تحتضن مدينة إسطنبول متحفاً خاصاً باسم " متحف إسطنبول الجزري ، أسس عام 2018 بهدف عرض التراث العلمي للجزري من خلال استنساخ أبرز آلاته واختراعاته. كما يعقد مجلس البحث العلمي والتكنولوجي التركي معرض دورية للتعريف بآلات الجزري واختراعاته الاستثنائية التي تعيد زوار المعارض إلى 8 قرون مضت، حيث العصر الذهبي لعلماء الإسلام.
ولغاية يومنا الحالي يحظى الجزري باهتمام العلماء والمخترعين الأتراك، حيث قامت شركة "بايكار" المختصة بصناعة طائرات "بيرقدار" المسيّرة الشهيرة، بإطلاق اسم الجزري على نموذج سيارتها الطائرة التي تعتبر بمثابة الاختراع السابق لأوانه كما هو حال اختراعات الجزري في القرن الـ12 الميلادي.
في هذا التقرير نستعرض حياة العالم المسلم الذي تعرض أشهر متاحف العالم مثل متحف الباب العالي في إسطنبول ومتحف اللوفر الفرنسي، بالإضافة لمكتبة جامعة، كتابه الشهير تحت عنوان "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"، وذلك تقديراً منهم لإنجازاته العلمية السابقة لوقتها والتي أسهمت في دفع البشرية نحو عصر الآلات والصناعة.
المولد والنشأة
ولد العالم بديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري الملقب بـ"الجزري" ببلدة جيزرة (Cizre) التي تتبع اليوم لمدينة شرناق جنوب شرق تركيا عام 1136.
ولشغفه وحبه بالعلوم استطاع الجزري من خلال دراسته لشتى أنواع المعارف والعلوم المتاحة في زمانه أن يصبح عالماً ومخترعاً ومهندساً وميكانيكياً وفناناً وعالم رياضيات، الأمر الذي أهّله لشغل منصب كبير المهندسين فى قصر الدولة الأرتقية في مدينة ديار بكر.
ولمدة 25 عاماً حظي الجزري برعاية واهتمام حكام ديار بكر من بني أرتق، فأصبح كبير مهندسي الميكانيكا في البلاط، ما خوله ليصبح واحداً من أبرز المهندسين والمخترعين في التاريخ، فاختراعاته ساهمت بظهور كثير من الاَلات التي لعبت دوراً مهماً في مجال الصناعة وعلوم الحركة والروبوتات.
اختراعات سابقة لزمانها
لم يستطع الجزري تعلم تقنيات وعلوم أسلافه من العرب والعجم فحسب، بل كان مبتكراً لعلوم وتقنيات لم يسبقها إليها أحدٌ من قبل، وبفضل اختراعاته الميكانيكية المذهلة أطلق عليه لقب "أبو هندسة العصر الحديث"، وبسبب اختراع لروبوت بشري قابل للبرمجة في وقت مبكر، لقب بـ"والد الروبوتات".
فقد تمكن الجزري من ابتكار آلة على شكل خادمة بجانب حوضين لغسل اليدين، حيث تقوم الخادمة الآلية بملء الحوض بماء نظيف كلما فرغ. بالإضافة إلى ذلك طوّر الجزري آلات لرفع الماء وساعات مائية ذات نظام تنبيه، فضلاً عن أنظمة تحكم ذاتية وأبواب أوتوماتيكية تتحرك باستخدام الطاقة الهيدرولوجية.
كما طور الجزري آلات كثيرة سابقة لزمانها من خلال توظيف الماء والشموع فقط لتشغيلها وتحريكها، ولعل من أبرزها "ساعة الفيل" الشهيرة التي تعمل بنظام مائي وصُممت على شكل فيل يحمل على ظهره شخصيات وأشكال من 6 حضارات مختلفة (العربية والمصرية والإفريقية والإغريقية والصينية والهندية)، وتصدر أصواتاً عن كل نصف ساعة، بالإضافة إلى اختراع عمود الكامات الذي يدور بضغط مكابس المحرك فتتولد قوة دافعة للأمام اعتماداً على الحركة الذاتية، والتي تعتبر البذرة الأولى في علوم المحركات ومضخات المياه الدافعة.
كتابه الشهير
بطلب من السلطان نصر الدين محمود، جمع الجزري أبرز مخترعاته في كتاب أطلق عليه اسم "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"، والذي يعتبر الكتاب الأهم في علوم الهندسة الميكانيكية في عصر الإسلام الذهبي، كما أثار الكتاب اهتمام مؤرخي التقنيات ومؤرخي الفن كذلك.
ويتميز كتاب الجزري بجوانبه العملية المتقنة؛ فالجزري وصف أدق تفاصيل آلاته والأجهزة المختلفة المستخدمة فيها. يُذكر أن الكتاب قد تُرجم إلى الإنجليزية عام 1979 على يد المهندس الإنجليزي دونالد روتليدج هيل، كما تُرجم أيضاً للألمانية. ووفقاً لأوتو ماير، فإن الأسلوب الذي كتب به الجزري مشابه لكتب "افعلها بنفسك" الحديثة.
وصف الجزري في كتابه 50 جهازاً وآلة بتفصيل متناهي، وصنفها ضمن 6 فئات أساسية مختلفة حسب الاستخدام وطريقة الصنع، وبلغة عربية بسيطة سهلة الفهم ورسومات توضيحية ملونة شرح الجزري دراساته وأبحاثه عن الساعات والآلات الرافعة للماء والأثقال بطريقة تسهل على القارئ فهم أي شيء متعلق بالجهاز.