نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


بيرنز: خطّة الـ سي اى ايه لنحافظ على تفوّق أميركا




ألقى مدير سي اي ايه وليم بيرنز في الأوّل من شهر تموز الجاري كلمة خلال لقاء "مؤسسة ديتشلي" السنوي، في أوكسفوردشاير بإنكلترا. وقد اقتبست "واشنطن بوست" مقاطع من المحاضرة وحوّلتها إلى مقالة نشرتها في 7 تموز.
يعيد موقع "أساس" نشرها باللغة العربية، نظراً لأهميّتها، وما تكشفه عن خطط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتوجّهاتها هي وإدارة الرئيس جو بايدن لكيفية المحافظة على تفوّق أميركا العالمي، ومحاصرة الطموحات الصينية، وهزيمة التمرّد الروسي على النظام العالمي.
الأهمّ علمياً في تلك المحاضرة هو تأكيد بيرنز أنّ خطة سي اي ايه تعتمد على التواصل البشري أكثر من قبل، خصوصاً في لحظة بزوغ فجر الذكاء الصناعي.


 
"بدأت مسيرتي المهنية كدبلوماسي أميركي في مكتب وزير الخارجية جيمس بيكر. كانت واحدة من تلك "اللحظات البلاستيكية"   التشيكيلية النادرة في التاريخ. "إضافة من المترجم": و بلاستيك مومنت  تعني "لحظة الإجهاد"، أي لحظة تعب الأطراف كلّها وإعادة التشكّل بناءً على معطيات جديدة، وتعني أيضاً لحظة مفصلية قبل وقوع تغيّر، أو تشوّه، لا رجوع عنه.
 

 

شكّل العدوان الروسي اختباراً هائلاً. لكنّ الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نيّة لإعادة تشكيل النظام الدولي، وعلى نحو متزايد تستخدم القوّة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك

 
 
حين كانت الحرب الباردة على وشك الانتهاء، وكان الاتحاد السوفيتي على وشك الانهيار، وألمانيا على وشك إعادة التوحيد، وغزو صدام حسين للكويت على وشك الانهزام، كان عالم من التفوّق الأميركي بلا منازع يبزغ: تيّارات التاريخ تتدفّق في اتجاهنا، وقوّة أفكارنا تقود بقيّة العالم في اندفاع بطيء، لكن لا يُقاوم، نحو الديمقراطية والأسواق الحرّة. وبدت لنا ثقتنا بأنفسنا المتعجرفة أحياناً راسخة على حقائق القوّة والتأثير، إلا أنّها حجبت اتجاهات أخرى.
لحظة هيمنتنا بعد الحرب الباردة لم يكن مقدّراً لها أن تدوم. لم ينتهِ التاريخ ولا المنافسة الأيديولوجية. حملت العولمة وعوداّ كثيرة للمجتمع البشري، فتمّ انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر، لكن كان حتمياً أيضاً أنّها ستنتج ضغوطاً مضادّة.
في مذكّرة انتقالية كتبتُها لإدارة الرئيس بيل كلينتون الجديدة في نهاية عام 1992، حاولت تحديد التحدّيات المقبلة: "قد تكون المرّة الأولى منذ خمسين سنة التي لا نواجه فيها عدوّاً عسكرياً عالمياً، لكن من المؤكّد أنّ عودة الاستبداد في روسيا أو الصين، المعاديتين بشدّة، يمكن أن تحيي مثل هذا التهديد العالمي."
حاولت، وإن كان بشكلٍ غير كامل، تسليط الضوء على المخاطر التي ستواجهها حتماً الديمقراطيات والأسواق الحرّة في عالم كانت الاقتصادات فيه تتّجه نحو العولمة. وأوضحت في ذلك الوقت: "النظام السياسي الدولي يتّجه بشكل انفصامي نحو مزيد من التشرذم". وحاولت، قدر المستطاع، أن أوجز التهديدات العالمية المشتركة التي يشكّلها بالفعل تغيّر المناخ وانعدام الأمن الصحّي، وخاصة وباء فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) الذي كان منتشراً في حينه.
خلال ربع القرن التالي، اجتهدت في وظيفتي، كدبلوماسي أميركي فخور ومحظوظ جدّاً، وعملت بشكل أساسي في روسيا والشرق الأوسط، وفي مناصب رفيعة المستوى في واشنطن، فشاركت في نجاحات دبلوماسية، وارتكبت نصيبي من الأخطاء مع تلاشي لحظة "الأحادية القطبية" في أميركا، وبدأ يتكشّف بعض ما حاولت توقّعه في تلك المذكّرة الانتقالية عام 1992.

تحدّيات ما بعد عصر التفوّق الأميركيّ

اليوم، بصفتي مديراً لوكالة المخابرات المركزية، أخشى القول إنّني عشت الآن وعملت لفترة طويلة بما يكفي لمواجهة "لحظة بلاستيكية" أخرى، في عالم أكثر ازدحاماً وتعقيداً وتنازعاً من ذلك الذي عشت فيه كدبلوماسي شابّ قبل ثلاثة عقود. إنّه عالم لم تعُد فيه الولايات المتحدة الطفل العظيم الوحيد في الكتلة الجيوسياسية، بل عالم تواجه فيه البشرية الأخطار والوعود.
وظيفتي الآن هي مساعدة الرئيس جو بايدن وكبار صانعي السياسة على فهم وتشكيل عالم متحوِّل. وكما يذكّرنا الرئيس، نحن في "نقطة انعطاف". فقد انتهت حقبة ما بعد الحرب الباردة. ومهمّتنا الجديدة هي تشكيل المستقبل، من خلال الاستثمار في نقاط قوّتنا الأساسية والعمل، من خلال شبكة تحالفاتنا وشراكاتنا التي لا مثيل لها، على أن نترك للأجيال الآتية عالماً أكثر حرّية وانفتاحاً وأماناً وازدهاراً.
 

 

غالباً ما يصرّ بوتين على أنّ أوكرانيا "ليست دولة حقيقية"، وأنّها ضعيفة ومنقسمة. لكنّه اكتشف أنّ الدول الحقيقية تقاوم وتدافع عن نفسها. هذا ما فعله الأوكرانيون بشجاعة ومثابرة. هم لن يستسلموا، تماماً مثلنا جميعاً نحن الذين ندعم أوكرانيا

 
 
هو تحدٍّ كبير يتحدّد نجاحنا فيه استناداً إلى قدرتنا على الإبحار في عالم بثلاث سمات مميّزة:
1- التحدّي المتمثّل في المنافسة الاستراتيجية من الصين الصاعدة والطموحة. وكذلك من روسيا التي تذكّرنا باستمرار بأنّ القوى المتراجعة يمكن أن تكون مدمّرة، على الأقلّ مثل القوى الصاعدة.
2- المشاكل العابرة لكلّ الحدود التي لا جوازات سفر لها، مثل الأوبئة وأزمة المناخ، والتي يصعب على أيّ دولة معالجتها، وقد أصبحت متطرّفة وتشكّل تحدّياً وجودياً بشكل متزايد.
3- الثورة التكنولوجية التي تغيّر طريقة عيشنا وعملنا وكفاحنا ومنافستنا، مع احتمالاتها ومخاطرها التي ما زلنا نعجز عن استيعابها بالكامل.
هذه التحدّيات المختلفة تتداخل في خطورتها. إذ يكون التعاون بشأن المشاكل العالمية المشتركة أكثر حيوية، لكن أكثر تعقيداً أيضاً، وتؤذيه المنافسة الاستراتيجية، لأنّ الثورة التكنولوجية هي ساحة رئيسية لتلك المنافسة وظاهرة تكون فيها الشراكة الأساسية ضرورية لوضع قواعد اللعبة.

فشل روسيا الاستراتيجيّ والاستخباراتيّ.. روسيا شريك صغير للصين

غير أنّ التحدّي الأكثر إلحاحاً وخطورة للنظام الدولي اليوم هو غزو فلاديمير بوتين الواسع النطاق لأوكرانيا.
لقد أمضيت معظم العقدين الماضيين في محاولة فهم ومواجهة المزيج القابل للاشتعال من التذمّر والطموح وانعدام الأمن الذي يجسّده بوتين، وتعلّمت أنّ من الخطأ دائماً التقليل من أهميّة تركيز بوتين على السيطرة على أوكرانيا، ومن الخطأ إهمال خياراته التي يعتقد أنّ من المستحيل بدونها أن تكون روسيا قوّة عظمى أو أن يكون هو زعيماً روسيّاً عظيماً.
هذا التشبّث المأساوي والوحشي جلب العار لروسيا، وكشف نقاط ضعفها ذلك التصميم المذهل من الشعب الأوكراني بمواجهة روسيا.
غالباً ما يصرّ بوتين على أنّ أوكرانيا "ليست دولة حقيقية"، وأنّها ضعيفة ومنقسمة. لكنّه اكتشف أنّ الدول الحقيقية تقاوم وتدافع عن نفسها. هذا ما فعله الأوكرانيون بشجاعة ومثابرة. هم لن يستسلموا، تماماً مثلنا جميعاً نحن الذين ندعم أوكرانيا.
كانت حرب بوتين بالفعل فشلاً استراتيجيّاً لروسيا لأنّها:
- كشفت نقاط ضعفها العسكرية.
- تضرّر اقتصادها بشدّة لسنوات آتية.
- أخطاء بوتين زادت من تحويلها إلى شريك صغير، بل ومستعمرة اقتصادية للصين.
- طموحاتها الانتقامية هزُلَت نتيجة نموّ حلف الناتو بشكل أكبر وأقوى.
قبل أقلّ من شهر، أسرَتنا مشاهد التحدّي المسلّح ليفغيني بريغوجين للدولة الروسيّة، حين استولت القوات شبه العسكرية التابعة لمجموعة فاغنر، لفترة وجيزة، على مدينة روستوف، وقطعت ثلثَي المسافة باتجاه الهجوم على موسكو، قبل أن تعود أدراجها. وكما أوضح الرئيس بايدن، فإنّ هذا "شأن روسي داخلي لم يكن ولن يكون للولايات المتحدة أيّ دور فيه".
من اللافت أنّ بريغوجين سبق أفعاله بإدانة لاذعة لمنطق الكرملين الكاذب الذي برّر غزو أوكرانيا ولسلوك القيادة العسكرية الروسية في الحرب. وسيدوم تأثير كلماته وأفعاله لفترة طويلة، وهو تذكير قويّ بالتأثير المدمّر لحرب بوتين على مجتمعه ونظامه.
 

 

يؤدّي التقدّم في تكنولوجيا الكومبيوتر إلى اختراقات ذات حجم ونطاق ملحوظين. بعد بضعة أشهر فقط من إطلاق أول إصدار من ChatGPT، رأينا نماذج جديدة تتفوّق في الأداء على البشر في امتحانات القبول على مستوى الدراسات العليا

 
 
الصين وتشكيل نظام عالميّ جديد
شكّل العدوان الروسي اختباراً هائلاً. لكنّ الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نيّة لإعادة تشكيل النظام الدولي، وعلى نحو متزايد تستخدم القوّة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك.
القضية ليست صعود الصين في حدّ ذاته، بل الإجراءات التي تصاحبه. يدخل الرئيس شي جينبينغ ولايته الثالثة بقوّة أكبر من قوّة أيّ زعيم صيني آخر منذ ماو تسي تونغ. وبدلاً من استخدام هذه القوّة لتعزيز وتنشيط وتحديث النظام الدولي الذي مكّن الصين من التحوُّل، يسعى شي إلى إعادة كتابته.
في مهنة الاستخبارات، ندرس بعناية ما يقوله القادة. لكنّنا نولي اهتماماً خاصّاً لما يفعلونه، وهنا من المستحيل تجاهل قمع شي المتزايد في الداخل وعدوانه في الخارج، سواء من خلال شراكته غير المحدودة مع بوتين أو تهديداته للسلام والاستقرار في مضيق تايوان.
ما يستحيل تجاهله أيضاً حقيقة أنّ الصين تنافسنا في هذا العصر الجديد بشبكة من الروابط الاقتصادية والتجارية المتداخلة. خدمت هذه الروابط بلداننا واقتصاداتنا وعالمنا بشكل ملحوظ، لكنّها خلقت أيضاً تبعيات استراتيجية ونقاط ضعف خطيرة ومخاطر جسيمة على أمننا وازدهارنا.
كشف انتشار فيروس كوفيد-19 لجميع الحكومات خطر الاعتماد على دولة واحدة في الإمدادات الطبّية المنقذة للحياة. تماماً كما كشف عدوان بوتين في أوكرانيا مخاطر الاعتماد على دولة واحدة للحصول على إمدادات الطاقة.
في عالم اليوم، لا يوجد بلد يريد أن يجد نفسه تحت رحمة كارتل واحد يدير إمدادات المعادن والتكنولوجيات الحيوية، خصوصاً إذا أظهر الكارتيل إرادة وقدرة على تعميق تلك التبعيّات وتسليحها. الإجابة على ذلك لا تكمن في الانفصال عن الاقتصاد الصيني، وهو أمر غير محبّب، بل من خلال تقليل المخاطر وتنويع المصادر، وتوفير سلاسل توريد مرنة، وحماية تقدّمنا التكنولوجي، والاستثمار في القدرة الصناعية.
 
نهاية الأحاديّة
في عالم أكثر تقلّباً وضبابية، تنتشر فيه القوّة على نحو متزايد، تزداد فاتورة "التأمين" ضدّ المخاطر. فالديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، والاقتصادات المتقدّمة والنامية، وبلدان الجنوب وأجزاء أخرى من العالم، تسعى إلى تنويع علاقاتها من أجل توسيع نطاق استقلاليّتها الاستراتيجية وتوسيع خياراتها.
ترى هذه البلدان القليل من الفوائد والكثير من المخاطر في العلاقات الجيوسياسية الأحادية. لهذا أعتقد أنّنا سنرى المزيد من الدول تسعى إلى علاقات أكثر انفتاحاً ممّا اعتدنا عليه على مدى عدّة عقود من الأحادية القطبية منذ الحرب الباردة. وإذا كان ما فات قد فات، فعلينا أن ننتبه إلى المنافسات بين ما يسمّى "القوى الوسطى"، التي غالباً ما كانت تخرج منها شرارات الاصطدام بين القوى العظمى.
ليس لدينا أيضاً ترف التركيز على تهديد جيوسياسي واحد. فنحن نواجه تهديداً مماثلاً للنظام الدولي، وأيضاً لنوعية حياة شعبنا وأنماط عيشه، مصدره التحدّيات المشتركة أو العابرة للحدود الوطنية، التي تشكّل أزمة المناخ أكثرها وضوحاً وخطورة. فلم يعد بإمكاننا الحديث عن "نقاط التحوُّل" و"التأثيرات المناخية الكارثية" في المستقبل. باتت على الأبواب، هنا والآن، وهي تعرِّض كوكبنا وأمننا واقتصاداتنا وشعوبنا للخطر.
في الشهر الماضي في واشنطن، لم يكن بإمكانك رؤية نهر بوتوماك من مقرّ وكالة المخابرات المركزية في لانجلي بولاية فيرجينيا، أو التنفّس من دون تعريض رئتيك لموادّ خطرة بسبب الدخان المنبعث من مئات حرائق الغابات في جميع أنحاء كندا.
تغيُّر المناخ هو خطر تهديده كثيف: فهو يغذّي حالات انعدام الأمن في الطاقة والصحّة والمياه والغذاء، ويعيق تقدّمنا في التنمية الاقتصادية والبشرية، ويسرّع ما هو بالفعل أسوأ فترة من فترات النزوح القسري والهجرة في التاريخ، ويزيد من تفاقم عدم الاستقرار والتوتّرات الجيوسياسية والبؤر الساخنة. ومن المستحيل الفصل بين هذين التهديدين الجيوسياسي والعابر للحدود. والمنافسة تجعل التعاون أكثر صعوبة. لكن سنضطرّ إلى ذلك في مواجهتهما وسيتعيّن علينا مواجهة قوّة أخرى قويّة للغاية: ثورة تكنولوجية أعمق من الثورة الصناعية، أو فجر العصر النووي.
 

 

تُعتبر منصّات التجميع الفنّية مهمّة للغاية في عالم الاستخبارات اليوم. لكن سيكون هناك دوماً أسرار تحتاج إلى إنسان لجمعها وعمليات سرّية لا يمكن إلا للإنسان تنفيذها

 
 
دور الذكاء الصناعيّ
يؤدّي التقدّم في تكنولوجيا الكومبيوتر إلى اختراقات ذات حجم ونطاق ملحوظين. بعد بضعة أشهر فقط من إطلاق أول إصدار من ChatGPT في تشرين الثاني الماضي، رأينا نماذج جديدة تتفوّق في الأداء على البشر في امتحانات القبول على مستوى الدراسات العليا، وفي تقويمات برامج التدريب الطبّي.
نرى خطّ اتجاه "عصا الهوكي" (إضافة من المترجم: "عصا الهوكي" مصطلح يعني نموّاً مفاجئاً وسريعاً للغاية، عمودياً، في خطّ بياني اعتاد أن يكون أفقياً، ويشبه الخطّ الذي يربط بين نقاط البيانات شكل عصا الهوكي) هذا مراراً وتكراراً وبما يتجاوز توقّعاتنا وخيالاتنا وقدرتنا على التحكّم في استخدام تقنيّات قوية للغاية، إن في سبيل الخير أو الشر.
لا يوجد مجال يتجلّى فيه ذلك أكثر من مجال التكنولوجيا الحيوية والتصنيع البيولوجي اللذين يمكن أن يطلقا حلولاً مناخية وصحّية غير عادية تعزّز اقتصاداتنا، لكنّ إساءة استخدامها يمكن أن تؤدّي إلى كارثة.
لقد عزّزت القيادة في التكنولوجيا والابتكار ازدهارنا الاقتصادي وقوّتنا العسكرية. وكانت لها الأهميّة في وضع قواعد ومعايير تحمي مصالحنا وقيمنا. ويدرك منافسونا الصينيون ذلك تماماً مثل أيّ شخص آخر، لذلك ليس من المستغرب أنّهم يستثمرون بكثافة في التقنيات الناشئة كأحد الأبعاد المركزية لمنافستنا الاستراتيجية.
إذن كيف نتعامل مع دور الذكاء الصناعي في هذا العالم الذي تغيّر بفعل المنافسة الاستراتيجية، والتحدّيات التي لا تعترف بالحدود، والثورة التكنولوجية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية؟
عندما أرسلني الرئيس إلى موسكو قبل الحرب، في أوائل تشرين الثاني 2021، فاجأني عدم مبالاة بوتين وكبار مستشاريه بأنّنا كنّا نقرأ جيّداً ما كان يخطّط له. فهم كانوا مقتنعين بأنّ النافذة ستغلق على فرصتهم للسيطرة على أوكرانيا. لهذا غادرت مضطرباً أكثر ممّا كنت عليه عندما وصلت.
ساعدت المعلومات الاستخباراتية الجيّدة الرئيس بايدن على حشد ودعم تحالف قويّ من الدول لدعم أوكرانيا، وساعدت الأخيرة في الدفاع عن نفسها بشجاعة وتصميم ملحوظين، وشنّ الهجوم المضادّ الحاسم الجاري الآن.
هذا وساعد رفع السرّية عن بعض أسرارنا بعناية، كجزء من استراتيجية جديدة وفعّالة صاغها الرئيس وكبار صانعي السياسة، على حرمان بوتين من ابتداع الروايات الكاذبة، وهو ما جعله في وضع غير مريح، لأنّه غير معتاد على الوقوف على قدم واحدة.
سيستمرّ الغضب من الحرب بتقويض سمعة القيادة الروسية، في ظلّ الخناق المتزايد على دعاية الدولة والقمع الذي تمارسه. يخلق هذا السخط فرصة فريدة استثنائية لنا في وكالة المخابرات المركزية، لا تتكرّر إلا مرّة في جيل واحد، عبر استخدام الاستخبارات البشرية.
وقد بثثنا أوّل رسالة فيديو لنا علىTelegram ، للتواصل مع الروس الشجعان، وإجراء اتصال آمن بنا على شبكة "الإنترنت المظلم". وقد حظينا بـ2.5 مليون مشاهدة في الأسبوع الأوّل، ونحن منفتحون تماماً للعمل معهم.

مراكز استخباراتيّة جديدة للصين

إذا كانت حرب بوتين في أوكرانيا هي التحدّي الأكثر إلحاحاً في المنافسة الاستراتيجية، فإنّ الصين في عهد شي هي أكبر منافس جيوسياسي واستخباراتي لنا، وأهمّ أولويّاتنا على المدى الطويل.
لقد نظّمنا أنفسنا في وكالة المخابرات المركزية على مدى العامين الماضيين لنعكس تلك الأولويّة. فأنشأنا مركزاً جديداً للبعثات، وهو واحد من عشرات أو أكثر من الركائز التنظيمية للوكالة، يركّز حصرياً على الصين. وهو "مركز المهمّة" الوحيد المتخصّص بدولة واحدة، في وكالة المخابرات المركزية، ويوفّر آلية مركزية لتنسيق العمل في مهمّة الصين التي تمتدّ اليوم إلى جميع أقسام خدمات الوكالة.
نقوم اليوم بتجنيد وتدريب المزيد من المتحدّثين بلغة الماندرين. ونكثّف الجهود في جميع أنحاء العالم للتنافس مع الصين، من أميركا اللاتينية إلى إفريقيا إلى المحيطين الهندي والهادئ. وسعينا بهدوء إلى تعزيز قنوات الاستخبارات مع الصين. هذه القنوات السرّية هي وسيلة مهمّة لتجنّب سوء الفهم غير الضروري والاصطدامات غير المقصودة، وكذلك لاستكمال ودعم قنوات صنع السياسات، مثل زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأخيرة لبكين.
لكن حتى في الوقت الذي تستحوذ فيه روسيا والصين على اهتمامنا، لا يمكننا إهمال التحدّيات الملحّة الأخرى في المشهد الجديد والمعقّد اليوم. فقد كانت الضربة الأميركية الناجحة الصيف الماضي ضدّ أيمن الظواهري، أحد مؤسّسي تنظيم القاعدة وزعيمها السابق، تذكيراً بقدرتنا وتصميمنا اللذين ما يزالان يركّزان على التهديدات الإرهابية. لسنوات عديدة آتية، سيتعيّن علينا الانخراط في عملية توازن دقيقة، والتوفيق بين تنافس جديد بين القوى العظمى وجميع أنواع التحدّيات الأخرى.

أولوية الاستخبارات: التفاعل البشري

نحن أيضاً في خضمّ التحوُّل الأكثر عمقاً في تقنيّات التجسّس التقليدي منذ الحرب الباردة. في عصر المدن الذكيّة والمراقبة التقنية المنتشرة في كلّ مكان، يعدّ التجسّس تحدّياً هائلاً. بالنسبة لضابط وكالة المخابرات المركزية الذي يعمل في الخارج في دولة معادية، ويلتقي بالمصادر التي تخاطر بسلامتها لتزويدنا بالمعلومات، فإنّ المراقبة المستمرّة هي عمل محفوف بالمخاطر. لكنّ التقنيّة نفسها التي تعمل أحياناً ضدّنا، سواء كانت التنقيب عن البيانات الضخمة لكشف الأنماط في أنشطتنا أو شبكات الكاميرات الضخمة، يمكن أيضاً استخدامها لصالحنا وضدّ منافسينا.

تُعتبر منصّات التجميع الفنّية مهمّة للغاية في عالم الاستخبارات اليوم. لكن سيكون هناك دوماً أسرار تحتاج إلى إنسان لجمعها وعمليات سرّية لا يمكن إلا للإنسان تنفيذها. يقوم ضبّاطنا بأعمال شاقّة في أماكن صعبة في العالم، وغالباً ما يعملون في الظلّ، بعيداً عن الأنظار، ونادراً ما يتمّ فهم المخاطر التي يتعرّضون لها والتضحيات التي يقدّمونها.

بالنسبة لمحلّلينا، فإنّ الثورة في الذكاء الصناعي والتعلّم الآلي، فضلاً عن سيل المعلومات المفتوحة المصدر، تخلق فرصاً جديدة. عند استغلاله بشكل صحيح، يمكن للذكاء الصناعي أن يجد أنماطاً واتجاهات في كمّيات هائلة من البيانات المفتوحة المصدر والمكتسبة سرّاً. وهو ما لا يستطيع العقل البشري القيام به، ويحرّر ضبّاطنا للتركيز على ما يفعلونه بشكل أفضل: تقديم أحكام منطقية ورؤى حول الأمور الأكثر أهميّة لصانعي السياسات ولمصالحنا.
الأولوية الرئيسية الأخرى لهذه الحقبة الجديدة هي تعميق شراكاتنا الاستخباراتية في جميع أنحاء العالم وتجديد التزامنا بدبلوماسية الاستخبارات. إذ تعتمد مهنة الاستخبارات في المقام الأوّل على التفاعل البشري، ولا يوجد بديل للاتصال المباشر لتعميق العلاقات مع أقرب حلفائنا، وللتواصل مع أشرس خصومنا، وتنشئة وتثقيف جميع من هم بين الاثنين.
-----------
أساس ميديا

*أُسّست Foundation Ditchley كمؤسّسة خيرية مموّلة من القطاع الخاص في عام 1958 على يد السير ديفيد ويلز (1999-1917) من أجل دعم التحالف عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال جمع صنّاع القرار والخبراء معاً في بيئة فريدة وملهمة. رئيسها اللورد جوناثان هيل، المفوّض المالي السابق للاتحاد الأوروبي وزعيم مجلس اللوردات.


ايمان شمص
الثلاثاء 25 يوليوز 2023