أعشاش الحمام البري
قصة قصيرة : ابراهيم درغوثي/ تونس
عدت اليوم إلى الدار بعد غيبة دامت أكثر من عشر سنين . وضعت المفتاح الكبير في ثقب باب الخشب. دفعته بيدي، فاستعصى في بادئ الأمر ثم أطاعني فدخلت إلى السقيفة ومنها إلى بقية الغرف ...
التراب تكدس في كل مكان:
رمال الصحراء الصفراء الغليظة ،
وتراب الشمال البني ،
والغبار الرقيق ارتفع أكداسا هنا وهناك .
والنمل حفر أوكاره تحت الحيطان التي تشققت .
وشجرة التوت التي عاشرت جدي ، ماتت.
والأرض احتضنت أوراقها وبعضا من الأغصان التي كسرتها الرياح .
والمدجنة تهشم بابها
ووضع
اليمام
بيضه
فوق
أعشاش
الحمام
*****
رأيت سربا من الحمام يطير فوق رأسي عندما اجتزت باب السقيفة ودخلت إلى ساحة البيت .
طار الحمام عاليا ثم حط فوق السطوح، وراح يراقبني بعيون مسكونة بالفجيعة.
وسمعت داخل الأعشاش صوصوة الفراخ الصغيرة.
ورأيت ظلال الجدارن تكدست وسط الساحة لترسم مستطيلا قدام السقيفة وشبه منحرف أمام بيت الوالدة.
خطوت
خطوتين
باتجاه
الدار
فخفقت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح
*****
باب البيت كبير .
لونه : أزرق نيلي.
وعلى الباب رسوم كثيرة:
سمكة
وكف
وسفينة سيدنا نوح
وهودج الجازية الهلالية
وسيف علي بن أبي طالب
وبيتا شعر خطهما أخي الكبير :
الأول يقول :
" يا دار عبلة
بالجواء تكلمي
وعمي صباحا
دار عبلة واسلمي."
وقد كتبه عندما عشق ابنة الجيران وهام بها وجدا.
والثاني خطه حين أكتشف حبه، فسامه أبي عذابا ومهانة.
فكتب بخط يكاد لا يرى:
يا دار
جمع فيك الشؤم واللؤم
متى يعشش في أركانك البوم ؟
*****
دفعت الباب، فعاند.
ودفعته بقوة فاندفع إلى الداخل يئز ويعوي.
وخرج من الغرفة هواء فاسد كهواء القبور.
وخيل إلي وأنا أضع رجلي اليمنى داخلها أنني أرى أشباحا تتراقص.
وحين اعتدت النظر في الظلام،رأيت صورتي مرسومة على بلور خزانة الملابس،
فابتسمت.
وردت لي الصورة ابتسامتي المرتبكة.
ثم انخرطت في ضحك مجنون.
ضحك كعواء ابن آوى .
ورفرفرت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح.
****
مسحت دموعي بكفي.
وخطوت بوجل داخل الدار، إلى يمين الخزانة،
باتجاه صورة الوالدة المعلقة قريبا من الشباك.
سلمت عليها،
فخرجت من الصورة،
واحتضنتني.
وضعت شفتي الملتهبتين على جبينها،
وبكيت.
فمسحت أمي دموعي،
وربتت على كتفي،
وعادت إلى الصورة المعلقة قريبا من الشباك.
وقفت هنيهة قرب الحائط أتأمل وجه أمي ،
فخرجت كلماتها من جوف الحائط كالصدى البعيد:
لقد سئمت هواء القبور،
افتح شبابيك القلب يا ولدي،
وخذني .
ضربت المسمار المغروس في قلب الحائط،
فسال الدم على الجدار.
اقتلعت المسمار،
ورميت به من الشباك،
فرفرفت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح.
وضعت الصورة في جيبي .
وضعت أمي فوق القلب مباشرة
وخرجت
*****
تركت
ورائي
باب
الدار
مفتوحا
قصة قصيرة : ابراهيم درغوثي/ تونس
عدت اليوم إلى الدار بعد غيبة دامت أكثر من عشر سنين . وضعت المفتاح الكبير في ثقب باب الخشب. دفعته بيدي، فاستعصى في بادئ الأمر ثم أطاعني فدخلت إلى السقيفة ومنها إلى بقية الغرف ...
التراب تكدس في كل مكان:
رمال الصحراء الصفراء الغليظة ،
وتراب الشمال البني ،
والغبار الرقيق ارتفع أكداسا هنا وهناك .
والنمل حفر أوكاره تحت الحيطان التي تشققت .
وشجرة التوت التي عاشرت جدي ، ماتت.
والأرض احتضنت أوراقها وبعضا من الأغصان التي كسرتها الرياح .
والمدجنة تهشم بابها
ووضع
اليمام
بيضه
فوق
أعشاش
الحمام
*****
رأيت سربا من الحمام يطير فوق رأسي عندما اجتزت باب السقيفة ودخلت إلى ساحة البيت .
طار الحمام عاليا ثم حط فوق السطوح، وراح يراقبني بعيون مسكونة بالفجيعة.
وسمعت داخل الأعشاش صوصوة الفراخ الصغيرة.
ورأيت ظلال الجدارن تكدست وسط الساحة لترسم مستطيلا قدام السقيفة وشبه منحرف أمام بيت الوالدة.
خطوت
خطوتين
باتجاه
الدار
فخفقت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح
*****
باب البيت كبير .
لونه : أزرق نيلي.
وعلى الباب رسوم كثيرة:
سمكة
وكف
وسفينة سيدنا نوح
وهودج الجازية الهلالية
وسيف علي بن أبي طالب
وبيتا شعر خطهما أخي الكبير :
الأول يقول :
" يا دار عبلة
بالجواء تكلمي
وعمي صباحا
دار عبلة واسلمي."
وقد كتبه عندما عشق ابنة الجيران وهام بها وجدا.
والثاني خطه حين أكتشف حبه، فسامه أبي عذابا ومهانة.
فكتب بخط يكاد لا يرى:
يا دار
جمع فيك الشؤم واللؤم
متى يعشش في أركانك البوم ؟
*****
دفعت الباب، فعاند.
ودفعته بقوة فاندفع إلى الداخل يئز ويعوي.
وخرج من الغرفة هواء فاسد كهواء القبور.
وخيل إلي وأنا أضع رجلي اليمنى داخلها أنني أرى أشباحا تتراقص.
وحين اعتدت النظر في الظلام،رأيت صورتي مرسومة على بلور خزانة الملابس،
فابتسمت.
وردت لي الصورة ابتسامتي المرتبكة.
ثم انخرطت في ضحك مجنون.
ضحك كعواء ابن آوى .
ورفرفرت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح.
****
مسحت دموعي بكفي.
وخطوت بوجل داخل الدار، إلى يمين الخزانة،
باتجاه صورة الوالدة المعلقة قريبا من الشباك.
سلمت عليها،
فخرجت من الصورة،
واحتضنتني.
وضعت شفتي الملتهبتين على جبينها،
وبكيت.
فمسحت أمي دموعي،
وربتت على كتفي،
وعادت إلى الصورة المعلقة قريبا من الشباك.
وقفت هنيهة قرب الحائط أتأمل وجه أمي ،
فخرجت كلماتها من جوف الحائط كالصدى البعيد:
لقد سئمت هواء القبور،
افتح شبابيك القلب يا ولدي،
وخذني .
ضربت المسمار المغروس في قلب الحائط،
فسال الدم على الجدار.
اقتلعت المسمار،
ورميت به من الشباك،
فرفرفت
أجنحة
اليمام
فوق
السطوح.
وضعت الصورة في جيبي .
وضعت أمي فوق القلب مباشرة
وخرجت
*****
تركت
ورائي
باب
الدار
مفتوحا