واستعرضت الدراسة، التي نال بها الباحث السوري درجة الماجستير في قسم الاقتصاد السياسي الدولي بمعهد الدراسات العليا بجامعة كارابوك في تركيا، مراحل نشوء وتطور ظاهرة الطائفية منذ أن بدأت بذورها الأولى في مرحلة الانتداب، وهي مرحلة تسييس الطائفة ونقلها من طائفة دينية إلى طائفة سياسية، وصولا إلى المرحلة الأهم وهي التي بدأت بانقلاب اللجنة العسكرية عام 1963 والتي باشرت عملية تطييف الدولة بتطييف أهم أجهزتها الصلبة (الجيش والأمن). ثم تناولت مراحل تطور الظاهرة من البعثية إلى الأسدية، وصولا إلى عهد الرئيس الحالي بشار الأسد والانتفاضة الشعبية.
وتناولت الدراسة أيضا علاقة العلوية السياسية بمؤسسات الدولة الرسمية، من خلال البحث في وجود سلطة أمنية عسكرية مُعَلونة تخترق مؤسسات الدولة والمجتمع، وكذلك العلاقة بين السلطة الأمنية العسكرية ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وتتوقف عند علاقة العلوية السياسية بالمجتمع من خلال الإضاءة على تدخل السلطة في التركيبة السكانية للمدن عبر حقن مجتمعات طائفية تهدف إلى إيجاد حواضن اجتماعية لها في المدينة، بعد أن فشلت في كسب ولاء سكان المدن، وتدمير النخبة الاقتصادية السياسية المدينية، واستبدالها بنخبة فاسدة وتابعة، ثم عَلْونة الثقافة بتحالف السلطة مع المنتجين الدراميين في تصدير رسائل السلطة عبر الفن التلفزيوني لإعادة تشكيل المجتمع ثقافيا وتشجيع نشر التشيع في الفضاء السوري لتفتيت الأكثرية السنية.
وحول ماهية العلوية يقول التليل إن العلوية تاريخيا تعني تلك الأسر وأولئك الأشخاص الذين ينتسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب برابطة النسب، فهم من ذريته نسبا وبصرف النظر عن مذهبهم الديني، من أمثال الأسرتين الحاكمتين في كل من الأردن والمغرب، والعديد من الأسر والأفراد في العالم الإسلامي من ذوي النسب العلوي، ويعرفون كذلك بالأشراف، وعرفت هذه الأسر من القدم وتتوزع بين السنة والشيعة.
أما العلوية في جبال الساحل السوري فهي الطائفة المعروفة تاريخيا حتى عهد الانتداب الفرنسي بالنصيرية، وهي طائفة دينية تتميز بالغلوّ في علي بن أبي طالب ولا تنتسب إليه برابطة القرابة النسبية، وعرفت الطائفة النصيرية بالعلوية منذ أن منحها الفرنسيون هذا الاسم رسميا، بعد أن أسسوا الكيان الذي أطلقوا عليه اسم أراضي العلويين المستقلة. ومنذ ذلك الحين بدأت النسبة العلوية تضاف إلى كل ما يتعلق بذلك الكيان، وبدأت عبارات بلاد العلويين والشعب العلوي والعلويين تعرف بشكل واسع.
ويتابع “يبدو أن الفرنسيين أرادوا تحضير الطائفة النصيرية لدور سياسي كبير في سوريا، ولذلك توسعوا في تجنيد شبابها في القوات الخاصة للشرق، ومنحوها اسما جديدا (العلويين) أطلقوه على المنطقة الساحلية، وأنشأوا دويلة ووضعوا لها نظاما إداريا وقضاء مذهبيا، وأصدروا باسمها بعض الصحف والنشرات. وبالرغم من أن أنصار الدولة العلوية لم يتمكنوا من تشكيل كيان سياسي متماسك على قاعدة طائفية قابلا للحياة على غرار الموارنة في لبنان، إلا أنه لا بد من الاعتراف بأنهم لا يشكلون فقط فرعا مستقلا عن الإسلام، بل مجتمعا يعتبر نفسه مختلفا ثقافيا وتاريخيا عن الطوائف الأخرى في سوريا وعن غالبية المجتمع السوري”.
وأضافت الدراسة أن مصطلح “علوي” لا يشير إلى هوية إثنية أو أيديولوجية دينية فحسب، بل يشير أيضا إلى المنطقة والنظام السياسي وذخيرة ثقافية وتاريخية متخيلة، ويمكن تتبع اختلافهم إلى التصور بأن لديهم خصوصية، وأنهم عارضوا دائما سلطة المسلمين السنة.
وتطرق التليل إلى العشائرية كعامل جوهري في تكوين الطائفة العلوية، وكذلك عملية استغلال المظلومية التاريخية من طرف تيار سياسي أو لتعزيز سلطة عائلة حاكمة، حيث عملت الأحداث السياسية المعاصرة باستمرار على إيقاظ روح المظلومية لدى هؤلاء، ويمكن استغلال تلك المخاوف دائما من طرف السياسيين الطائفيين لحشد وتجنيد الطائفة خلف تيار سياسي أو عائلة حاكمة.
وفي أحداث عام 2011، وما بعدها عملت المخاوف ذاتها وبقوة على تجنيد الطائفة خلف نظام الأسد رغم كل محاولات الطمأنة التي قام بها الناشطون والمعارضون دون جدوى.
وحول الارتباط السياسي بالتيار الشيعي العام، يعتبر التليل أن مشايخ الطائفة المعاصرين يحرصون في كل مرة يضطرون إلى التصريح العلني، أو الرد على الخصوم، وفي الأزمات السياسية على التأكيد على ارتباطهم بالتيار الشيعي العام. ويسوّق بعضهم عقيدته الإمامية الجعفرية.
وأصدر الشيخ عبدالرحمن الخيري عددا من الكتب، أكد فيها على أن العلويين مسلمون إماميون إثنا عشريون في العقيدة، جعفريون في الفقه، وأن اسم العلويين ليس إلا اسما أطلقه الفرنسيون بغرض تفريق صف المسلمين وتشجيع الطائفية، ويسوّق في كتبه جملة من البيانات والمذكرات التي أصدرها مع آخرين يؤكد على هذه الأفكار.
كذلك نسج منير الشريف على المنوال ذاته في كتابه “المسلمون العلويون من هم؟ وأين هم؟” جعل العلويين والإماميين الإثني عشريين شيئا واحدا، وجعل العلوية والإمامية مترادفين لمعنى واحد، كما نشر في كتابه عددا من البيانات وقعها وجهاء علويون، يؤكدون فيها أن العلويين فرع من الإمامية الإثني عشرية، وأن عقيدتهم عقيدة الإمامية.
وأوضح التليل أن الصداقة التي ربطت حافظ الأسد ورجل الدين الشيعي اللبناني ذي الأصل الإيراني موسى الصدر، أثمرت إصدار الأول فتواه الشهيرة عام 1973 التي اعتبرت العلويين جزءا أصليا من الشيعة، وكانت الغاية من إصدارها تعزيز موقع الأسد في مواجهة منتقديه السنة، الذين كانوا يرونه وطائفته خارج الدائرة الإسلامية.
ويرى أن الطائفة العلوية، ومنذ أن برز الضباط العلويون كلاعب رئيسي في السياسة السورية، بدأت تثير اهتمام قادة الشيعة الإثني عشرية، ما جعل هؤلاء يحاولون ضمهم إلى العقيدة الإثني عشرية، ورغم أن هذا الاتجاه لاقى اهتماما وتشجيعا تبعا للمصلحة السياسية للعلويين، خاصة في بداية عهد حافظ الأسد متأثرا بالأحداث السياسية الداخلية في سورية، ثم أحداث لبنان، وكذلك في فترة التقارب الإيراني السوري في عهد بشار، إلا أنه لم يؤد إلى اندماج العلوية في الإثني عشرية، رغم التحالف السياسي القائم.
ولم تلق دعوى التشيع قبولا واسعا داخل الطائفة، ولم يتحول التيار المتشيع إلى ظاهرة تكتسح الطائفة، بسبب قلة عدد المهتمين بالدين عموما، فالمجتمع العلوي لم يعتد الكثير من التكاليف الدينية في تاريخه، ولم تغره حركة التشيع التي رأى فيها المزيد من القيود والأحكام الدينية، ولذلك لم تندمج الطائفة العلوية في التشيع الإثني عشري، وظل التشيع، في العموم، عنصرا تاريخيا في سرديتها، وتشكيلها الإثني.
وعرف التليل العلوية السياسية بأنها “ظاهرة سياسية عسكرية، نشأت في المؤسسة العسكرية ابتداء من الأعضاء العلويين في التنظيم العسكري لحزب البعث، استنادا إلى علاقات تضامن طائفية وعشائرية ومناطقية، كقناة لتوزيع السلطة، تستولي على أهم المراكز في الدولة بشكل منظم وقسري، وتجيّر مؤسساتها لمصلحة طبقة سياسية عسكرية طائفية”.
ويتوصل إلى أنها ظاهرة سياسية بمعنى أنها تعمل بشكل منظم لأهداف سياسية. ولها طابع عسكري بمعنى أنها حالة طائفية ولدت داخل الجيش، وهي ترتكز بشكل أساسي على عصبية طائفية بالمعنى الخلدوني، تستولي على الأجهزة الأمنية وأهم القطعات العسكرية وتكون جيوشا خاصة لا تخضع لأجهزة الدولة الرسمية، وتتحكم بالجسم العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي والإداري للدولة.
ومن الضروري التفكير في خصائصها المميزة، وتفريقها عن غيرها من الظواهر السياسية المعروفة، والتي قد تتقاطع معها في صفة من صفاتها، أو تشابهها في بعض سلوكياتها العملية، فهي وإن كانت متفردة في حقيقتها كما نعتقد، إلا أنها كثيرا ما تتشابه مع غيرها وهذا ما يؤدي عادة إلى الالتباس في تعريفها أو القدرة على فهمها وإدراك ماهيتها.
ويضيف أن العلوية السياسية تتميز بأربع خصائص رئيسية تميزها عن غبرها من الأنظمة السياسية المشابهة، وهي: ظاهرة ريفية وليست مدينية، أقلوية محملة بذاكرة تاريخية، عسكرية محملة بأيديولوجيا سياسية، ومتأثرة بباطنية دينية.
ولفت إلى أن الباطنية العلوية لم تعد مجرد طريقة لتفسير النصوص الدينية، كما رأينا من شهادات الأشخاص الذين تعاملوا مع حافظ الأسد وصلاح جديد، لقد تطورت إلى نهج سياسي. نهج قائم على الغموض والوحشية والبراغماتية بلا حدود. كذلك امتد منهج الغموض إلى مؤسسات الدولة ذاتها، عندما انزاحت السلطة الحقيقية إلى أجهزة الاستخبارات، تلك الأجهزة المُعَلونة، التي باتت تحكم باسم الرئيس منذ انقلاب 1970 ولم يعد للمؤسسات الرسمية للدولة أيّ سلطة خارجة عن تحكمها وسيطرتها.
وقال التليل “إن الحالة الطائفية التي يقدمها نظام العلوية السياسية من التفرد والخصوصية ما يجعل من الصعب ولادة حالة مشابهة لها في أيّ من الدول القريبة أو البعيدة، نظرا لخصوصية الطائفة العلوية، وعدم وجود حالة اجتماعية مثيلة في أيّ مكان من العالم، كما أن الظروف التاريخية والسياسية التي ساهمت في صعودها من الخصوصية، بحيث تجعل من جملة هذه العوامل حالة خاصة بالغة التعقيد، ومرتبطة بالزمان والمكان والأشخاص والأفكار والمعتقدات، والأيديولوجيات.
لقد كانت ظاهرة العلوية السياسية نتيجة تلاقي طائفة دينية باطنية ريفية ومنبوذة، تعيش أزمة تاريخية معقدة، وحزب البعث العلماني الذي ولد في بيئة محافظة، وغير مرحبة، لتلتقي هذه المكونات مع جيش يعاني من مشكلة بنيوية موروثة منذ عهد الانتداب، لتلتقي هذه العوامل الثلاثة جميعها في لحظة تاريخية مواتية، في مجموعة خاصة من الأشخاص تلك هي اللجنة العسكرية، وهي مجموعة من الضباط الصغار، من أبناء الأقليات الدينية من البعثيين السابقين، ليتمكن هؤلاء من قلب نظام الحكم المتهالك أصلا، وليدخلوا البلاد في حالة غير مسبوقة تنتهي إلى نظام طائفي أقلوي عسكري ما ندعوه بالعلوية السياسية.
وأشار التليل إلى أنه مثلما تعمل العلوية السياسية لمصلحة الطائفة العلوية في العموم، كذلك تعمل على تسخير الطائفة في تثبيت حكم النخبة العسكرية الأمنية بوسائل شتى، أخطرها تغيير التوزع السكاني التاريخي، كما حدث في مدن كحمص ومدن الساحل، واستعمال الطائفة كتجمعات بشرية وظيفية في حصار العاصمة دمشق لغايات سلطوية. ولا يقل عن هذا التغيير في الخطورة إعادة تشكيلها للنخبة الاقتصادية والسياسية بكل الوسائل غير القانونية وغير الأخلاقية وإنتاج واقع جديد في الاقتصاد السياسي للبلد عبر إعادة توزيع الثروة بشكل غير قانوني وغير عادل.
وخلص التليل إلى أن جناح اللجنة العسكرية التي استأثرت بالحكم عقب انقلاب 1963 في علونة الجيش والأجهزة الأمنية، ممّا أدى إلى غياب الخطوط الفاصلة بين الطائفة العلوية وهذه الأجهزة نتج عنها وجود حالة من التداخل بين الطائفة والدولة، نتجت عن تمركزها في أهم مؤسسات الدولة الصلبة (الجيش والأمن ورئاسة الجمهورية) وقدرتها انطلاقا من هذه المؤسسات، على التأثير في جميع مفاصل الدولة معا وتسلطها على حياة الناس اليومية. ومن الأمور الخطيرة أيضا التدخل في الهوية الثقافية للسوريين عبر نشر التشيع والإنتاج الثقافي، خدمة لأهداف سلطوية تتعلق باستدامة سيطرة العائلة والطائفية والنخبة العسكرية الحاكمة.
إن وجود مسار سلطوي يوازي مسار المؤسسات الرسمية للدولة، وهو مسار مُعَلون بشكل كامل ينبثق عن القائد العلوي للجيش والقوات المسلحة المُعَلونة، ويتفرع عبر الأجهزة الأمنية المُعَلونة كذلك، ليطال جميع مؤسسات الدولة ويتحكم بها ويحجب بعضها ويصادر صلاحياتها. وأهم مظاهر المسار السلطوي الموازي تظهر في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
-------
العرب
وتناولت الدراسة أيضا علاقة العلوية السياسية بمؤسسات الدولة الرسمية، من خلال البحث في وجود سلطة أمنية عسكرية مُعَلونة تخترق مؤسسات الدولة والمجتمع، وكذلك العلاقة بين السلطة الأمنية العسكرية ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وتتوقف عند علاقة العلوية السياسية بالمجتمع من خلال الإضاءة على تدخل السلطة في التركيبة السكانية للمدن عبر حقن مجتمعات طائفية تهدف إلى إيجاد حواضن اجتماعية لها في المدينة، بعد أن فشلت في كسب ولاء سكان المدن، وتدمير النخبة الاقتصادية السياسية المدينية، واستبدالها بنخبة فاسدة وتابعة، ثم عَلْونة الثقافة بتحالف السلطة مع المنتجين الدراميين في تصدير رسائل السلطة عبر الفن التلفزيوني لإعادة تشكيل المجتمع ثقافيا وتشجيع نشر التشيع في الفضاء السوري لتفتيت الأكثرية السنية.
وحول ماهية العلوية يقول التليل إن العلوية تاريخيا تعني تلك الأسر وأولئك الأشخاص الذين ينتسبون إلى الإمام علي بن أبي طالب برابطة النسب، فهم من ذريته نسبا وبصرف النظر عن مذهبهم الديني، من أمثال الأسرتين الحاكمتين في كل من الأردن والمغرب، والعديد من الأسر والأفراد في العالم الإسلامي من ذوي النسب العلوي، ويعرفون كذلك بالأشراف، وعرفت هذه الأسر من القدم وتتوزع بين السنة والشيعة.
أما العلوية في جبال الساحل السوري فهي الطائفة المعروفة تاريخيا حتى عهد الانتداب الفرنسي بالنصيرية، وهي طائفة دينية تتميز بالغلوّ في علي بن أبي طالب ولا تنتسب إليه برابطة القرابة النسبية، وعرفت الطائفة النصيرية بالعلوية منذ أن منحها الفرنسيون هذا الاسم رسميا، بعد أن أسسوا الكيان الذي أطلقوا عليه اسم أراضي العلويين المستقلة. ومنذ ذلك الحين بدأت النسبة العلوية تضاف إلى كل ما يتعلق بذلك الكيان، وبدأت عبارات بلاد العلويين والشعب العلوي والعلويين تعرف بشكل واسع.
ويتابع “يبدو أن الفرنسيين أرادوا تحضير الطائفة النصيرية لدور سياسي كبير في سوريا، ولذلك توسعوا في تجنيد شبابها في القوات الخاصة للشرق، ومنحوها اسما جديدا (العلويين) أطلقوه على المنطقة الساحلية، وأنشأوا دويلة ووضعوا لها نظاما إداريا وقضاء مذهبيا، وأصدروا باسمها بعض الصحف والنشرات. وبالرغم من أن أنصار الدولة العلوية لم يتمكنوا من تشكيل كيان سياسي متماسك على قاعدة طائفية قابلا للحياة على غرار الموارنة في لبنان، إلا أنه لا بد من الاعتراف بأنهم لا يشكلون فقط فرعا مستقلا عن الإسلام، بل مجتمعا يعتبر نفسه مختلفا ثقافيا وتاريخيا عن الطوائف الأخرى في سوريا وعن غالبية المجتمع السوري”.
وأضافت الدراسة أن مصطلح “علوي” لا يشير إلى هوية إثنية أو أيديولوجية دينية فحسب، بل يشير أيضا إلى المنطقة والنظام السياسي وذخيرة ثقافية وتاريخية متخيلة، ويمكن تتبع اختلافهم إلى التصور بأن لديهم خصوصية، وأنهم عارضوا دائما سلطة المسلمين السنة.
وتطرق التليل إلى العشائرية كعامل جوهري في تكوين الطائفة العلوية، وكذلك عملية استغلال المظلومية التاريخية من طرف تيار سياسي أو لتعزيز سلطة عائلة حاكمة، حيث عملت الأحداث السياسية المعاصرة باستمرار على إيقاظ روح المظلومية لدى هؤلاء، ويمكن استغلال تلك المخاوف دائما من طرف السياسيين الطائفيين لحشد وتجنيد الطائفة خلف تيار سياسي أو عائلة حاكمة.
وفي أحداث عام 2011، وما بعدها عملت المخاوف ذاتها وبقوة على تجنيد الطائفة خلف نظام الأسد رغم كل محاولات الطمأنة التي قام بها الناشطون والمعارضون دون جدوى.
وحول الارتباط السياسي بالتيار الشيعي العام، يعتبر التليل أن مشايخ الطائفة المعاصرين يحرصون في كل مرة يضطرون إلى التصريح العلني، أو الرد على الخصوم، وفي الأزمات السياسية على التأكيد على ارتباطهم بالتيار الشيعي العام. ويسوّق بعضهم عقيدته الإمامية الجعفرية.
وأصدر الشيخ عبدالرحمن الخيري عددا من الكتب، أكد فيها على أن العلويين مسلمون إماميون إثنا عشريون في العقيدة، جعفريون في الفقه، وأن اسم العلويين ليس إلا اسما أطلقه الفرنسيون بغرض تفريق صف المسلمين وتشجيع الطائفية، ويسوّق في كتبه جملة من البيانات والمذكرات التي أصدرها مع آخرين يؤكد على هذه الأفكار.
كذلك نسج منير الشريف على المنوال ذاته في كتابه “المسلمون العلويون من هم؟ وأين هم؟” جعل العلويين والإماميين الإثني عشريين شيئا واحدا، وجعل العلوية والإمامية مترادفين لمعنى واحد، كما نشر في كتابه عددا من البيانات وقعها وجهاء علويون، يؤكدون فيها أن العلويين فرع من الإمامية الإثني عشرية، وأن عقيدتهم عقيدة الإمامية.
وأوضح التليل أن الصداقة التي ربطت حافظ الأسد ورجل الدين الشيعي اللبناني ذي الأصل الإيراني موسى الصدر، أثمرت إصدار الأول فتواه الشهيرة عام 1973 التي اعتبرت العلويين جزءا أصليا من الشيعة، وكانت الغاية من إصدارها تعزيز موقع الأسد في مواجهة منتقديه السنة، الذين كانوا يرونه وطائفته خارج الدائرة الإسلامية.
ويرى أن الطائفة العلوية، ومنذ أن برز الضباط العلويون كلاعب رئيسي في السياسة السورية، بدأت تثير اهتمام قادة الشيعة الإثني عشرية، ما جعل هؤلاء يحاولون ضمهم إلى العقيدة الإثني عشرية، ورغم أن هذا الاتجاه لاقى اهتماما وتشجيعا تبعا للمصلحة السياسية للعلويين، خاصة في بداية عهد حافظ الأسد متأثرا بالأحداث السياسية الداخلية في سورية، ثم أحداث لبنان، وكذلك في فترة التقارب الإيراني السوري في عهد بشار، إلا أنه لم يؤد إلى اندماج العلوية في الإثني عشرية، رغم التحالف السياسي القائم.
ولم تلق دعوى التشيع قبولا واسعا داخل الطائفة، ولم يتحول التيار المتشيع إلى ظاهرة تكتسح الطائفة، بسبب قلة عدد المهتمين بالدين عموما، فالمجتمع العلوي لم يعتد الكثير من التكاليف الدينية في تاريخه، ولم تغره حركة التشيع التي رأى فيها المزيد من القيود والأحكام الدينية، ولذلك لم تندمج الطائفة العلوية في التشيع الإثني عشري، وظل التشيع، في العموم، عنصرا تاريخيا في سرديتها، وتشكيلها الإثني.
وعرف التليل العلوية السياسية بأنها “ظاهرة سياسية عسكرية، نشأت في المؤسسة العسكرية ابتداء من الأعضاء العلويين في التنظيم العسكري لحزب البعث، استنادا إلى علاقات تضامن طائفية وعشائرية ومناطقية، كقناة لتوزيع السلطة، تستولي على أهم المراكز في الدولة بشكل منظم وقسري، وتجيّر مؤسساتها لمصلحة طبقة سياسية عسكرية طائفية”.
ويتوصل إلى أنها ظاهرة سياسية بمعنى أنها تعمل بشكل منظم لأهداف سياسية. ولها طابع عسكري بمعنى أنها حالة طائفية ولدت داخل الجيش، وهي ترتكز بشكل أساسي على عصبية طائفية بالمعنى الخلدوني، تستولي على الأجهزة الأمنية وأهم القطعات العسكرية وتكون جيوشا خاصة لا تخضع لأجهزة الدولة الرسمية، وتتحكم بالجسم العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي والإداري للدولة.
ومن الضروري التفكير في خصائصها المميزة، وتفريقها عن غيرها من الظواهر السياسية المعروفة، والتي قد تتقاطع معها في صفة من صفاتها، أو تشابهها في بعض سلوكياتها العملية، فهي وإن كانت متفردة في حقيقتها كما نعتقد، إلا أنها كثيرا ما تتشابه مع غيرها وهذا ما يؤدي عادة إلى الالتباس في تعريفها أو القدرة على فهمها وإدراك ماهيتها.
ويضيف أن العلوية السياسية تتميز بأربع خصائص رئيسية تميزها عن غبرها من الأنظمة السياسية المشابهة، وهي: ظاهرة ريفية وليست مدينية، أقلوية محملة بذاكرة تاريخية، عسكرية محملة بأيديولوجيا سياسية، ومتأثرة بباطنية دينية.
ولفت إلى أن الباطنية العلوية لم تعد مجرد طريقة لتفسير النصوص الدينية، كما رأينا من شهادات الأشخاص الذين تعاملوا مع حافظ الأسد وصلاح جديد، لقد تطورت إلى نهج سياسي. نهج قائم على الغموض والوحشية والبراغماتية بلا حدود. كذلك امتد منهج الغموض إلى مؤسسات الدولة ذاتها، عندما انزاحت السلطة الحقيقية إلى أجهزة الاستخبارات، تلك الأجهزة المُعَلونة، التي باتت تحكم باسم الرئيس منذ انقلاب 1970 ولم يعد للمؤسسات الرسمية للدولة أيّ سلطة خارجة عن تحكمها وسيطرتها.
وقال التليل “إن الحالة الطائفية التي يقدمها نظام العلوية السياسية من التفرد والخصوصية ما يجعل من الصعب ولادة حالة مشابهة لها في أيّ من الدول القريبة أو البعيدة، نظرا لخصوصية الطائفة العلوية، وعدم وجود حالة اجتماعية مثيلة في أيّ مكان من العالم، كما أن الظروف التاريخية والسياسية التي ساهمت في صعودها من الخصوصية، بحيث تجعل من جملة هذه العوامل حالة خاصة بالغة التعقيد، ومرتبطة بالزمان والمكان والأشخاص والأفكار والمعتقدات، والأيديولوجيات.
لقد كانت ظاهرة العلوية السياسية نتيجة تلاقي طائفة دينية باطنية ريفية ومنبوذة، تعيش أزمة تاريخية معقدة، وحزب البعث العلماني الذي ولد في بيئة محافظة، وغير مرحبة، لتلتقي هذه المكونات مع جيش يعاني من مشكلة بنيوية موروثة منذ عهد الانتداب، لتلتقي هذه العوامل الثلاثة جميعها في لحظة تاريخية مواتية، في مجموعة خاصة من الأشخاص تلك هي اللجنة العسكرية، وهي مجموعة من الضباط الصغار، من أبناء الأقليات الدينية من البعثيين السابقين، ليتمكن هؤلاء من قلب نظام الحكم المتهالك أصلا، وليدخلوا البلاد في حالة غير مسبوقة تنتهي إلى نظام طائفي أقلوي عسكري ما ندعوه بالعلوية السياسية.
وأشار التليل إلى أنه مثلما تعمل العلوية السياسية لمصلحة الطائفة العلوية في العموم، كذلك تعمل على تسخير الطائفة في تثبيت حكم النخبة العسكرية الأمنية بوسائل شتى، أخطرها تغيير التوزع السكاني التاريخي، كما حدث في مدن كحمص ومدن الساحل، واستعمال الطائفة كتجمعات بشرية وظيفية في حصار العاصمة دمشق لغايات سلطوية. ولا يقل عن هذا التغيير في الخطورة إعادة تشكيلها للنخبة الاقتصادية والسياسية بكل الوسائل غير القانونية وغير الأخلاقية وإنتاج واقع جديد في الاقتصاد السياسي للبلد عبر إعادة توزيع الثروة بشكل غير قانوني وغير عادل.
وخلص التليل إلى أن جناح اللجنة العسكرية التي استأثرت بالحكم عقب انقلاب 1963 في علونة الجيش والأجهزة الأمنية، ممّا أدى إلى غياب الخطوط الفاصلة بين الطائفة العلوية وهذه الأجهزة نتج عنها وجود حالة من التداخل بين الطائفة والدولة، نتجت عن تمركزها في أهم مؤسسات الدولة الصلبة (الجيش والأمن ورئاسة الجمهورية) وقدرتها انطلاقا من هذه المؤسسات، على التأثير في جميع مفاصل الدولة معا وتسلطها على حياة الناس اليومية. ومن الأمور الخطيرة أيضا التدخل في الهوية الثقافية للسوريين عبر نشر التشيع والإنتاج الثقافي، خدمة لأهداف سلطوية تتعلق باستدامة سيطرة العائلة والطائفية والنخبة العسكرية الحاكمة.
إن وجود مسار سلطوي يوازي مسار المؤسسات الرسمية للدولة، وهو مسار مُعَلون بشكل كامل ينبثق عن القائد العلوي للجيش والقوات المسلحة المُعَلونة، ويتفرع عبر الأجهزة الأمنية المُعَلونة كذلك، ليطال جميع مؤسسات الدولة ويتحكم بها ويحجب بعضها ويصادر صلاحياتها. وأهم مظاهر المسار السلطوي الموازي تظهر في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
-------
العرب