كان هذا قبل الانفجار السوري الأعظم في 2011، فما بالكم بعد كل ما حدث؟ كيف أصبحت النظرة تجاه العلويين؟
لقد ازداد الحقد وتضاعف الخوف وانفجرت دمامل عمرها أكثر من 1400 سنة، و"طرش" قيحها على أنحاء الجسد وسال الصديد والدم على عدساتنا ونظاراتنا، فأصبحت الرؤية الواضحة صعبةً وغير ممكنة، وتجمّدت السبابة على الزناد، فهي لم تعد تعرف العدوّ من الصديق. عاشَت السبابة التي لم تتردّد في الضغط على الزناد، وماتت تلك التي تروّت خشية قتل من لا ذنب له.
الوصول إلى الجفت في الوقت المناسب :
لا يمكن تبسيط قصة أي مكونٍ من مكونات الحرب السورية، لكن دعوني أحكي لكم قصة بسيطة قدر الإمكان: أبٌ قادمٌ من فلاحة الأرض، مُستلقٍ على أريكة قديمة على شرفة المنزل، ينظر بعين الرضا إلى عريشة العنب فوقه، وهو يتخيّل عناقيد الحصرم تكبر وتنضح ليصنع منها زبيباً يبيعه لمعارفه، ويبعث بثمنه لابنه الذي التحق بالخدمة الإلزامية منذ ثلاثة أشهر، ثم يفتح المحطة التلفزيونية الرسمية الوحيدة ليقرأ خبر استيلاء المسلحين على جسر الشغور، يتلوه تقرير مصوّر يعرض مقطع فيديو لمُلتحين يكيلون التهديد والوعيد بأنّ اللاذقية ستكون وجهتهم القادمة.
ينظر الأب إلى ابنته العازبة وهي تقوم "بتقميع" الفاصولياء الخضراء التي جلبها من أرضه، وإلى بندقية الجفت المسنودة إلى الحائط بجانبها، وتخيّل مشهد دخولهم القرية بلحاهم الطويلة وراياتهم السود التي عُرضت على التلفاز، ويخطط أنّ أول حركة سيقوم بها ستكون توجيه الجفت نحو رأس ابنته البكر، والضغط على الزناد بكلّ رضا وقناعة. إنه يختار المصير الأفضل لابنته التي تساوي في عينيه إخوتها الشبّان الثلاثة فـ "قضا أهون من قضا".
كان هذا السيناريو يُبعد عن مخيلته مشاهد الاعتداء عليها فيما لو انهار الجيش على جبهات القتال التي تتداعى لصالح المسلحين. يقطع سلسلة أفكاره وتخيلاته اتصال من أحد زملاء ابنه: "ابنك، استشهد دفاعاً عن الوطن، قتله الإرهابيون و(بسلامة دينك وإيمانك)".
لم تُفلح الفجيعة الكبيرة في تثبيت صورة ابنه الشهيد في مخيلته في تلك اللحظة بالذات، منذ لحظة ولادته ودخوله المدرسة وفرحة نيله الشهادة الثانوية ودخوله الجامعة وأيام التعب والمرض والفرح والحزن وسهر الليالي، لقد كانت ابنته تحتلّ المشهد، وكان أوّل ما خطر في باله وقتها أن يذهب ليُوقظ ابنه ليأخذ مكان "أخيه الشهيد" في الجبهة، كي يحمي أخته الوحيدة، فقد لا يُسعف الوقت الأبَ بالوصول إلى الجفت في الوقت المناسب.
الصمغ السوري... بدون قيادات :
قد تبدو القصة السابقة -بالنسبة للبعض- مُغرقةً بالدراما والخيال ومحشوةً بالمبالغة، لكنها في حقيقة الأمر قصةٌ روتينية مكرورة، حدثَت آلاف المرات في قرى الساحل، وحدث طبعاً مثلها، وأقسى، في درعا ودير الزور وإدلب ومختلف المناطق في سوريا، سواء فوق الأرض أو تحتها في أقبية المخابرات. لا تقليل من معاناة أي إنسانٍ سوري على اختلاف منبته وتوجهاته، لكنّ معاناة الجانب المعارض -على فظاعتها وقسوتها- نالت قدراً لا يُستهان به من الاهتمام الإعلامي مع تعدّد المنصات والقنوات والمواقع المُعارضة، فيما بقي العلويون ومآسيهم رهينة قناة واحدة لا تنقل من معاناتهم إلا ما يلائم السردية التي تنوي تقديمها للرأي العام، وتبرير كل ما قامت به.
يصف الباحث في التراث الديني نبيل فياض، العلويين بأنهم الصمغ السوريّ، وهم الطائفة الأكثر قابلية "للعلمنة"، وإن كانت سوريا ستُصبح علمانية فسيكون العلويون القاعدة الأساسية، وعزا ذلك لضعف الكهنوت العلويّ وعدم وجود مرجعية موحّدة للعلويين في سوريا على الأقل، وذهب فياض أبعد من ذلك باعتبارهم الطائفة الأكثر وطنية، مبرّراً ذلك بعدم وجود أي مرجعية دينية أو مذهبية خارج سوريا، حيث يتبع السنة للأزهر وجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود، والشيعة لإيران، والإسماعيلية لآغا خان، والمسيحيون لروما وأنطاكيا.
بالرغم من اتهامه بالتطرّف والإلحاد غالباً، إلا أن كلام فياض يحمل الكثير من المنطق، فقد احتمى العلويون براية الدولة السورية، لكنهم وجدوا فيما بعد أنها الأشد إجراماً وفتكاً من أي طرفٍ غير سوري وأقل اكتراثاً بحيوات أبنائهم، وقد عمل النظام على عدم بروز أي مرجعية أو قيادة دينية لهم، ولا أدلّ على ذلك من محاولة البعثيين اغتيال بدوي الجبل، ابن العلامة سليمان الأحمد، شيخ مشايخ العلويين في 1968، بعد قصيدته "من وحي الهزيمة" التي كتبها بعد نكسة حزيران، تركت له مشكلةً دائمة في النطق والحركة، ليتوفى بعدها في 1981، بالإضافة إلى حذف حافظ الأسد لبعض قصائده من المناهج الدراسية، والوفيات الغامضة التي أصابت العديد من أفراد عائلته، كل هذه الحوادث وغيرها، تعزّز توجّه النظام لتفريغ الطائفة من أي نخب أو مرجعيات أو زعامات غير آل الأسد.
أما المشايخ الذين لهم أتباع وكلمة مسموعة وواسعة في مناطقهم، فهم تابعون لضباط المخابرات، تتجلّى مهمتهم في احتواء الوضع المحتقن في الساحل، وحثّ الشباب في الداخل أيضاً (ريفي حمص وحماة) على الالتحاق بخدمة العلم، حتى لا يُبقي النظام لهذه الطائفة سواه. ربطها به، ووضعها في "بوز مدفعه" وتدرّع بها، بحيث يصيبها أول رد فعلٍ على القمع، وهو بذلك يضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد: يصور المُعارضة على أنها تقتل أبناء بلدها وتستهدف طائفة بعينها، ويؤكد للعلويين أنهم مُستهدفون، ويجعلهم يستنتجون لوحدهم الطرف الوحيد القادر على حمايتهم.
بُضاف إلى كلام فياض، عدم وجود تصور علويّ للدولة أو حلمٍ دفين بإنشاء دولة علوية، على عكس وجود دولة الخلافة في التراث السني، وولاية الفقيه في العقيدة الشيعية. لا وجود لأي حلمٍ علويّ بالتوسّع ولا بإقامة "دولة علوية"، لا في نصوصهم الدينية ولا في تصريحاتهم، فهم طائفة صغيرة غير تبشيرية؛ لا تقبل لأحدٍ الانتساب إليها إلا إذا كان لوالدين علويين، أكبر أحلامها عبر التاريخ كان الحفاظ على حياتها، لذا هربت إلى الجبال الساحلية العالية واحتمت بها، وهو آخر مكانٍ تهاجر إليه إذ لم يبقَ أمامها سوى البحر، وغدت بذلك محاصرةً به.
وما كان يمكن للطائفة العلوية الانخراط بها بهذا الشكل بالحدث السوري، لولا أنّ النظام عمل عبر عقود على إفراغها من أي مرجعية أو عقول أو مؤثرين، إلى أن أتى عام 2011، فكان من السهل التلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال.
ماذا نفعل بالعلويين؟
النظام يتداعى ويتعفّن يوماً بعد يوم، وبعد أن عرفنا أنه بقي بسبب عدم اكتراثه بحياة السوريين وقدرته على البطش والتعذيب والتنكيل دون أدنى إحساس بالذنب، يبدو اندثاره قادماً لا محالة، وفي حال كان نظام الحكم الجديد من الطرف المعارض، فماذا نفعل بالعلويين؟ خصوصاً أنّ الموقف السياسيّ قد لا يمحو الجذر الطائفي في بعض الأحيان، كما تقول الكاتبة السورية وفاء سلطان، إنّ طائفتك تبقى كالوشم الذي يُحفر بالسكين على جبينك، وتبقى موصوماً به حتى بعد رحيلك، رغم أنه لا خيار لك به، ورغم معارضتها الحادة للنظام السوري فقد بقي العديد من المعارضين يصفونها بالشبّيحة (بسبب أصولها العلوية) فيقال: "وفاء سلطان من الشبّيحة حتى ولو تعلقتْ بجدران الكعبة".
بدأتُ بالكتابة على نية محاولة إيجاد أجوبةٍ لهذا السؤال: "ماذا نفعل بالعلويين؟"، لكني اكتشفتُ أنه يشبه سؤال: "ماذا نسمي قائد الطائرة ذا البشرة السمراء؟"، ليكون الجواب: "طيّار، أيها العنصريّ الأحمق".
وإلى حين انهيار جميع سلطات الأمر الواقع التي تحتلّ الجغرافيا السورية آمل كسوريين أن نكون قد تخطينا ذلك السؤال البغيض، وأصبح وراءنا بأميال، ويكون الجواب على السؤال بسيطاً: "إنهم سوريون أيضاً
--------------
رصيف 22
*كاتب وصحافي سوري.
لقد ازداد الحقد وتضاعف الخوف وانفجرت دمامل عمرها أكثر من 1400 سنة، و"طرش" قيحها على أنحاء الجسد وسال الصديد والدم على عدساتنا ونظاراتنا، فأصبحت الرؤية الواضحة صعبةً وغير ممكنة، وتجمّدت السبابة على الزناد، فهي لم تعد تعرف العدوّ من الصديق. عاشَت السبابة التي لم تتردّد في الضغط على الزناد، وماتت تلك التي تروّت خشية قتل من لا ذنب له.
الوصول إلى الجفت في الوقت المناسب :
لا يمكن تبسيط قصة أي مكونٍ من مكونات الحرب السورية، لكن دعوني أحكي لكم قصة بسيطة قدر الإمكان: أبٌ قادمٌ من فلاحة الأرض، مُستلقٍ على أريكة قديمة على شرفة المنزل، ينظر بعين الرضا إلى عريشة العنب فوقه، وهو يتخيّل عناقيد الحصرم تكبر وتنضح ليصنع منها زبيباً يبيعه لمعارفه، ويبعث بثمنه لابنه الذي التحق بالخدمة الإلزامية منذ ثلاثة أشهر، ثم يفتح المحطة التلفزيونية الرسمية الوحيدة ليقرأ خبر استيلاء المسلحين على جسر الشغور، يتلوه تقرير مصوّر يعرض مقطع فيديو لمُلتحين يكيلون التهديد والوعيد بأنّ اللاذقية ستكون وجهتهم القادمة.
ينظر الأب إلى ابنته العازبة وهي تقوم "بتقميع" الفاصولياء الخضراء التي جلبها من أرضه، وإلى بندقية الجفت المسنودة إلى الحائط بجانبها، وتخيّل مشهد دخولهم القرية بلحاهم الطويلة وراياتهم السود التي عُرضت على التلفاز، ويخطط أنّ أول حركة سيقوم بها ستكون توجيه الجفت نحو رأس ابنته البكر، والضغط على الزناد بكلّ رضا وقناعة. إنه يختار المصير الأفضل لابنته التي تساوي في عينيه إخوتها الشبّان الثلاثة فـ "قضا أهون من قضا".
كان هذا السيناريو يُبعد عن مخيلته مشاهد الاعتداء عليها فيما لو انهار الجيش على جبهات القتال التي تتداعى لصالح المسلحين. يقطع سلسلة أفكاره وتخيلاته اتصال من أحد زملاء ابنه: "ابنك، استشهد دفاعاً عن الوطن، قتله الإرهابيون و(بسلامة دينك وإيمانك)".
لم تُفلح الفجيعة الكبيرة في تثبيت صورة ابنه الشهيد في مخيلته في تلك اللحظة بالذات، منذ لحظة ولادته ودخوله المدرسة وفرحة نيله الشهادة الثانوية ودخوله الجامعة وأيام التعب والمرض والفرح والحزن وسهر الليالي، لقد كانت ابنته تحتلّ المشهد، وكان أوّل ما خطر في باله وقتها أن يذهب ليُوقظ ابنه ليأخذ مكان "أخيه الشهيد" في الجبهة، كي يحمي أخته الوحيدة، فقد لا يُسعف الوقت الأبَ بالوصول إلى الجفت في الوقت المناسب.
الصمغ السوري... بدون قيادات :
قد تبدو القصة السابقة -بالنسبة للبعض- مُغرقةً بالدراما والخيال ومحشوةً بالمبالغة، لكنها في حقيقة الأمر قصةٌ روتينية مكرورة، حدثَت آلاف المرات في قرى الساحل، وحدث طبعاً مثلها، وأقسى، في درعا ودير الزور وإدلب ومختلف المناطق في سوريا، سواء فوق الأرض أو تحتها في أقبية المخابرات. لا تقليل من معاناة أي إنسانٍ سوري على اختلاف منبته وتوجهاته، لكنّ معاناة الجانب المعارض -على فظاعتها وقسوتها- نالت قدراً لا يُستهان به من الاهتمام الإعلامي مع تعدّد المنصات والقنوات والمواقع المُعارضة، فيما بقي العلويون ومآسيهم رهينة قناة واحدة لا تنقل من معاناتهم إلا ما يلائم السردية التي تنوي تقديمها للرأي العام، وتبرير كل ما قامت به.
يصف الباحث في التراث الديني نبيل فياض، العلويين بأنهم الصمغ السوريّ، وهم الطائفة الأكثر قابلية "للعلمنة"، وإن كانت سوريا ستُصبح علمانية فسيكون العلويون القاعدة الأساسية، وعزا ذلك لضعف الكهنوت العلويّ وعدم وجود مرجعية موحّدة للعلويين في سوريا على الأقل، وذهب فياض أبعد من ذلك باعتبارهم الطائفة الأكثر وطنية، مبرّراً ذلك بعدم وجود أي مرجعية دينية أو مذهبية خارج سوريا، حيث يتبع السنة للأزهر وجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود، والشيعة لإيران، والإسماعيلية لآغا خان، والمسيحيون لروما وأنطاكيا.
بالرغم من اتهامه بالتطرّف والإلحاد غالباً، إلا أن كلام فياض يحمل الكثير من المنطق، فقد احتمى العلويون براية الدولة السورية، لكنهم وجدوا فيما بعد أنها الأشد إجراماً وفتكاً من أي طرفٍ غير سوري وأقل اكتراثاً بحيوات أبنائهم، وقد عمل النظام على عدم بروز أي مرجعية أو قيادة دينية لهم، ولا أدلّ على ذلك من محاولة البعثيين اغتيال بدوي الجبل، ابن العلامة سليمان الأحمد، شيخ مشايخ العلويين في 1968، بعد قصيدته "من وحي الهزيمة" التي كتبها بعد نكسة حزيران، تركت له مشكلةً دائمة في النطق والحركة، ليتوفى بعدها في 1981، بالإضافة إلى حذف حافظ الأسد لبعض قصائده من المناهج الدراسية، والوفيات الغامضة التي أصابت العديد من أفراد عائلته، كل هذه الحوادث وغيرها، تعزّز توجّه النظام لتفريغ الطائفة من أي نخب أو مرجعيات أو زعامات غير آل الأسد.
أما المشايخ الذين لهم أتباع وكلمة مسموعة وواسعة في مناطقهم، فهم تابعون لضباط المخابرات، تتجلّى مهمتهم في احتواء الوضع المحتقن في الساحل، وحثّ الشباب في الداخل أيضاً (ريفي حمص وحماة) على الالتحاق بخدمة العلم، حتى لا يُبقي النظام لهذه الطائفة سواه. ربطها به، ووضعها في "بوز مدفعه" وتدرّع بها، بحيث يصيبها أول رد فعلٍ على القمع، وهو بذلك يضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد: يصور المُعارضة على أنها تقتل أبناء بلدها وتستهدف طائفة بعينها، ويؤكد للعلويين أنهم مُستهدفون، ويجعلهم يستنتجون لوحدهم الطرف الوحيد القادر على حمايتهم.
بُضاف إلى كلام فياض، عدم وجود تصور علويّ للدولة أو حلمٍ دفين بإنشاء دولة علوية، على عكس وجود دولة الخلافة في التراث السني، وولاية الفقيه في العقيدة الشيعية. لا وجود لأي حلمٍ علويّ بالتوسّع ولا بإقامة "دولة علوية"، لا في نصوصهم الدينية ولا في تصريحاتهم، فهم طائفة صغيرة غير تبشيرية؛ لا تقبل لأحدٍ الانتساب إليها إلا إذا كان لوالدين علويين، أكبر أحلامها عبر التاريخ كان الحفاظ على حياتها، لذا هربت إلى الجبال الساحلية العالية واحتمت بها، وهو آخر مكانٍ تهاجر إليه إذ لم يبقَ أمامها سوى البحر، وغدت بذلك محاصرةً به.
وما كان يمكن للطائفة العلوية الانخراط بها بهذا الشكل بالحدث السوري، لولا أنّ النظام عمل عبر عقود على إفراغها من أي مرجعية أو عقول أو مؤثرين، إلى أن أتى عام 2011، فكان من السهل التلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال.
ماذا نفعل بالعلويين؟
النظام يتداعى ويتعفّن يوماً بعد يوم، وبعد أن عرفنا أنه بقي بسبب عدم اكتراثه بحياة السوريين وقدرته على البطش والتعذيب والتنكيل دون أدنى إحساس بالذنب، يبدو اندثاره قادماً لا محالة، وفي حال كان نظام الحكم الجديد من الطرف المعارض، فماذا نفعل بالعلويين؟ خصوصاً أنّ الموقف السياسيّ قد لا يمحو الجذر الطائفي في بعض الأحيان، كما تقول الكاتبة السورية وفاء سلطان، إنّ طائفتك تبقى كالوشم الذي يُحفر بالسكين على جبينك، وتبقى موصوماً به حتى بعد رحيلك، رغم أنه لا خيار لك به، ورغم معارضتها الحادة للنظام السوري فقد بقي العديد من المعارضين يصفونها بالشبّيحة (بسبب أصولها العلوية) فيقال: "وفاء سلطان من الشبّيحة حتى ولو تعلقتْ بجدران الكعبة".
بدأتُ بالكتابة على نية محاولة إيجاد أجوبةٍ لهذا السؤال: "ماذا نفعل بالعلويين؟"، لكني اكتشفتُ أنه يشبه سؤال: "ماذا نسمي قائد الطائرة ذا البشرة السمراء؟"، ليكون الجواب: "طيّار، أيها العنصريّ الأحمق".
وإلى حين انهيار جميع سلطات الأمر الواقع التي تحتلّ الجغرافيا السورية آمل كسوريين أن نكون قد تخطينا ذلك السؤال البغيض، وأصبح وراءنا بأميال، ويكون الجواب على السؤال بسيطاً: "إنهم سوريون أيضاً
--------------
رصيف 22
*كاتب وصحافي سوري.