشكل الحاد والمصيري، بل لكان مستحيلاً تقريباً أن يقع انفصال، وبالتالي لما طلعت علينا هذه النظريات حول "الوحدة المدروسة" و"الوحدة الراسخة" و"الوحدة التي تحميها الجماهير المنظمة" و"الوحدة الديمقراطية"، و"الوحدة المتكافئة" إلى آخر هذه الأسطوانة المكسورة، التي ما برحنا نسمعها منذ صبيحة 28 أيلول/ سبتمبر 1961، وفي النهاية لما فرحت تلك النظريات التي اكتشفت، من خلال الصفن، حتمية سقوط الوحدة!!
ما من تجربة عربية أخرى، بما في ذلك الحرب- الهزيمة في حزيران/ يونيو 1967، شكلت رائزاً للوعي العربي وللايديولوجيا العربية مثل تجربة وحدة العام 1958، فقابلية الانثلام الكامنة في هذه الوحدة، الناجمة عن أفتقارها إلى التواصل الأرضي، كانت بوجه عام رائز وعي النخبة السياسية المصرية- السورية، سواء الجزء الذي تحمّل مسؤوليتها أو الذي أزورّ عنها أو الذي عارضها، وفي الوقت نفسه كانت رائز وعي النخب العربية الأخرى بوجه عام.
كيف؟

الجزء الذي تحمّل مسؤوليتها، وقتلت وهي تحت قيادته، كشف عن عجز وبالتالي عن قصور في قيادة العملية الوحدوية. إن وحدة قطرين، على رغم عمق ما يجمع بينهما من إرث الماضي، وعلى رغم الطابع التخلفي المتأخر المشترك لحاضرهما، وعاى رغم وحدة الآمال التي يتطلعان إليها في المستقبل، بينهما بعض ما يمايز ( التفاوت في الاندماج أو التناثر القوي لهذا القطر أو ذاك، كثافة أو ثقل النزوع المحافظ في الايديولوجيا السائدة في هذا القطر أو تأخرها في القطر الآخر) كانت تتطلب من تلك النخبة وعياً عيانياً تفصيلياً لهذه الحقائق الواقعية في كلا القطرين يكفل القدرة على التذليل والتذويب في آن. وخلافاً لمزاعم الايديولوجيا الإقليمية التي تتخذ من عنصر التباين أو التمايز بين الأقطار، كما تفعل الماركساوية العربية الاقتصادية، حجة لوضع الوحدة على الرف واستبعاد النضال الوحدوي واعتباره هدراً لطاقة وجهد الجماهير، وخلافاً لطوباوية الايديولوجيا القوماوية العربية التي تنكر هذه التباينات الإقليمية أو تستهين بها، فإن هذه التباينات ليست، في التحليل الأخير، سوى مشكلة من مشكلات الواقع العربي ومشكلات التوحيد القومي، مشكلة تتطلب رفع الوعي الوحدوي وليس النكوص إلى الاستنقاع الإقليمي. إذاً ففي مواجهة أسوار التجزئة لسنا بالأحرى إزاء عرقلات تتطلب إرجاء الوحدة، بل إزاء مسألة تنمية الوعي العربي لكي يكون في مستوى مناسب. وما دام الأمر كذلك، تغدو معضلة النضال الوحدوي، شأن معضلات النضال الاشتراكي أو التحديثي، سواء بسواء، مسألة وعي، ثم تحويل هذا الوعي، بتملكه الجماهير، إلى قوة مادية. وهكذا نعود مرة أخرى، وفي المستوى الأخير، إلى مشكلة التأخر، بوصفها عاهة الايديولوجيا العربية بجميع تلاوينها وتشعباتها : القوماوية، الماركساوية، الاقليمية ، الخ.
وقصور الوعي لا يقتصر على هؤلاء الذين تحمّلوا مسؤوليتها، بل يمتد، وهنا المفارقة، إلى هؤلاء الذين ازورّوا عنها أو عارضوها، وبخاصة المنتمين إلى الايديولوجيا القوماوية العربية الذين انتقلوا إلى مواقع إقليمية، عندما شرّطوا وعلّبوا وقننوا العملية الوحدوية. والواقع أن هذه الايديولوجيا، بسذاجتها وشعوريتها، تنطنط من مطلق إلى مطلق، لأنها عاجزة عن تصور المسار الوحدوي كصعود شاق يتواكب مع الوعي السياسي السائد ومع الايديولوجيا السائدة، وبالتالي اعتبار الوعي الوحدوي خلاصة وزبدة الوعي العام لمجتمع يعاني شقاء قومياً من جهة، ويواجه ضغوطاً ساحقة من قبل الإمبريالية من جهة أخرى.
ولأن الايديولوجيا القوماوية العربية اعتبرت الوحدة طوباوية أو مثالاً وليس واقعاً يتطور مع تطور وعي البشر الذين يناضلون في سبيل المشروع الوحدوي، رأينا قطاعات غير صغيرة من قطاعاتها تنتقل، دونما شعور بعميق تناقض، عبر شقلبة ميتافيزيائية، إلى مواقع إقليمية وانفصالية. ولعل أبرز مثال على هذه الحقيقة الواقعة هو المناداة بـ "الوحدة المدروسة" التي انتهت عملياً إلى انفصالات أو انفصاليات مدروسة.
في تجربة وحدة 1958، أعطت الايديولوجيا القوماوية العربية كل ما لديها. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تثبت هذه الايديولوجيا أنها إما عاجزة عن خدمة المشروع الوحدوي أو أنها تحولت إلى عقبة في وجهه. والمهمة المطروحة أمام الثوريين العرب هي دفن ، عبر الدحض والتفنيد، هذه الايديولوجيا واستبقاء هذا العنصر الثمين والعظيم منها، عنصر يشكل أرضية المستقبل العربي : الوحدة العربية.
-2-
إذا كانت وحدة العام 1958 قد جاءت نتيجة زلزلة سياسية، فإنها لم تلبث، بدورها، أن أحدثت زلزلة سياسية. ولو أن هذه الزلزلة أخذت كل مداها، بتوفر وعي مناسب لدى الصف الوطني العربي، لقطعت الثورة العربية مسافة أطول بكثير ولوفرت للتقدم العربي أرضية أكثر مؤاتاة بكثير.
أخذت هذه الزلزلة بعض مداها بانفجار ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق، لكنها لم تلبث أن تجمدت مع ارتطام البعد الوحدوي لهذه الثورة، ارتطام تلاه انطفاء جذوتها وتحولها إلى حكم عسكري . أخذت الزلزلة في الانحسار مع التمزق الذي أصاب الصف الوطني العربي، وتلاشت مع الانقلاب العسكري الذي فصم هذه الوحدة في 28 أيلول/ سبتمبر 1961. وما لبث الانفصال، عبر سلسلة من التناقضات العربية والعوامل الدولية، أن نسل هزيمة حزيران/ يونيو التي كانت بداية النهاية. مع وفاة عبد الناصر، جاءت النهاية، نهاية محاولة النهضة العربية الثانية.
هذه الخطوط العريضة الأولية للتطور السياسي العربي تهدف فقط إلى توضيح وإبراز، أولاً، مكان العام 1958 في التطور العربي خلال الفترة التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثانياً، كيف تندرج العملية الوحدوية في صلب التطور العام للنضال العربي في سائر صعده وتكون مرآته وخلاصته. وبالتالي تبين كيف أن النضال ضد الاستعمار يمكن أن يتحول إلى أكثر من احتجاج سياسي، أي يمكن أن يمكث في الأرض، إذا صُب في مجار وحدوية ( أو إذا صب في عملية تغيير جذرية لبنى المجتمع لا الاقتصادية فقط ، بل السياسية والثقافية أيضاً وأولاً ). وإذا كان قصور الايديولوجيا القومية جعلها ترى إلى المشروع الوحدوي بمثابة "الهدف الأعلى" و"خاتمة المطاف "، إلا أن قصور الماركساوية الاقتصادية العربية ليس أقل من قصور الأولى عندما اعتبرت المشروع الوحدوي نافلة برجوازية تستحق المقاومة تارة أو الإهمال تارة أخرى . إن المشروع الوحدوي يشكل أرضية مناسبة للتقدم العربي، يذلل هذه العقبة أو يشل ذاك الضغط ، بل قد يشكل رافعة على هذا الصعيد أو ذاك. أما إذا بني على وعي مناسب بآفاق التقدم العربي ونهضت به قوى اشتراكية وحديثة (وأؤكد هنا على حديثة) فيشكل رافعة لا مثيل لها للنهضة العربية.
قلت قبل قليل إن تلك الوحدة التي جاءت حصيلة زلزلة سياسية، ما لبثت أن أحدثت، بدورها، زلزلة أخرى. كيف تجلت؟ ما هي تظاهراتها؟ وما هي مفاعيلها؟
عندما كان المشروع الوحدوي بين سوريا ومصر يتجسد ويتبلور خلال معركة ضارية فرضتها الإمبريالية الأمريكية، ويصل البلدان إلى الوحدة من خلال معارضة مشتركة لا تردد فيها ولا التباس لمبدأ آيزنهارو، كانت الأقطار العربية الأخرى : لبنان العراق، تونس، ليبيا، الأردن، السعودية، يرتبط الواحد بعد الآخر بهذا المبدأ، هذا الارتباط الذي قنن امتداد الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي وصفى بقايا نفوذ دولتي الاستعمار القديم : إنكلترا وفرنسا، بحيث إن حلف بغداد نفسه أصبح مظهراً من مظاهر مبدأ آيزنهاور.
هذا المناخ السياسي، وبدأت عناصره تتجمع منذ حرب السويس ، الذي ولدت فيه الجمهورية العربية المتحدة، أطلق في طول الوطن العربي وعرضه موجة حماسة وتحركاً جماهيرياً لم يشهدهما من قبل. وأصبحت هذه الجمهورية محط آمال الشعب العربي في تحقيق الوحدة العربية وتحرير الوطن العربي من النفوذ الاستعماري . هذه الحماسة القومية ، بل أكاد أقول الهيجان القومي، زادت من أرتباك، بل من ذعر الرجعيات العربية وإسرائيل والقوى الإمبريالية. ومن يتأمل الأوضاع السياسية العربية في ذلك الحين كان يرى ارتسامات أو إرهاصات تغييرات مهمة في الأوضاع السياسية العربية، تغييرات أصبحت مدرجة في أمر اليوم، وتحققها أصبح مسألة وقت (5).
ولم تخب التوقعات: صدرت ردود فعل وأنفجرت أحداث جلت وأكدت الاحتمالات الثورية التي انطوى عليها ذلك المشروع الوحدوي . واذا كانت هذه الاحتمالات الثورية قد خنقت الواحد بعد الآخر وصولاً إلى المشروع الأصلي، الجمهورية العربية المتحدة، فإن هذا لا يثلم مشروعية وواقعية وعقلانية المشروع
الوحدوي، بل يكشف فقط قصور وعي الحركة القومية العربية بوجه خاص والحركة الوطنية العربية بوجه عام، فضلاً عن دور العوامل الدولية التي لعبت، هي أيضاً، دوراً في خنق تلك الاحتمالات، دوراً كان من الممكن شله لو أن الوعي العربي كان، ونكرر ذلك، على مستوى مناسب.
بعض ما هو رئيسي من تلك الأحداث وردود الفعل كان التالي :
1- لقد كان قيام إسرائيل واستمرار وجودها نتيجة طبيعية لميزان القوى المحلي الذي لم يكن لصالحها إلا بسبب واقعّي التأخر والتجزئة. وهذا يفسر لم كان ، ولا يزال، حجر الزاوية في استراتيجية إسرائيل السياسية هو منع الوحدة العربية عبر عزل مصر عن الشرق العربي (والقضاء على القومية العربية بالتالي عبر الدفاع عن التجزئة الراهنة، بل وتفتيت الكيانات الصغيرة القائمة إلى كيانات طائفية أصغر). كذلك الأمر، فإن حجر الزاوية في استراتيجيتها العسكرية إنما يقوم على منازلة الجيوش العربية في ظروف تتمكن فيها من منازلة كل جيش عربي على حدة باعتبارها قادرة على تأمين تفوّق عسكري على كل جيش عربي ما دام منفرداً . من هنا فإن ضربات إسرائيل العسكرية تبقى مرهونة بوجود ظروف تحارب فيها الجيوش العربية كجيوش متعددة (6).
لهذا السبب كانت وحدة العام 1958 بمثابة ضربة شديدة لكل استراتيجية إسرائيل السياسية والعسكرية في آن. وهذا يفسر الهياج والشعور بالمأزق الذي تملّك النخبة السياسية الإسرائيلية عند قيام الوحدة. وفي البرلمان الإسرائيلي، وقف بن غوريون وهو في حالة هياج : " هذه ليست جمهورية، ولا عربية، ولا هي متحدة". بل إن جناحاً في السلطة الإسرائيلية ( لعل بن غوريون هو الذي يمثله) كان يفكر بتسديد ضربة عسكرية لأحد إقليمي الجمهورية تفتح شرخاً ، إن لم يكن انهياراً، في بنيان دولة الوحدة. لكن يبدو أن حسابات كل السلطة الإسرائيلية لم تؤيد مثل هذه العملية.
كيف أصبح الموقف العربي- الإسرائيلي بعد العام 1958؟
كيف أصبح ميزان القوى المحلي، العربي- الإسرائيلي، بعد قيامها؟
لوحظ أن إسرائيل قد أوقفت تقريباً اعتداءاتها على حدود الجمهورية العربية المتحدة، وبخاصة على حدود سوريا، حتى إذا افترضنا أن قوات الطوارئ الدولية، على الحدود المصرية- الإسرائيلية، كانت حاجزاً أمام الاعتداءات الإسرائيلية. إن العدوانين الإسرائيليين الوحيدين في شباط/ فبراير وآذار/ مارس 1960 على الحدود السورية قد قوبلا برد عسكري كان لأول مرة رداً ذا مغزى، كما قام الجيش الأول (الجيش السوري) باعتداء مضاد كان أشد من العدوانين الإسرائيليين.
طبعاً لم تتعدّ الجمهورية العربية المتحدة، خلال فترة الوحدة موقف الدفاع. لكن إسرائيل تخلّت، كما يبدو، مؤقتاً على الأقل، عن موقف الهجوم والردع . ويفسر هذا بأن ميزان القوى العسكري المحلي أصبح متأرجحاً. هذا التأرجح في ميزان القوى العسكري لم ينجم بالطبع عن مجرد الجمع العددي للقوة العسكرية المصرية مع القوة العسكرية السورية، بل عن وحدة الجيشين وامكانية عملهما كجيش واحد.
من الزاوية السياسية، أخذت إسرائيل تتحدث لغة جديدة إلى حد ما. يقيناً ،إن إسرائيل لم تتراجع عن مواقعها الأساسية، لكن لغة التهديد بالقوة قد خفتت. وقد أشار عبد الناصر إلى ذلك، في خطابه بمناسبة الذكرى الأولى للوحدة، باعتباره ثمرة من ثمار الوحدة.
ومن جهة أخرى، اتجه تحرك إسرائيل السياسي، بسبب قيام الوحدة بالطبع،إلى إقامة حلف بين الدول القائمة على أطراف الوطن العربي، فاقترح دايان، في أيار/ مايو 1958، بدعم من بن غوريون، على مونتغمري إقامة حلف بين إسرائيل وتركيا والحبشة ، كما حاول بن غوريون الحصول على تعهدات وضمانات من الحلف الأطلسي لحماية حدود إسرائيل (7). وأخيرأ باشرت الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة وبصورة علنية، تزويد إسرائيل بالأسلحة وبخاصة بالصواريخ . وزادت المساعدات والقروض السنوية المقدمة من الغرب الإمبريالي خلال فترة الوحدة بنسبة قدرها 35 بالمئة عن السنوات الثلاث السابقة للوحدة. وبعد الوحدة فقط نبتت في إسرائيل فكرة صنع قنبلة ذرية تساعدها في ذلك فرنسا. ولوحظ أيضاً أن المعدل السنوي للهجرة إلى إسرائيل الذي كان، خلال السنوات الأربع السابقة للوحدة (1954- 1957) ، 0 4460 مهاجر، أصبح خلال سنوات الوحدة (1958- 1961) 29750 مهاجراً، وهذا يعني أن المعدل الوسطي للهجرة قد هبط خلال سني الوحدة بنسبة قدرهـا 66 بالمئة.
2- في رد فعل يكاد يكون غريزياً على الوحدة بين مصر وسوريا، أقام الاستعمار اتحاداً بين المملكة الأردنية والمملكة العراقية الهاشميتين. بالطبع لم يكن هذا " الاتحاد " اتحاداً ، وإلا لِمَ لم تقمه العائلة الهاشمية من قبل خلال ربع قرن من حكمها في شرقي الأردن وفي العراق. وهذا الاتحاد لم يكن فقط اتحاداً كهاكه، بل أكثر من ذلك، كان رد التجزئة المعاكس للسيرورة الوحدوية التي حققت أول إنجاز لها، كما كان، بالإضافة إلى ذلك، رد الرجعية التقليدية المعاكس على الصيغة الناصرية التي ارتدتها الثورة العربية في تلك المرحلة (8). لقد كان مثال التضامن التجزئي.

لقد جاءت وحدة العام 1958 بمثابة ضربة هزت أسس النظامين، بل الكيانين، الأردني بخاصة ثم العراقي، فجاء هذا الاتحاد الكهاكه محاولة للتماسك وللصمود في وجه هذا الموج الوحدوي الزاحف. إن شعب الأردن (إذا كان لا بد من التمييز بين ما هو أردني وفلسطيني، في ما يتعلق بالموقف من الوحدة)، الذي يعاني شعوراً بعدم الاكتفاء الكياني نظراً لافتقار المملكة إلى مقومات الدولة وبسبب مواجهته المباشرة العاجزة لإسرائيل، كان من أكثر الشعوب العربية تحسساً بالوحدة المصرية- السورية وتجاوباً معها. والملاحظة نفسها تصدق على الشعب الفلسطيني الذي كان يعتبر الوحدة طوق النجاة والمقدمة اللازمة لاستعادة حقوقه القومية. إذاً ، فموقف الشعب الأردني- الفلسطيني هذا، الذي وضع كيانه السياسي موضع شك شديد عند قيام وحدة العام 1958، هو الذي دفع إلى إقامة هذا " الاتحاد " ، وبالتالي فإنه كان تضامناً تجزئياً مقاتلاً ، وليس وحدة عربية رجعية ، كما زعم البعض . والأحداث اللاحقة، وبخاصة بعد انفجار ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق والإنزال الإنكليزي في الأردن، توضح هذه الحقيقة الواقعية (9).
يمكننا اعتبار "الاتحاد" الهاشمي تجزئة مقاتلة، وهذا هو الأصح، كما يمكننا اعتباره الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، القاعدة التي أكدت بوجه عام أن المشروع الوحدوي يتجه، دوماً ، على مدى تاريخي استراتيجي، في خط مناقض للمصالح الاستعمارية والقوى الطبقية الضالعة معه، كما أنه يتجه، غالباً، على مدى تكتيكي، في الخط نفسه.
بل أكثر من ذلك : إن الميل التاريخي للتطور العربي الحديث يدل، بوجه عام ، على أن ريح الإقليمية تصعد مع صعود النفوذ الإمبريالي، وأن الريح الوحدوية تصعد، في المقابل، مع الانتصار على الإمبريالية . وبالتالي فإن الطبقات والفئات الرجعية التقليدية التي تعاونت مع الاستعمار ثم ورثت مواقعه، شأنها على الصعد الأخرى ، كانت عامل تكريس وتثبيت لواقع التجزئة، وإنه بقدر ما كان الشعب العربي يحرز من انتصارات على الاستعمار والقوى الرجعية التقليدية يقترب المشروع الوحدوي من الراهنية.
لكن، لنفترض، جدلاً، أن ذلك الاتحاد الهاشمي، العراقي- الأردني، كان اتحاداً فعلياً (ولم يكن ثمة ما يحول، بالضرورة، دون ذلك من زاوية البنية السياسية لكل من الدولتين، سواء من حيث طبيعتهما الطبقية وأيديولوجيتهما وارتباطاتهما الخارجية)، ولم يكن اتحاداً كهاكه أو مجرد تجزئة مقاتلة، فما هي المضاعفات التي كان سيفرزها لو أنه استمر؟ أولاً، كانت ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق ستنسحب بصورة أتوماتية تقريباً إلى المملكة الأردنية الهاشمية. ثانياً، كان العراق، بكل ثقله وإمكانياته، سينجرّ إلى المشرق، إلى البحر المتوسط ، بدلاً من الانثناء إلى وراء، كما أنه كان سينجر إلى الحومة انجراراً نهائياً وكاملاً ودائماً ، أعني حومة الصراع العربي- الإسرائيلي. ولا نعتقد أن هذه النتائج المحتملة لاستمرار الاتحاد كانت في حسابات الرجعية التي أقامته ولا الإمبريالية التي دعمته، كما أنها ليست سلبية بالنسبة إلى المصالح القومية للأمة العربية وللثورة العربية.
هذه الحقيقة تبين كم هي ساذجة ومضللة تلك الأطروحات التي تتحدث عن وحدات رجعية عربية. فالواقع أن التطور التاريخي للشعب العربي قد ألغى، بوجه عام، احتمالات وحدات في خدمة الاستعمار أو وحدات رجعية أو برجوازية، لا لأن الاستعمار قد فرض، مع سيطرته على الوطن العربي، تجزئة كولونيالية، مرتكزة جزئياً على بعض عوامل موضوعية قائمة في الواقع الموضوعي العربي، لكنها مرتكزة أساساً على اعتبارات الهيمنة الاقتصادية للإمبريالية، وبخاصة ميكانيتها المتمثلة بربط الاقتصادات العربية المتخلفة والمجزأة باقتصادات المتروبولات.
إن المشروع الوحدوي ليس اتفاقاً أو إطاراً سياسياً ، بل هو أبعد من ذلك وأعمق. إنه عملية تاريخية كاملة: سياسية، ايديولوجية، اقتصادية، اجتماعية. من هنا فإن هؤلاء الذين ينظرون إليه كعملية سياسية خالصة يخطئون حقيقته الواقعية. لا يمكن المرء أن يلتقط كل أبعاد المشروع الوحدوي وايجابياته إذا لم يضعه في منظور تاريخي. والواقع أن عبد الناصر الفرد (وليس الناصرية التيار)، مهما عانى من قصور في وعي التفاصيل ناجم عن أفتقار نظامه إلى طبقة سياسية حديثة، كان يملك شيئاً ما من رؤية تاريخية للمشروع الوحدوي، وأن أصراره الغريب، على رغم كل الإخفاقات والعثرات والمصاعب، وعلى رغم عزوف الإنتيليجنسيا المصرية عن هذا المشروع، برهان على هذه الرؤية. في المقابل، كانت الايديولوجيا القوماوية العربية والماركساوية الاقتصادوية العربية تفتقران كلياً إلى هذه الرؤية. وعلى الرغم من الشطارات النظرية، رأينا الأولى تضيع في المطلقات فتستسلم (والمصالح لعبت دورها أيضاً) عملياً، على رغم ثرثرة وحدوية، للإقليمية، ورأينا الثانية تضيع في التكتيكي والآني، فتزوّر عن المشروع تارة، وتحاربه تارة أخرى، وتؤيده رفعاً للعتب تارة ثالثة (10).

3- مع إعلان مبدأ آيزنهاور في أوائل كانون الثاني/ يناير 1957، الذي كان يرمي إلى وراثة تركة الاستعمار القديم بوجه عام ، وإلى تثبيت حلف بغداد وتعزيزه ولكن بزعامة أمريكية مباشرة بوجه خاص ، طرح الحكم اللبناني موقف التردد والتستر الذي وسم موقفه من حلف بغداد وأعلن ارتباطه بمبدأ آيزنهاور في آذار/ مارس 1957. لا شك في أن ارتباط الحكم اللبناني بهذا المبدأ يعود إلى عوامل متعددة، طائفية، طبقية وشخصية، لكن العامل الرئيسي والعميق في هذا الارتباط إنما يعود إلى أن انحياز الحكم اللبناني إزاء المعركة الشاملة التي كانت رحاها تدور على امتداد المشرق العربي بين الاستعمار والحركة القومية العربية، قد أخذ شكله الحاد والصريح إلى جانب الاستعمار، انحيازاً لعبت فيه الايديولوجيا الطائفية دوراً حاسماً بتصورها، الواهم أو الكاذب، أن موج الحركة القومية العربية يهدد بابتلاع الكيان اللبناني.
من هنا، فإن أحداث أو ثورة العام 1958 في لبنان (والأصح قول التمرد الوطني)، كانت جزءاً لا يتجزأ من المعركة الطويلة التي نشبت منذ أواسط الخمسينيات وامتدت حتى أوائل الستينيات. ومن الطبيعي أن يكون لهذه الثورة، ما دام لبنان ساحتها، تلاوينها اللبنانية الخاصة وانعكاساتها اللبنانية المميزة، لكنها تبقى مجرد امتداد طبيعي للمعركة الشاملة التي كانت ناشبة بين الحركة القومية العربية والاستعمار التقليدي ثم الجديد. والواقع أن تطور الأحداث وتعقيداتها، كما سنرى، جاء يؤكد ذلك : كيف نشبت؟ متى احتدمت؟ ثم متى بردت؟
فقط من خلال المنظور اللينيني للإمبريالية، لا من منظور طبقاوي واقتصادوي، يمكن فهم أحداث العام 1958 في لبنان، ففي معركة بلغت تلك الحدة وذلك الاتساع الذي بلغته المعركة بين الاستعمار والحركة القومية العربية في الخمسينيات، كان العالمي يهيمن على القومي، والقومي على الإقليمي والمحلي. أضف إلى ذلك في الفترات الثورية، أن السياسي يهيمن على الاقتصادي. هذا المنظور يجلو هذه المفارقة الظاهرية، ويفسر كيف أمكن الإقطاع السياسي (إذا سلّمنا، جدلاً، بهذه المقولة)، في لبنان، أن يلعب دوراً ما ضد الاستعمار، في حين أن البرجوازية كانت تلعب لصالحه (11)، وكيف أن القوى التقليدية في العراق والأردن والسعودية وقفت مع القوى البرجوازية في لبنان. كما أن هذا المنظور يبين كيف أن الايديولوجي والسياسي، في المجتمعات الطرفية، كالمجتمع العربي، لا يزال يلعب دوراً وازناً تارة وحاسماً تارة أخرى.
قبل أن يعلن الحكم اللبناني ارتباطه بمبدأ آيزنهاور، كان الصراع بينه وبين المعارضة ذا طابع محلي بالأحرى. لكن ما إن تم هذا الارتباط حتى غلب الطابع العربي على هذا الصراع وتحول لبنان إلى ساحة الصدام الرئيسية بين الحركة القومية العربية من جهة، والإمبريالية الأمريكية والقوى الطبقية والسياسية المتحالفة معها في الوطن العربي من جهة أخرى. غير أن الصراع لم يأخذ شكله الانفجاري إلا بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة، ثم تفاقم أكثر فأكثر مع انفجار ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق ، التي كانت سبباً مباشراً في التدخل العسكري الأمريكي في لبنان في اليوم التالي للثورة.
كان واضحاً منذ بدايات الصراع أن الصف الوطني اللبناني، فضلاً عن الصف القومي العربي ممثلاً بمصر وسوريا ثم بالجمهورية العربية المتحدة، كان يخوض معركة سياسية محدودة وذات طابع دفاعي فحسب، معركة حصر ثم تحطيم مبدأ آيزنهاور وإنهاء ارتباط لبنان به، لذا لا أساس للزعم بأن محاولة ابتلاع لبنان من قبل الجمهورية العربية كانت في أساس أحداث العام 1958، فلا الجمهورية العربية المتحدة ولا القوى الوطنية اللبنانية كانت تضع هذا المشروع في منظوراتها القريبة ، كما أن الأخيرة لم تبلغ هذا الحد من الراديكالية القومية .
والطابع العربي الذي غلب على الصراع المحلي اللبناني في العام 1958 لا يتجلى في الدعم المتعدد الأشكال الذي كانت تقدمه كل من سوريا ومصر ثم الجمهورية العربية للصف الوطني اللبناني، بل يتجلى أيضاً في الدعم الرجعي العربي الذي كان يلقاه الحكم اللبناني، دعم بلغ درجة علنية وكثيفة على يدي سلطة نوري السعيد التي ما لبثت أن لقيت حتفها على يدي القطعات العسكرية العراقية التي كانت في طريقها إلى لبنان لدعم حكم شمعون. وإذا كانت الحكومة الأمريكية قد بقيت مترددة، على رغم أن شمعون طلب من أمريكا التدخل العسكري منذ 22 أيار/ مايو 1958، عن القيام بتدخل عسكري مباشر، إلا أنها كانت موجودة في قلب الأحداث، حسبما ذكر صراحة أحد العملاء الأمريكيين لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (12).
لكن إذا كان الطابع العربي قد غلب في الصراع المحلي اللبناني إلا أن احتمالات هذا الصراع وآفاقه ونتائجه بقيت محكومة، في الحد الأخير، ومهما بلغ من أهمية العنصر العربي والدولي في الصراع، بميزان القوى المحلي أولاً وبمدى وعي الصف الوطني اللبناني ثانياً ، وبالتالي من الخطأ الزعم أن نتيجة الصراع قررتها تسوية عقدت بين القاهرة وواشنطن ونفذها "مورفي " (مبعوث ايزنهاور الخاص) في بيروت.
لقد بقي برنامج الصف الوطني الذي قاد ثورة 1958، رغم رفضه حلف بغداد ومبدأ آيزنهاور، يدور في إطار الميثاق الوطني لعام 1943، وهو الميثاق الذي كرس الطابع الطائفي للهيكل السياسي اللبناني. والواقع أن الايديولوجيا السائدة في الصف الوطني اللبناني ، فضلاً عن الوعي المتخلف والطابع المتصالح لقياداته ، لم تكن مهيأة لتجاوز ذلك الميثاق، تجاوزاً يتطلب، بل أول ما يتطلب، تبني ايديولوجيا علمانية والنضال لجعلها أساساً للسياسات اللبنانية، إذ من دون هذه الايديولوجيا العلمانية نصبح بالأحرى إزاء صراع بين طائفية وطائفية مضادة ، ومثل هذا الصراع لا يحمل بذور انتقال السياسة اللبنانية إلى الوطنية أو القومية، بل يعمق الانقسام الطائفي ويؤكده.
والحقيقة أن التجربة اللبنانية لا تشكل استثناء عن التجربة العربية، بل تشكل حالة قصوى فيها فحسب، تقدم صورة جلية عن إيجابيات الحركة القومية العربية وقصورها في الوقت نفسه : إنها مندرجة في سياق معادٍ، موضوعياً وذاتياً، للاستعمار، كما أنها معبّرة عن المطامح القومية للجماهير وقادرة على تعبئتها بهذه النسبة أو تلك، إلا أنها تعاني قصوراً في الوعي جعلها عاجزة، ما دامت قد أعطته بعداً سياسياً فقط ، عن رؤية الهدف القومي عموماً والوحدوي خصوصاً كعملية من عمليات تجديد وتحديث المجتمع العربي . ومن هنا فإن الايديولوجيا القوماوية العربية لم تستطع التغلب بصورة كافية على الايديولوجيات الفئوية، الطائفية أو العشائرية أو الإقليمية أو المحلية، ما قبل القومية، فبقيت، لفقرها وتأخرها، قشرة تغطي الايديولوجيات التقليدية ما قبل القومية، حتى في قطاعات أعلنت التزامها بها. لذا تبقى هذه الايديولوجيا الفئوية فاعلة لدى الأفراد بنسبة عجزهم عن امتلاك وعي قومي عصري ناقض وطارد لها، ناهيك عن الجماعات أو الطوائف المنغلقة إزاء كل ايديولوجيا قومية والحبيسة في عالم ايديولوجيتها التقليدية الخاص.
هذا القصور في الوعي والتأخر في الايديولوجيا لدى الصف القومي العربي في لبنان تجلى في نقطة أخرى تمثلت في تبعثره التنظيمي وانعدام قيادة عليا موحدة ، بحيث تشرذم إلى مستويات محلية، إلى مستويات لا الطوائف فقط ، بل المدن والقرى وأحياناً الأحياء. إلا أن مغزى هذه الظاهرة يذهب إلى مدى أبعد من مسألة الفاعلية، إذ يشير إلى افتقار حتى الصف القومي العربي إلى اندماج على مستوى لبناني، ناهيك عن افتقار لبنان خصوصاً والأمة العربية عموماً إلى اندماج قومي يشكل أرضية كل تقدم وقاعدة كل عملية توحيد سياسية. فإذا كان هذا الصف بالذات يفتقر إلى اندماج، كيف يمكنه أن يدفع البنية الاجتماعية والسياسية إلى ضرب من اندماج لبناني يشكل تجاوزاً متقدماً للطائفية.
هذه الصورة، التي لنهر القومية العربية الشعبي الدفاق والموحل في الوقت نفسه، تفسر النتيجة التي حققها. نعم إن هذه النتيجة كانت إيجابية إجمالاً : تحييد ما للنظام اللبناني وفك ارتباطه بمبدأ آيزنهاور، إلا أنها نتيجة متواضعة ومحدودة، قياساً بالإمكانات التي كان يملكها الصف القومي العربي في لبنان وبالمناخ الثوري الذي بعثه قيام الجمهورية العربية المتحدة . لا شك في أن الإنزال العسكري الأمريكي لعب دوراً في تحجيم هذه النتيجة، إلا أن المحدد الرئيسي للصراع إنما كان وعي الصف القومي العربي في لبنان وأيديولوجيته والسحنة الطبقية التقليدية لقياداته.
***
4- بعد حوالى خمسة أشهر من قيام الجمهوزية العربية المتحدة، انفجرت ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق. وثمة شبه إجماع ، سواء لدى المراقبين السياسيين أو الذين ساهموا في صنعها، على أن وحدة مصر وسوريا كانت محرضاً ودافعاً مباشراً أو شبه مباشر لتفجيرها. مع هذه الثورة انقلب ميزان القوى في المشرق العربي أنقلاباً حاسماً في غير صالح القوى الرجعية ودعامتها، الاستعمار. كان المناخ السياسي الذي ولده قيام الوحدة لا يزال سائداً ، مناخ كان مليئاً بالتفاؤل والثقة. مع ثورة تموز/ يوليو، وبخاصة مع الاحتمالات الوحدوية التي أفصحت عنها في مرحلتها الأولى ، خيل للمرء أن عجلة التاريخ العربي تثب وثباً ، أن الحلم الوحدوي الكبير يصبح واقعاً راهناً ، أن العرب يقطعون في أيام مسافات كانت تتطلب، أو كان من المتصور أنها تتطلب، عقوداً طوالاً.
في الغرب، كانت ردود الفعل السريعة مزيجاً من الذهول والهلع، وحزموا أمرهم بسرعة ومن دون تردد: لا بد لهذا الحريق الثوري الوحدوي من أن يُصد في مرحلة أولى ثم يكسر في مرحلة لاحقة. في اليوم الثاني مباشرة تم إنزال عسكري أمريكي على سواحل لبنان، إنزال طلبه شمعون رسمياً ، استناداً إلى مبدأ آيزنهاور، منذ 22 أيار/ مايو، وبقيت أمريكا مترددة إزاءه إلى أن انفجرت الثورة العراقية. بعدها بيومين تم إنزال إنكليزي في الأردن. ومن الواضح، بالطبع، أن ثورة 14 تموز/ يوليو كانت تفصح عن نزوع واضح وقاطع إلى الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، وبالتالي فإن مواجهة هذا النزوع، وليس شيئاً آخر (كخطر شيوعي مثلاً)، هي التي كانت وراء التدخل العسكري الغربي، إذ إن ثورة 14 تموز/ يوليو لم تكن تحمل في تلك المرحلة ( ولا في المرحلة التي تلتها، كما أثبتت الأحداث في ما بعد) أي احتمال لتحول سياسي يقوده الحزب الشيوعي العراقي (13).
في كبح هذا الموج الوحدوي لعبت عناصر وعوامل كثيرة : محلية وعربية ودولية ، حديثة وتقليدية، رأسمالية واشتراكية، إمبريالية وسوفياتية، قومية عربية وشيوعية عربية. بيد أن المسؤولية الرئيسية إنما تقع على الصف الوطني العربي، في فرعه القومي العربي والشيوعي العربي . ومرة أخرى يثبت أن الوعي العربي ليس على مستوى حاجات الثورة العربية وأن الايديولوجية العربية على درجة من التأخر والتقليدية تجعلها عاجزة عن الوفاء بمتطلبات التحرر والتقدم العربيين.
لكن إذا كان من الطبيعي أن تؤثر سياسة المحاور والمنافسة التقليدية بين مصر والعراق على الفئات والعناصر والسياسات العراقية التقليدية فتدفعها إلى موقع معارض للوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، واذا كان من الطبيعي أن تنساق إلى الموقف نفسه من الأقلية الكردية، وإذا كان من الطبيعي أن تتوجس منها العناصر المتأخرة الأكثر تأثراً بالايديولوجيا الطائفية، فليس من الطبيعي ولا بالمفهوم أن ينساق الحزب الشيوعي العراقي إلى المواقع نفسها (14)، وهو الذي كان يدعو إلى اتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة قبل تموز/ يوليو. ليس في نيتنا البتة أن نبرئ الصف القومي العربي من القصور ومن اتباع تكتيكات وحدوية ساذجة ومن التشبث بنظرة سكونية تكرارية للوحدة مصبوبة في قالب دستوري- إداري واحد نموذجه المطلق والوحيد هو التجربة المصرية، إلا أن هذه الرؤية القاصرة وإن كانت عاجزة عن خدمة المشروع الوحدوي إلا أنها لا تعترضه، كما أنها لا تنقض سيرورة ومنحى التقدم والتحرر العربيين، في حين أن المواقع اللاوحدوية تعترض و تنقض موضوعياً ، تلك السيرورة.
كان ممكناً لموقف الحزب الشيوعي العراقي المعارض للوحدة والذي لعب فيه دوراً ما عنصر ايديولوجي تقليدي، أن يكون مفهوماً ومبرراً لو أنه كان يضع في منظور قريب مشروع ثورة. غير أن الاستراتيجية السوفياتية التي كان الحزب الشيوعي العراقي يستوحيها ويعيش في مناخها، كانت، ولا تزال، تستبعد هذا المنظور. ولعل هذا الواقع هو الذي يفسر كيف أن الإمبريالية أقدمت على التدخل العسكري في وقت كان يلوح فيه "الخطر" الوحدوي الداهم، ثم لم تلبث أن سحبت جيوشها عندما تبدد الاحتمال الوحدوي، في وقت كانت فيه "المرحلة الكاستروية" في العراق في أوجها (15). طبعاً من السذاجة القول إن الإمبريالية كانت لا تبالي بتحول شيوعي في العراق، لكن يبدو أنها كانت على يقين من أن "المرحلة الكاستروية" لن تصل إلى نهاياتها الطبيعية وبخاصة في منطقة بترولية حساسة، وأن لها دوراً تلعبه وتنتهي . وهذا ما جرى فعلاً : قام الحزب الشيوعي العراقي بدور سياسي حاسم في إحباط المشروع الوحدوي ، وبعد سنة بالضبط ، في تموز/ يوليو 1959 قصت أجنحته بحل " لجان حماية الجمهورية" و"منظمات القاعدة الشعبية" ثم تعايش، طوال خمس سنوات تقريباً ، مع حكم عسكري فردي متخلف ، إلى أن سحق في شباط/ فبراير سنة 1963.
لقد اتخذ الحزب الشيوعي العراقي من الديمقراطية، مفهومة في صيغتها السياسية المفقرة والمسطحة، سلاحاً ضد المبادرة الوحدوية. وإذا كانت الديمقراطية، في أحد مستوياتها، تعبيراً عن انطلاق وإطلاق المبادرة الجماهيرية في سيرها نحو التحرر، فإن التقدم في طريق الوحدة يخلق جدلية تدفع إلى الاصطدام بالإمبريالية. هذا الاصطدام يفرض ، في ظروف طبيعية، انخراط أوسع الجماهير في النضال، الأمر الذي يقوي فرص الديمقراطية. لذا فإن المشروع الوحدوي، المفهوم بصورة جدلية، كان سيفتح على الأرجح الطريق لتوسيع فرص الديمقراطية عبر توسيع وتعميق حركة الجماهير.
***
مرة أخرى نقول: إن الواقع السياسي العربي الجديد الذي جاءت به وحدة العام 1958 وميزان القوى المحلي الجديد الذي فرضته ( والذي لم يعد لصالح الاستعمار وإسرائيل والرجعية العربية)، والاحتمالات الثورية، سواء الوطنية أو الوحدوية، التي أطلقتها (سواء التمرد الوطني اللبناني أو ثورة 14 تموز/ يوليو)- هذه الوقائع كلها تجلو وتبرز للعيان عظمة، أهمية، واقعية، عقلانية المشروع الوحدوي. وفي المقابل، فإن اختناق هذه الاحتمالات وارتطام المشروع الوحدوي ثم انتكاسه ثم مقتله، وبالتالي انقلاب التيار لغير صالح القوى الوطنية العربية ( بدأ مع الانفصال، وحقق أول نجاحاته الساحقة في حزيران/ يونيو 1967)، إنما يكشف قصور الوعي العربي في سائر مستوياته السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية. لذا، لسنا، كما يزعم البعض ، إزاء لاواقعية أو لاعقلانية المشروع الوحدوي، بل إزاء تأخر في الوعي فحسب، تأخر جعل القوى الوطنية العربية غير قادرة على تذليل العقبات والعرقلات التي تقف أمام هذا المشروع الذي يشكل أرضية مناسبة للتقدم العربي.
-3-
في 28 أيلول/ سبتمبر 1961 قتلت وحدة العام 1958 بين مصر وسوريا، أول وحدة في تاريخ العرب المعاصر. لكن عملية القتل، هذه لم تنه المسألة : حقاً إن الوحدة- الجسد، الوحدة- الكيان قد اغتيلت، لكن الوحدة- الفكرة، الوحدة- المثل، الوحدة- الطوبى لا تزال قائمة. والمطلوب هو دفن الأخيرة عن طريق تعهير الأولى التي تلاحق بعد قتلها أكثر مما لوحقت في حياتها. وبالفعل، هذا ما يعمل له خليط متنافر يبدأ بالطائفيين والإقليميين ويمر بالماركساويين ليصل إلى القوماويين العرب. ولا غرابة في هذه المفارقة، فما دامت مسألة الوحدة مسألة وعي بالدرجة الأولى، لذا يلعب الحجب الايديولوجي، في مختلف تلاوينه الطائفية والإقليمية والماركساوية والقوماوية العربية، دوره في تشويه وتلطيخ تلك الوحدة- الكيان واظهار اللاعقلانية ولاواقعية الوحدة- الطوبى.
هذا الخليط المتنافر الذي اكتشف "أخطاء" الوحدة وأعلن "فشلها"، يحوم في العموميات والمظاهر، إذ إنه عاجز عن مناقشة جوهر المسألة والتقاط التفاصيل والكلية الجامعة معاً .
بالطبع، من الممكن نقد هذه السياسة أو تلك التي سارت عليها دولة الوحدة ، شأن نقد أية سياسة لأية دولة. لذا لنا الحق في أن نفترض أن ما يسمى بـ "أخطاء" عهد الوحدة هي فقط "الأخطاء" التي أتاحت لقوى معادية للوحدة أن تنفذ إلى الجيش الأول (الجيش السوري) وأن تحركه لتقصم البنيان السياسي لدولة الوحدة، مستغلة الفاصل الجغرافي بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة. إذاً ، لسنا إزاء ما يمكن تسميته بـ "فشل الوحدة"، وذلك لأن معايير الفشل والنجاح مرتبطة باعتبارات أوسع وأعمق ؛ أولاً موقف الشعب السوري بخاصة ثم الشعب المصري من الوحدة ، ثانياً مفاعيل الوحدة على موازين القوى إزاء إسرائيل والرجعيات العربية والاستعمار، ثالثاً تأثير هذه الوحدة على البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل من سوريا ومصر ، الخ . فقط إذا شهدت هذه الاعتبارات ضد الوحدة يصبح ممكناً اعتبارها فاشلة. أما إذا شهدت لصالحها، فيغدو لزاماً ، في المقابل، أن نعتبرها، على رغم مقتلها، ناجحة. إن حركة التاريخ ليست سلسلة تقدمات متصلة لا تتخللها هزائم وتراجعات، وهي لا تجري على الدوام بالقدر الذي نريد من الملاسة، وإلا فما أسهل صنع التاريخ وصنع الثورات. لقد قتلت هذه الوحدة ولم تفشل، وإذا كان مجرد مقتلها برهان فشلها، فلنقل إن كل الشهداء فاشلون ، ولنقل إن كل مشروع ثوري لم يصمد أمام الريح الرجعية فاشل.
لنقل، بادئ ذي بدء، إنه لولا هذا الفاصل الجغرافي لكان مستحيلاً ضرب هذه الوحدة، وبالتالي لما طلعت علينا هذه الخربشات النظرية التي تتحدث عن "وحدة مدروسة" و"وحدة ديمقراطية" و" وحدة جماهيرية " و"وحدة متكافئة " و" وحدة لا تنفصم "، إلخ.، ولا تحدّث المخربشون عن "اختلاف الظروف الموضوعية" ولما استجرّوا "العظات " و"الدروس " للتجارب الوحدوية المقبلة. لولا هذا الفاصل الأرضي ما كان فصل محافظة الحسكة عن دمشق أسهل بكثير من فصل سوريا عن مصر، وما كان فصل أسيوط عن القاهرة أسهل بكثير من فصل القاهرة عن دمشق.
ولنقل، ثانياً، إنه ما كان لعملية اغتيال الوحدة أن تتم لولا تردد عبد الناصر " وثقل الامبريالية عنصر في هذا التردد"، الناجم عن روح إنسانية شرقية وعزوف عن العنف، وكذلك عن تصوره الواهم أن عملية قمع الانفصال يمكن أن تحمل أقتتالاً مصرياً – سورياً . أقول لولا هذا التردد، لصفي الانقلاب الانفصالي بخسائر لا تكاد تذكر، لا لأن أغلبية الشعب السوري الساحقة كانت ضد الانفصال، بل لأن الجيش السوري إجمالاً كان ضده أيضاً .
لكن لا يسعنا القول إن المؤامرة الانفصالية نبتت هكذا في فراغ أو جاءت صدفة بين يوم وليلة. وإذا كان طبيعياً أن تعمل الإمبريالية والرجعيات العربية في فصم هذه الوحدة، إلا أنه ما كان ممكناً لتآمرهما أن يمر لولا تضافر جملة عوامل ذاتية وموضوعية يمكن، في التحليل الأخير، ردها إلى مسألة الوعي. فلا المصلحة، حتى القطرية، تستدعي الانفصال ولا التاريخ يسوّغه، ولا آمال المستقبل تدفع إليه. إذاً، كيف؟
***
1- في الصراع ضد الإمبريالية الذي خاضته سوريا طوال أريع سنوات، كانت النخبة السياسية السورية التي لم تكن في الأصل موحدة، فضلاً عن تأثيرات التناثر السوري ، تتمزق شر تمزيق. خلال هذا الصراع، تم عزل الكسر التقليدي الملوث إمبريالياً منها، الكسر الذي كان على صلة ما بالقوى البرجوازية- الإقطاعية السورية. وما لبث كسر تقليدي آخر، ازورّ عن الوحدة، أن لحق بالكسر الأول. مع ذلك، فإن عبد الناصر الذي كان حريصاً على صيغة معينة لوحدة قومية على مستوى سوريا، اختار أحد أقطابها البارزين، صبري العسلي، وعينه في منصب رمزي، منصب نائب رئيس جمهورية. غير أن الأسرار والوثائق التي كشفت عنها ثورة 14 تموز/ يوليو في العراق بينت أنه كان ضالعاً في إحدى المؤامرات التي كان حلف بغداد والحكم العراقي يحبكانها على سوريا فأقيل فعلياً واستقال شكلياً .
إذا أضفنا إلى ذلك أن كسرين آخرين أبعدا وأبتعدا، هما الكسر الذي في مناخ الإخوان المسلمين والكسر الذي في مناخ الحزب الشيوعي، يتضح لنا أن الكسرين الباقيين هما اللذان يتحملان مع عبد الناصر مسؤولية الوحدة، وهما حزب البعث، والجيش السوري الذي كان قوة سياسية وازنة خلال تلك الفترة كلها. غير أن عناصر حزب البعث الذي حل نفسه قبل إعلان الوحدة تسهيلاً لإقامة تنظيم سياسي واحد هو الاتحاد القومي، ما لبثت بعد فترة أن أبتعدت عن السلطة ، وتحول بعضها ( أكرم الحوراني بخاصة) إلى مواقف عداء شديد لدولة الوحدة ولعبد الناصر.
هذه الصورة تبين أن شرخاً تحول إلى هوة في السنة الاخيرة للوحدة ، فصل الكتلة الرئيسية من النخبة السياسية السورية عن حكم الوحدة و عن عبد الناصر . في هذه الهوة التي لم يتح لعبد الناصر الوقت الكافي لردمها، تكونت أولى بذور الانفصال . لسنا الآن بصدد تقديم تقسيم تفصيلي لمواقف كل من الطرفين وبيان أيهما الأكثر وعياً للمصلحة القومية، لكن من المناسب الإشارة إلى أن تمصير البنية السياسية السورية وسحب النظام الناصري إلى سوريا وإقامة قيادة مركزية لدولة الوحدة وتشكيل تنظيم سياسي ملحق بالدولة، كان مطلب عبد الناصر الثابت الحاسم الذي قبله الطرف السوري، وأصبح الأساس الدستوري والسياسي لبنيان دولة الوحدة. هذه الواقعية لا تكشف فحسب التغيير الذي طرأ على موقف ذلك الكسر من النخبة السياسية السورية، بل أيضاً واقع أن وعيه السياسي كان وراء وعي عبد الناصر.
هل كان هذا الشرخ يعبّر عن تفارق بين خصوصية ما سورية وأخرى مصرية؟ أم إنه كان يعبر فحسب عن تفاوت في مستويي وعييهما؟ أم إنه، أخيراً، كان يعبر عن رفض النخبة السورية ما توهمته أو ما زعمته عن هيمنة مصرية على سوريا؟
العوامل التي كونت هذا الشرخ أكثر أهمية وأثقل وزناً بكثير من هذا الذي أوردناه في هذه التساؤلات، مع ذلك لا يسعنا أن ننكر أن شيئاً من هذا القبيل يكمن في أساس هذا الشرخ : أولاً ، إن وعي عبد الناصر كان بلا شك أقل تأخراً من وعي النخبة السياسية السورية. ثانياً، إن النخبة السورية قد شعرت أنها دون النخبة المصرية منزلة في عمارة دولة الوحدة . ثالثاً ، على رغم أن ما هو مشترك بين الشعبين المصري والسوري، ممثلأ بالميل التاريخي لدى البلدين إلى التواصل والوحدة فضلاً عن وحدة اللغة والدين وتشابه ظروف التأخر الاجتماعي والاقتصادي والايديولوجي ، يرسي أساساً لمشابهة بينهما، لكن من السذاجة والتبسيط إنكار ما يمايز بينهما. عناصر التمايز هذه أقل من الخصوصية بكثير، لكنها تستدعي الانتباه والاعتبار، بالطبع لا لتكريسها وتبخيرها، بل لتذليلها وتذويبها. أما الملامح الرئيسية في هذا التمايز فهي التالية: في سوريا ضرب من تناثر، أما في مصر فضرب من اندماج وإن تقليدي، وهذا ما يجعل النزوع إلى المركزية ودور السلطة أقوى في مصر منه في سوريا. ومن هنا فإن الروح الامتثالية أوضح في مصر، في حين أن روح المنازعة أو المناكفة أوضح في سوريا. كما أن الايديولوجيا المصرية أشد محافظة من الايديولوجيا السورية، إلا أن الأخيرة أكثر تأخراً من الأولى، وأخيراً فإن الناصرية موسومة ببراغماتية قومية عربية ذات تلاوين مصرية، في حين أن كتلة النخبة السياسية السورية قد تلبستها ايديولوجيا ومعتقدية قوماوية عربية خالصة.
إذا كانت هذه التمايزات تكمن في أساس هذا الشرخ، إلا أن أساس هذا الشرخ الذي وجد من قبل بين عبد الناصر والنخبة السياسية المصرية لما قبل ثورة 23 تموز/ يوليو، يعود إلى كون عبد الناصر قد استحوذ، طبقاً للأسس السياسية والدستورية التي أعطيت لدولة الوحدة، على مركز القرار السياسي. ولقد كان ممكناً أن يكون التناقض الذي نشأ عن هذا الواقع أقل حدة وقابلاً للحل لو كان ثمة تطابق في منظوراتهما ونهاجيتهما وأساليبهما. لقد كان عبد الناصر يحلم بنهضة مصرية ثم عربية تضع الأمة العربية في مستوى العصر. هذا الحلم الذي كان يؤرق ويحرك عبد الناصر، هو بالضبط ما كان غائباً عن النخبة السياسية السورية بجميع كسورها، التي كانت تفتقر إلى العظمة والخيال السياسي في آن، فبقيت إما أسيرة شكليات ايديولوجية قومية عقيمة في أحسن الأحوال أو كانت تقليدية أو شبه إصلاحية في أسوأ الأحوال. ولم يكن المنظور السياسي للكسر الماركساوي من هذه النخبة بعيداً عن هذا المناخ العام الذي يلف الجميع، بل لقد كان يستبعد ضمنياً تارة وصراحة تارة أخرى كل مشروع ثوري، كما ذكر مكسيم رودنسون، وكما كان واضحاً لكل مراقب موضوعي في تلك الفترة. من هنا لم يكن إبعاد النخبة السياسية السورية عن مركز القرار السياسي شيئاً يؤسف له بحد ذاته، ولا يغير من هذه الحقيقية في شيء كون الزلزلة التي أحدثها عبد الناصر في البنية التحية للجمهورية العربية المتحدة لم تستطع، بسبب منظوراته الاقتصادية، أن تضع الأخيرة التي على عتبة الحداثة ولا أن تقطع بها شوطاً مناسباً في طريق النهضة، إذ إن الرؤية الاقتصادية المبتسرة لطريق التقدم العربي كانت ولا تزال قاسماً مشتركاً لجميع كسور الإنتلجنسيا العربية، ولم يكن ممكناً لعبد الناصر أن يتجاوز، منفرداً، هذه الرؤية.
***
2- بالإضافة إلى الشرخ الذي باعد بين النخبة السياسية السورية وعبد الناصر وتكونت فيه أولى بذور الانفصال، جاء شرخ ثان نمت فيه هذه البذور ونسلت، بتضافر مع عوامل أخرى إمبريالية ورجعية عربية، مؤامرة الانفصال. هذا الشرخ الثاني يتمثل في الصراع الطبقي المكشوف الذي فتحه عبد الناصر على رغم كل دعاواه حول الوحدة القومية والاشتراكية التعاونية، ضد الطبقات الرجعية والفئات الطفيلية في المجتمع السوري، فضلاً عن دعامتها الخارجية المتمثلة بالإمبريالية.

بادئ ذي بدء، ينبغي الإشارة إلى أن الطبقات الرجعية السورية، بما في ذلك البرجوازية، التي لم تؤيد الوحدة تأييداً حقيقياً ، رأت نفسها في وحشة سياسية عندما استبعد عبد الناصر ممثليها السياسبن التقليديين مكتفياً بإشراك أحدهم في مركز رمزي، وبذا دشنت الوحدة نهاية اليمين التقليدي السياسية. وتتالت الضربات وعمليات تضييق الخناق عليها، فأخذت تنتقل رويداً رويداً ، إلى مواقع معارضة وعداء مكشوف بلغت ذروتها المستقتلة مع صدور تأميمات تموز/ يوليو 1961. وراء كل ذلك كان حلم عبد الناصر في النهضة التي اختزلها إلى تنمية وتصنيع. وفي سبيل ذلك سوّرت المصارف، أصدر قانوناً للإصلاح الزراعي، أممت المصارف وقسم من التجارة الخارجية وقسم كبير من القطاع الصناعي، وبكلمة وضعت سوريا، بحسب مصطلح الماركسية السوفياتية، في طريق التطور اللارأسمالي.
في هذه السيرورة كانت سوريا تتزلزل وتنقسم لأول مرة انقساماً تقدمياً ، أي انقساماً ذا طبيعة طبقية. وجاءت ساعة البرهان عندما نفذت مؤامرة الانفصال في 28 أيلول/ سبتمبر 1961: "الانقسام حول "الوحدة و"الانفصال " كان أكبر انقسام طبقي، أكبر بلورة طبقية- سياسية في تاريخ سوريا : 95 بالمئة من الطبقة العاملة مع الوحدة و95 بالمئة من كبار الملاك والبرجوازية مع الانفصال ". إلا أن تأخر وعي النخبة السياسية لدولة الوحدة، ولنقل وعيها البرجوازي الصغير الزائف السابح في إطار أيديولوجيا قوماوية تفصل المسألة القومية عن مسألة تجديد بنيان الأمة؟ وبالتالي لأن هذه النخبة " لم تع الخط الذي سارت عليه عملياً "، أي أطلقت صراعاً طبقياً بلا وعي طبقي- أقول هذا الوعي المتأخر والزائف أستنفر مزيداً من القوى الاجتماعية والسياسية ضد دولة الوحدة ووقف في الوقت نفسه سداً أمام عملية توعية وتسييس أوسع الجماهير الشعبية في سوريا توعية عيانية تفصيلية، ومن ثم تأطيرها سياسياً على نحو يكفل فاعليتها ويشحذ قواها. هنا، في هذا التناقض تحقق الانكشاف الثاني الذي أتاح للعدو تمرير مؤامراته.
إذاً، فالردة الانفصالية لم تأت احتجاجاً على "أبتلاع " برجوازي مصري لسوريا، ولا على "ابتلاع " قومي مصري لسوريا، بل جاءت رداً رجعياً تقليدياً على الزلزلة الطبقية والسياسية التي أطلقها عبد الناصر في سياق مشروع النهضة العربية الذي كان يحلم ويناضل في سبيله.
في برقيته الشهيرة إلى مأمون الكزبري غداة الانفصال، هنأ خالد بكداش بـ "الانتصار الكبير على الاستعمار المصري "، وكان قد أطلق " باحثيه ومنظريه " لالتقاط تظاهرات التسلط والابتلاع البرجوازية المصرية (16). من النافل تكرار الحديث عن أمور عاد هو نفسه عنها وأدانها الحزب الذي يقوده، لكن لا بد من قول كلمة قد تكون صادمة، وينبغي أن تكون صادمة، لأنها تستهدف تبديد وهم أو فضح ايديولوجيا : في وحدة بين سوريا ومصر ويقودها عبد الناصر لا بد من أن تدفع طبيعة الأمور ومنطق الأشياء إلى أن تلعب مصر دوراً متفوقاً وراجحاً . إن كل وحدة قومية قامت في التاريخ (فرنسا مثلاً) كانت تنطوي على شيء من قبيل الابتلاع ، وفي كل دولة تضم أكثر من شعب نلحظ دوراً مميزاً أو راجحاً لشعب معين (في شعب هان في الصين، الروس في الاتحاد السوفياتي، الصرب في يوغوسلافيا). لذا فالتصور المساواتي الخروفي لدور الأقطار في الوحدة العربية العتيدة ينطوي على سذاجة وطوباوية في الوقت نفسه، لا بد من أن تصب في مواقع انفصالية.
لا شك في أن شعور (ونقول شعور فحسب) النخبة السياسية السورية المبعدة عن مركز القرار في دول الوحدة والمعادية له كان يذهب إلى تصوير دور المصريين على أنه أكثر من متفوق وراجح، لكن لا بد من التذكير بما قلنا قبلاً من أن إزاحتها من الطريق لم تكن، في حد ذاتها، أمراً سلبياً من زاوية التطور التاريخي، فضلاً عن أن مشاعر الجماهير الشعبية السورية كانت بعيدة جداً عن مشاعر الأولى، بل كانت مناقضة لها : لقد كانت تعتبر حكم الوحدة محققاً لأمانيها وتطلعاتها.

الحديث عن "استعمار مصري " لسوريا أو ابتلاع برجوازي مصري للبرجوازية السورية لا يتجاهل فقط الطابع الكولونيالي للبرجوازية المصرية، بل يتجاهل أيضاً واقع العلاقات الاقتصادية المصرية- السورية خلال سني الوحدة، وهي علاقات لم تكن متوازنة فحسب، بل كانت محدودة جداً (17)، ولم يكن ممكناً لها أن تتوسع وتتكامل إلا خلال سيرورة تطوير وإنماء متسقين ومتكاملين خلال فترة طويلة، فترة توفر ليس التكامل والاندماج الاقتصاديين فحسب، بل أيضاً تصفية الطبيعة الكولونيالية التابعة لكل من الاقتصادين المصري والسوري.
***
3- بعد هذه القطيعة بين الكتلة الأساسية من النخبة السياسية السورية وحكم الوحدة، بعد هذه المعركة الطبقية الضارية غير المسنودة وغير المسددة بوعي مناسب، التي فتحها عبد الناصر واستنفرت القوى التقليدية والبرجوازية السورية ضده وبالتالي ضد الوحدة ، هل كان ممكناً لهذه الوحدة، وهي التي تعاني نقصاً في أحد شروطها الموضوعية، المتمثل بانعدام التواصل الأرضي، أن تصمد؟
نحن لا نعتقد أن ثمة حتميات سياسية. وبالتالي فما دام حكم الوحدة يحظى بدعم جماهير الشعب السوري، ومن ثم ما دامت النخبة السياسية السورية محدودة الفاعلية ومحدودة النفوذ جداً ، في أوساط الجماهير، فقد كان ممكناً أن تستمر هذه الوحدة.
هنا، في هذه التجربة، كما في تجربة حرب حزيران/ يونيو، تجلى التأخر المأساوي الذي وسم مجموعة عبد الحكيم عامر العسكرية التي تولت فعلياً زمام قيادة الجيش السوري . الفرع السوري من هذه المجموعة هو الذي خطط ونفذ مؤامرة الانفصال . لا شك في أن ثمة تناقضاً بين البيروقراطيتين العسكريتين السورية والمصرية استثمرته هذه المجموعة ، ولا شك أيضاً في أن حمّى الصراع الطبقي لعبت دورها الكبير ووصل لفحها إلى داخل الجيش، ولا شك أن في إبعاد وابتعاد النخبة السياسية السورية عن مركز القرار لعب دوره المؤثر، لكن كل هذه التظاهرات ما كان باستطاعتها أن تلعب هذا الدور المشؤوم لولا تأخر تلك المجموعة، وذلك لأن التحرك الانفصالي في الجيش، كما أثبتت الأحداث في ما بعد، كان جد محدود وغير ذي جذور، وان مزاج الجيش السوري الذي كان يواجه الخطر الإسرائيلي، كان أقرب إلى مزاج الجماهير السورية منه إلى مزاج النخبة السورية.
هوامش
(1) باتريك سيل، الصراع على سورية. دراسة للسياسة العربية بعد الحرب، 1945- 1958، ترجمة سمير عبده ومحمود فلاحة (بيروت. دار الأنوار، [ 1968] )، ص 267.
(2) ".. إن الدول العربية الكبرى قد عمدت، منذ نشوء أزمة السويس، إلى تأييد خطة العزل التي اتبعتها وزارة الخارجية الأميركية. وقد أسفرت هذه السياسة عن نتائج ضئيلة، إذ استطاعت القاهرة ودمشق إنشاء وحدة بينهما.. "، انظر Le Monde , 7/5/1958
(3) سيل، المصدر نفسه، ص 401.
(4) انظر
Jean et Simone Lacouture , L, Egypte en mouvement, 8 broches ( Paris : Seuil , 1956 ) , p. 945 .
(5) لقد عبرت مجلة نيوزويك عن قلق المعسكر الإمبريالي بوضوح. " إن الخطر الأكبر يكمن في المستقبل ، خطة القاهرة لإقامة دولة عربية كبرى ، تعتمد في قوتها على بترول الشرق الأوسط ، إن القاهرة لا تخفي خططها، وهي لا تفتأ تعلن أن بترول العرب للعرب، لذا فإن الولايات المتحدة تؤيد الدول العربية الأخرى المدافعة عن استقلالها والمناوئة للجمهورية العربية المتحدة"،
انظر News Week , ( 16 April 1958 )
(6) صرح نهرو ( رئيس وزراء الهند السابق ) في خطاب ألقاه في البرلمان يوم 19/ 2/ 1958- بما يلي : "... إني أرحب بوحدة مصر وسوريا. إن هذه الوحدة وحدة طبيعية، ولاشك في أنها انبثقت عن إرادة الشعب... وهذا الذي يجري في الشرق الأوسط أدى إلى سماع صوت التشاؤم من إسرائيل، وهناك بعض الخطر في أن تقوم إسرائيل بعمل طائش نتيجة لما حدث في الشرق الأوسط. وإذا ما حدث شيء من هذا النوع، فإن المرء ليعجز عن معرفة ما قد يؤدي إليه ".
(7) Maxime Rodinson , Israel et le refus arabe , 75 ans d,historire ( Paris : Seuil , 1968) , p .69 .
(8) في التصريح نفسه، قال نهرو: ".. إن الوحدة المصرية- السورية قد انبثقت من إرادة الشعب، لذلك قدمنا تهنئتنا له. ولو كان شعبا الأردن والعراق يحبذان الاتحاد الفدرالي بين البلدين لكان ذلك مدعاة للسرور، لكن إذا لم يكن هذا الاتحاد سوى رد فعل سياسي لإعلان الوحدة المصرية- السورية، فإن الأمر يكون مختلفاً تمام الاختلاف... ".
(9) "يجب المحافظة على استقلال الأردن بأي ثمن، " انظر: New York Times 19/11/1958
وفي 18/ 10/ 1958، صرحت غولدا مائير: "إن اتحاد الأردن مع الجمهورية العربية المتحدة سيثير قلقاً شديداً في إسرائيل "، والسبب واضح بالطبع، فالجبهة الأردنية الواسعة، كانت جبهة مجمدة ومفتوحة، فضلاً عن أن وحدة الأردن مع سوريا ومصر تحكم الطوق على إسرائيل.
(10) "جناح المشروع " في سوريا (أي الجناح المعارض لخالد بكداش) يفصح في اتجاهات مغايرة، يثمن المشروع الوحدوي ويوليه أهمية.
(11) من دون هذا المنظور، كان ينبغي للاشتراكي أن يقف مع شمعون والبرجوازية، وليس العكس.
(12) جاء في كتاب مايلز كوبلند لعبة الأمم ما يلي : " .. وقام فريق ماهر من رجال وكالة المخابرات المركزية في بيروت بتوجيه الحملة المضادة لمعاكسات ناصر .. وبعدها قامت سفارتنا في بيروت بتقديم مساعدات متواضعة ( كذا) لبعض الحملات الانتخابية للمرشحين الموالين للغرب ، في انتخابات حزيران 1957 " .
هذا الكتاب ، على رغم أنه معد بالأصل للنيل من الناصرية وعبد الناصر ، إلا أن حقائق كثيرة وهامة تفلت من كاتبه العميل ، كما اعترف ، للمخابرات المركزية الأمريكية . إن قراءته ، بصورة نقدية طبعا مفيدة جداً للاطلاع على كثير من خفايا التآمر الامبريالي منذ الخمسينات وحتى حرب حزيران " . انظر : مايلز كوبلند ، لعبة الأمم ، تعريب مروان خير (بيروت : مكتبة الزيتونة ، 1970 ) ص 234 .
(13) خلال مناقشة شكوى لبنان على الجمهورية العربية المتحدة في مجلس الأمن ، يستشهد المندوب السوفياتي ، سوبوليف، بما كتبته الـ نيويورك تايمز " نظرياً ، قرارنا الذي اتخذ حول التدخل العسكري جاء تلبية لطلب عاجل من الرئيس شمعون وللمحافظة على المواطنين الأميركيين . أما في الواقع، فإننا تحركنا لكي نصد الثورة في العراق ولكي نمنع الحريق من الانتشار.. إن أحداث العراق هي بالتأكيد موحى بها من قبل الناصرية... "، ثم يستشهد بما كتبته مجلة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية: "إن غزو المظليين البريطانيين في الأردن ورماة البحرية الأميركيين في لبنان يبدو كمحاولة جريئة وحاسمة لإلغاء النتائج المحتملة للثورة العراقية.. وربما كان هذا التدخل بمثالة تمهيد لعملية عسكرية أكثر اتساعاً في الشرق الأوسط "، وبعدها يستخلص نتائج تحليله : ليس للإنزال الأمريكي والإنكليري من هدف سوى تدارك امتداد العدوى القادمة من العراق ، وإن هذه العدوى هي، بكلام صريح، القومية العربية. انظر
Victor Segesvary , Le Realisme Khrouchtchevien , la politique sovietique a l,egard du nationalisme arabe , 1953-1960 ( Neuchatel : Editions de la Baconniere , 1968 ) p. 85
(14) انظر عزيز الحاج ، أين يقفون وأين يقف العراق؟ : مناقشات علمية صريحة للقضايا العربية المثارة في الجمهوربة العراقية والجمهورية العربية المتحدة (بيروت : دار الفكر الجديد ، 1959 ) .
هذاالكتاب يعطي فكرة واضحة عن خط الحزب الشيوعي العراقي في هذه المرحلة . جاء في تقرير اللجنة المركزية أمام المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني المنعقد في تموز / يوليو 1968 ما يلي : " .. مع انتصار ثورة 14 تموز في العراق ، والطابع الديمقراطي العميق الذي اتسمت به الفترة الأولى لحكم الثورة ، اخذنا نعقد المقارنات بين الوضع الجديد في العراق وبين الوضع في العربية المتحدة ، مما أدى بصورة عفوية إلى تشجيع شكل جديد من أشكال سياسة " المحاور " السيئة الصيت بين دولتين عربيتين متحررتين شقيقتين " ، ص 123 .

(15) كتبت جريدة كومبا الفرنسية : " إن الحافز الذي حدا بلندن وواشنطن إلى الانسحاب من الشرق الأوسط ، إنما تفسره عوامل عديدة ، منها أن القاهرة ، حسبما يؤكد الخبراء في شؤون الشرق الأوسط ، لن يكون في وسعها التفكير قبل ستة أشهر أو اثني عشر عشهراً في القيام بعمليات جديدة لتوسيع رقعة امبراطوريتها . وبالاضافة إلى ذلك فإن ثورة العراق التي بعثت عند حدوثها آمالاً كبيرة لدى القاهرة ، سارت في طريق آخر ، بعد أن تم اتخاذ جميع التدابير للحيلولة دون تعاون وثيق للغاية مع الجمهورية العربية المتحدة .. " انظر Combat , 20/10/1958
وكتبت مجلة نيوزويك الأمريكية : " تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا لمنع مصر من ابتلاع الشرق الأوسط بأسره ، بعد ان انسحبت قوات الغرب الآن من هذه المنطقة ، وهما ، في هذا السبيل ، تقامران على عامل رئيسي يتمثل في منافسة العراق التقليدية لمصر في تزعم العالم العربي .. "
انظر :
Newsweek ( 17 November 1958 )
(16) انظر: وليد السمان (اسم مستعار)، "سلسلة مقالات حول الوضع في سوريا، " الوقت، الأعداد
10- 12 (1959)، حيث يقول فيها إن البرجوازية السورية لم تستطع الصمود أمام منافسة البرجوازية المصرية، وجاء بأمثلة عن حالة صناعة النسيج والأحذية والصابون والنشاط المصرفي. إلا أن المجموعات الإحصائية الرسمية السورية (الصادرة في عهد الانفصال) تعطي معلومات مناقضة: خلال سني الوحدة نما إنتاج النسيج بمعدل 16 بالمئة والأحذية 16 بالمئة والصابون 13 بالمئة. آما بالنسبة إلى القطاع المصرفي الذي كان خاضعاً للاستعمار والبرجوازية الكومبرادورية، فقد جاء عهد الوحدة ليحقق إشرافاً وطنياً عليه وسوّره، وفي تموز/ يوليو 1961 أممه.
(17) هذه بعض وقائع العلاقات الاقتصادية بين الإقليمين المصري والسوري خلال عهد الوحدة:
أ- في آب/ أغسطس 1958 أصدر عبد الناصر مرسوماً بقانون أخضع بموجبه تبادل المنتجات الصناعية
بين الإقليمين المصري والسوري لرسم تعويضي خاص، للحيلولة دون إلحاق ضرر بصناعة إقليم على حساب صناعة الآخر.
ب- الميزان التجاري بين الإقليم السوري والإقليم المصري كان، خلال سني الوحدة، لصالح الأول، إجمالاً.
ج- إن متوسط قيمة مستوردات الإقليم السوري من الإقليم المصري، خلال فترة الوحدة ، على الرغم
من اطراد تزايدها (وفي المقابل اطراد تزايد مستوردات الإقليم المصري من السوري)، كان أقل من 6 بالمئة من قيمة مجموع المستوردات السورية.





ياسين الحافظ
الخميس 1 أكتوبر 2009