.
لقد أكد الكاتب على خصوصية الحضارة العربية الاسلامية بأن أحد أهم ثوابتها الدين الإسلامي بصفته النبع الأساسي الذي ننهل منه في بناء ثوابت حياتنا. وفي تطلعنا إلى المستقبل وبناء ذلك المستقبل.
في نقد الحضارة الغربية.
يناقش الكاتب أن الغرب اعتمد في بناء حضارته المعاصرة على مجموعة من الثوابت والمرجعيات الفكرية الفلسفية والتطورات العلمية التي أدت لتفوق الغرب في القرون الأخيرة بعد عصر الأنوار والتقدم العلمي والتوسع الاستعماري.
توسع الكاتب في تفنيد الأسس التي قامت عليها الحضارة الغربية. فقد نقد النزعة المادية التي ترى أن الحياة مادة ولا خالق للوجود وأن الأديان والمعتقدات الماورائية خرافية ظهرت وانتشرت في عصر سابق على عصر العلم المعاصر.
كما انتقلت الحضارة الغربية الى تأليه الإنسان بصفته المبتدأ والأهم في حياته ومصيره على الأرض.
واعتمدت بذلك على رفض مقولة الأصل السماوي للإنسان و نزول آدم إلى الأرض، وأن وجود الإنسان ناتج عن التطور الطبيعي وفق نظرية داروين.
كما استبعدت المعتقدات الدينية في فهم الحياة والطبيعة وبناء الموقف منها واعتمدت العقل العلمي والتجريبي في تقرير حقائق المجتمع والطبيعة.
وهكذا ظهرت النسبية في فهم الحياة والمجتمع وتطورت هذه النسبيّة حتى وصلت في ذروتها إلى نسبية آينشتاين.
لم تكن التطورات العلمية والصناعية في أوربا في القرون الماضية خالية من نزعات عنصرية ترى تفوق العرق الآري الأبيض الأوروبي في مواجهة بقية الشعوب والمجتمعات. إلى درجة تورطها في وقت ما في التنظير لضرورة الاستعمار وحتى استعباد الشعوب والاعراق الاخرى وفق نظرية التفوق العرقي.
وزاد سوء ذلك في الزمن المعاصر هو صعود اليمين المتطرف داخل الغرب ذاته في علاقة تسلطية تنظر بدونية لغير الأوروبي من الاعراق الاخرى. وقد ادى ذلك الى الحروب والصراعات داخل اوروبا ذاتها كما حصل في الحربين العالميتين بكل ما نتج عنهما من ملايين الضحايا والمآسي للبشرية كلها.
لقد كان للتطور الغربي العلمي والصناعي منعكسات في الاعتقاد والسلوك انتجت ممارستهم الاستعمارية على ارضية التفوق الأوربي وحقهم باستعمار الشعوب الأخرى تحت مسمى المركزية الأوروبية. وادى ذلك لخلق أنماط من التنظير لخلق نظرة دونية تجاه هذه الشعوب تحت مسمى الاستشراق تعطي المبرر لاستعمار هذه الشعوب تحت دعوى تطويرها وتحضرها لكونها متخلّفة على أساس نظرة دونية لأعراقها. وكأن الغرب واستعماره لهذه الشعوب وسرقة خيراتها واستعبادها يقومون بدور انساني ايجابي.
لقد كان لانتشار الليبرالية ونزعة الحرية الفردية ومنعكساتها المجتمعية من العلمانية التي نزعت إلى إبعاد الدين عن شؤون السياسة في ادارة المجتمع. واحيانا إبعاده عن دوره في الحياة.
كذلك تطبيق الديمقراطية وانتصارها الفكري في الغرب الأوروبي. ومن ثم توسعها عبر التصنيع والتقدم العلمي و انتقالها الى المرحلة الاستعمارية. التي أدت لاستباحة الشعوب والمجتمعات الأخرى. وإستباحة الطبيعة ذاتها. حيث أدت لحصول اختلالات المناخ والكوارث الطبيعية والتلوث والأوبئة. لأن ما يحكم الغرب المستعمر خارجيا المصلحة فقط ولو كانت على حساب البشرية جمعاء.
وكان لا بد أن تنتج الرأسمالية نقيضها الفكري والتطبيقي حيث طرح ماركس نظريته بسقوط الرأسمالية وانتصار الطبقة العاملة وهيمنة الشيوعية كفكر ودولة. وحصل ذلك في روسيا التي صنعت دولة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي لسبعة عقود ومن ثم سقطت وعادت الرأسمالية لتكون قائدة العالم ولو بالقوة.
كما انتشرت الكثير من النزعات الفكرية والسلوكية في أحضان الغرب الأوروبي. مثل العدمية والعبثية والوجودية التي تنظر الى الوجود البشري على أنه أقرب الى العبث واللامعنى واللاجدوى والتفاهة. كما رآه آخرون يحقق النزعات الشهوانية وإشباع الرغبات الجسدية و المادية والمصلحية للإنسان.
كذلك الصليبية المدعى أنها انتصار للمسيحية وامتدادها، بصفتها تخفي في داخلها نزعة استعمارية متسلطة بعيدة عن حقيقة المسيحية كدين وسلوك التي استمرت لقرون تقود الغرب في تبرير نزعته واستعمار بلادنا العربية والإسلامية. وهي ما تزال مستمرة للآن تظهر بأشكال مختلفة.
لقد نظّر الغرب للكثير من الرؤى التي ترى العالم من مناظير مختلفة. حيث صنعت امتدادها الاستعماري ونموذجها الامبريالية التي هي اتحاد القوى الرأسمالية الاستعمارية وهيمنتها العالمية. حيث اقترن ذلك مع الاستعمار الذي استباح دول العالم قاطبة. وادى ذلك لصراع هذه الدول الغربية الاستعمارية وحصول الحروب العالمية كما ذكرنا. مع كل ما نتج عنها من كوارث.
كما اقترن التطور الغربي مع ظهور الازدواجية في سلوكها حيث هي داخل مجتمعها ديمقراطية وتعتمد الحرية والقوانين والقضاء وتداول السلطة والانتخابات. كما تعتمد بعلاقتها مع الشعوب المستعمرة على العنف ولغة السلاح واستباحة حياة الإنسان والطبيعة.
لقد نظر الغرب لمفهوم البراغماتية المصلحية باعتباره الأهم مهما كانت نتائجه كارثية على المجتمعات والشعوب.
كما كان لهذا التطور الغربي نتائج على حياة الأفراد والمجتمع عموما وعبر استبعاد الأديان والقيم وغياب المعنى في الحياة لحصول احساس بالفراغ الروحي والوجودي. مما دفع الكثيرين الى عودة عشوائية للأديان والمعتقدات في محاولة لاسترداد المعنى والقيمة للحياة في الغرب والعالم عموما.
لقد شمل الكاتب بما سبق ذكره أهم نقاط النقد للغرب فكرا و قيما وسلوكا.
ولكنه يعود ليعدل من الموقف النقدي في محاولة النظر بعدالة الى الغرب الذي كان حقيقة رغم كل العيوب قاطرة التقدم للإنسانية علميا وحياتيا ومجتمعيا سواء التطور العلمي والفكري . وإن ذكر الجانب الاستعماري يجب ان لا يغطي على الجوانب الايجابية للغرب التي كانت ولا تزال أساس التقدم المستقبلي للعالم كله.
وعند البحث عن الحل في مواجهة العلاقة مع الغرب الآخر فإن الكاتب يختار تعبير الاقتباس الرشيد يعني أن لا ننغلق على ذاتنا والحل ان نأخذ باسس التقدم العلمي والمجتمعي عند الغرب. لكن بطريقة مدروسة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيتنا ومجتمعاتنا مرجعياتنا القيميّة المستمدة من ديننا الاسلامي.
يجب أن نواجه احتكار الغرب للمعرفة والتقدم ونتقدم حتى نأخذ دورنا و نكون مشاركين بصناعة الحضارة الإنسانية التي كنّا من رواد صناعتها في زمن الحضارة الاسلامية.
يتابع الكاتب التحدث عن نماذج تطبيقية في تنوع المواقف من المتغيرات في العالم المعاصر ومدى التأثر بالغرب سواء على مستوى الملابس والمساجد والبيوت ومراكز التسوق والمدن الاسلامية. ليكون منتصرا لفكرة الاباحة في تطور تعاطينا مع المستجدات طالما هي ملتزمة بالضوابط الإسلامية. ومحققة لمقاصد الشريعة وتعمل لبناء الحياة الافضل لابناء مجتمعاتنا.
ينهي الكاتب كتابه في تساؤلات حول المستقبل.
فهل تنهار الحضارة الغربية.؟. وهل نحن البديل في قيادة ركب العالم؟!.
نعم الغرب مازال يقود ورغم كل عيوبه مازال يمتلك آليات تجاوز هذه العيوب والأخطاء ويعمل لصناعة نموذجه. ومازلنا نحن نرزح تحت سيطرة انظمة استبدادية تقتل الشعوب وتستعبدها وتدمر المدن وتشرد الشعب لتبقى محافظة على الحكم ومكتسباته. مع ما يؤدي إلى واقع تخلف وفقر وفاقة وجهل.
نعم عندما نكون دولا ديمقراطية ويحكم القانون والعدالة المجتمعية و تصان كرامة الإنسان وتحقق له حياته الافضل. نكون وقتها قد خطونا أول خطوة في طريق الريادة في صناعة مستقبل شعوبنا والعالم أيضا…
في التعقيب على الكتاب أقول:
اننا امام كتاب مكثف جدا يحاول أن يختصر تاريخ الغرب وواقعه العلمي والتاريخي ودوره. عيوبه وايجابياته وتطوره مع بنيتنا القيمية الإسلامية. حيث لم يتسع للقارئ فهم ما حصل مع الغرب من تطور وأدوار ايجابية وسلبية. كما لم يفصّل بما يجب أن يعني مضمون ان يكون اسلاميا. في وقت تنوعت به الطروحات الاسلامية الى درجة التناقض احيانا…
مع ذلك فإن الكتاب دفعنا للتفكير بما يعيش الغرب وما نعيشه وضرورة التفكير بصوغ علاقة تفاعلية بنائية مع الغرب. وعلاقة وعي وفهم لاسلامنا ومجتمعنا ودفعنا للجواب عن الاسئلة الوجودية: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نصل لما نريد ؟.