رواق المخطوطات
مخطوطات البحر الميت :وثيقة دمشق وسفر الوصايا
الحديث عن مخطوطات البحر الميت لم يتوقف منذ اكتشافها وفي حين أخفيت عن عمد بعض النصوص لأسباب معروفة نشرت نصوص أخرى من تلك المخطوطات ومنها سفر وثيقة دمشق وسفر الوصايا.وهنا تعيد الهدهد نشر هذين السفرين تذكيرا بتلك المخطوطات التي تركنا أمر تفسيرها لغيرنا فاستخدمت كما هو متوقع خارج اطارها العلمي
1- سفر وثيقة دمشق
تم اكتشاف قطع كبيرة من سفر وثيقة دمشق في ثلاثة كهوف من كهوف قمران (ق5-12، ق 6-115 وق4: 265-273) غير أن اثنين من النسخ العائدة للعصور الوسطى وغير الكاملة من هذه الوثيقة قد وجدتا قبل ذلك التاريخ بعدة سنوات (1869-1897) بين ركام من المخطوطات المطروحة في أحد المخازن [الجنيزا] (1) في كنيس الفسطاط [القاهرة] القديم، ونشرتا في عام 1910 على يد: س. شاتر تحت عنوان (قطع من الكتابات الصادوقية- في كمبردج) وقد أعيد نشرهما مع مقدمة دراسية جديدة من قبل : ج.أ. فتزمير Fitzmyer في عام 1970، وكان قد أعيد تحقيقهما من قبل شيم رابين، ونشرتا تحت عنوان (وثائق صادوقية [اكسفورد 1954]).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الجنيزا هي غرفة الدفن (الجنازة) فقد وجد في كل كنيس يهودي غرفة للدفن، دفن الأشياء المكتوبة، ذلك أن اليهود اعتنقوا مثل شعوب الشرق القديم بأن الحرف كائن حي، فإذا مات يدفن في مدفن خاص، وقد بقي لنا من غرف الدفن التي كانت موزعة في العالم غرفة كنيس القاهرة، وقد حوت وثائق خطيرة يعود تاريخ بعضها الى القرن العاشر للميلاد، وفي القرن الماضي انتهبت هذه الوثائق ووزعت على مختلف المكتبات الخاصة والعامة في العالم، وأشهر من عمل بها العالم كويتين، الذي نشر بعضها مع دراسات خطط لها في أن تكون في خمس مجلدات تحت عنوان " مجتمع البحر الأبيض المتوسط " وتم نشر ثلاثة مجلدات فقط قبل أن يتوفى المؤلف. ويلاحظ أن الصهيونية تحاول بشتى السبل الاستفادة القصوى، ولو بالتزييف من هذه الوثائق، وعلماء العرب مدعوون للعمل في هذه الوثائق للاستفادة منها ولتعطيل خطط العدو.
وابتداءً من تاريخ القرن العاشر والثاني عشر بالتوالي تثير المخطوطتان اللتان وجدتا في القاهرة: - (المخطوطة)(أ) والمخطوطة (ب)- عدداً كبيراً من المشاكل وذلك لأنهما تمثلان نسختين مختلفتين عن التأليف الأصلي، ولقد سوّيت هذه المشكلة بشكل مرضي حسب استطاعتي، وذلك باتباع المخطوطة(أ) التي تتطابق مع الجذاذات القمرانية غير المنشورة، وبالوقت نفسه أدخلت بعض محتويات المخطوطة (ب) بين اقواس أو في ملاحظات في أسفل الصفحة، وفي بعض الأحوال، كما سيلاحظ القارئ فإن المخطوطة (أ) تنتهي، وعند ذلك يكون اعتمادنا على المخطوطة (ب). وفوق ذلك وطبقاً لاقتراح قدمه: ج.ت. ميلك J.T.Milik في كتابه " عشر سنوات من الاكتشافات في قفار اليهودية" (طبعة لندن 1959 ص 151-152) لقد أعدت ترتيب نظام الصفحات واضعاً صفحتي 15 و16 قبل صفحة 9.
إن العنوان (سفر وثيقة دمشق) مأخوذ من الإشارت التي وجدت في المواعظ للداخل في " الميثاق الجديد" " في أراضي دمشق"، وإن أهمية هذه العبارة قد نوقشت في الفصل الثاني مع المدلولات التاريخية الموجودة في المخطوطة، وهي تقترح أن الوثيقة قد كتبت حوالي عام 100 ق.م. وهذه الفرضية يدعمها بشكل غير مباشر غياب أي ذكر في المقاطع التاريخية للكتيم Kittim (أي الرومان) الذين لم يحدث غزوهم لبلاد المشرق حتى عام 70 ق.م.
والسفر مقسم الى موعظة وقائمة من القوانين، وفي المواعظة، نجد الواعظ- من المحتمل أن يكون راعي الطائفة- وهو يخاطب أبناءه عن مواضيع تعاليم الطائفة، وكثير من هذه الوصايا يظهر أيضاً في سفر قانون الطائفة، وهدفه أن يشجع أعضاء الطائفة بالبقاء على الإخلاص، وبهذا الهدف أمام عينيه يبدأ بإظهار الحقيقة المأخوذة من تاريخ بيت إسرائيل والطائفة، وهو أن ألإخلاص جزاؤه الثواب دوماً، وأما الردّة فجزاؤها العقاب.
وفي أثناء السرد نجد مؤلف سفر وثيقة دمشق كثيراً ما يفسر النصوص التوراتية بطريقة غير متوقعة، وقد ذكرت تعليقين من هذه التعاليق على قوانين الزواج في الفصل الثالث ص 44، ولكن هنالك وصف مضمن لعاموس: 5/26-27 في ص 103، الذي ليس من السهل فهمه.
ففي التوراة نجد أن هذه الفقرات تنقل تهديدات الرب، فاليهود يجب عليهم أن يأخذوا أنفسهم وأصنامهم معهم الى المنفى إذ تقول:" يجب أن تأخذوا سكّوث Sakkuth ملككم وكيون Kaiwan إلهكم النجمي وأوثانكم التي صنعتموها بأنفسكم لأني سوف آخذكم الى المنفى إلى ما وراء دمشق "، ولكن سفر وثيقة دمشق حوّل هذا التهديد الى وعد بالخلاص وذلك بتغيير بعض كلمات في النص التوراتي وحذف بعضها بحيث أصبح النص كما يأتي: " سوف أنفي خيمة العهد لملككم، وأسس تماثيلكم من خيمتي الى دمشق".
ففي هذا النص الحديث نجد الثلاث عبارات الرئيسة تفسر تفسيراً رمزياً كما يلي: خيمة العهد= كتب القانون. الملك: جماعة المصلين. أسس التماثيل= كتب الأنبياء، وهكذا فإن كتب القانون هي خيمة الملك كما قال الرب:" أقيم مظلة داود الساقطة" (عاموس 9/12) والملك هو جماعة المصلين، وأسس التماثيل هي كتب الأنبياء التي كان اليهود يحتقرون أقوالهم.
وحذف كل إشارة للإله النجمي قد جعلت العبارة مقبولة بتقديم نجم مختلف جداً، وهو المسيح مفسر القانون ورفيقه "أمير جماعة المصلين". "النجم هو مفسر القانون الذي سوف يأني الى دمشق" كما هو مكتوب: يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب (صولجان) من إسرائيل (العدد 24/17)، والصولجان هو أمير جماعة المصلين.
ويتألف الجزء الثاني من سفر وثيقة دمشق وهو الأحكام من مجموعة من القوانين التي تعكس بصورة عامة التفاسير الطائفية للأوامر التوراتية المتعلقة بالنذور، والقسم والقضاء، والتطهير، والسبت والتمييز بين النقاوة الطقوسية، وعدم النقاوة، ويتبعها قواعد لها علاقة بمؤسسات الطائفة، هذا وتظهر بعض القوانين الخاصة في وثيقة دمشق في مخطوط الهيكل أيضاً (انظر ص 152).
بينما تمثل الوصايا " أصل" حرفي اقتبسه كل من معلمي اليهود والمسيحيين الدينيين مثلاً (الرسالة الى العبرانيين) إلا أننا نجد مجاميع القوانين المنهجية تتنبأ أن المشناه Mishnah هو أقدم قانون يهودي باق على قيد الحياة.
والقوانين كما تظهر في الجذاذات القمرانية تشمل طقوس عيد تجديد الميثاق، وهكذا يمكننا أن نفترض أن سفر وثيقة دمشق بأجمعه كان مرتبطاً أصلاً بذلك العيد.
وحددت مخطوطة ق 4-266، كما سنرى بالحال، أنه وقع في الشهر الثالث، أي تطابق مع عيد الأسابيع الذي احتفل به في اليوم الخامس عشر من الشهر الثالث، وذلك حسبما ورد في تقويم الطائفة.
وسيتلو نقل مخطوط القاهرة وترجمته ترجمة بعض جذاذات الكهف الرابع.
2- الوصايــا
اسمعوا الآن أنتم الذين تعرفون الحق والعدل، وفكروا بأعمال الرب، لأنه في خصام مع جميع بني الإنسان. وسوف يحكم على كل أولئك الذين يحتقرونه.
وذلك أنه عندما ظهرت خيانتهم، وهجروا الرب أشاح بوجهه عن إسرائيل وطردهم من حرمه المقدس، وسلمهم الى السيف يعمل في رقابهم، ولكنه عندما تذكر ميثاق الآباء والأجداد ترك بقية من إسرائيل ولم يسلمها للخراب والدمار، وفي عصر الغضب وبعد مضي ثلاثمائة وتسعين سنة بعد أن سلمهم لأيدي الملك الكلداني نبوخذ نصر عاد فكافأهم وأطلق جذور النبتة تنشأ من إسرائيل وهارون لترث أرضه وتزدهر ضمن الأشياء الطيبة في أرض الرب، ولقد لاحظوا ذنوبهم واعترفوا بأنهم مذنبون ومع ذلك فقد بقوا لمدة عشرين عاماً كالعميان يتحسسون باحثين عن طريق.
وقد لاحظ الرب أعمالهم وأنهم يبتغون مرضاته بقلوب كلية، ولذلك فقد أرسل اليهم معلم الحق والعدل ليرشدهم الى طرق مرضاته، وأظهر للأجيال القادمة كل الأشياء التي فعلها الرب بالأجيال الماضية. وكذلك ميز الجماعة الخونة عن الذين حادوا عن الطريق. وهذا كان الزمن الذي كتب به:" إنه قد جمع إسرائيل كبقرة جامحة" (هوشع 4/16) وعندما ظهر المضلّل، الذي أمطر إسرائيل بالكذب وجعلها تتيه بالقفار، ويخضعون هاماتهم العالية للذل الأبدي، ويلغون طرق الحق والعدل، ويزيلون الحدود التي رسمها الآباء لمن يرثونهم حتى يدعو عليهم بلعنات ميثاقه ويسلمهم لسيف الميثاق المنتقم (أشعيا: 30/10) لأنهم ينشدون الحياة الناعمة الرخيّة ويفضلون التخيلات والأوهام (أشعيا: 30/13) وكانوا ينتظرون يبحثون في عيوب الآخرين، ويختارون الرقاب الجميلة ويسوغون الشر، ويدينون العدل، وقد تجاوزوا حدود الميثاق، وانتهكوا الوصايا وتعصب بعضهم مع بعض ضد الحياة المستقيمة، وازدروا كل من مشى في طرق الكمال، وطاردوهم بالسيوف وابتهجوا في منازعة الشعب، وبذلك اشتعل غضب الرب ضد 2 جماعة المصلين لديهم حتى شتت شملهم، وأصبحت جميع أعمالهم مكشوفة ومشوهة أمامهم.
اسمعوا الآن أنتم يا ممن تدخلون الميثاق، سوف أفتح آذانكم لتعوا طريق الأشرار.
إن الرب يحب المعرفة والحكمة والفهم وقد وضعها أمامه. والتعقل والمعرفة في خدمته، والصبر والسماح من شيمه، وهو يصبر ويسامح أولئك الذين يتحولون عن طريق الانتهاك.
ولكن السلطة والقوة والغضب الساطع على يد جميع ملائكة التخريب، تنصب على أولئك الذين يحيدون عن الطريق ويكرهون الوصايا والمبادىء ، انه لن يكون لهم بقية، ولن ينجو منهم احد، فمنذ البداية لم ينالوا حظوة الرب واختياره، فقد كان الرب يعلم أعمالهم منذ الأزل، ومنذ خلقهم، فقد كره أجيالهم وأشاح بوجهه عنهم حتى قضي عليهم، لأنه كان يعلم وقت مجيئهم وطول بقائهم في جميع العصور الآتية، وخلال الأبدية، وهو يعلم حوادثهم خلال السنوات القادمة الى الأبد، ولكنه رفع منهم لنفسه رجالاً، يعرفون بسيماهم، ذلك حتى تبقى بقية للأرض، وحتى يمتلئ وجه الأرض ببذور منهم، وجعل روح قدسه معروفة من قبلهم على أيدي معمديه، وأعلن (لهم) الصدق، أما الذين يكرههم فقد قادهم الى الضلال.
اسمعوا الآن يا أبنائي، سأفتح عيونكم لتروا وتفقهوا عمل الرب فتختاروا ما يرضيه وترفضوا ما يمقته، وبذلك تتمكنوا من السير بسلام على دروبه كلها، ولا تتبعوا أهواء وقول المذنبين ولا العيون المترعة بالشهوة، لأنهم من خلالهم ضل كثير من الرجال العظماء، ولقد تعثر كثير من الأبطال الأشداء منذ القرون الماضية والى الآن، وبما أنهم ساروا وهم يتبعون عناد القلوب، سقط الحراس السماويون، واعتقلوا لأنهم لم يحافظوا على ما أمر به الرب، وأبناؤهم أيضاً سقطوا مع أنهم كانوا طوال القامة كأشجار الأرز، وضخام الأجسام كالجبال، وهكذا هلك بني الإنسان الذين كانوا على الأرض الجافة، وأصبحوا وكأن لم يكونوا، وذلك لأنهم تصرفوا حسب أهوائهم، ولم يحفظوا أوامر الرب حتى جعلوه يشتعل غضباً ضدهم، 3 وخلال تلك الحقبة ضل أبناء نوح أيضاً، وكذلك أقاربهم وتشتت شملهم، وأما إبراهيم فلم يسر على هذا الطريق، وظل صديقاً للرب لأنه حفظ أوامر الرب، ولم يختر أهواءه، وسلم الأوامر الى اسحق ويعقوب اللذين حفظاها، فاعترف بهما صديقين للرب، وأعضاء في الميثاق الى الأبد.
ولكن أبناء يعقوب ضلوا وعوقبوا طبقاً لأخطائهم، وفي مصر سار أولاده في طريق عناد قلوبهم وتآمروا ضد أوامر الرب، وأصبح كل منهم يعمل ما يبدو له صحيحاً في عينيه، فقد أكلوا الدم، فانتقم منهم الرب بأن قطع ذريتهم من الذكور في التيه.
وفي قادش قال لهم:" اصعدوا وامتلكوا الأرض"(تثنية: 9/23) ولكنهم اختاروا ما أرادوه ولم يصغوا الى صوت خالقهم، ولم يرعوا أوامر معلمهم، ولكنهم صاروا يتمتعون في خيامهم، واشتعل غضب الرب ضد طائفة المصلين منهم، وفي تلك الأثناء هلك أبناؤهم وقضي على ملوكهم، وهلك أبطالهم الأشداء، ونهبت أراضيهم، وخلالها أيضاً أذنب أول أعضاء الميثاق، فسلموا لحد السيف لأنهم هجروا ميثاق الرب بمحض إرادتهم وركبوا عناد قلوبهم، وأصبح كل منهم يفعل ما يروق له.
ولكن بالبقية التي تمسكت بشدة بأوامر الرب عمل الرب ميثاقه مع بيت إسرائيل إلى الأبد، وكشف لهم ما خفي من الأمور التي أضلت بيت إسرائيل كله من قبل، وقد كشف لهم الأسبات المقدسة ، والأعياد المجيدة، وشواهد عدله، وطرق صدقه، ورغبات إرادته الواجب فعلها على الإنسان، لكي يستطيع أن يعيش، وقد حفروا بئراً مملوءاً بالماء، وكل من يحتقر هذا البئر لن يعيش، بيد أنهم بعد ذلك استغرقوا في خطايا الانسان، وفي طرق القذارة، وقالوا: هذه هي (طريقنا) ولكن الرب، بخفي علمه المذهل، غفر لهم ذنوبهم وآثامهم وقد بنى لهم بيتاً أكيداً في إسرائيل، لم يظهر له شبه من أقدم الأزمنة حتى الآن، فكل من يتمسك بهذا البيت فقد قدر له أن يعيش الى الأبد، وكل مجد آدم سيصبح مجدهم، كما قضى الرب على يد النبي حزقيال، وهو يقول:" أما الكهنة واللاويون وأبناء 4 صادوق الذين حرسوا حراسة مقدسي، حين ضل عني بنو غسرائيل، فهم يتقدمون إليّ ليخدموني، ويقفون أمامي ليقربوا لي الشحم والدم". (حزقيال 44/15).
الكهنة هم مؤمنو بيت إسرائيل، الذين خرجوا من أرض اليهودية، (واللاويون) هم الذين التحقوا بهم، وابناء صادوق هم النخبة المختارة من بيت إسرائيل وهم الرجال الذين يعرفون بأسمائهم والذين سوف يثبتون في آخر الزمن، انظروا الى القائمة الصحيحة المحتوية على أسمائهم طبقاً لأجيالهم، والزمن الذي عاشوا به، وعدد محسنيهم، وسنوات إقامتهم، وقائمة أعمالهم بالضبط.
(وهؤلاء كانوا أول رجال) القداسة الذين عفا عنهم الرب، والذين اثابوا الأخيار وأدانوا الأشرار، وإلى أن يتم العصر، وطبقاً لعدد تلك السنوات، فإن جميع من يدخلون بعدهم سيعملون طبقاً لتفاسير الشريعة التي تلقنها الأوائل، وطبقاً للميثاق الذي عمله الرب مع ىبائهم، وغفر لهم خطاياهم، وهكذا سوف يغفر خطايا هؤلاء ايضاً، ولكن عندما ينتهي العصر، وطبقاً لعدد السنوات تلك، يمنع الالتحاق ببيت يهوذا، ولكن سيقف كل رجل في برج مراقبته:" يوم بناء حيطانك ذلك اليوم الذي يبعد الميعاد" (ميخا 7/11).
وفي هذه السنوات سيفلت الشيطان، وينقلب ضد اسرائيل، وكما تكلم على لسان اشعيا بن آموص حيث يقول:" عليك رعب وحفرة وفخ يا ساكن الأرض" (أشعيا 24/17) وتفسير هذا أن هذه الشباك الثلاثة التي نصبها الشيطان والتي قال عنها لاوي بن يعقوب أنها تصيب إسرائيلن وتجعلهم ينقسمون إلى ثلاثة أنوان من اصحاب الحق، وأول هذه الشباك هي الثروة، والثانية الزنى، والثالثة هي تدنيس الهيكل، وكل من ينجو من أول الشباك سيقع في الثانية، والذي ينجو من الثانية سيقع في الثالثة، (أشعيا: 29/18).
"وبناة الجدار" (حزقيال 13/10) هم الذين اتبعوا الوصايا، والوصايا هي الينبوع الذي كتب عنه:" إنهم سوف يتدفقون بالتأكيد" (ميخا: 2/6)، انظر الى هؤلاء الذين سيقبضون في الزنى مرتين، وذلك بزواجهم من زوجة ثانية، بينما الزوجة الأولى لا تزال على قيد الحياةن لأنه جاء في سفر التكوين القاعدة :" ذكر وأنثى خلقهم" (التكوين 1/27) 5 وأيضاً أولئك الذين دخلوا فلك نوح دخلوا اثنين اثنين، وتبعاً للأمير فقد كتب " ولا يكثر له نساء" (التثنية: 17/17)، ولكن داود لم يقرأ كتاب الشريعة المختوم الذي كان في تابوت (العهد) لأنه لم يفتح في إسرائيل منذ وفاة عزرا ويشوع والشيوخ الذين عبدوا عشتروت، وكان كل هذا مخفياً ولم يكشف إلاَّ عند مجيء صادوق، وعرفت أعمال داود، ما عدا مقتل أوريا، وقد ترك الرب هذه الشؤون له[ وفوق ذلك فقد دنسوا الهيكل لأنهم لم يكونوا يميزون (بين النظيف وغير النظيف)، طبقاً للشريعة، بل كانوا يضاجعون المرأة في الحيض].
وكل رجل منهم يحل الزواج من ابنة أخيه أو أخته، بينما قال موسى: "عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك" (اللاويون 18/13)، ومع أن القوانين ضد الزواج من المحارم قد كتبت لأجل الرجال، فهي أيضاً تنطبق على النساء، فعندما على هذا تكشف ابنة أخ عن عورة عمها، فهي ايضا قريبته، فوق ذلك هم يشوهون روح قدسهم ويفتحون لهم فمهم بلسان التجديف ضد شرائع ميثاق الرب قائلين:" إنها ليست أكيدة"، ويتكلمون كلاماً بغيضاً عن هذه الشرائع:" فهم جميعاً القادحون ناراً المتمنطقين بشرار" (أشعيا: 5/11) " ونسجوا خيوط العنكبوت وبيضهم بيض أفعى" (أشعيا: 59/5)، وما من رجل يقترب منهم سينجو من الإثم، وكلما اقترب يغدو آثما أكثر، ما لم يكن مكرهاً لأن الرب (قد) عاقبهم على أعمالهم في الأزمنة القديمة، وقد اشتعل غضبه ضد أعمالهم " لأنه ليس شعباً ذا منهم" (اشعيا: 27/11) إنهم أمة عديمة الرأي ولا عبرة فيهم، (تثنية: 27/1/2) لأنه في الأزمنة القديمة ظهر موسى وهارون على يد أمير النور، بينما أظهر الشيطان يانس وأخاه بمكره ودهائه عندما تخلصت إسرائيل لأول مرة.
وفي زمن خراب الأرض وفسادها ظهر مزيلو الحدود، الذين قادوا اسرائيل الى مهاوي الضلال، وقد نهبت البلاد لأنهم وعظوا الناس وشجعوهم على العصيان ضد أوار الرب التي سلمت ليد موسى والرجال المقدسين المعمدين، ولأنهم تنبأوا بالأكاذيب لتحويل إسرائيل عن إتباع شريعة الرب ولكن الرب تذكر الميثاق الذي عقده مع الأجداد، وبعث من هارون رجالاً ذوي بصيرة، وبعث من إسرائيل رجالاً ذوي حكمة أسمعهم كلماته، وهم الذين حفروا البئر:" بئر حفرها رؤساء حفرها شرفاء الشعب بصولجان بعصيهم " (العدد: 21/18).
البئر هي الشريعة، والذين حفروا البئر هم المهتدون من بيت إسرائيل الذين خرجوا من أرض اليهودية وأقاموا إقامة مؤقتة في أرض دمشق، وقد دعاهم الرب مراراً لأنهم ابتغوا مرضاته، ولم يشب سمعتهم أي نقص، أو أي شائبة، ولم ينتقدها أي انسان، والعصا هي المفسر للشريعة الذي قال عنه أشعيا: " ويخرج آلة لعمله" (اشعيا: 24/16) ونبلاء الشعب هم أولئك الذين يأتون لحفر البئر بواسطة العصي، وبواسطة العصا يضمنون أنه يمكنهم السير في عصر الشر كله، وبدونها سوف لا يجدون شيئاً حتى يأتي ذلك الشخص الذي سوف يعلم الحق في نهاية هذه الدنيا.
وسوف لن يدخل الهيكل أي شخص من الذين جلبوا الى الميثاق ليضيئوا مذبح الرب دون فائدة، وهم سوف يقفلون الباب بالدرباس كما قال الرب:"من فيكم سوف يقفل الباب؟" ولسوف "لا توقدون على مذبحي مجاناً" (ملاخي: 1/10).
وهم سيهتمون أن يكون سلوكهم طبقا للتفسيرات الدقيقة للشريعة أثناء عصر الشر، وسوف ينفصلون عن أبناء جهنم، ويبتعدون عن الثروات المقيمة التي امتسبت من أموال النذور أو المحرومين والملعونين، أو من أموال الهيكل، ولا يجوز لهم أن ينهبوا أموال فقراء الشعب،وألا يجعلوا الأرامل فرائسهم ولا الأيتام ضحاياهم، وعليهم أن يميزوا النظيف من غير النظيف، وأن يعلنوا الفرق بين المقدسين وغير المقدسين وسوف يحافظوا على السبت طبقاً لتفسيره الصحيح، وعلى الأعياد، وأيام الصيام حسبما وجده أعضاء الميثاق الجديد في أرض دمشق، وسوف يضعون الأشياء المقدسة في المقام الذي تضعها به التعاليم الدقيقة التي لها علاقة بهذه الأشياء وعلى الرجل أن يحب أخاه كما يحب نفسه وأن يساعد الفقراء والمحتاجين والغرباء.
ويجب أن يبتغي منفعة أخيه، ولا يتذبذب مع أقربائه الأقربين، ويبتعد عن الزنى طبقاً للأحكام، وعلى الرجل أن يوبخ أخاه طبقاً للوصايا، وأن لا يحمل أي حقد من اليوم الى اليوم الثاني، وأن يبتعد عن القذارات طبقاً للقوانين، التي تشير الى كل منها، ولا يجوز لأي رجل ان يشوه روح قدسه ما دام الرب قد فرق بين الروح والجسد، لأن كل من يسير طبقاً لهذه (المبادئ والوصايا) بقداسة تامة، تبعاً لجميع أوامر الرب، وميثاق الرب، ليكونوا واثقين بأنهم سوف يعيشون آلاف الأجيال (جاء في مخطوط ب: كما هو مكتوب:" الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى ألف جيل")(تثنية: 7/9).
وإذا عاشوا في المعسكرات طبقا لقواعد الأرض (في مخطوط ب كما هو الحال من أقدم الأزمنة) فإن الزواج (في مخطوط ب: حسب قواعد القانون) وإنجاب الأطفال يجب أن يكون طبقاً للقانون، وطبقاً لأحكام الشريعة بالعهود والمواثيق، وتبعاً لأحكام الشريعة التي تقول: " بين الزوج وزوجته وبين الأب وابنه" (العدد: 30/17) وكل هؤلاء الذين يحتقرون (مخطوط ب: الأحكام والتشريعات) سوف يجازون بعقوبات الأشرار عندما يجلى الرب على الأرض وعندما يتحقق القول المكتوب (2) بين كلمات النبي اشعيا بن آموص " يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بني أبيك أياماً من يوم اعتزال افرايم عن يهود" (اشعيا: 7/17)، وعندما انشطر بيتا إسرائيل رحل أفرايم عن اليهود، واعمل السيف في رقاب جميع العصاة، وكل الذين قاموا وحافظوا على دينهم هربوا الى الشمال كما قال الرب: " بل حملتم خيمة ملوككم وتمثال أصنامكم من خيمتي الى دمشق" (عاموس: 5/26-27).
إن كتب الشريعة هي خيمة الملك، كما قال الرب: "أقيم مظلة داود الساقطة" (عاموس: 9/11)، والملك هو جماعة المصلين، "وأسس التماثيل " هي كتب الأنبياء التي احتقرت إسرائيل أقوالهم، والنجم هو المفسر للشريعة الذي سوف يأتي الى دمشق، كما هو مدون " يبرز كوكب من يعقوب ويقوم صولجان من إسرائيل" (العدد: 24/17) والصولجان هو أمير جماعة المصلين كلهم وعندما سياتي "سيضرب بالسيف جميع أبناء شيث" (العدد : 24/17).
ــــــــــــــــ
(2) تتابع مخطوطة ب: بيد النبي زكريا: " استيقظ يا سيف على راعي وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود، اضرب الراعي فتشتت الغنم وارد يدي على الصغار" (زكريا:13/7) والمتواضعون من الشعب هم الذين يرقبونه، إنهم سينقذوه وقت الزيارة، بينما سيعرض الآخرون على السيف عندما يأتي المعمدون من بيت هارون وبيت إسرائيل، وعندما يأتي الوقت ليمر، وقت الزيارة السالفة الذي قال عنه الرب على يد حزقيال: " وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون" (حزقيال: 9/8 غير أن الآخرين أرسلوا ليكونوا طعمة لسيف الميثاق.
لقد أنقذوا في زمن الزيارة الماضية ولكن العصاة 8 أعمل فيهم السيف وهكذا سيحصل لجميع أعضاء الميثاق، الذين يتمسكون بشدة (في مخطوط ب: بهذه المبادئ) وسوف يفرض عليهم الخراب على يد الشيطان، وهذا هو اليوم الذي سوف يتجلى به الرب (مخطوط ب كما قال: ) " صارت رؤساء يهوذا" (في مخطوط ب: بمثل ناقلي التخوم) " فاسكب عليهم سخطي" (هوشع: 5/10) لأنهم عندما يأملون بالشفاء فسوف يسحقهم، فهم جميعاً متمردون لأنهم لم يتحولوا عن طريق الخيانة، ولكنهم أوغلوا في طرق الفسق والغرور، الثروة الشريرة، وهم قد انتقموا وحملوا الحقد، وكل رجل حمل الكراهية ضد أخيه، وكل رجل كره رفيقه، وكل رجل قد أذنب تجاه أقرب الأقربين اليه، واقترب من النجاسة، وعمل بغطرسة ابتغاء الثروة والربح، وكل رجل عمل ما يبدو صحيحاً في عينيه، وركب رأسه، وعناد قلبه ولم ينفصل عن الشعب (في مخطوط ب: وخطاياهم) وقد تمردوا ابلسير في طريق كل الأشرار والذين قال عنهم الرب:" وخمرهم حمة الثعابين وسم الأصلال القاتل" (التثنية: 32/33) الثعابين هم ملوك الشعب، خمرهم هي طريقهم، رأس الثعابين هو رئيس ملوك اليونان الذين أتى ليصب الانتقام عليهم، ولكن جميع هؤلاء "منهم يبني حائطاً وها هم يملطونه بالطفال " (حزقيال: 13/10) لم يفهوا لأنهم أتباع الرياح، واحد هو الذي أثار العواصف وأمطر الأكاذيب قد أثارهم (ميخا: 2/11) على من اشتعل غضب الرب عليهم.
أما ما قاله موسى: "ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم" (تثنية:9/5) " بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم" (تثنية: 7/8)، وهكذا سيكون الحال مع المهتدين من بيت إسرائيل الذين فارقوا طريق الناس، لأن الرب قد أحب أولاً أولئك الذين أقروا نعمته وفضله ولسوف يحب الذين يأتون بعدهم، لأن ميثاق الآباء هو ميثاقهم ولكنه كرة بناة الجدار، واشتعل غضبه ضدهم (في مخطوط ب: ضدهم وضد كل من اتبعهم) وكذلك الحال مع من يرفضون أوامر الرب ويهجرونها مراعاة لعناد قلوبهم، وهذه هي الكلمة التي تفوه بها أرميا الى باروخ بن نيربا، والتي قالها أليشع لخادمته جهازي.
ما من واحد من الناس يدخل الميثاق الجديد في أرض دمشق (ب1) ثم يخونه مرة ثانية وينفصل عن ينبوع الحياة ويعترف به قبل مجلس الشعب، أو يدون اسمه في كتابها وذلك من يوم الاجتماع (ب2) لمعلم الحق والعدل حتى يوم مجيء المسيح من بني هارون وإسرائيل.
وهكذا سيكون عليه مصير كل انسان يدخل في جماعة ذوي القداسة الكاملة، ولكنه حين يجبن ويضعف في إنجاز واجبات الاستقامة فهو سيكون كرجل قد ذاب في الكور (حزقيال: 22/22) فعندما تفضح أعماله، فسوف يطرد من بين جماعة المصلين طرداً تاماً، حتى كأنه لم يكن قط بين جماعة المصلين والمستجيبين للرب، سوف يوبخه رجال المعرفة طبقاً لذنوبه احترازاً للزمن الذي سوف يقف فيه أمامه جماعة الرجال الكاملة التقديس، ولكن عندما تكتشف أعماله طبقاً لتفسير الشريعة التي يسير عليها ذوي الكمال والتقديس فلا يجوز لأي رجل أن يخالطه أو يعامله لا بالمال، ولا بالعمل، لأن جميع المقدسين والأكثر سمواً قد لعنوه.
وهذا ما سيحدث للأولين والآخرين، الذين يرفضون (المبادئ والوصايا) والذين يضعون الأوثان فوق قلوبهم، ويسيرون طبق عناد قلوبهم، فلن يكون لهم أي نصيب في بيت الشريعة، وسوف يتحاكمون بالطريقة نفسها التي حوكم بها. رفاقهم الذين هجروا عقيدتهم وذهبوا الى المهرج، لأنهم تكلموا كلاماً خاطئاً ضد المبادئ الحقة، واحتقروا الميثاق الذي أبرموه- الميثاق الجديد- في أرض دمشق، ولذا فلسوف يحرمونهم واقاربهم من الدخول الى بيت الشريعة.
ولسوف يمر أربعون عاماً اعتباراً من يوم الاجتماع بمعلم الحق والعدل إلى أن تحل نهاية الرجال المحاربين الذين خانوا وانضموا الى الكذاب، وخلال تلك الحقبة سوف يشتعل الغضب الرباني ضد بني اسرائيل، كما قال الرب:" لن يكون هناك ملك ولا أمير ولا قاضي ولا إنسان ليحاكم" (هوشع: 3/4) ولكن أولئك الذين يتحولون عن خطيئة يعقوبن الذين يحافظون على عهد الرب، سوف يتكلم كل منهم مع رفيقه لكي يبرئ كل رجل أخاه، حتى تتجه خطواتهم نحو الرب، عندها سيصغي الرب لكلماتهم ويسمعهم، وسوف يكتب أمامه كتاب يذكره بهم وبأولئك الذين يخافون الرب ويعبدون اسمه استعداداً للزمن الذي سيكشف به الخلاص والعدل والصلاح لأولئك الذين يخشون الرب:" فتعودون وتميزون بين الصديق والشرير، بين من يعبد الله ومن لا يعبده" (ملاخي: 13/18) " ,اصنع إحساناً الى ألوف من محبي وحافظي وصاياي" (الخروج: 20/6).
وكل واحد من المهاجرين الذين هاجروا من المدينة المقدسة، واتكلوا على على الرب عندما أذنب بنو إسرائيل، ودنسوا الهيكل، إنما رجعوا مرة ثانية الى طريق الشعب في الأمور الصغيرة، سيحاكمون طبقاً لروح الرب في مجلس القداسة، ولكن عندما يظهر مجد الرب لبني إسرائيل فجميع أعضاء الميثاق هؤلاء الذين خرجوا عن حدود الشريعة، سوف يطردون من وسط المعسكر، ومعهم كل أولئك الذين أدانوا يهوذا أيام المحنة.
أما كل أولئك الذين تمسكوا بقوة بالمبادئ والوصايا في ذهابهم وإيابهم كانوا طبقا للشريعة، أولئك الذين يصغون الى صوت المعلم، ويعترفون أمام الرب (قائلين): " لقد أذنبنا نحن وآباؤنا الأولون بأن سرنا ضد مبادئ الميثاق، فالحكم علينا هو الحق والعدل بذاته"، إن أولئك الذين لا يرفعون أياديهم ضد مبادئه المقدسة أو قوانينه الحقة، بالبينات الحقيقية، والذين قد تعلموا من الأحكام الماضية، التي حوكم بها أعضاء الجماعة، والذين أصغوا لصوت معلم الحق والعدل، ولم يحتقروا مبادئ الحق عندما سمعوها، أولئك سوف يبتهجون وستكون قلوبهم قوية، وسوف يتغلبون على جميع بني الأرض، وسوف يسامحهم الرب، وسوف يرون خلاصهم لأنهم قد التجأوا الى اسمه المقدس.
مخطوطات البحر الميت :وثيقة دمشق وسفر الوصايا
الحديث عن مخطوطات البحر الميت لم يتوقف منذ اكتشافها وفي حين أخفيت عن عمد بعض النصوص لأسباب معروفة نشرت نصوص أخرى من تلك المخطوطات ومنها سفر وثيقة دمشق وسفر الوصايا.وهنا تعيد الهدهد نشر هذين السفرين تذكيرا بتلك المخطوطات التي تركنا أمر تفسيرها لغيرنا فاستخدمت كما هو متوقع خارج اطارها العلمي
1- سفر وثيقة دمشق
تم اكتشاف قطع كبيرة من سفر وثيقة دمشق في ثلاثة كهوف من كهوف قمران (ق5-12، ق 6-115 وق4: 265-273) غير أن اثنين من النسخ العائدة للعصور الوسطى وغير الكاملة من هذه الوثيقة قد وجدتا قبل ذلك التاريخ بعدة سنوات (1869-1897) بين ركام من المخطوطات المطروحة في أحد المخازن [الجنيزا] (1) في كنيس الفسطاط [القاهرة] القديم، ونشرتا في عام 1910 على يد: س. شاتر تحت عنوان (قطع من الكتابات الصادوقية- في كمبردج) وقد أعيد نشرهما مع مقدمة دراسية جديدة من قبل : ج.أ. فتزمير Fitzmyer في عام 1970، وكان قد أعيد تحقيقهما من قبل شيم رابين، ونشرتا تحت عنوان (وثائق صادوقية [اكسفورد 1954]).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) الجنيزا هي غرفة الدفن (الجنازة) فقد وجد في كل كنيس يهودي غرفة للدفن، دفن الأشياء المكتوبة، ذلك أن اليهود اعتنقوا مثل شعوب الشرق القديم بأن الحرف كائن حي، فإذا مات يدفن في مدفن خاص، وقد بقي لنا من غرف الدفن التي كانت موزعة في العالم غرفة كنيس القاهرة، وقد حوت وثائق خطيرة يعود تاريخ بعضها الى القرن العاشر للميلاد، وفي القرن الماضي انتهبت هذه الوثائق ووزعت على مختلف المكتبات الخاصة والعامة في العالم، وأشهر من عمل بها العالم كويتين، الذي نشر بعضها مع دراسات خطط لها في أن تكون في خمس مجلدات تحت عنوان " مجتمع البحر الأبيض المتوسط " وتم نشر ثلاثة مجلدات فقط قبل أن يتوفى المؤلف. ويلاحظ أن الصهيونية تحاول بشتى السبل الاستفادة القصوى، ولو بالتزييف من هذه الوثائق، وعلماء العرب مدعوون للعمل في هذه الوثائق للاستفادة منها ولتعطيل خطط العدو.
وابتداءً من تاريخ القرن العاشر والثاني عشر بالتوالي تثير المخطوطتان اللتان وجدتا في القاهرة: - (المخطوطة)(أ) والمخطوطة (ب)- عدداً كبيراً من المشاكل وذلك لأنهما تمثلان نسختين مختلفتين عن التأليف الأصلي، ولقد سوّيت هذه المشكلة بشكل مرضي حسب استطاعتي، وذلك باتباع المخطوطة(أ) التي تتطابق مع الجذاذات القمرانية غير المنشورة، وبالوقت نفسه أدخلت بعض محتويات المخطوطة (ب) بين اقواس أو في ملاحظات في أسفل الصفحة، وفي بعض الأحوال، كما سيلاحظ القارئ فإن المخطوطة (أ) تنتهي، وعند ذلك يكون اعتمادنا على المخطوطة (ب). وفوق ذلك وطبقاً لاقتراح قدمه: ج.ت. ميلك J.T.Milik في كتابه " عشر سنوات من الاكتشافات في قفار اليهودية" (طبعة لندن 1959 ص 151-152) لقد أعدت ترتيب نظام الصفحات واضعاً صفحتي 15 و16 قبل صفحة 9.
إن العنوان (سفر وثيقة دمشق) مأخوذ من الإشارت التي وجدت في المواعظ للداخل في " الميثاق الجديد" " في أراضي دمشق"، وإن أهمية هذه العبارة قد نوقشت في الفصل الثاني مع المدلولات التاريخية الموجودة في المخطوطة، وهي تقترح أن الوثيقة قد كتبت حوالي عام 100 ق.م. وهذه الفرضية يدعمها بشكل غير مباشر غياب أي ذكر في المقاطع التاريخية للكتيم Kittim (أي الرومان) الذين لم يحدث غزوهم لبلاد المشرق حتى عام 70 ق.م.
والسفر مقسم الى موعظة وقائمة من القوانين، وفي المواعظة، نجد الواعظ- من المحتمل أن يكون راعي الطائفة- وهو يخاطب أبناءه عن مواضيع تعاليم الطائفة، وكثير من هذه الوصايا يظهر أيضاً في سفر قانون الطائفة، وهدفه أن يشجع أعضاء الطائفة بالبقاء على الإخلاص، وبهذا الهدف أمام عينيه يبدأ بإظهار الحقيقة المأخوذة من تاريخ بيت إسرائيل والطائفة، وهو أن ألإخلاص جزاؤه الثواب دوماً، وأما الردّة فجزاؤها العقاب.
وفي أثناء السرد نجد مؤلف سفر وثيقة دمشق كثيراً ما يفسر النصوص التوراتية بطريقة غير متوقعة، وقد ذكرت تعليقين من هذه التعاليق على قوانين الزواج في الفصل الثالث ص 44، ولكن هنالك وصف مضمن لعاموس: 5/26-27 في ص 103، الذي ليس من السهل فهمه.
ففي التوراة نجد أن هذه الفقرات تنقل تهديدات الرب، فاليهود يجب عليهم أن يأخذوا أنفسهم وأصنامهم معهم الى المنفى إذ تقول:" يجب أن تأخذوا سكّوث Sakkuth ملككم وكيون Kaiwan إلهكم النجمي وأوثانكم التي صنعتموها بأنفسكم لأني سوف آخذكم الى المنفى إلى ما وراء دمشق "، ولكن سفر وثيقة دمشق حوّل هذا التهديد الى وعد بالخلاص وذلك بتغيير بعض كلمات في النص التوراتي وحذف بعضها بحيث أصبح النص كما يأتي: " سوف أنفي خيمة العهد لملككم، وأسس تماثيلكم من خيمتي الى دمشق".
ففي هذا النص الحديث نجد الثلاث عبارات الرئيسة تفسر تفسيراً رمزياً كما يلي: خيمة العهد= كتب القانون. الملك: جماعة المصلين. أسس التماثيل= كتب الأنبياء، وهكذا فإن كتب القانون هي خيمة الملك كما قال الرب:" أقيم مظلة داود الساقطة" (عاموس 9/12) والملك هو جماعة المصلين، وأسس التماثيل هي كتب الأنبياء التي كان اليهود يحتقرون أقوالهم.
وحذف كل إشارة للإله النجمي قد جعلت العبارة مقبولة بتقديم نجم مختلف جداً، وهو المسيح مفسر القانون ورفيقه "أمير جماعة المصلين". "النجم هو مفسر القانون الذي سوف يأني الى دمشق" كما هو مكتوب: يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب (صولجان) من إسرائيل (العدد 24/17)، والصولجان هو أمير جماعة المصلين.
ويتألف الجزء الثاني من سفر وثيقة دمشق وهو الأحكام من مجموعة من القوانين التي تعكس بصورة عامة التفاسير الطائفية للأوامر التوراتية المتعلقة بالنذور، والقسم والقضاء، والتطهير، والسبت والتمييز بين النقاوة الطقوسية، وعدم النقاوة، ويتبعها قواعد لها علاقة بمؤسسات الطائفة، هذا وتظهر بعض القوانين الخاصة في وثيقة دمشق في مخطوط الهيكل أيضاً (انظر ص 152).
بينما تمثل الوصايا " أصل" حرفي اقتبسه كل من معلمي اليهود والمسيحيين الدينيين مثلاً (الرسالة الى العبرانيين) إلا أننا نجد مجاميع القوانين المنهجية تتنبأ أن المشناه Mishnah هو أقدم قانون يهودي باق على قيد الحياة.
والقوانين كما تظهر في الجذاذات القمرانية تشمل طقوس عيد تجديد الميثاق، وهكذا يمكننا أن نفترض أن سفر وثيقة دمشق بأجمعه كان مرتبطاً أصلاً بذلك العيد.
وحددت مخطوطة ق 4-266، كما سنرى بالحال، أنه وقع في الشهر الثالث، أي تطابق مع عيد الأسابيع الذي احتفل به في اليوم الخامس عشر من الشهر الثالث، وذلك حسبما ورد في تقويم الطائفة.
وسيتلو نقل مخطوط القاهرة وترجمته ترجمة بعض جذاذات الكهف الرابع.
2- الوصايــا
اسمعوا الآن أنتم الذين تعرفون الحق والعدل، وفكروا بأعمال الرب، لأنه في خصام مع جميع بني الإنسان. وسوف يحكم على كل أولئك الذين يحتقرونه.
وذلك أنه عندما ظهرت خيانتهم، وهجروا الرب أشاح بوجهه عن إسرائيل وطردهم من حرمه المقدس، وسلمهم الى السيف يعمل في رقابهم، ولكنه عندما تذكر ميثاق الآباء والأجداد ترك بقية من إسرائيل ولم يسلمها للخراب والدمار، وفي عصر الغضب وبعد مضي ثلاثمائة وتسعين سنة بعد أن سلمهم لأيدي الملك الكلداني نبوخذ نصر عاد فكافأهم وأطلق جذور النبتة تنشأ من إسرائيل وهارون لترث أرضه وتزدهر ضمن الأشياء الطيبة في أرض الرب، ولقد لاحظوا ذنوبهم واعترفوا بأنهم مذنبون ومع ذلك فقد بقوا لمدة عشرين عاماً كالعميان يتحسسون باحثين عن طريق.
وقد لاحظ الرب أعمالهم وأنهم يبتغون مرضاته بقلوب كلية، ولذلك فقد أرسل اليهم معلم الحق والعدل ليرشدهم الى طرق مرضاته، وأظهر للأجيال القادمة كل الأشياء التي فعلها الرب بالأجيال الماضية. وكذلك ميز الجماعة الخونة عن الذين حادوا عن الطريق. وهذا كان الزمن الذي كتب به:" إنه قد جمع إسرائيل كبقرة جامحة" (هوشع 4/16) وعندما ظهر المضلّل، الذي أمطر إسرائيل بالكذب وجعلها تتيه بالقفار، ويخضعون هاماتهم العالية للذل الأبدي، ويلغون طرق الحق والعدل، ويزيلون الحدود التي رسمها الآباء لمن يرثونهم حتى يدعو عليهم بلعنات ميثاقه ويسلمهم لسيف الميثاق المنتقم (أشعيا: 30/10) لأنهم ينشدون الحياة الناعمة الرخيّة ويفضلون التخيلات والأوهام (أشعيا: 30/13) وكانوا ينتظرون يبحثون في عيوب الآخرين، ويختارون الرقاب الجميلة ويسوغون الشر، ويدينون العدل، وقد تجاوزوا حدود الميثاق، وانتهكوا الوصايا وتعصب بعضهم مع بعض ضد الحياة المستقيمة، وازدروا كل من مشى في طرق الكمال، وطاردوهم بالسيوف وابتهجوا في منازعة الشعب، وبذلك اشتعل غضب الرب ضد 2 جماعة المصلين لديهم حتى شتت شملهم، وأصبحت جميع أعمالهم مكشوفة ومشوهة أمامهم.
اسمعوا الآن أنتم يا ممن تدخلون الميثاق، سوف أفتح آذانكم لتعوا طريق الأشرار.
إن الرب يحب المعرفة والحكمة والفهم وقد وضعها أمامه. والتعقل والمعرفة في خدمته، والصبر والسماح من شيمه، وهو يصبر ويسامح أولئك الذين يتحولون عن طريق الانتهاك.
ولكن السلطة والقوة والغضب الساطع على يد جميع ملائكة التخريب، تنصب على أولئك الذين يحيدون عن الطريق ويكرهون الوصايا والمبادىء ، انه لن يكون لهم بقية، ولن ينجو منهم احد، فمنذ البداية لم ينالوا حظوة الرب واختياره، فقد كان الرب يعلم أعمالهم منذ الأزل، ومنذ خلقهم، فقد كره أجيالهم وأشاح بوجهه عنهم حتى قضي عليهم، لأنه كان يعلم وقت مجيئهم وطول بقائهم في جميع العصور الآتية، وخلال الأبدية، وهو يعلم حوادثهم خلال السنوات القادمة الى الأبد، ولكنه رفع منهم لنفسه رجالاً، يعرفون بسيماهم، ذلك حتى تبقى بقية للأرض، وحتى يمتلئ وجه الأرض ببذور منهم، وجعل روح قدسه معروفة من قبلهم على أيدي معمديه، وأعلن (لهم) الصدق، أما الذين يكرههم فقد قادهم الى الضلال.
اسمعوا الآن يا أبنائي، سأفتح عيونكم لتروا وتفقهوا عمل الرب فتختاروا ما يرضيه وترفضوا ما يمقته، وبذلك تتمكنوا من السير بسلام على دروبه كلها، ولا تتبعوا أهواء وقول المذنبين ولا العيون المترعة بالشهوة، لأنهم من خلالهم ضل كثير من الرجال العظماء، ولقد تعثر كثير من الأبطال الأشداء منذ القرون الماضية والى الآن، وبما أنهم ساروا وهم يتبعون عناد القلوب، سقط الحراس السماويون، واعتقلوا لأنهم لم يحافظوا على ما أمر به الرب، وأبناؤهم أيضاً سقطوا مع أنهم كانوا طوال القامة كأشجار الأرز، وضخام الأجسام كالجبال، وهكذا هلك بني الإنسان الذين كانوا على الأرض الجافة، وأصبحوا وكأن لم يكونوا، وذلك لأنهم تصرفوا حسب أهوائهم، ولم يحفظوا أوامر الرب حتى جعلوه يشتعل غضباً ضدهم، 3 وخلال تلك الحقبة ضل أبناء نوح أيضاً، وكذلك أقاربهم وتشتت شملهم، وأما إبراهيم فلم يسر على هذا الطريق، وظل صديقاً للرب لأنه حفظ أوامر الرب، ولم يختر أهواءه، وسلم الأوامر الى اسحق ويعقوب اللذين حفظاها، فاعترف بهما صديقين للرب، وأعضاء في الميثاق الى الأبد.
ولكن أبناء يعقوب ضلوا وعوقبوا طبقاً لأخطائهم، وفي مصر سار أولاده في طريق عناد قلوبهم وتآمروا ضد أوامر الرب، وأصبح كل منهم يعمل ما يبدو له صحيحاً في عينيه، فقد أكلوا الدم، فانتقم منهم الرب بأن قطع ذريتهم من الذكور في التيه.
وفي قادش قال لهم:" اصعدوا وامتلكوا الأرض"(تثنية: 9/23) ولكنهم اختاروا ما أرادوه ولم يصغوا الى صوت خالقهم، ولم يرعوا أوامر معلمهم، ولكنهم صاروا يتمتعون في خيامهم، واشتعل غضب الرب ضد طائفة المصلين منهم، وفي تلك الأثناء هلك أبناؤهم وقضي على ملوكهم، وهلك أبطالهم الأشداء، ونهبت أراضيهم، وخلالها أيضاً أذنب أول أعضاء الميثاق، فسلموا لحد السيف لأنهم هجروا ميثاق الرب بمحض إرادتهم وركبوا عناد قلوبهم، وأصبح كل منهم يفعل ما يروق له.
ولكن بالبقية التي تمسكت بشدة بأوامر الرب عمل الرب ميثاقه مع بيت إسرائيل إلى الأبد، وكشف لهم ما خفي من الأمور التي أضلت بيت إسرائيل كله من قبل، وقد كشف لهم الأسبات المقدسة ، والأعياد المجيدة، وشواهد عدله، وطرق صدقه، ورغبات إرادته الواجب فعلها على الإنسان، لكي يستطيع أن يعيش، وقد حفروا بئراً مملوءاً بالماء، وكل من يحتقر هذا البئر لن يعيش، بيد أنهم بعد ذلك استغرقوا في خطايا الانسان، وفي طرق القذارة، وقالوا: هذه هي (طريقنا) ولكن الرب، بخفي علمه المذهل، غفر لهم ذنوبهم وآثامهم وقد بنى لهم بيتاً أكيداً في إسرائيل، لم يظهر له شبه من أقدم الأزمنة حتى الآن، فكل من يتمسك بهذا البيت فقد قدر له أن يعيش الى الأبد، وكل مجد آدم سيصبح مجدهم، كما قضى الرب على يد النبي حزقيال، وهو يقول:" أما الكهنة واللاويون وأبناء 4 صادوق الذين حرسوا حراسة مقدسي، حين ضل عني بنو غسرائيل، فهم يتقدمون إليّ ليخدموني، ويقفون أمامي ليقربوا لي الشحم والدم". (حزقيال 44/15).
الكهنة هم مؤمنو بيت إسرائيل، الذين خرجوا من أرض اليهودية، (واللاويون) هم الذين التحقوا بهم، وابناء صادوق هم النخبة المختارة من بيت إسرائيل وهم الرجال الذين يعرفون بأسمائهم والذين سوف يثبتون في آخر الزمن، انظروا الى القائمة الصحيحة المحتوية على أسمائهم طبقاً لأجيالهم، والزمن الذي عاشوا به، وعدد محسنيهم، وسنوات إقامتهم، وقائمة أعمالهم بالضبط.
(وهؤلاء كانوا أول رجال) القداسة الذين عفا عنهم الرب، والذين اثابوا الأخيار وأدانوا الأشرار، وإلى أن يتم العصر، وطبقاً لعدد تلك السنوات، فإن جميع من يدخلون بعدهم سيعملون طبقاً لتفاسير الشريعة التي تلقنها الأوائل، وطبقاً للميثاق الذي عمله الرب مع ىبائهم، وغفر لهم خطاياهم، وهكذا سوف يغفر خطايا هؤلاء ايضاً، ولكن عندما ينتهي العصر، وطبقاً لعدد السنوات تلك، يمنع الالتحاق ببيت يهوذا، ولكن سيقف كل رجل في برج مراقبته:" يوم بناء حيطانك ذلك اليوم الذي يبعد الميعاد" (ميخا 7/11).
وفي هذه السنوات سيفلت الشيطان، وينقلب ضد اسرائيل، وكما تكلم على لسان اشعيا بن آموص حيث يقول:" عليك رعب وحفرة وفخ يا ساكن الأرض" (أشعيا 24/17) وتفسير هذا أن هذه الشباك الثلاثة التي نصبها الشيطان والتي قال عنها لاوي بن يعقوب أنها تصيب إسرائيلن وتجعلهم ينقسمون إلى ثلاثة أنوان من اصحاب الحق، وأول هذه الشباك هي الثروة، والثانية الزنى، والثالثة هي تدنيس الهيكل، وكل من ينجو من أول الشباك سيقع في الثانية، والذي ينجو من الثانية سيقع في الثالثة، (أشعيا: 29/18).
"وبناة الجدار" (حزقيال 13/10) هم الذين اتبعوا الوصايا، والوصايا هي الينبوع الذي كتب عنه:" إنهم سوف يتدفقون بالتأكيد" (ميخا: 2/6)، انظر الى هؤلاء الذين سيقبضون في الزنى مرتين، وذلك بزواجهم من زوجة ثانية، بينما الزوجة الأولى لا تزال على قيد الحياةن لأنه جاء في سفر التكوين القاعدة :" ذكر وأنثى خلقهم" (التكوين 1/27) 5 وأيضاً أولئك الذين دخلوا فلك نوح دخلوا اثنين اثنين، وتبعاً للأمير فقد كتب " ولا يكثر له نساء" (التثنية: 17/17)، ولكن داود لم يقرأ كتاب الشريعة المختوم الذي كان في تابوت (العهد) لأنه لم يفتح في إسرائيل منذ وفاة عزرا ويشوع والشيوخ الذين عبدوا عشتروت، وكان كل هذا مخفياً ولم يكشف إلاَّ عند مجيء صادوق، وعرفت أعمال داود، ما عدا مقتل أوريا، وقد ترك الرب هذه الشؤون له[ وفوق ذلك فقد دنسوا الهيكل لأنهم لم يكونوا يميزون (بين النظيف وغير النظيف)، طبقاً للشريعة، بل كانوا يضاجعون المرأة في الحيض].
وكل رجل منهم يحل الزواج من ابنة أخيه أو أخته، بينما قال موسى: "عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك" (اللاويون 18/13)، ومع أن القوانين ضد الزواج من المحارم قد كتبت لأجل الرجال، فهي أيضاً تنطبق على النساء، فعندما على هذا تكشف ابنة أخ عن عورة عمها، فهي ايضا قريبته، فوق ذلك هم يشوهون روح قدسهم ويفتحون لهم فمهم بلسان التجديف ضد شرائع ميثاق الرب قائلين:" إنها ليست أكيدة"، ويتكلمون كلاماً بغيضاً عن هذه الشرائع:" فهم جميعاً القادحون ناراً المتمنطقين بشرار" (أشعيا: 5/11) " ونسجوا خيوط العنكبوت وبيضهم بيض أفعى" (أشعيا: 59/5)، وما من رجل يقترب منهم سينجو من الإثم، وكلما اقترب يغدو آثما أكثر، ما لم يكن مكرهاً لأن الرب (قد) عاقبهم على أعمالهم في الأزمنة القديمة، وقد اشتعل غضبه ضد أعمالهم " لأنه ليس شعباً ذا منهم" (اشعيا: 27/11) إنهم أمة عديمة الرأي ولا عبرة فيهم، (تثنية: 27/1/2) لأنه في الأزمنة القديمة ظهر موسى وهارون على يد أمير النور، بينما أظهر الشيطان يانس وأخاه بمكره ودهائه عندما تخلصت إسرائيل لأول مرة.
وفي زمن خراب الأرض وفسادها ظهر مزيلو الحدود، الذين قادوا اسرائيل الى مهاوي الضلال، وقد نهبت البلاد لأنهم وعظوا الناس وشجعوهم على العصيان ضد أوار الرب التي سلمت ليد موسى والرجال المقدسين المعمدين، ولأنهم تنبأوا بالأكاذيب لتحويل إسرائيل عن إتباع شريعة الرب ولكن الرب تذكر الميثاق الذي عقده مع الأجداد، وبعث من هارون رجالاً ذوي بصيرة، وبعث من إسرائيل رجالاً ذوي حكمة أسمعهم كلماته، وهم الذين حفروا البئر:" بئر حفرها رؤساء حفرها شرفاء الشعب بصولجان بعصيهم " (العدد: 21/18).
البئر هي الشريعة، والذين حفروا البئر هم المهتدون من بيت إسرائيل الذين خرجوا من أرض اليهودية وأقاموا إقامة مؤقتة في أرض دمشق، وقد دعاهم الرب مراراً لأنهم ابتغوا مرضاته، ولم يشب سمعتهم أي نقص، أو أي شائبة، ولم ينتقدها أي انسان، والعصا هي المفسر للشريعة الذي قال عنه أشعيا: " ويخرج آلة لعمله" (اشعيا: 24/16) ونبلاء الشعب هم أولئك الذين يأتون لحفر البئر بواسطة العصي، وبواسطة العصا يضمنون أنه يمكنهم السير في عصر الشر كله، وبدونها سوف لا يجدون شيئاً حتى يأتي ذلك الشخص الذي سوف يعلم الحق في نهاية هذه الدنيا.
وسوف لن يدخل الهيكل أي شخص من الذين جلبوا الى الميثاق ليضيئوا مذبح الرب دون فائدة، وهم سوف يقفلون الباب بالدرباس كما قال الرب:"من فيكم سوف يقفل الباب؟" ولسوف "لا توقدون على مذبحي مجاناً" (ملاخي: 1/10).
وهم سيهتمون أن يكون سلوكهم طبقا للتفسيرات الدقيقة للشريعة أثناء عصر الشر، وسوف ينفصلون عن أبناء جهنم، ويبتعدون عن الثروات المقيمة التي امتسبت من أموال النذور أو المحرومين والملعونين، أو من أموال الهيكل، ولا يجوز لهم أن ينهبوا أموال فقراء الشعب،وألا يجعلوا الأرامل فرائسهم ولا الأيتام ضحاياهم، وعليهم أن يميزوا النظيف من غير النظيف، وأن يعلنوا الفرق بين المقدسين وغير المقدسين وسوف يحافظوا على السبت طبقاً لتفسيره الصحيح، وعلى الأعياد، وأيام الصيام حسبما وجده أعضاء الميثاق الجديد في أرض دمشق، وسوف يضعون الأشياء المقدسة في المقام الذي تضعها به التعاليم الدقيقة التي لها علاقة بهذه الأشياء وعلى الرجل أن يحب أخاه كما يحب نفسه وأن يساعد الفقراء والمحتاجين والغرباء.
ويجب أن يبتغي منفعة أخيه، ولا يتذبذب مع أقربائه الأقربين، ويبتعد عن الزنى طبقاً للأحكام، وعلى الرجل أن يوبخ أخاه طبقاً للوصايا، وأن لا يحمل أي حقد من اليوم الى اليوم الثاني، وأن يبتعد عن القذارات طبقاً للقوانين، التي تشير الى كل منها، ولا يجوز لأي رجل ان يشوه روح قدسه ما دام الرب قد فرق بين الروح والجسد، لأن كل من يسير طبقاً لهذه (المبادئ والوصايا) بقداسة تامة، تبعاً لجميع أوامر الرب، وميثاق الرب، ليكونوا واثقين بأنهم سوف يعيشون آلاف الأجيال (جاء في مخطوط ب: كما هو مكتوب:" الحافظ العهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه الى ألف جيل")(تثنية: 7/9).
وإذا عاشوا في المعسكرات طبقا لقواعد الأرض (في مخطوط ب كما هو الحال من أقدم الأزمنة) فإن الزواج (في مخطوط ب: حسب قواعد القانون) وإنجاب الأطفال يجب أن يكون طبقاً للقانون، وطبقاً لأحكام الشريعة بالعهود والمواثيق، وتبعاً لأحكام الشريعة التي تقول: " بين الزوج وزوجته وبين الأب وابنه" (العدد: 30/17) وكل هؤلاء الذين يحتقرون (مخطوط ب: الأحكام والتشريعات) سوف يجازون بعقوبات الأشرار عندما يجلى الرب على الأرض وعندما يتحقق القول المكتوب (2) بين كلمات النبي اشعيا بن آموص " يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بني أبيك أياماً من يوم اعتزال افرايم عن يهود" (اشعيا: 7/17)، وعندما انشطر بيتا إسرائيل رحل أفرايم عن اليهود، واعمل السيف في رقاب جميع العصاة، وكل الذين قاموا وحافظوا على دينهم هربوا الى الشمال كما قال الرب: " بل حملتم خيمة ملوككم وتمثال أصنامكم من خيمتي الى دمشق" (عاموس: 5/26-27).
إن كتب الشريعة هي خيمة الملك، كما قال الرب: "أقيم مظلة داود الساقطة" (عاموس: 9/11)، والملك هو جماعة المصلين، "وأسس التماثيل " هي كتب الأنبياء التي احتقرت إسرائيل أقوالهم، والنجم هو المفسر للشريعة الذي سوف يأتي الى دمشق، كما هو مدون " يبرز كوكب من يعقوب ويقوم صولجان من إسرائيل" (العدد: 24/17) والصولجان هو أمير جماعة المصلين كلهم وعندما سياتي "سيضرب بالسيف جميع أبناء شيث" (العدد : 24/17).
ــــــــــــــــ
(2) تتابع مخطوطة ب: بيد النبي زكريا: " استيقظ يا سيف على راعي وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود، اضرب الراعي فتشتت الغنم وارد يدي على الصغار" (زكريا:13/7) والمتواضعون من الشعب هم الذين يرقبونه، إنهم سينقذوه وقت الزيارة، بينما سيعرض الآخرون على السيف عندما يأتي المعمدون من بيت هارون وبيت إسرائيل، وعندما يأتي الوقت ليمر، وقت الزيارة السالفة الذي قال عنه الرب على يد حزقيال: " وسم سمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون" (حزقيال: 9/8 غير أن الآخرين أرسلوا ليكونوا طعمة لسيف الميثاق.
لقد أنقذوا في زمن الزيارة الماضية ولكن العصاة 8 أعمل فيهم السيف وهكذا سيحصل لجميع أعضاء الميثاق، الذين يتمسكون بشدة (في مخطوط ب: بهذه المبادئ) وسوف يفرض عليهم الخراب على يد الشيطان، وهذا هو اليوم الذي سوف يتجلى به الرب (مخطوط ب كما قال: ) " صارت رؤساء يهوذا" (في مخطوط ب: بمثل ناقلي التخوم) " فاسكب عليهم سخطي" (هوشع: 5/10) لأنهم عندما يأملون بالشفاء فسوف يسحقهم، فهم جميعاً متمردون لأنهم لم يتحولوا عن طريق الخيانة، ولكنهم أوغلوا في طرق الفسق والغرور، الثروة الشريرة، وهم قد انتقموا وحملوا الحقد، وكل رجل حمل الكراهية ضد أخيه، وكل رجل كره رفيقه، وكل رجل قد أذنب تجاه أقرب الأقربين اليه، واقترب من النجاسة، وعمل بغطرسة ابتغاء الثروة والربح، وكل رجل عمل ما يبدو صحيحاً في عينيه، وركب رأسه، وعناد قلبه ولم ينفصل عن الشعب (في مخطوط ب: وخطاياهم) وقد تمردوا ابلسير في طريق كل الأشرار والذين قال عنهم الرب:" وخمرهم حمة الثعابين وسم الأصلال القاتل" (التثنية: 32/33) الثعابين هم ملوك الشعب، خمرهم هي طريقهم، رأس الثعابين هو رئيس ملوك اليونان الذين أتى ليصب الانتقام عليهم، ولكن جميع هؤلاء "منهم يبني حائطاً وها هم يملطونه بالطفال " (حزقيال: 13/10) لم يفهوا لأنهم أتباع الرياح، واحد هو الذي أثار العواصف وأمطر الأكاذيب قد أثارهم (ميخا: 2/11) على من اشتعل غضب الرب عليهم.
أما ما قاله موسى: "ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم" (تثنية:9/5) " بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم" (تثنية: 7/8)، وهكذا سيكون الحال مع المهتدين من بيت إسرائيل الذين فارقوا طريق الناس، لأن الرب قد أحب أولاً أولئك الذين أقروا نعمته وفضله ولسوف يحب الذين يأتون بعدهم، لأن ميثاق الآباء هو ميثاقهم ولكنه كرة بناة الجدار، واشتعل غضبه ضدهم (في مخطوط ب: ضدهم وضد كل من اتبعهم) وكذلك الحال مع من يرفضون أوامر الرب ويهجرونها مراعاة لعناد قلوبهم، وهذه هي الكلمة التي تفوه بها أرميا الى باروخ بن نيربا، والتي قالها أليشع لخادمته جهازي.
ما من واحد من الناس يدخل الميثاق الجديد في أرض دمشق (ب1) ثم يخونه مرة ثانية وينفصل عن ينبوع الحياة ويعترف به قبل مجلس الشعب، أو يدون اسمه في كتابها وذلك من يوم الاجتماع (ب2) لمعلم الحق والعدل حتى يوم مجيء المسيح من بني هارون وإسرائيل.
وهكذا سيكون عليه مصير كل انسان يدخل في جماعة ذوي القداسة الكاملة، ولكنه حين يجبن ويضعف في إنجاز واجبات الاستقامة فهو سيكون كرجل قد ذاب في الكور (حزقيال: 22/22) فعندما تفضح أعماله، فسوف يطرد من بين جماعة المصلين طرداً تاماً، حتى كأنه لم يكن قط بين جماعة المصلين والمستجيبين للرب، سوف يوبخه رجال المعرفة طبقاً لذنوبه احترازاً للزمن الذي سوف يقف فيه أمامه جماعة الرجال الكاملة التقديس، ولكن عندما تكتشف أعماله طبقاً لتفسير الشريعة التي يسير عليها ذوي الكمال والتقديس فلا يجوز لأي رجل أن يخالطه أو يعامله لا بالمال، ولا بالعمل، لأن جميع المقدسين والأكثر سمواً قد لعنوه.
وهذا ما سيحدث للأولين والآخرين، الذين يرفضون (المبادئ والوصايا) والذين يضعون الأوثان فوق قلوبهم، ويسيرون طبق عناد قلوبهم، فلن يكون لهم أي نصيب في بيت الشريعة، وسوف يتحاكمون بالطريقة نفسها التي حوكم بها. رفاقهم الذين هجروا عقيدتهم وذهبوا الى المهرج، لأنهم تكلموا كلاماً خاطئاً ضد المبادئ الحقة، واحتقروا الميثاق الذي أبرموه- الميثاق الجديد- في أرض دمشق، ولذا فلسوف يحرمونهم واقاربهم من الدخول الى بيت الشريعة.
ولسوف يمر أربعون عاماً اعتباراً من يوم الاجتماع بمعلم الحق والعدل إلى أن تحل نهاية الرجال المحاربين الذين خانوا وانضموا الى الكذاب، وخلال تلك الحقبة سوف يشتعل الغضب الرباني ضد بني اسرائيل، كما قال الرب:" لن يكون هناك ملك ولا أمير ولا قاضي ولا إنسان ليحاكم" (هوشع: 3/4) ولكن أولئك الذين يتحولون عن خطيئة يعقوبن الذين يحافظون على عهد الرب، سوف يتكلم كل منهم مع رفيقه لكي يبرئ كل رجل أخاه، حتى تتجه خطواتهم نحو الرب، عندها سيصغي الرب لكلماتهم ويسمعهم، وسوف يكتب أمامه كتاب يذكره بهم وبأولئك الذين يخافون الرب ويعبدون اسمه استعداداً للزمن الذي سيكشف به الخلاص والعدل والصلاح لأولئك الذين يخشون الرب:" فتعودون وتميزون بين الصديق والشرير، بين من يعبد الله ومن لا يعبده" (ملاخي: 13/18) " ,اصنع إحساناً الى ألوف من محبي وحافظي وصاياي" (الخروج: 20/6).
وكل واحد من المهاجرين الذين هاجروا من المدينة المقدسة، واتكلوا على على الرب عندما أذنب بنو إسرائيل، ودنسوا الهيكل، إنما رجعوا مرة ثانية الى طريق الشعب في الأمور الصغيرة، سيحاكمون طبقاً لروح الرب في مجلس القداسة، ولكن عندما يظهر مجد الرب لبني إسرائيل فجميع أعضاء الميثاق هؤلاء الذين خرجوا عن حدود الشريعة، سوف يطردون من وسط المعسكر، ومعهم كل أولئك الذين أدانوا يهوذا أيام المحنة.
أما كل أولئك الذين تمسكوا بقوة بالمبادئ والوصايا في ذهابهم وإيابهم كانوا طبقا للشريعة، أولئك الذين يصغون الى صوت المعلم، ويعترفون أمام الرب (قائلين): " لقد أذنبنا نحن وآباؤنا الأولون بأن سرنا ضد مبادئ الميثاق، فالحكم علينا هو الحق والعدل بذاته"، إن أولئك الذين لا يرفعون أياديهم ضد مبادئه المقدسة أو قوانينه الحقة، بالبينات الحقيقية، والذين قد تعلموا من الأحكام الماضية، التي حوكم بها أعضاء الجماعة، والذين أصغوا لصوت معلم الحق والعدل، ولم يحتقروا مبادئ الحق عندما سمعوها، أولئك سوف يبتهجون وستكون قلوبهم قوية، وسوف يتغلبون على جميع بني الأرض، وسوف يسامحهم الرب، وسوف يرون خلاصهم لأنهم قد التجأوا الى اسمه المقدس.