في الزمان غير البعيد.. كان يوضع على صدر الطفل "طبلة" من ذهب أو فضة في داخلها حجاب صغير، مكتوب فيه أرقام وحروف وطلاسم، درءاً عن العين والحسد، وهي عادة عربية قديمة وردت في أشعار المتقدمين: وذوي التمائم من بينك صغار.
تظل هذه التميمة أو الطبلة معلقة على صدر الطفل حتى يشب عن الطوق، وربما تبقى معه فتنتقل من الصدر إلى الزند.
كل إنسان يتطير، يتشاءم، يتفاءل، جزء من تركيبته البشرية وطبيعته النفسية، تخضع أحياناً للتربية والثقافة ووعي الفرد والمجتمع، لكنها مع التطور تأخذ أشكالاً متحضرة تتماشى ونغمة العصر السائدة، ففي ألمانيا مثلا لن تجد بصّارة أو ضاربة ودع، لكن ستجد مؤسسات وشركات متخصصة في قراءة الحظ والبخت والتنبؤ ورجم الغيب، تدير أعمالها بالكمبيوترات والآلات الحاسبة والسكرتيرات والحجوزات لمثل هذه المسائل مسبقة.
الغريب في الأمر أن زبائن هذه المؤسسات متباينون، تجد الغني المفرط في الغنى، والفقير المدقع حد البؤس والمسكنة، وتجد الباحث عن حظ يتنزل عليه أو سماء تدر عليه ذهباً.
العرب في الجاهلية كانوا أكثر الناس تطيراً، فإذا أراد أحدهم أن يسافر رمى بسهمين أو استشار الكهان أو رمى حجراً عند العرافين، ليعرف طالع السعد أم طالع النحس، ومما يروى في الأثر: أن للملك النعمان يوم سعد من واتاه فيه كان من الحظوة، وأصابه الخير الوفير، ومن صادف يوم نحسه، فلتثكله أمه، وتنوح عليه ما دامت حيّة.
وما نحر الذبائح، وتقديم القرابين إلا لفك النحس، أو طرد الشؤم، حتى إطلاق بعض الأسماء الغريبة على الأبناء، هو نوع من الرقي كي لا يموت الطفل الجديد.
كانت العرب تتشاءم من الغراب، فإذا نعب مرتين تشاءموا، وإذا نعب ثلاثاً تفاءلوا، كانوا يسمونه حاتماً لأنه يحتم بالفراق، وكانوا يتطيرون من الظبي الأعصب القرن، الملوي، فإذا أراد أحدهم السفر ونوى الترحال، خرج قبل شقوق الضوء والطير على أوكارها، وفي أعشاشها، فيطيرها من على الشجر، فإن طارت يميناً أخذ يمنة، وإن طارت شمالاً أخذ ميسرة، يقول امرؤ القيس:
وقد اغتدى والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
إن قراءة الحظ أو الكف وقيافة البشر والتنجيم وتفسير الأحلام والعرافة والزجر والكهانة، كلها أمور تدخل ضمن التفاؤل والتشاؤم أو التشاؤل.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، ويكره الطيرة والتكهن: "ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له".
ونقول نحن في العامية الدارجة:" فألك طيب" وهي بمثابة وعد، وإذا قدم ضيف قدمنا له الفوالة.
قال الشاعر: لا يعلم المرء ليلاً ما يصبحه إلا كواذب ما يجري به الفأل
والفأل والزجر والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال
وتأول النبي صلى الله عليه وسلم بمقتل الحسين، لما رأى"أن كلباً أبقع، يلغ في دمه". وحدث هذا بعد ذلك بخمسين سنة، كذلك حين قال لعمار بن ياسر:"ستقتلك الفئة الباغية" كذلك خبر أبا ذر الغفاري بموته في الفلاة وحيداً،" توفى في الربذة منفياً". وحــــذر عائشة أم المؤمنــــين من نباح كـــــلاب القافلة "حرب الجمل".
إذا كانت هذه الصفة يختص بها الأنبياء والمرسلون، فهل تحدث مع البشر، مما ورد في كتب الأثر وأسفار التاريخ أن كثيرين كانت لهم بعض الكرامات أو كشف الحجاب، وحدثت كذلك للعرافين والعارفين والكهان، فحديث بحيرة الراهب في وصف النبي القادم وقراءته في أوصاف محمد بن عبد الله، وتحديد ملامحه، هي قيافة البشر، وحديث الكاهن لكسرى عن زوال ملكه، وتقوض إيوانه، حيث رأى الموبذان أن"إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، تأتي على ملك ساسان، تخمد النيران، ويرتجس الإيوان، تكثر التلاوة، ويفيض وادي سماوة، وتغوص بحيرة ساوة".
وكانت العرب تقول: "أشأم من سراب" وسراب هي ناقة البسوس التي تقاتل القوم بسببها أربعين عاماً، وتقول العرب أيضاً: "أشأم من طويس" وطويس هو أول من غنى في الإسلام، والطويس هو تصغير الطاووس، وكان "مَئوفاً، مَسْتوهاً" ابحثوا عنهما في القاموس إن لقيتموهما- وإن لم تعثروا عليهما، فقيسوا حاله وصفته من أسماء خلانه وأصحابه وأعوانه: نومة الضحى، نسيم السحر، برد الفؤاد، ظل الشجر، ودلال، فهؤلاء بالتأكيد لم يكونوا من المجاهدين ولا من الأعداء المشركين.
كان طويس يقول لأهل المدينة:"ما دمت بين ظهرانيكم، فتوقعوا خروج الدجال والدابة، فإن مت فأنتم آمنون".
وحين سئل: لماذا أطلق عليك العرب صفة الشؤم؟ قال:"كانت أمي تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفطمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحلم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي ولد في اليوم الذي قتل فيه علي". ولعل حكايات طويس عجيبة، وان كانت ليست من صلب الموضوع تماماً، لكنها تدخل ضمن الحظ، حسنة وسيئة، فقد كان أمير المدينة المنورة في عهد سليمان بن عبد الملك هو ابن حزم الأنصاري، فطلب منه أمير المؤمنين في كتاب أن يحصي طويس وجماعته التي برقة الخبزة المغموسة في اللبن، فتشظى قلم الكاتب، فوقعت نقطة على ذروة حرف الحاء، فصيرته خاء، فلما قرأ أمير المدينة ذلك، تناقش مع كاتبه هل هي بالحاء أم بالخاء، ثم استقر رأيهما على أنها بالخاء، لأن النقطة كبر حبة التمرة، وكان من سوء حظهم أو "حظهن" أو بسبب شؤم طويس عليهم أو "عليهن" إن كان الذي كان، وصار "الختان الثاني" كما قال عنه طويس.
تظل هذه التميمة أو الطبلة معلقة على صدر الطفل حتى يشب عن الطوق، وربما تبقى معه فتنتقل من الصدر إلى الزند.
كل إنسان يتطير، يتشاءم، يتفاءل، جزء من تركيبته البشرية وطبيعته النفسية، تخضع أحياناً للتربية والثقافة ووعي الفرد والمجتمع، لكنها مع التطور تأخذ أشكالاً متحضرة تتماشى ونغمة العصر السائدة، ففي ألمانيا مثلا لن تجد بصّارة أو ضاربة ودع، لكن ستجد مؤسسات وشركات متخصصة في قراءة الحظ والبخت والتنبؤ ورجم الغيب، تدير أعمالها بالكمبيوترات والآلات الحاسبة والسكرتيرات والحجوزات لمثل هذه المسائل مسبقة.
الغريب في الأمر أن زبائن هذه المؤسسات متباينون، تجد الغني المفرط في الغنى، والفقير المدقع حد البؤس والمسكنة، وتجد الباحث عن حظ يتنزل عليه أو سماء تدر عليه ذهباً.
العرب في الجاهلية كانوا أكثر الناس تطيراً، فإذا أراد أحدهم أن يسافر رمى بسهمين أو استشار الكهان أو رمى حجراً عند العرافين، ليعرف طالع السعد أم طالع النحس، ومما يروى في الأثر: أن للملك النعمان يوم سعد من واتاه فيه كان من الحظوة، وأصابه الخير الوفير، ومن صادف يوم نحسه، فلتثكله أمه، وتنوح عليه ما دامت حيّة.
وما نحر الذبائح، وتقديم القرابين إلا لفك النحس، أو طرد الشؤم، حتى إطلاق بعض الأسماء الغريبة على الأبناء، هو نوع من الرقي كي لا يموت الطفل الجديد.
كانت العرب تتشاءم من الغراب، فإذا نعب مرتين تشاءموا، وإذا نعب ثلاثاً تفاءلوا، كانوا يسمونه حاتماً لأنه يحتم بالفراق، وكانوا يتطيرون من الظبي الأعصب القرن، الملوي، فإذا أراد أحدهم السفر ونوى الترحال، خرج قبل شقوق الضوء والطير على أوكارها، وفي أعشاشها، فيطيرها من على الشجر، فإن طارت يميناً أخذ يمنة، وإن طارت شمالاً أخذ ميسرة، يقول امرؤ القيس:
وقد اغتدى والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
إن قراءة الحظ أو الكف وقيافة البشر والتنجيم وتفسير الأحلام والعرافة والزجر والكهانة، كلها أمور تدخل ضمن التفاؤل والتشاؤم أو التشاؤل.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، ويكره الطيرة والتكهن: "ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له".
ونقول نحن في العامية الدارجة:" فألك طيب" وهي بمثابة وعد، وإذا قدم ضيف قدمنا له الفوالة.
قال الشاعر: لا يعلم المرء ليلاً ما يصبحه إلا كواذب ما يجري به الفأل
والفأل والزجر والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال
وتأول النبي صلى الله عليه وسلم بمقتل الحسين، لما رأى"أن كلباً أبقع، يلغ في دمه". وحدث هذا بعد ذلك بخمسين سنة، كذلك حين قال لعمار بن ياسر:"ستقتلك الفئة الباغية" كذلك خبر أبا ذر الغفاري بموته في الفلاة وحيداً،" توفى في الربذة منفياً". وحــــذر عائشة أم المؤمنــــين من نباح كـــــلاب القافلة "حرب الجمل".
إذا كانت هذه الصفة يختص بها الأنبياء والمرسلون، فهل تحدث مع البشر، مما ورد في كتب الأثر وأسفار التاريخ أن كثيرين كانت لهم بعض الكرامات أو كشف الحجاب، وحدثت كذلك للعرافين والعارفين والكهان، فحديث بحيرة الراهب في وصف النبي القادم وقراءته في أوصاف محمد بن عبد الله، وتحديد ملامحه، هي قيافة البشر، وحديث الكاهن لكسرى عن زوال ملكه، وتقوض إيوانه، حيث رأى الموبذان أن"إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، تأتي على ملك ساسان، تخمد النيران، ويرتجس الإيوان، تكثر التلاوة، ويفيض وادي سماوة، وتغوص بحيرة ساوة".
وكانت العرب تقول: "أشأم من سراب" وسراب هي ناقة البسوس التي تقاتل القوم بسببها أربعين عاماً، وتقول العرب أيضاً: "أشأم من طويس" وطويس هو أول من غنى في الإسلام، والطويس هو تصغير الطاووس، وكان "مَئوفاً، مَسْتوهاً" ابحثوا عنهما في القاموس إن لقيتموهما- وإن لم تعثروا عليهما، فقيسوا حاله وصفته من أسماء خلانه وأصحابه وأعوانه: نومة الضحى، نسيم السحر، برد الفؤاد، ظل الشجر، ودلال، فهؤلاء بالتأكيد لم يكونوا من المجاهدين ولا من الأعداء المشركين.
كان طويس يقول لأهل المدينة:"ما دمت بين ظهرانيكم، فتوقعوا خروج الدجال والدابة، فإن مت فأنتم آمنون".
وحين سئل: لماذا أطلق عليك العرب صفة الشؤم؟ قال:"كانت أمي تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وفطمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحلم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي ولد في اليوم الذي قتل فيه علي". ولعل حكايات طويس عجيبة، وان كانت ليست من صلب الموضوع تماماً، لكنها تدخل ضمن الحظ، حسنة وسيئة، فقد كان أمير المدينة المنورة في عهد سليمان بن عبد الملك هو ابن حزم الأنصاري، فطلب منه أمير المؤمنين في كتاب أن يحصي طويس وجماعته التي برقة الخبزة المغموسة في اللبن، فتشظى قلم الكاتب، فوقعت نقطة على ذروة حرف الحاء، فصيرته خاء، فلما قرأ أمير المدينة ذلك، تناقش مع كاتبه هل هي بالحاء أم بالخاء، ثم استقر رأيهما على أنها بالخاء، لأن النقطة كبر حبة التمرة، وكان من سوء حظهم أو "حظهن" أو بسبب شؤم طويس عليهم أو "عليهن" إن كان الذي كان، وصار "الختان الثاني" كما قال عنه طويس.