.
نميّز هنا بين الاحتلال والاستعمار، فالأول هو تعبير تقني عابر للظواهر والأزمنة، أما الثاني فهو تعبير عن ظاهرة محددة. تعبير "الاستعمار" هو أيديولوجي إلى حد كبير، ويُقصد به تحديداً الحركة التي انطلقت لإدماج العالم في العصر الصناعي، سواء أتى الإدماج "القسري طبعاً" طمعاً بالموارد الأولية، أو طمعاً بإدماج عدد أكبر من المستهلكين، أو لاحتلال مواقع استراتيجية بين المتنافسين الاستعماريين على المطامع سابقة الذكر.
لبيان الجانب الإيجابي للاستعمار، هناك "أدبيات" كلاسيكية كثيرة، من أشهرها ما يتحدث عن الصدمة الإيجابية لحملة نابليون على مصر، وجانب مما كتبه ماركس عن الاستعمار البريطاني للهند. في الخلاصة، ربما يكفي القول أن عالمنا الذي نعرفه بإيجابياته وسلبياته هو إلى حد كبير جداً ابن الاستعمار، وحفيد الزمن الإمبراطوري أيضاً.
يصعب تصور العالم لولا الفتوحات الإمبراطورية، ثم حركة الاستعمار. هاتان الحركتان كانتا في زمنهما بمثابة محرّك التاريخ، وبفضلهما صار عالمنا الذي نعيش فيه واحداً، وإن لم يكن ذلك بلا أثمان باهظة أحياناً. ما يميّز الاستعمار أنه كان أكثر وعياً لدوره التاريخي، لذا كانت الأيديولوجيا المرافقة له هي أيديولوجيا "التقدم"، بينما كان التوسع الإمبراطوري يؤدي دوراً شبيهاً "وإنْ بطيئاً" في عملية تبادل خبرات التحضّر. والإشارات التي نراها هنا وهناك عن شعوب "متخلّفة" أنشأت إمبراطوريات على حساب شعوب "متحضّرة" لا تلغي القاعدة السابقة، إذ إن عملية التحضّر كانت تسير ولو بشكل معكوس عن أيديولوجيا التقدّم.
مع تقدُّم الاستعمار راح العالم الإمبراطوري يتداعى، وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى التي تُعدّ في جانب منها حربَ نهاية الزمن الإمبراطوري، إذ شهدت نهاية الإمبراطوريات العثمانية والروسية والنمسوية-المجرية. كان الزمن يتسارع، وهكذا أتت الحرب العالمية الثانية "في جانب منها أيضاً" بمثابة نهاية لحقبة الاستعمار. وفي العقدين اللاحقين على الحرب الثانية سيشهد العالم عملية نزع استعمار نشطة، منها ما هو سلس ورضائي تقريباً على النحو الذي حدث في معظم البلدان، ومنها ما هو عنيف أو شديد العنف، على النحو الذي حدث في الجزائر وفيتنام.
في الغرب نفسه، مع المضي في عملية نزع الاستعمار، انتعش نقد المركزية الأوروبية ونقد أيديولوجيا التقدم "الاستعمارية" معاً، من ضمن عملية مراجعة ونقد للحداثة نفسها. في الغرب أيضاً، سيجد بعض اليمين العنصري ضالّته في ذلك النقد، إذ يرى من خلاله أن الشرق غير قابل للتقدّم والتحديث، وسيلاقي بذلك مشرقيين وجدوا في نقد التقدّم مخرجاً لهم من استحقاقات الحداثة.
على الطرف المقابل، ما بعد الاستقلال، حافظت أنظمة المشرق العربي وبعض شمال أفريقيا على أيديولوجيا التحرر، على قاعدة القول أن التحرر التام لم يُنجز برحيل الاستعمار. ما فعلته الأنظمة "باختصار" أنها استخدمت أيديولوجيا التحرر على الضد من استحقاقات الحريات ضمن بلدانها، والتعبير الفجّ عن فشل أمثال هذه الأنظمة أتى العام 1997 عندما أعلنت جزيرتا أنجوان وموهيلي انفصالهما عن جزر القمر، وطالب المتظاهرون بعودة الاستعمار الفرنسي.
لكنّ درس جزر القمر لا ينتهي عند المطالبة بعودة الاستعمار، ففي الشقّ المتمّم لم تقبل فرنسا بالعودة، بل شاعت الأخبار حينها عن إرسالها قوات لدعم الحكومة المركزية ضد الانفصاليين في أنجوان وموهيلي. هذا الدرس يقول في جزئه الأول أن الاستعمار أفضل من الحكم الوطني الذي تلاه، في الكثير من بلدان العالم لا فيها كلها، إلا أن عملية نزع الاستعمار غير قابلة تاريخياً لتكون معكوسة. أي أن نصرة الاستعمار في العقود الأخيرة لا تعدو كونها من أنواع الحنين إلى "الزمن الجميل"، ومتى غادرت وظيفة تقريع الحكام المحليين، فإن حظها من الرثاثة لا يقلّ عن الأيديولوجيات القومية والدينية الطامحة إلى استعادة الزمن الإمبراطوري.
لعل الإيجاز السابق ضروري لفهم إسرائيل خارج الاعتباطية التي تضعها صراحةً أو مواربة في موقع الاستعمار، من دون انتباه إلى المضمون المركَّب للاستعمار. فمن المؤكد أنه كان هناك مكوِّن استعماري رافق الترويج للهجرة اليهودية، في ثلاثينات القرن الماضي على نحو خاص. نقتبس مثلاً ما ورد في جريدة الشمس الصهيونية المصرية دفاعاً عن تلك الهجرة: "تعلمون جيداً أن اليهود اشتروا الأراضي من العرب في فلسطين بمحض إرادتهم بأضعاف ثمنها، ولم يأخذوها منهم اغتصاباً فاللوم عائد إذاً على العرب. وتعلمون أن فلسطين بعدما كانت صحراء جرداء أصبحت بوجود اليهود جنة فيحاء، والعرب فيها أصبحوا أغنياء..".
الحديث عن "فضائل" التقدم في الشطر الثاني من الاقتباس يمثّل تماماً أيديولوجيا الاستعمار التي كانت رائجة وقتها، لكنّها مجرد استعارة ملائمة لزمنها، وقلّما تنسحب على تجربة إسرائيل. فدولة إسرائيل، التي بدأت فكرتها في الحقبة الاستعمارية، تأسست مع نزع الاستعمار، ما يجعلها "لو كانت استعماراً" مجافيةً لحركة التاريخ، وهذا ما دفع العديد من مؤسِّسيها إلى النأي عن ذلك المكوِّن الاستعماري، والتحدث عن تأسيس دولتهم بوصفه استقلالاً. ذلك لم يمنعهم عند اللزوم من الاستنجاد بالخطاب الاستعماري بوصفه مشتركاً مع الغرب، وهذا حال خطابات المسؤولين الإسرائيليين الموجَّهة للغرب مع انطلاق الحرب في أكتوبر إذ خاطبوا الذاكرة الاستعمارية الغربية، من خلال مفاهيم التقدم والتخلف.
من أوجه الاختلاف الجوهري بين إسرائيل والاستعمار، أن الثاني كان ظاهرةً مدفوعة بعوامل اقتصادية في المقام الأول، وأن دوله هي بلدان حققت نهضتها الاقتصادية وراحت تتوسع في سبيل المزيد من الرفاه والقوة. بينما في حالة إسرائيل لم تكن هناك قوة راسخة في مكانها، ثم راحت تتوسع. حتى التوسع الذي حدث في حرب حزيران 1967 لم يكن لأهداف استعمارية، وإن أصبح ما يُسمى خط الرابع من حزيران بمثابة الحد المُتّفق عليه دولياً كترسيم للأراضي المحتلة، وكحدود لإسرائيل التي لا تعلن حدوداً لها، باستثناء الحدود التوراتية التي يتمسك بها المتطرفون.
صحيح أن الاستعمار تضمّن بعض نماذج الاستيطان الإحلالي، إلا أنها كانت قليلة وكان من السهل تفكيكها؛ بعودة المستوطنين إلى البلد المستعمِر أو باندماجهم في البلد المستعمَر. الأهم أن تجارب الاستيطان لا تندرج ضمن سياق الحديث عن فضائل الاستعمار، إذ لا يستقيم الحديث عن دور تقدمي على حساب شعوب بأكملها، إلا من وجهة نظر الذين يرون في ملايين الضحايا ثمناً لا بأس بدفعه من أجل "منفعة" للبشرية ككل. بعبارة أخرى: أن تكون إسرائيل متفوقة على محيطها العربي والإقليمي في الكثير من المجالات فهذا لا يجعل منها استعماراً.
اليوم يأتي من باب الاستسهال "على الأقل" أن ينطلق سوريون أو لبنانيون أو مصريون من كون إسرائيل استعماراً كمعطى بديهي للبناء عليه، والمصيبة المعرفية هي في البناء على هذا الاستسهال الذي لا يتسع لخبرة الفلسطينيين أصحاب الشأن. الحديث هنا عن خبرتين مختلفتين تماماً، فالفلسطيني محكوم بحدَّي الاقتلاع والإبادة، بينما لا يعاني السوري أو اللبناني أو المصري هذا الخوف على وجودهم من جهة إسرائيل.
الإنصات إلى الضحية، لا محاباتها على طول الخط، فعلٌ واجبٌ معرفيّاً إذا جرّدناه من كل المبررات الأخلاقية، ومعرفة إسرائيل بدلالة الضحايا ضرورةٌ لمن يتنطع حقاً للتفكير مع الفلسطينيين، لا بدلاً عنهم. فالفلسطيني محروم من ترف أن يكون مستعمَراً، ومن أن يتحرر ليتغنّى بالزمن الجميل للاستعمار، وإذا افترضنا أنه يقبل الخضوع الدائم للاستعمار فإن إسرائيل لا تقبل أن تكون ذلك الاستعمار.
---------
المدن
نميّز هنا بين الاحتلال والاستعمار، فالأول هو تعبير تقني عابر للظواهر والأزمنة، أما الثاني فهو تعبير عن ظاهرة محددة. تعبير "الاستعمار" هو أيديولوجي إلى حد كبير، ويُقصد به تحديداً الحركة التي انطلقت لإدماج العالم في العصر الصناعي، سواء أتى الإدماج "القسري طبعاً" طمعاً بالموارد الأولية، أو طمعاً بإدماج عدد أكبر من المستهلكين، أو لاحتلال مواقع استراتيجية بين المتنافسين الاستعماريين على المطامع سابقة الذكر.
لبيان الجانب الإيجابي للاستعمار، هناك "أدبيات" كلاسيكية كثيرة، من أشهرها ما يتحدث عن الصدمة الإيجابية لحملة نابليون على مصر، وجانب مما كتبه ماركس عن الاستعمار البريطاني للهند. في الخلاصة، ربما يكفي القول أن عالمنا الذي نعرفه بإيجابياته وسلبياته هو إلى حد كبير جداً ابن الاستعمار، وحفيد الزمن الإمبراطوري أيضاً.
يصعب تصور العالم لولا الفتوحات الإمبراطورية، ثم حركة الاستعمار. هاتان الحركتان كانتا في زمنهما بمثابة محرّك التاريخ، وبفضلهما صار عالمنا الذي نعيش فيه واحداً، وإن لم يكن ذلك بلا أثمان باهظة أحياناً. ما يميّز الاستعمار أنه كان أكثر وعياً لدوره التاريخي، لذا كانت الأيديولوجيا المرافقة له هي أيديولوجيا "التقدم"، بينما كان التوسع الإمبراطوري يؤدي دوراً شبيهاً "وإنْ بطيئاً" في عملية تبادل خبرات التحضّر. والإشارات التي نراها هنا وهناك عن شعوب "متخلّفة" أنشأت إمبراطوريات على حساب شعوب "متحضّرة" لا تلغي القاعدة السابقة، إذ إن عملية التحضّر كانت تسير ولو بشكل معكوس عن أيديولوجيا التقدّم.
مع تقدُّم الاستعمار راح العالم الإمبراطوري يتداعى، وصولاً إلى الحرب العالمية الأولى التي تُعدّ في جانب منها حربَ نهاية الزمن الإمبراطوري، إذ شهدت نهاية الإمبراطوريات العثمانية والروسية والنمسوية-المجرية. كان الزمن يتسارع، وهكذا أتت الحرب العالمية الثانية "في جانب منها أيضاً" بمثابة نهاية لحقبة الاستعمار. وفي العقدين اللاحقين على الحرب الثانية سيشهد العالم عملية نزع استعمار نشطة، منها ما هو سلس ورضائي تقريباً على النحو الذي حدث في معظم البلدان، ومنها ما هو عنيف أو شديد العنف، على النحو الذي حدث في الجزائر وفيتنام.
في الغرب نفسه، مع المضي في عملية نزع الاستعمار، انتعش نقد المركزية الأوروبية ونقد أيديولوجيا التقدم "الاستعمارية" معاً، من ضمن عملية مراجعة ونقد للحداثة نفسها. في الغرب أيضاً، سيجد بعض اليمين العنصري ضالّته في ذلك النقد، إذ يرى من خلاله أن الشرق غير قابل للتقدّم والتحديث، وسيلاقي بذلك مشرقيين وجدوا في نقد التقدّم مخرجاً لهم من استحقاقات الحداثة.
على الطرف المقابل، ما بعد الاستقلال، حافظت أنظمة المشرق العربي وبعض شمال أفريقيا على أيديولوجيا التحرر، على قاعدة القول أن التحرر التام لم يُنجز برحيل الاستعمار. ما فعلته الأنظمة "باختصار" أنها استخدمت أيديولوجيا التحرر على الضد من استحقاقات الحريات ضمن بلدانها، والتعبير الفجّ عن فشل أمثال هذه الأنظمة أتى العام 1997 عندما أعلنت جزيرتا أنجوان وموهيلي انفصالهما عن جزر القمر، وطالب المتظاهرون بعودة الاستعمار الفرنسي.
لكنّ درس جزر القمر لا ينتهي عند المطالبة بعودة الاستعمار، ففي الشقّ المتمّم لم تقبل فرنسا بالعودة، بل شاعت الأخبار حينها عن إرسالها قوات لدعم الحكومة المركزية ضد الانفصاليين في أنجوان وموهيلي. هذا الدرس يقول في جزئه الأول أن الاستعمار أفضل من الحكم الوطني الذي تلاه، في الكثير من بلدان العالم لا فيها كلها، إلا أن عملية نزع الاستعمار غير قابلة تاريخياً لتكون معكوسة. أي أن نصرة الاستعمار في العقود الأخيرة لا تعدو كونها من أنواع الحنين إلى "الزمن الجميل"، ومتى غادرت وظيفة تقريع الحكام المحليين، فإن حظها من الرثاثة لا يقلّ عن الأيديولوجيات القومية والدينية الطامحة إلى استعادة الزمن الإمبراطوري.
لعل الإيجاز السابق ضروري لفهم إسرائيل خارج الاعتباطية التي تضعها صراحةً أو مواربة في موقع الاستعمار، من دون انتباه إلى المضمون المركَّب للاستعمار. فمن المؤكد أنه كان هناك مكوِّن استعماري رافق الترويج للهجرة اليهودية، في ثلاثينات القرن الماضي على نحو خاص. نقتبس مثلاً ما ورد في جريدة الشمس الصهيونية المصرية دفاعاً عن تلك الهجرة: "تعلمون جيداً أن اليهود اشتروا الأراضي من العرب في فلسطين بمحض إرادتهم بأضعاف ثمنها، ولم يأخذوها منهم اغتصاباً فاللوم عائد إذاً على العرب. وتعلمون أن فلسطين بعدما كانت صحراء جرداء أصبحت بوجود اليهود جنة فيحاء، والعرب فيها أصبحوا أغنياء..".
الحديث عن "فضائل" التقدم في الشطر الثاني من الاقتباس يمثّل تماماً أيديولوجيا الاستعمار التي كانت رائجة وقتها، لكنّها مجرد استعارة ملائمة لزمنها، وقلّما تنسحب على تجربة إسرائيل. فدولة إسرائيل، التي بدأت فكرتها في الحقبة الاستعمارية، تأسست مع نزع الاستعمار، ما يجعلها "لو كانت استعماراً" مجافيةً لحركة التاريخ، وهذا ما دفع العديد من مؤسِّسيها إلى النأي عن ذلك المكوِّن الاستعماري، والتحدث عن تأسيس دولتهم بوصفه استقلالاً. ذلك لم يمنعهم عند اللزوم من الاستنجاد بالخطاب الاستعماري بوصفه مشتركاً مع الغرب، وهذا حال خطابات المسؤولين الإسرائيليين الموجَّهة للغرب مع انطلاق الحرب في أكتوبر إذ خاطبوا الذاكرة الاستعمارية الغربية، من خلال مفاهيم التقدم والتخلف.
من أوجه الاختلاف الجوهري بين إسرائيل والاستعمار، أن الثاني كان ظاهرةً مدفوعة بعوامل اقتصادية في المقام الأول، وأن دوله هي بلدان حققت نهضتها الاقتصادية وراحت تتوسع في سبيل المزيد من الرفاه والقوة. بينما في حالة إسرائيل لم تكن هناك قوة راسخة في مكانها، ثم راحت تتوسع. حتى التوسع الذي حدث في حرب حزيران 1967 لم يكن لأهداف استعمارية، وإن أصبح ما يُسمى خط الرابع من حزيران بمثابة الحد المُتّفق عليه دولياً كترسيم للأراضي المحتلة، وكحدود لإسرائيل التي لا تعلن حدوداً لها، باستثناء الحدود التوراتية التي يتمسك بها المتطرفون.
صحيح أن الاستعمار تضمّن بعض نماذج الاستيطان الإحلالي، إلا أنها كانت قليلة وكان من السهل تفكيكها؛ بعودة المستوطنين إلى البلد المستعمِر أو باندماجهم في البلد المستعمَر. الأهم أن تجارب الاستيطان لا تندرج ضمن سياق الحديث عن فضائل الاستعمار، إذ لا يستقيم الحديث عن دور تقدمي على حساب شعوب بأكملها، إلا من وجهة نظر الذين يرون في ملايين الضحايا ثمناً لا بأس بدفعه من أجل "منفعة" للبشرية ككل. بعبارة أخرى: أن تكون إسرائيل متفوقة على محيطها العربي والإقليمي في الكثير من المجالات فهذا لا يجعل منها استعماراً.
اليوم يأتي من باب الاستسهال "على الأقل" أن ينطلق سوريون أو لبنانيون أو مصريون من كون إسرائيل استعماراً كمعطى بديهي للبناء عليه، والمصيبة المعرفية هي في البناء على هذا الاستسهال الذي لا يتسع لخبرة الفلسطينيين أصحاب الشأن. الحديث هنا عن خبرتين مختلفتين تماماً، فالفلسطيني محكوم بحدَّي الاقتلاع والإبادة، بينما لا يعاني السوري أو اللبناني أو المصري هذا الخوف على وجودهم من جهة إسرائيل.
الإنصات إلى الضحية، لا محاباتها على طول الخط، فعلٌ واجبٌ معرفيّاً إذا جرّدناه من كل المبررات الأخلاقية، ومعرفة إسرائيل بدلالة الضحايا ضرورةٌ لمن يتنطع حقاً للتفكير مع الفلسطينيين، لا بدلاً عنهم. فالفلسطيني محروم من ترف أن يكون مستعمَراً، ومن أن يتحرر ليتغنّى بالزمن الجميل للاستعمار، وإذا افترضنا أنه يقبل الخضوع الدائم للاستعمار فإن إسرائيل لا تقبل أن تكون ذلك الاستعمار.
---------
المدن