رواق الشعــراء – 1
السير المختصرة لأبي العلاء المعري كما وردت في مقدمة (سقط الزند)
... واكثر قادة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان، هو سليمان بن داود بن المطهر. ومنن اشتهر منهم بذلك بمعرة النعمان.
أبو الحسن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر، وهو أول من تولى منهم القضاء بمعرة النعمان.
ومنهم ولد المذكور ، وهو وجد أبي الشيخ أبي العلاء، أبو بكر محمد بن سليمان بن أحمد، ولي القضاء بمعرة النعمان بعد موت أبيه في حدود الثلاثمائة. وكان فاضلاً أديباً ممدوحاً.
ومنهم ولده جد أبي العلاء، وهو أبو الحسن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد. تولى قضاء المعرة في سنة 301 بعد موت أبيه أبي بكر، ثم تولى بعد ذلك قضاء حمص أيضاً. وكان فاضلاً فصيحاً، شاعراً محدثاً.
ومنهم ولده أبو محمد عبدالله بن سليمان، والد أبي العلاء. وكان فاضلاً أديباً، لغوياً شاعراً. توفي بمعرة النعمان سنة 395، وقال فيه أبو العلاء ابنه يرثيه (1):
وخلف ابو محمد عبدالله ثلاثة بنين: أبا المجد محمد بن عبدالله، وهو الأكبر، وكان فاضلاً اديباً شاعراً، وله ديوان شعر مجموع، وأبا العلاء وهو يلي أبا المجد في السن، وأبا الهيثم عبد الواحد بن عبدالله وهو أصغر الإخوة الثلاثة، وكان شاعراً مجيداً، روى عنه أبو العلاء شيئاً من شعره.
ولن يتسع المجال هنا لذكر جميع المبرزين من بني سليمان، وقد ذكر أكثرهم ابن العديم في " الإنصاف والتحري" وياقوت في " معجم الأدباء" فليراجعا.
مولده ومنشؤه وعماه
ولد ابو العلاء في معرة النعمان يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاثة أيام مضت من شهر ربيع الأول سنة 363. وأمه هي بنت محمد بن سبيكة، وخاله علي بن محمد بن سبيكة الذي يقول فيه:
وكأن بنـــي سبيكة فوق طيــر يجوبـــون الغوائر والنِّجــادا
وتوفيت والدته وهو غائب عنها حين رحل الى بغداد سنة 400، وقد رثاها بقصيدتين من قصائد السقط.
جُدِر ابو العلاء في أول سنة 367 فعمي من الجدري، وغشَّى يمنى حدقتيه بياض، وأذهب اليسرى جملة. وقد نقل بعض أهل الأدب في حكاية ذكرها عن ابن منقذ أنه رأى أبا العلاء وهو صبّي دون البلوغ، وأنه وصفه فقال: وهو صبيّ دميم الحلقة، مجدور الوجه، على عينيه بياض من أثر الجدريّ، كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلاً.
اشتغاله بالعلم وشيوخه الذين أخذ عنهم
قرأ القرآن على جماعة من الشيوخ. وقرأ اللغة والنحو بمعرة النعمان على والده أبي محمد عبدالله بن سليمان، وأبي بكر محمد بن مسعود بن محمد بن يحيى بن الفرج النحوي. ودخل وهو صبيّ إلى حلب، فقرأ بها على محمد بن عبدالله بن سعد النحوي راوية أبي الطيب المتنبي.
وسافر أبو العلاء الى بغداد سنة 399 للاستكثار من العلم، فأخذ بها عن أبي الحسن علي بن عيسى الربعي، وأبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا، وأبي علي عبد الكريم بن الحسن بن حكيم السكري النحوي اللغوي.
وأخذ الحديث عن أبيه، وجده، وأخيه آبي المجد، وجدته أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق بن بلبل، وأبي زكريا يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج، وأبي الفتح محمد بن الحسن بن روح، وأبي الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الرحمن الرحبي، وأبي عبدالله محمد بن يوسف بن كراكير الرقي، والقاضي أبي عمرو عثمان بن عبدالله الطرسوسي.
ذكر بعض من قرأ على أبي العلاء وروى عنه من العلماء والأدباء
ممن قرأ عليه من أهل بلده ومن الشاميين وروى عنه: ابنا أخيه القاضيان أبو محمد عبدالله وابو الحسن علي ابنا أبي المجد محمد بن عبدالله، وابن ابن أخيه أبو المجد محمد بن عبدالله بن محمد، والشيخ أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب، وأبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب، وغيرهم.
ومن الأندلسيين: أبو تمام غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأنصاري، وأبو الخطاب العلاء بن حزم، وأبو الخطاب أحمد بن أبي المغيرة، وعثمان بن أبي بكر السفاقسي، ,ابو القاسم نصر بن صدقة القابسي النحوي.
وقرأ عليه وروى عنه غير هؤلاء من البغداديين والتبريزيين والنيسابوريين والأنباريين وغيرهم.
كتَّابه الذين كانوا يكتبون له ما ينشئه من الرسائل والنظم والتصانيف
كتب له جمعة من أهل معرة النعمان، منهم: ابنا أخيه أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالله بن سليمان، وأبو الحسن علي بن محمد بن عبدالله بن سليمان.
ومن كتابه أيضاً جعفر بن أحمد صالح بن جعفر بن سليمان بن داود بن المطهر، وأبو الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم المعري وولده أبو الفتح، وإبراهيم بن علي بن إبراهيم الخطيب.
تصانيفه ومجموعاته وتآليفه
أول ما ألف بعد انقطاعه في منزله، بعد رجوعه من بغداد، الكتاب المعروف بـ" الفصول والغايات" في تمجيد الله تعالى والعظات. وكتاب "السادن" وضعه في ذكر غريب هذا الكتاب وما فيه من اللغة. وكتاب "إقليد الغايات" وهو مشتمل على تفسير اللغز. ثم ألف االكتاب المعروف بـ الأيك والغصون" وهو كتاب كبير، ويعرف بكتاب " الهمز والردف".
ومن كتبه: " تضمين الآي" و"تاج الحرة" و"سيف الخطبة" و"خطب الخيل" و"خطبة الفصيح"" و"رسيل الراموز" و"خماسية الراح" و"المواعظ الست" و"وقفة الواعظ" و"دعاء ساعة" و"دعاء الأيام السبعة" و"حرز الخيل" و"رسالة الصاهل والشاحج" و"القائف" و" منار القائف" و"شرف السيف" وضعه لأمير الجيوش أنوشتكين الدزربري، و" السجع السلطاني" و"سجع الفقيه" و" سجع المضطرين" و"ديوان الرسائل" وهو ثلاثة أقسام، منها طوال كـ"رسالة الملائكة" و"رسالة الغفران" و"الرسالة السندية" و"رسالة العرض". ومنها ما دون هذه في الطول، مثل " رسالة المنيح" و"رسالة الإغريض". ومنها رسائل قصار كنحو ما يجري به العادة في المكاتبات، ومقداره ثمانمائة كراسة.
ومن الشعار التي نظمها: ديوانه المعروف بـ" سقط الزند" وتزيد أبياته المنظومة على ثلاثة آلاف بيت. وله كتاب يعرف بـ" ضوء السقط" يشتمل على تفسير ما جاء في سقط الزند من الغريب.
و"لزوم ما لا يازم" بني على حروف المعجم، ويذكر فيه كل حرف سوى الألف بوجوهه الأربعة، وهو الضم والفتح والكسر والوقف منظوماً. ومعنى لزوم ما لا يلزم أن القافية يردد فيها حرف لو غُيِّر لم يكن ذلك مخلاًّ بالنظم، لكنه التزمه في كل بيت.
وله كتاب "زجر النابح" يردّ فيه على من طعن في أبيات اللزوميات ونسبه الى الكفر فيها. وكتاب " نجر الزجر" وضعه بعد هذا الكتاب الأول، يرد فيه ايضاً على من طعن عليه في أبيات غير الأبيات المذكورة في زجر النابح. وكتاب "راحة اللزوم" شرح فيه ما في كتاب "لزوم ما لا يلزم" من الغريب.
وله غير ذلك من الكتب والرسائل، فلتراجع في فهرس تصانيف أبي العلاء ضمن كتاب " تعريف القدماء بأبي العلاء" ص 615-619.
ذكر رحلته إلى بغداد، وعودته إلى معرة النعمان، وانقطاعه في منزله عن الناس، وتسمية نفسه "رهين المحبسين".
رحل أبو العلاء الى بغداد لطلب العلم والاستكثار منه والاطلاع على الكتب ببغداد، ولم يرحل لطلب دنيا ولا رفد، وقد ذكر ذلك في إحدى قصائد السقط حيث يقول:
دخل ابو العلاء بغداد سنة 399 واقام بها سنة وستة اشهر، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد، منذ سنة 400، وسمى نفسه"رهين المحبسين" للزومه منزله وذهاب عينيه. فأقام مدة طويلة في منزله وكان لا يدخل عند أحد، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه.
ذكاؤه وسرعة حفظه وألمعيته وتوقد خاطره وبصيرته
كان أبو العلاء على غاية من الذكاء والحفظ، وقد قيل له : بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئاً إلا وحفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته.
وقد روي أنه قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة.
ومما يروى عن ذكائه وقوة حافظته، ما حكاه تلميذه أبو زكريا التبريزي، أنه كان قاعداً في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئاً من تصانيفه. قال: وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم ار أحداً من بلدي، فدخل مغافصة (1) المسجد بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته، وتغيرت من الفرح. فقال لي أبو العلاء: ما أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحداً من بلدي منذ سنتين. فقال لي : قم وكلمه. فقلت: حتى أتمم السبق (2). فقال : قم فأنا أنتظرك. فقمت وكلمته بالاذربيجية شيئاً كثيراً، إلى أن سألت عن كل ما أردت. فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أهل اذربيجان. فقال : ما عرفت اللسان وما فهمته، غير أني حفظت ما قلتما. ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا، فجعل جاري يتعجب غاية العجب ويقول: كيف حفظ شيئاً لم يفهمه!
وروي أنه كان لأبي العلاء جار أعجمي بمعرة النعمان، فغاب في بعض حوائجه عن معرة النعمان. فحضر رجل غريب أعجمي قد قدم من بلاد العجم يطلبه، فوجده غائباً، وهو مجتاز لم يمكنه المقام، وذلك القادم لا يعرف اللسان العربي. فأشار إليه ابو العلاء أن يذكر حاجته إليه، فجعل يتكلم بالفارسية، وأبو العلاء يصغي إليه، إلى أن فرغ من كلامه، وهو لا يفهم ما يقول. ومضى الرجل، وقدم جار أبي العلاء العجمي الغائب، وحضر عند ابي العلاء، فذكر له حال الرجل وطلبه له، وجعل يعيد عليه بالفارسية ما قال، والرجل يبكي ويستغيث ويلطم على رأسه، إلى أن فرغ أبو العلاء. وسئل عن حاله، فأخبرهم بموت أبيه وإخوته وجماعة من أهله.
وبلغ من ذكاء أبي العلاء وحسن حفظه، أن جاراً له سماناً كان بينه وبين رجل من أهل المعرة معاملة. فجاءه ذلك الرجل، فدفع إليه السمان رقاعاً متبها إليه يستدعي فيها حوائج له، وكان أبو العلاء في غرفة مشرفة عليهما يسمع محاسبة السمان له، وأعاد الرجل الرقاع إلى السمان. ومضى على ذلك أيام، فسمع أبو العلاء ذلك السمان وهو ييتأوه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال: كنت حاسبت فلاناً برقاع كانت له عندي، وقد عدمتها، ولا يحضرني حسابه. فقالك لا عليط! تعال إليّ، فأنا أحفظ حسابكما. وجعل يملي عليه معاملته جميعها وهو يكتبها إلى أن فرغ وقام. فلم يمض إلا أيام يسيرة، فوجد السمان الرقاع وقد جذبتها الفأر الى زاوية في الحانوت، فقابل بها ما أملاه عليه ابو العلاء، فلم يُخطِ في حرف واحد.
ومن أعجب ما يروى عن فطنته وذكائه، أنه لما عبر الى بغداد اجتاز في طريقه وهو راكب على جمل بشجرة، فقيل له: طأطئ رأسك، ففعل. واقام ببغداد مدة إقامته بها. فلما عاد الى معرة النعمان اجتاز بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة، فطأطأ رأسه، فسئل عن ذلك فقال: ها هنا شجرة. فقيل له: ما ها هنا شيء. فقال: بلى، قد كان ها هنا شجرة حين عبرت هذا منحدراً الى بغداد. فحفروا في ذلك الموضع فوجدوا أصلها.
وهناك روايات أخرى كثيرة تصف ذكاء أبي العلاء والمعيته، لن يتسع المجال لذكرها هنا، فلتراجع في مواضعها (1).
حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء
قال ابن العديم:" ما زالت حرمة أبي العرء في علاء، وبحر فضله مورداً للوزراء والأمراء. وما علمت أن وزيراً مذكوراً، وفاضلاً مشهوراً، مر بمعرة النعمان في ذلك العصر والزمان، إلا وقصده واستفاد منه أو طلب شيئاً من تصنيفه أو كتب عنه".
وكان المستنصر الفاطمي قد بذل لأبي العلاء من بيت المال بمعرة النعمان، فلم يقبل منه شيئاً. وكذلك داعي دعاتهم بمصر أبو نصر هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، حين بلغه أن الذي يدخل لأبي العلاء في السنة من ملكه نيف وعشرون ديناراً، كتب إلى تاج الأمراء ثمال بن صالح، وكان إذ ذاك نائباً عن العبيديين بحلب ومعرة النعمان، بأن يجري له ما تعو إليه حاجته بجميع مهماته وأسبابه، وما يحتاج إليه مما هو بلغةٌ له من ألذ الطعام، وأن يضاعف حرمته، ويرفع منزلته عند الخاص والعام. فامتنع من قبول ذلك.
وكان الأمير عزيز الدولة أبو شجاع فاتك بن عبدالله أمير حلب، يطلب منه أن يصنف له تصانيف، ويحترمه، ويرفع رتبته، ويقبل شفاعته. وكذلك أمير الجيوش أنوشتكين الدِّزبري أمير حلب ودمشق، كان يثني على أبي العلاء، ويُحفي المسألة عنه، ويوجه إليه بالسلام، إعمل له كتاب " شرف السيف".
ويروى أنه ظهر بمعرة النعمان منكر في زمن صالح بن مرداس. فعمد شيوخ البلدإلى إنكار ذلك المنكر، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها، واهرقوا الخمر وجاروا وظلموا، فجمعهم الى حلب، واعتقلهم بها، وكان فيهم بعض بني سليمان. فجاء الجماعة الى الشيخ أبي العلاء وقالوا له: إن الأمر قد عظم وليس له غيرك. فسار إلى حلب ليشفع فيهم، فدخل إلى بين يدي صالح، ولم يعرفه صالح، ثم قال له: السلام عليك أيها الأمير. الأمير أبقاه الله كالسيف القاطع، لاَن وسطه وخشن جانباه، وكالنهار المانع، قاظ وسطه وطاب جانباه ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين). فقال له: أنت أبو العلاء؟ فقال : أنا ذاك. فرفعه إلى جانبه، وقضى شغلهن واطلق له من كان المحبَّسين من أهل المعرة. وفي ذلك يقول ابو العلاء(1
وفاتـــه
توفي أبو العلاء ليلة الجمعة، ثالث، وقيل ثاني شهر ربيع الأول، وقيل ثالث عشره، سنة تسع واربعين وأربعمائة عن ستّ وثمانين سنة.
وذكر القفطي في إنباه الرواة على أنباء النحاة" عن عبدالله الأصفهاني قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي الوفاة، اتاه القاضي الأجل أبو محمد عبدالله التنوخي بقدح شراب فامتنع من شربه، فحلف القاضي أيماناً مؤكدة لا بد من أن يشرب ذلك القدح، وكان سكنجبين. فقال أبو العلاء مجيباً له عن يمينه:
أعبد الله خيرٌ من حياتي وطول ذمائها موت مريحُ
تعللني لتسقيني فذرني لعلـــي أستريــــح وتستريــح
وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا. فتناولوا الدويّ والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب. فقال القاضي أبو محمد: أحسن الله عزاءكم في الشيخ، فإنه ميتت فمات في غداة غده.
وذكر ابن الهبارية في " فلك المعاني" قال: بلغ أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر حديثه، فاستدعاه، وكان داعي الدعاة بحلب، فسمَّ أبو العلاء نفسه، فمات.
قال السبط: ولم يوافق ابن الهبارية على هذا أحد. وقد أجمعوا على أنه مات على فراشه الموت الطبيعي.
* مستلة من كتاب تعريف الانصاف والتحري بأبي العلاء المعري
السير المختصرة لأبي العلاء المعري كما وردت في مقدمة (سقط الزند)
... واكثر قادة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان، هو سليمان بن داود بن المطهر. ومنن اشتهر منهم بذلك بمعرة النعمان.
أبو الحسن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر، وهو أول من تولى منهم القضاء بمعرة النعمان.
ومنهم ولد المذكور ، وهو وجد أبي الشيخ أبي العلاء، أبو بكر محمد بن سليمان بن أحمد، ولي القضاء بمعرة النعمان بعد موت أبيه في حدود الثلاثمائة. وكان فاضلاً أديباً ممدوحاً.
ومنهم ولده جد أبي العلاء، وهو أبو الحسن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد. تولى قضاء المعرة في سنة 301 بعد موت أبيه أبي بكر، ثم تولى بعد ذلك قضاء حمص أيضاً. وكان فاضلاً فصيحاً، شاعراً محدثاً.
ومنهم ولده أبو محمد عبدالله بن سليمان، والد أبي العلاء. وكان فاضلاً أديباً، لغوياً شاعراً. توفي بمعرة النعمان سنة 395، وقال فيه أبو العلاء ابنه يرثيه (1):
وخلف ابو محمد عبدالله ثلاثة بنين: أبا المجد محمد بن عبدالله، وهو الأكبر، وكان فاضلاً اديباً شاعراً، وله ديوان شعر مجموع، وأبا العلاء وهو يلي أبا المجد في السن، وأبا الهيثم عبد الواحد بن عبدالله وهو أصغر الإخوة الثلاثة، وكان شاعراً مجيداً، روى عنه أبو العلاء شيئاً من شعره.
ولن يتسع المجال هنا لذكر جميع المبرزين من بني سليمان، وقد ذكر أكثرهم ابن العديم في " الإنصاف والتحري" وياقوت في " معجم الأدباء" فليراجعا.
مولده ومنشؤه وعماه
ولد ابو العلاء في معرة النعمان يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاثة أيام مضت من شهر ربيع الأول سنة 363. وأمه هي بنت محمد بن سبيكة، وخاله علي بن محمد بن سبيكة الذي يقول فيه:
وكأن بنـــي سبيكة فوق طيــر يجوبـــون الغوائر والنِّجــادا
وتوفيت والدته وهو غائب عنها حين رحل الى بغداد سنة 400، وقد رثاها بقصيدتين من قصائد السقط.
جُدِر ابو العلاء في أول سنة 367 فعمي من الجدري، وغشَّى يمنى حدقتيه بياض، وأذهب اليسرى جملة. وقد نقل بعض أهل الأدب في حكاية ذكرها عن ابن منقذ أنه رأى أبا العلاء وهو صبّي دون البلوغ، وأنه وصفه فقال: وهو صبيّ دميم الحلقة، مجدور الوجه، على عينيه بياض من أثر الجدريّ، كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلاً.
اشتغاله بالعلم وشيوخه الذين أخذ عنهم
قرأ القرآن على جماعة من الشيوخ. وقرأ اللغة والنحو بمعرة النعمان على والده أبي محمد عبدالله بن سليمان، وأبي بكر محمد بن مسعود بن محمد بن يحيى بن الفرج النحوي. ودخل وهو صبيّ إلى حلب، فقرأ بها على محمد بن عبدالله بن سعد النحوي راوية أبي الطيب المتنبي.
وسافر أبو العلاء الى بغداد سنة 399 للاستكثار من العلم، فأخذ بها عن أبي الحسن علي بن عيسى الربعي، وأبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا، وأبي علي عبد الكريم بن الحسن بن حكيم السكري النحوي اللغوي.
وأخذ الحديث عن أبيه، وجده، وأخيه آبي المجد، وجدته أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق بن بلبل، وأبي زكريا يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج، وأبي الفتح محمد بن الحسن بن روح، وأبي الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الرحمن الرحبي، وأبي عبدالله محمد بن يوسف بن كراكير الرقي، والقاضي أبي عمرو عثمان بن عبدالله الطرسوسي.
ذكر بعض من قرأ على أبي العلاء وروى عنه من العلماء والأدباء
ممن قرأ عليه من أهل بلده ومن الشاميين وروى عنه: ابنا أخيه القاضيان أبو محمد عبدالله وابو الحسن علي ابنا أبي المجد محمد بن عبدالله، وابن ابن أخيه أبو المجد محمد بن عبدالله بن محمد، والشيخ أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب، وأبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب، وغيرهم.
ومن الأندلسيين: أبو تمام غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأنصاري، وأبو الخطاب العلاء بن حزم، وأبو الخطاب أحمد بن أبي المغيرة، وعثمان بن أبي بكر السفاقسي، ,ابو القاسم نصر بن صدقة القابسي النحوي.
وقرأ عليه وروى عنه غير هؤلاء من البغداديين والتبريزيين والنيسابوريين والأنباريين وغيرهم.
كتَّابه الذين كانوا يكتبون له ما ينشئه من الرسائل والنظم والتصانيف
كتب له جمعة من أهل معرة النعمان، منهم: ابنا أخيه أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالله بن سليمان، وأبو الحسن علي بن محمد بن عبدالله بن سليمان.
ومن كتابه أيضاً جعفر بن أحمد صالح بن جعفر بن سليمان بن داود بن المطهر، وأبو الحسن علي بن عبدالله بن أبي هاشم المعري وولده أبو الفتح، وإبراهيم بن علي بن إبراهيم الخطيب.
تصانيفه ومجموعاته وتآليفه
أول ما ألف بعد انقطاعه في منزله، بعد رجوعه من بغداد، الكتاب المعروف بـ" الفصول والغايات" في تمجيد الله تعالى والعظات. وكتاب "السادن" وضعه في ذكر غريب هذا الكتاب وما فيه من اللغة. وكتاب "إقليد الغايات" وهو مشتمل على تفسير اللغز. ثم ألف االكتاب المعروف بـ الأيك والغصون" وهو كتاب كبير، ويعرف بكتاب " الهمز والردف".
ومن كتبه: " تضمين الآي" و"تاج الحرة" و"سيف الخطبة" و"خطب الخيل" و"خطبة الفصيح"" و"رسيل الراموز" و"خماسية الراح" و"المواعظ الست" و"وقفة الواعظ" و"دعاء ساعة" و"دعاء الأيام السبعة" و"حرز الخيل" و"رسالة الصاهل والشاحج" و"القائف" و" منار القائف" و"شرف السيف" وضعه لأمير الجيوش أنوشتكين الدزربري، و" السجع السلطاني" و"سجع الفقيه" و" سجع المضطرين" و"ديوان الرسائل" وهو ثلاثة أقسام، منها طوال كـ"رسالة الملائكة" و"رسالة الغفران" و"الرسالة السندية" و"رسالة العرض". ومنها ما دون هذه في الطول، مثل " رسالة المنيح" و"رسالة الإغريض". ومنها رسائل قصار كنحو ما يجري به العادة في المكاتبات، ومقداره ثمانمائة كراسة.
ومن الشعار التي نظمها: ديوانه المعروف بـ" سقط الزند" وتزيد أبياته المنظومة على ثلاثة آلاف بيت. وله كتاب يعرف بـ" ضوء السقط" يشتمل على تفسير ما جاء في سقط الزند من الغريب.
و"لزوم ما لا يازم" بني على حروف المعجم، ويذكر فيه كل حرف سوى الألف بوجوهه الأربعة، وهو الضم والفتح والكسر والوقف منظوماً. ومعنى لزوم ما لا يلزم أن القافية يردد فيها حرف لو غُيِّر لم يكن ذلك مخلاًّ بالنظم، لكنه التزمه في كل بيت.
وله كتاب "زجر النابح" يردّ فيه على من طعن في أبيات اللزوميات ونسبه الى الكفر فيها. وكتاب " نجر الزجر" وضعه بعد هذا الكتاب الأول، يرد فيه ايضاً على من طعن عليه في أبيات غير الأبيات المذكورة في زجر النابح. وكتاب "راحة اللزوم" شرح فيه ما في كتاب "لزوم ما لا يلزم" من الغريب.
وله غير ذلك من الكتب والرسائل، فلتراجع في فهرس تصانيف أبي العلاء ضمن كتاب " تعريف القدماء بأبي العلاء" ص 615-619.
ذكر رحلته إلى بغداد، وعودته إلى معرة النعمان، وانقطاعه في منزله عن الناس، وتسمية نفسه "رهين المحبسين".
رحل أبو العلاء الى بغداد لطلب العلم والاستكثار منه والاطلاع على الكتب ببغداد، ولم يرحل لطلب دنيا ولا رفد، وقد ذكر ذلك في إحدى قصائد السقط حيث يقول:
دخل ابو العلاء بغداد سنة 399 واقام بها سنة وستة اشهر، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد، منذ سنة 400، وسمى نفسه"رهين المحبسين" للزومه منزله وذهاب عينيه. فأقام مدة طويلة في منزله وكان لا يدخل عند أحد، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه.
ذكاؤه وسرعة حفظه وألمعيته وتوقد خاطره وبصيرته
كان أبو العلاء على غاية من الذكاء والحفظ، وقد قيل له : بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئاً إلا وحفظته، وما حفظت شيئاً فنسيته.
وقد روي أنه قال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة.
ومما يروى عن ذكائه وقوة حافظته، ما حكاه تلميذه أبو زكريا التبريزي، أنه كان قاعداً في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئاً من تصانيفه. قال: وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم ار أحداً من بلدي، فدخل مغافصة (1) المسجد بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته، وتغيرت من الفرح. فقال لي أبو العلاء: ما أصابك؟ فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحداً من بلدي منذ سنتين. فقال لي : قم وكلمه. فقلت: حتى أتمم السبق (2). فقال : قم فأنا أنتظرك. فقمت وكلمته بالاذربيجية شيئاً كثيراً، إلى أن سألت عن كل ما أردت. فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أهل اذربيجان. فقال : ما عرفت اللسان وما فهمته، غير أني حفظت ما قلتما. ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا، فجعل جاري يتعجب غاية العجب ويقول: كيف حفظ شيئاً لم يفهمه!
وروي أنه كان لأبي العلاء جار أعجمي بمعرة النعمان، فغاب في بعض حوائجه عن معرة النعمان. فحضر رجل غريب أعجمي قد قدم من بلاد العجم يطلبه، فوجده غائباً، وهو مجتاز لم يمكنه المقام، وذلك القادم لا يعرف اللسان العربي. فأشار إليه ابو العلاء أن يذكر حاجته إليه، فجعل يتكلم بالفارسية، وأبو العلاء يصغي إليه، إلى أن فرغ من كلامه، وهو لا يفهم ما يقول. ومضى الرجل، وقدم جار أبي العلاء العجمي الغائب، وحضر عند ابي العلاء، فذكر له حال الرجل وطلبه له، وجعل يعيد عليه بالفارسية ما قال، والرجل يبكي ويستغيث ويلطم على رأسه، إلى أن فرغ أبو العلاء. وسئل عن حاله، فأخبرهم بموت أبيه وإخوته وجماعة من أهله.
وبلغ من ذكاء أبي العلاء وحسن حفظه، أن جاراً له سماناً كان بينه وبين رجل من أهل المعرة معاملة. فجاءه ذلك الرجل، فدفع إليه السمان رقاعاً متبها إليه يستدعي فيها حوائج له، وكان أبو العلاء في غرفة مشرفة عليهما يسمع محاسبة السمان له، وأعاد الرجل الرقاع إلى السمان. ومضى على ذلك أيام، فسمع أبو العلاء ذلك السمان وهو ييتأوه ويتململ، فسأله عن حاله، فقال: كنت حاسبت فلاناً برقاع كانت له عندي، وقد عدمتها، ولا يحضرني حسابه. فقالك لا عليط! تعال إليّ، فأنا أحفظ حسابكما. وجعل يملي عليه معاملته جميعها وهو يكتبها إلى أن فرغ وقام. فلم يمض إلا أيام يسيرة، فوجد السمان الرقاع وقد جذبتها الفأر الى زاوية في الحانوت، فقابل بها ما أملاه عليه ابو العلاء، فلم يُخطِ في حرف واحد.
ومن أعجب ما يروى عن فطنته وذكائه، أنه لما عبر الى بغداد اجتاز في طريقه وهو راكب على جمل بشجرة، فقيل له: طأطئ رأسك، ففعل. واقام ببغداد مدة إقامته بها. فلما عاد الى معرة النعمان اجتاز بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة، فطأطأ رأسه، فسئل عن ذلك فقال: ها هنا شجرة. فقيل له: ما ها هنا شيء. فقال: بلى، قد كان ها هنا شجرة حين عبرت هذا منحدراً الى بغداد. فحفروا في ذلك الموضع فوجدوا أصلها.
وهناك روايات أخرى كثيرة تصف ذكاء أبي العلاء والمعيته، لن يتسع المجال لذكرها هنا، فلتراجع في مواضعها (1).
حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء
قال ابن العديم:" ما زالت حرمة أبي العرء في علاء، وبحر فضله مورداً للوزراء والأمراء. وما علمت أن وزيراً مذكوراً، وفاضلاً مشهوراً، مر بمعرة النعمان في ذلك العصر والزمان، إلا وقصده واستفاد منه أو طلب شيئاً من تصنيفه أو كتب عنه".
وكان المستنصر الفاطمي قد بذل لأبي العلاء من بيت المال بمعرة النعمان، فلم يقبل منه شيئاً. وكذلك داعي دعاتهم بمصر أبو نصر هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، حين بلغه أن الذي يدخل لأبي العلاء في السنة من ملكه نيف وعشرون ديناراً، كتب إلى تاج الأمراء ثمال بن صالح، وكان إذ ذاك نائباً عن العبيديين بحلب ومعرة النعمان، بأن يجري له ما تعو إليه حاجته بجميع مهماته وأسبابه، وما يحتاج إليه مما هو بلغةٌ له من ألذ الطعام، وأن يضاعف حرمته، ويرفع منزلته عند الخاص والعام. فامتنع من قبول ذلك.
وكان الأمير عزيز الدولة أبو شجاع فاتك بن عبدالله أمير حلب، يطلب منه أن يصنف له تصانيف، ويحترمه، ويرفع رتبته، ويقبل شفاعته. وكذلك أمير الجيوش أنوشتكين الدِّزبري أمير حلب ودمشق، كان يثني على أبي العلاء، ويُحفي المسألة عنه، ويوجه إليه بالسلام، إعمل له كتاب " شرف السيف".
ويروى أنه ظهر بمعرة النعمان منكر في زمن صالح بن مرداس. فعمد شيوخ البلدإلى إنكار ذلك المنكر، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها، واهرقوا الخمر وجاروا وظلموا، فجمعهم الى حلب، واعتقلهم بها، وكان فيهم بعض بني سليمان. فجاء الجماعة الى الشيخ أبي العلاء وقالوا له: إن الأمر قد عظم وليس له غيرك. فسار إلى حلب ليشفع فيهم، فدخل إلى بين يدي صالح، ولم يعرفه صالح، ثم قال له: السلام عليك أيها الأمير. الأمير أبقاه الله كالسيف القاطع، لاَن وسطه وخشن جانباه، وكالنهار المانع، قاظ وسطه وطاب جانباه ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين). فقال له: أنت أبو العلاء؟ فقال : أنا ذاك. فرفعه إلى جانبه، وقضى شغلهن واطلق له من كان المحبَّسين من أهل المعرة. وفي ذلك يقول ابو العلاء(1
وفاتـــه
توفي أبو العلاء ليلة الجمعة، ثالث، وقيل ثاني شهر ربيع الأول، وقيل ثالث عشره، سنة تسع واربعين وأربعمائة عن ستّ وثمانين سنة.
وذكر القفطي في إنباه الرواة على أنباء النحاة" عن عبدالله الأصفهاني قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي الوفاة، اتاه القاضي الأجل أبو محمد عبدالله التنوخي بقدح شراب فامتنع من شربه، فحلف القاضي أيماناً مؤكدة لا بد من أن يشرب ذلك القدح، وكان سكنجبين. فقال أبو العلاء مجيباً له عن يمينه:
أعبد الله خيرٌ من حياتي وطول ذمائها موت مريحُ
تعللني لتسقيني فذرني لعلـــي أستريــــح وتستريــح
وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا. فتناولوا الدويّ والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب. فقال القاضي أبو محمد: أحسن الله عزاءكم في الشيخ، فإنه ميتت فمات في غداة غده.
وذكر ابن الهبارية في " فلك المعاني" قال: بلغ أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر حديثه، فاستدعاه، وكان داعي الدعاة بحلب، فسمَّ أبو العلاء نفسه، فمات.
قال السبط: ولم يوافق ابن الهبارية على هذا أحد. وقد أجمعوا على أنه مات على فراشه الموت الطبيعي.
* مستلة من كتاب تعريف الانصاف والتحري بأبي العلاء المعري