وأضاف مكتب المدعي العام أنه “بالإجماع يعتبر حتى الآن أن مثل هذا الاستثناء مقصور على المحاكم الدولية فقط”، مثل المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدًا أن “أهمية هذه المسألة القانونية وعواقبها تتطلب أن تبت فيها محكمة أعلى” قبل إجراء محاكمة محتملة.
وعليه، أصدر مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب، في 19 من كانون الأول، إلى غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف بباريس “للبت” في صحة أمر مذكرات التوقيف.
ووفق ما نقله موقع  "جستيس انفو"، فإن القانون يؤكد “إمكانية وجود استثناء لمبدأ الحصانة المادية الذي يمنع الأفعال التي تقع تحت سيادة دولة أجنبية من أن تكون موضوع إجراءات قانونية”.
ويتمتع بشار الأسد بصفته رئيسًا في السلطة بحصانة شخصية يفترض أنها “مطلقة”.
وهذه أول مذكرة توقيف تصدرها محكمة فرنسية ضد رئيس دولة في منصبه، ولا توجد أي سوابق قضائية مشابهة، بحسب الموقع.
وبالتالي، سيتعين على غرفة التحقيق، ومن ثم محكمة التمييز، أن تقرر ما إذا كانت مذكرة التوقيف صالحة أم أنها ستلغيها.

قرار مرتبط “بحصانة”

يرتبط تنفيذ المذكرة بشكل مباشر بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول بموجب القانون الدولي أمام المحاكم الوطنية الأجنبية.
وفي مقال للمسؤول القانوني في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، المحامي مهند شراباتي، قال فيه إنه لا بد من الإشارة إلى أن قرار قضاة التحقيق في فرنسا بتجاوز الحصانة الشخصية وإصدار مذكرة التوقيف ليس قطعيًا، ونظريًا من الممكن الطعن بالمذكرة أمام القضاء الفرنسي من قبل المدعي العام أو من الدفاع (في حال تم توكيل محامٍ لتمثيل بشار الأسد)، وإثارة موضوع الحصانة الشخصية لبشار الأسد.
وحينها على القضاء الفرنسي أن “يبت” فيما إذا كان النظام السوري يتمتع بالحصانة الشخصية أم لا قبل النظر في موضوع الادعاء.
ومن الناحية القانونية، يمكن للنظام السوري اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للاعتراض على مذكرة التوقيف الفرنسية على غرار الدعوى التي تقدمت بها الكونغو ضد بلجيكا، أو الاعتراض على أي قرار لاحق يصدر عن القضاء الفرنسي في حال تقرر المضي بالدعوى، واعتبار أن النظام السوري لا يتمتع بالحصانة الشخصية أمام المحاكم الوطنية الفرنسية.
وأضاف المقال أنه لهذه الأسباب ستكون القضية فرصة حقيقية ليس فقط أمام القضاء الفرنسي وإنما أمام دول العالم، لإعادة النظر في قواعد الحصانة الشخصية عن الجرائم الدولية الخطيرة، وتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم.

توقعات بإلغاء المذكرات

المسؤول القانوني في “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، المحامي مهند شراباتي، قال لعنب بلدي، إن من المحتمل إلغاء مذكرات التوقيف التي صدرت بحق بشار الأسد، لأنه و”بالقانون الدولي، النظام يتمتع بالحصانة أمام المحكمة الوطنية الأجنبية”.
وأضاف شراباتي أن مذكرة التوقيف صادرة عن قاضي التحقيق وليس عن المدعي العام، ويمكن للأطراف والمدعي العام أن يطعنوا بقرار مذكرات التوقيف بعد صدورها.
ويرى أنه يوجد احتمالية طعن مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب بمذكرات التوقيف، بسبب وجود الحصانة الشخصية التي يتمتع بها النظام.
ويتفق المختص في القانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، مع المحامي مهند شراباتي، مشيرًا إلى أنه بناء على الاختصاص المحلي للمحكمة التي صدرت عنها المذكرات، والحصانة التي يتمتع فيها النظام السوري، يمكن أن تلغى هذه المذكرات، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

نوعان للحصانة

وفقًا للقانون الدولي هناك نوعان من الحصانة التي يتمتع بها الأفراد وهي الحصانة “الشخصية” والحصانة “الوظيفية”، بحسب مقال المحامي شراباتي.
والحصانة “الشخصية” تعني الحماية من المحاكمة أمام المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها بعض مسؤولي الدولة، بسبب صفتهم ووضعهم الرسمي في الدولة.
وترتبط هذه الحصانة بعدد من المناصب العليا في الدول وعلى وجه التحديد رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية، وهي حصانة مطلقة، بمعنى أنها تشمل جميع الأفعال المرتكبة سواء بصفة رسمية أو خاصة قبل وفي أثناء تولي المنصب.
وتتوقف حماية الحصانة “الشخصية” بمجرد مغادرة الفرد لمنصبه حتى بما يتعلق بأفعال قام بها عندما كان في المنصب.
أما الحصانة “الوظيفية” فتعني الحصانة من اختصاص المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها الأفراد، بسبب الطابع الرسمي لبعض الأفعال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية نيابة عن الدولة، على عكس الحصانة “الشخصية”.
وترتكز الحصانة “الوظيفية” على الفعل أو السلوك نفسه، وليس على منصب الشخص الذي قام بالفعل، وبالتالي فهي لا تقتصر على عدد من المناصب العليا في الدولة، وإنما تشمل أي موظف يتصرف نيابة عن الدولة مهما كان منصبه.
وتشمل هذه الحصانة الأعمال الحكومية والأعمال التجارية للدولة، ما لم تتم بصفة شخصية، ولا تكون الأفعال رسمية بطبيعتها إلا عندما يكون الفعل منسوبًا حصرًا إلى الدولة.
والحصانة “الوظيفية” لرؤساء الدول تصبح ذات أهمية فقط عندما يترك رئيس الدولة منصبه، لأنه خلال وجوده في المنصب يتمتع بحصانة “شخصية”، لذلك قد لا يكون هذا النوع من الحصانة ذا صلة عند النقاش حول المذكرة الصادرة ضد بشار الأسد كونه ما زال في منصبه، ومن الناحية القانونية يتمتع بحصانة “شخصية”.
ومن المهم الإشارة إلى أن من المقبول على نطاق واسع أن الحصانة “الوظيفية” أمام المحاكم الوطنية لا تشمل الجرائم الدولية الخطيرة كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، كونها لا تعتبر تصرفات رسمية نيابة عن الدولة.
واجتهادات المحاكم تدعم وجود قاعدة عرفية دولية تفيد بأن الحصانة “الوظيفية” لمسؤولي الدول السابقين لا تنطبق أمام المحاكم الوطنية الأجنبية في حالات الجرائم الدولية الخطيرة، على سبيل المثال القضية ضد الضابط النازي إيخمان، والقضية ضد الرئيس السابق لتشيلي بينوتشيه أمام القضاء البريطاني.
وأكدت على ذلك لجنة القانون الدولي في مسودة المواد المتعلقة بحصانة مسؤولي الدول من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية التي اعتمدتها في حزيران 2022، ونصت المادة “7” أن الحصانة “الوظيفية” أمام المحاكم الأجنبية الوطنية لا تشمل مجموعة من الجرائم الدولية، وهي جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة الفصل العنصري، جريمة التعذيب وجريمة الاختفاء القسري.
وبحسب المقال، لا يمكن الاحتجاج بالحصانة “الشخصية” أمام المحاكم الدولية، وينص نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية على ذلك بشكل صريح، وتنص المادة “27” على أنه “لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص”.
وتعد الحصانة “الشخصية” أمام المحاكم الأجنبية الوطنية على عكس المحاكم الدولية، فهناك حجج قانونية على أن رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية الذين ما زالوا في مناصبهم يتمتعون بحصانة “شخصية” مطلقة من الملاحقة الجنائية أمام المحاكم الوطنية الأجنبية، حتى في حال ارتكابهم انتهاكات جسيمة ضد القانون الجنائي الدولي، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة.

ما القضية

أصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون مذكرات توقيف بحق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وشقيقه ماهر الأسد، واثنين من معاونيه، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما والغوطة الشرقية في دمشق عام 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص.
وبحسب بيان صدر عن “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في 15 من تشرين الثاني الماضي، فتح التحقيق بناء على شكوى جنائية قدمها المركز وضحايا سوريون في آذار 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين وناجيات من هجمات آب 2013.
المذكرات الفرنسية شملت كلًا من العميد غسان عباس، مدير الفرع “450” من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية، وتشير مذكرات التوقيف هذه إلى المؤهلات القانونية للتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بحسب المركز.
وتعتمد الشكوى الجنائية على تحليل شامل لتسلسل القيادة العسكرية السورية، وبرنامج الأسلحة الكيماوية للنظام السوري، ومئات الأدلة الموثقة بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو.