كان قيام مصوّر في فرع الأمن العسكري في دمشق (والذي عُرف بالقيصر) عام 2014 بتسريب 55 ألف صورة لضحايا التعذيب في هذا الفرع فقط قد كشف عن المآلات التي ينتهي إليها من يتم اختطافهم من قبل الأجهزة الأمنية، وطبيعة الظروف الحياتية التي يعيشها هؤلاء المختطفون داخل أماكن احتجازهم.
ويختلف “الاختفاء القسري” بشكل كامل عن “الاعتقال”، إذ لا يُعرف مكان تواجد المختفي ولا الجهة التي قامت باختفائه، ولا يُعرف مصيره.
معاناة الضحايا:
يحمل الاختفاء القسري تداعيات إنسانية وقانونية تجعله واحداً من أقسى الجرائم التي ترتكب في أي بلد. إذ لا يمكن لذوي الضحايا تجاوز معاناتهم بمرور الوقت، وهو ما يحصل عادة لضحايا الانتهاكات الأخرى، فجريمة الإخفاء القسري لها طابع الاستمرار بألم مضاعف.
ويعاني ضحايا الاختفاء القسري بشكل مباشر، بسبب ما يتعرضون له من تعذيب بدني، أو ما يعانونه من خوف مستمر على حياتهم وعلى مصيرهم المجهول لخروجهم عن دائرة التعامل القانوني والحقوقي والإنساني، وعلى مستقبل ذويهم الذين انقطعت كل أسباب التواصل بينهم بمجرد اعتقالهم، وحتى إذا نجا هؤلاء المعتقلون وأطلق سراحهم في وقتٍ ما فإن الجراح البدنية والنفسية تعيش معهم طوال عمرهم.
كما أن عائلات وأقارب وأصدقاء الأشخاص المختفين يعانون اضطرابات نفسية عديدة لعدم معرفتهم أي معلومة عن مصير الشخص المختفي، وما إذا كان على قيد الحياة أم لا، بالإضافة للمعاناة المتعلقة بالأحوال المدنية والمالية للمختفي قسريا وعائلته.
مرتكبو جريمة الاختفاء القسري:
تُشكّل جريمة الاختفاء القسري واحدة من السمات التي طبعت نظام الأسد الأب والابن، حيث شكّل ملف المختفون قسرياً في عهد حافظ الأسد واحداً من أبرز الجرائم التي ما زالت معلقة إلى اليوم، فيما شكّلت هذه الجريمة سمة عامة لمرحلة ما بعد عام 2011، وأدّت الظروف الأمنية والسياسية الخاصة التي شهدتها سورية منذ ذلك الحين إلى جعل عملية متابعة هذه الجريمة أمراً معقداً، وشبه مستحيل في معظم الأحيان.
عشرات الآلاف من حالات الاختفاء القسري حدثت في سورية كان لنظام الأسد النسبة الأكبر منها ،إلا أن جهات أخرى ارتكبت هذه الجريمة أيضا، وأبرز هذه الجهات “تنظيم الدولة الإسلامية”، وقوات سورية الديمقراطية “قسد”
كما شارك فاعلون آخرون في عمليات الإخفاء القسري، وإن كان على نطاق أضيق بكثير من أجهزة النظام والتنظيم وقسد كتنظيم جبهة النصرة وبعض فصائل المعارضة المسلحة. ويضاف إليهم العصابات الجرمية التي نشطت بشكل كبير في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وقامت” بخطف عدد كبير من الأشخاص لابتزاز ذويهم، واستخدمت في كثير من الأحيان لافتة الفصائل المسلحة، وبالتالي لم يعد من السهل تمييز حالات الإخفاء القسري المرتبطة بالعمل السياسي، وتلك المرتبطة بأهداف جرمية.
الاختفاء القسري في القانون الدولي:
يُقصد بالاختفاء القسري بحسب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري: “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
وقد حظر القانون الدولي استخدام الإخفاء القسري تحت أي ظرف من الظروف ولا يجوز التَّذرع بالحالات الطارئة كالنزاعات والحروب لممارسته، وتعدَّدت المواثيق والأعراف الدولية التي تطرقت إلى جريمة الاختفاء القسري.
فقد نصت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في مادتها الأولى على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري”، وفي المادة الثانية على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.
وتؤكد المادة السابعة من نفس الاتفاقية على تجريم “كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”.
أما نظام روما الأساسي فقد وصفت المادة السابعة منه الإخفاء القسري بالجريمة ضدَّ الإنسانية “إذا ما ارتكب في إطار هجوم واسع أو سياسة عامة”، كما اعتبره جريمة حرب وفق المادة 8 منه إذا تم ممارسته في إطار منهجي وسياسة عامة.
كما نصَّت المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو لأي ضرب من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، والمادة 14 من العهد ذاته على تجريم إكراه أي شخص على الاعتراف ضدَّ نفسه أو الاعتراف بجرم لم يرتكبه، وينتهك الإخفاء القسري مجموعة الحقوق التي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية وفي الحرية والأمن على شخصه، والحصول على ضمانات قضائية ومحاكمة عادلة، وكذلك حق أسر الضحايا في معرفة حقيقة مصير المختفي وظروف الاختفاء، وأخيراً ينتهك الاختفاء القسري حقوقاً أساسية كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
كما أن الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي فبحسب القاعدة 98 فإن الاختفاء القسري محظور في النِّزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وتنصُّ القاعدة 117 منه على أنه “يتخذ كل طرف في النزاع الإجراءات المستطاعة للإفادة عن الأشخاص الذين يبلغ عن فقدهم نتيجة لنزاع مسلح، ويزود أفراد عائلاتهم بأية معلومات لديه عن مصيرهم”.
وقد طالبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في عدة تقارير صادرة عنها كان آخرها في حزيران 2022 بضرورة إنشاء آلية أممية تنحصر مهمتها في قضية المفقودين بمن فيهم المختفين قسرياً، وذلك نظراً لضخامة أعداد المتأثرين بهذه الجريمة في سورية.
خاتمة:
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ نذكّر في هذا اليوم بكل ضحايا الاختفاء القسري في سورية، بما فيهم أولئك الذي اختفوا في السبعينيات والثمانينيات، وأولئك الذي اختفوا منذ عام 2011، فإنّ نؤكّد على مسؤولية الفاعلين السوريين، وخاصة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على وجه الخصوص، في توثيق أسماء المختفين، وكل المعلومات المحيطة بهم، وتوثيق شهادات المفرج عنهم، ومقاطعة هذه المعلومات، واعتبار مشاريع التوثيق واحدة من أهم المشاريع التي ينبغي تنفيذها، كي لا يفقد المغيبون حقّهم في معرفة مصيرهم وفي كشف المعاناة التي تعرّضوا لها، وكي لا يتمكن الجناة من الإفلات من العقاب، ولو بعد حين.
كما تدعو اللجنة أهالي المختفين إلى توثيق اختفاء أبنائهم لدى المنظمات السورية المتخصصة، وعدم التوقف عن متابعة قضية اختفاء أبنائهم، حيث أن هذه الجريمة هي مما لا يسقط بالتقادم.
ونطالب المجتمع الدولي بإلزام النظام السوري بفتح مراكز الاحتجاز كافة أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكافة لجان الأمم المتحدة. وإيجاد طرق وآليات لمنع النظام السوري من التَّلاعب بمصير المختفين قسريا وعائلاتهم، ومحاسبة الأفراد المتورطين بجريمة الاختفاء القسري في سورية وفرض عقوبات عليهم.
ويختلف “الاختفاء القسري” بشكل كامل عن “الاعتقال”، إذ لا يُعرف مكان تواجد المختفي ولا الجهة التي قامت باختفائه، ولا يُعرف مصيره.
معاناة الضحايا:
يحمل الاختفاء القسري تداعيات إنسانية وقانونية تجعله واحداً من أقسى الجرائم التي ترتكب في أي بلد. إذ لا يمكن لذوي الضحايا تجاوز معاناتهم بمرور الوقت، وهو ما يحصل عادة لضحايا الانتهاكات الأخرى، فجريمة الإخفاء القسري لها طابع الاستمرار بألم مضاعف.
ويعاني ضحايا الاختفاء القسري بشكل مباشر، بسبب ما يتعرضون له من تعذيب بدني، أو ما يعانونه من خوف مستمر على حياتهم وعلى مصيرهم المجهول لخروجهم عن دائرة التعامل القانوني والحقوقي والإنساني، وعلى مستقبل ذويهم الذين انقطعت كل أسباب التواصل بينهم بمجرد اعتقالهم، وحتى إذا نجا هؤلاء المعتقلون وأطلق سراحهم في وقتٍ ما فإن الجراح البدنية والنفسية تعيش معهم طوال عمرهم.
كما أن عائلات وأقارب وأصدقاء الأشخاص المختفين يعانون اضطرابات نفسية عديدة لعدم معرفتهم أي معلومة عن مصير الشخص المختفي، وما إذا كان على قيد الحياة أم لا، بالإضافة للمعاناة المتعلقة بالأحوال المدنية والمالية للمختفي قسريا وعائلته.
مرتكبو جريمة الاختفاء القسري:
تُشكّل جريمة الاختفاء القسري واحدة من السمات التي طبعت نظام الأسد الأب والابن، حيث شكّل ملف المختفون قسرياً في عهد حافظ الأسد واحداً من أبرز الجرائم التي ما زالت معلقة إلى اليوم، فيما شكّلت هذه الجريمة سمة عامة لمرحلة ما بعد عام 2011، وأدّت الظروف الأمنية والسياسية الخاصة التي شهدتها سورية منذ ذلك الحين إلى جعل عملية متابعة هذه الجريمة أمراً معقداً، وشبه مستحيل في معظم الأحيان.
عشرات الآلاف من حالات الاختفاء القسري حدثت في سورية كان لنظام الأسد النسبة الأكبر منها ،إلا أن جهات أخرى ارتكبت هذه الجريمة أيضا، وأبرز هذه الجهات “تنظيم الدولة الإسلامية”، وقوات سورية الديمقراطية “قسد”
كما شارك فاعلون آخرون في عمليات الإخفاء القسري، وإن كان على نطاق أضيق بكثير من أجهزة النظام والتنظيم وقسد كتنظيم جبهة النصرة وبعض فصائل المعارضة المسلحة. ويضاف إليهم العصابات الجرمية التي نشطت بشكل كبير في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وقامت” بخطف عدد كبير من الأشخاص لابتزاز ذويهم، واستخدمت في كثير من الأحيان لافتة الفصائل المسلحة، وبالتالي لم يعد من السهل تمييز حالات الإخفاء القسري المرتبطة بالعمل السياسي، وتلك المرتبطة بأهداف جرمية.
الاختفاء القسري في القانون الدولي:
يُقصد بالاختفاء القسري بحسب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري: “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
وقد حظر القانون الدولي استخدام الإخفاء القسري تحت أي ظرف من الظروف ولا يجوز التَّذرع بالحالات الطارئة كالنزاعات والحروب لممارسته، وتعدَّدت المواثيق والأعراف الدولية التي تطرقت إلى جريمة الاختفاء القسري.
فقد نصت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في مادتها الأولى على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري”، وفي المادة الثانية على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”.
وتؤكد المادة السابعة من نفس الاتفاقية على تجريم “كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”.
أما نظام روما الأساسي فقد وصفت المادة السابعة منه الإخفاء القسري بالجريمة ضدَّ الإنسانية “إذا ما ارتكب في إطار هجوم واسع أو سياسة عامة”، كما اعتبره جريمة حرب وفق المادة 8 منه إذا تم ممارسته في إطار منهجي وسياسة عامة.
كما نصَّت المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو لأي ضرب من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، والمادة 14 من العهد ذاته على تجريم إكراه أي شخص على الاعتراف ضدَّ نفسه أو الاعتراف بجرم لم يرتكبه، وينتهك الإخفاء القسري مجموعة الحقوق التي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية وفي الحرية والأمن على شخصه، والحصول على ضمانات قضائية ومحاكمة عادلة، وكذلك حق أسر الضحايا في معرفة حقيقة مصير المختفي وظروف الاختفاء، وأخيراً ينتهك الاختفاء القسري حقوقاً أساسية كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
كما أن الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي فبحسب القاعدة 98 فإن الاختفاء القسري محظور في النِّزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وتنصُّ القاعدة 117 منه على أنه “يتخذ كل طرف في النزاع الإجراءات المستطاعة للإفادة عن الأشخاص الذين يبلغ عن فقدهم نتيجة لنزاع مسلح، ويزود أفراد عائلاتهم بأية معلومات لديه عن مصيرهم”.
وقد طالبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في عدة تقارير صادرة عنها كان آخرها في حزيران 2022 بضرورة إنشاء آلية أممية تنحصر مهمتها في قضية المفقودين بمن فيهم المختفين قسرياً، وذلك نظراً لضخامة أعداد المتأثرين بهذه الجريمة في سورية.
خاتمة:
إننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان، وإذ نذكّر في هذا اليوم بكل ضحايا الاختفاء القسري في سورية، بما فيهم أولئك الذي اختفوا في السبعينيات والثمانينيات، وأولئك الذي اختفوا منذ عام 2011، فإنّ نؤكّد على مسؤولية الفاعلين السوريين، وخاصة منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على وجه الخصوص، في توثيق أسماء المختفين، وكل المعلومات المحيطة بهم، وتوثيق شهادات المفرج عنهم، ومقاطعة هذه المعلومات، واعتبار مشاريع التوثيق واحدة من أهم المشاريع التي ينبغي تنفيذها، كي لا يفقد المغيبون حقّهم في معرفة مصيرهم وفي كشف المعاناة التي تعرّضوا لها، وكي لا يتمكن الجناة من الإفلات من العقاب، ولو بعد حين.
كما تدعو اللجنة أهالي المختفين إلى توثيق اختفاء أبنائهم لدى المنظمات السورية المتخصصة، وعدم التوقف عن متابعة قضية اختفاء أبنائهم، حيث أن هذه الجريمة هي مما لا يسقط بالتقادم.
ونطالب المجتمع الدولي بإلزام النظام السوري بفتح مراكز الاحتجاز كافة أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكافة لجان الأمم المتحدة. وإيجاد طرق وآليات لمنع النظام السوري من التَّلاعب بمصير المختفين قسريا وعائلاتهم، ومحاسبة الأفراد المتورطين بجريمة الاختفاء القسري في سورية وفرض عقوبات عليهم.