وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إنّ العدد الهائل للأشخاص الذين استُدعوا للتحقيق بتهم تتعلق بحرية التعبير يرسم صورة قاتمة للحق في حرية التعبير وحرية الإعلام في لبنان. ومن الواضح أن السلطات تلجأ بشكل معيب إلى إساءة استخدام نظام القضاء كأداة لمضايقة الصحفيين وترهيبهم، ما يديم ظاهرة الإفلات من العقاب الراسخة.
“ينبغي على السلطات اللبنانية الوفاء بواجباتها الدولية تجاه حقوق الإنسان والكفّ فورًا عن مقاضاة الأشخاص والصحفيين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، أو لنقل أخبار حول مزاعم الفساد، أو للإساءة إلى المسؤولين بانتقاداتهم كما يُزعم. وعلى المدّعين العامّين والأجهزة الأمنية التوقّف عن تأدية العرض المقيت المتمثّل باستدعاء الأشخاص للتحقيق لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير. وقد آن الأوان أيضًا كي يبادر البرلمان إلى إلغاء القوانين التي تجرّم التحقير والتشهير وتبنّي قانون إعلام يستوفي المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
في عام 2019، حقّق مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي في 414 شكوى تحقير وتشهير. وارتفع العدد إلى 434 قضية في عام 2020. وربما يكون هذا الارتفاع مرتبطًا ببداية الأزمة الاقتصادية في لبنان والمظاهرات المعادية للحكومة التي عمّت البلاد ابتداءً من أكتوبر/تشرين الأول 2019.
وشهد عاما 2021 و2022 انخفاضًا في عدد شكاوى التحقير والتشهير التي أُحيلت إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية مع قيام المكتب بالتحقيق في 286 و211 قضية على التوالي. وازداد عدد الحالات من جديد في عام 2023، حيث حقّق المكتب في ما مجموعه 321 قضية، شملت 35 شكوى تحقير. وحقّق المكتب في 18 حالة تشهير في عام 2024 حتى مارس/آذار.
ولا تمثّل الإحصائيات التي قدّمتها قوى الأمن الداخلي كافّة التحقيقات في قضايا التحقير والتشهير في البلاد؛ إذ تتولى أجهزة أمنية أخرى التحقيق أيضًا في هذه الشكاوى، من ضمنها دائرة التحقيق الأمني في الأمن العام وجهاز أمن الدولة ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني. وفي حين أن معظم هذه القضايا لا تصل إلى مرحلة المحاكمة، إلا أن هذه التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية، والتعهدات غير القانونية، والتهديدات بمحاكمات جنائية هي بحدّ ذاتها أشكال من المضايقة والترهيب تؤثر بشكل مرعب في الحق في حرية التعبير وحرية الإعلام.
’تهم كيديّة‘
في عام 2024، وثّقت منظمة العفو الدولية حالات أربعة أشخاص، من ضمنهم ثلاثة صحفيين، استدعاهم مسؤولون رفيعو المستوى بخصوص عملهم. وتبدو الشكاوى الجنائية المقدمة ضدّهم انتقامية، فهي تستهدف حرية التعبير المحميّة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بدلًا من معالجة الضرر الفعلي الحاصل. وفي ثلاث حالات، لم تتم إحاطة المستدعين بالمزاعم المنسوبة إليهم قبل بدء جلسات محاكمتهم، ما ينتهك حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة. ولا يزال شخصان غير متيقّنين مما إذا جرى إسقاط التهم الموجّهة إليهما.
وفي 18 يناير/كانون الثاني 2024، استُدعي الصحفي رياض طوق للاستجواب من جانب قسم المباحث الجنائية المركزية في قوى الأمن الداخلي ردًا على مقطع فيديو نشره على الإنترنت وانتقد فيه النائب العام العدلي القاضي صبوح سليمان بسبب تعليق مذكرة توقيف بحق وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس الذي اتُهم بالقتل وبالإهمال الجنائي في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
وخلال الجلسة دخل صبوح سليمان، وهو المدعي في قضية التشهير، إلى القاعة وحاول المشاركة في استجواب طوق، ما خلق تضاربًا في المصالح.
وفي قضية منفصلة، استدعت محكمة جنائية جينا الشماس، رئيسة جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد في لبنان، إلى جلسة في 16 يناير/كانون الثاني 2024 بدون تفصيل الأسباب، ما ينتهك حقوقها في الإجراءات القانونية الواجبة. وفي الجلسة، علمت محاميتها أن الاستدعاء يعود إلى شكوى تشهير قدمها رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ردًا على مزاعم الفساد التي أطلقتها ضده في وسائل الإعلام.
والقضية مستمرة إلى الآن. وفي العام الماضي، واجهت جينا الشماس دعوى قضائية أخرى تتعلق بالتشهير قدمها الوزير والنائب السابق نهاد المشنوق بشأن مزاعم فساد أيضًا.
وقالت لمنظمة العفو الدولية: “تكون المقاضاة دائمًا سريعة جدًا في شكاوى التشهير التي يقدمها أصحاب النفوذ ضدي، لكنها لا تكون سريعة بتاتًا عند التحقيق في مزاعم الفساد. فهم لم يتحركوا بالسرعة ذاتها عندما تقدّمتُ بشكوى ضدّ شخص نافذ هدّدني في مقابلة إذاعية حيّة في العام الفائت”.
وفي يناير/كانون الثاني 2024 أيضًا، تقدّمت السلطات بدعوى قضائية ضد المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال (LBCI). وطلبت إيقاف عرض البرنامج التلفزيوني الأسبوعي الساخر “مرحبا دولة” نتيجة “الإساءة التي يقوم بها تجاه الدولة ومؤسساتها” من خلال “إهانة الرموز الوطنية، والعلم اللبناني، والنشيد الوطني”. وقد ردّ القاضي الدعوى التي أحيلت عندئذ إلى محكمة جنائية. وفي مارس/آذار 2024، استدعت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي فراس حاطوم منتج البرنامج الذي تناهى إلى علمه بأن القضية الجديدة تتعلق باستخدام الزي العسكري والأسلحة [غير الحقيقية] في البرنامج، استنادًا إلى المادة 144 من قانون القضاء العسكري التي تُجرّم “انتحال صفة”. ومنذ ذلك الحين، طلب محامي حاطوم بإحالة القضية إلى محكمة المطبوعات.
وقال فراس حاطوم لمنظمة العفو الدولية: “هناك نوعٌ من العرف في مجالنا بأن نستخدم الثياب والأسلحة غير الحقيقية في التمثيل ومن دون اعتراض السلطات. بغض النظر عن اقتناعي الكامل بأن هذه المادة القانونية لا تنطبق على المحتوى التلفزيوني المصوّر، أجد أن انتقاء برنامج معين وتوجيه تهم شبيهة له أهو فعلٌ فيه استنسابية، أيّ أن التحرّك حصل بدوافع كيديّة ولم يكن هدفه تطبيق القانون، وإنما قمع حرية التعبير”.
وفي 14 مارس/آذار 2024، استدعت قوى الأمن الداخلي أسامة القادري، وهو صحفي ومدير تحرير منصة الأخبار الرقمية مناشير، بتهمة “تحقير القضاء” في مقال كتبه حول قضية قانونية تتعلق بأحد السياسيين. وقد أصرّ أسامة القادري على أن هذا الاستجواب يجب أن يجري في محكمة المطبوعات. ولم يتلقَّ بعد أي معلومات حديثة حول سير القضية.
واختتمت آية مجذوب حديثها قائلةً: ” توضح هذه القضايا جليًّا كيف يُستخدم القضاء كأداة لحماية الأشخاص النافذين، ما يكشف نمطًا مقلقًا من الملاحقات القضائية الانتقائية والتحيّز القضائي. فبدلًا من أن تخدم محاكمنا المصلحة العامة، تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية، ما يديم حلقة مفرغة يحظى فيها أصحاب النفوذ وحدهم بالحماية، بينما يتم إسكات أصوات المعارضين بصورة ممنهجة”.
خلفية
لا تستوفي أحكام التشهير في لبنان – التي تتضمن عقوبات جنائية تصل مدة السجن فيها لغاية ثلاث سنوات – المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وهي تقيّد بدون مبرّر الحق في حرية التعبير.
في أغسطس/آب 2023، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة # رأيي مش جريمة التي دعت السلطات اللبنانية إلى إلغاء مواد في قانون العقوبات وقانون المطبوعات وقانون القضاء العسكري تجرّم التحقير واستبدال مواد التشهير بأحكام مدنية جديدة.