وجاء التأكيد على أن القوات الإسرائيلية تعمل على الجانب اللبناني من الحدود بعد ساعات من ظهور تقارير متضاربة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام العربية حول ما إذا كانت بعض القوات قد عبرت الحدود بالفعل. وزادت التكهنات عندما انسحبت القوات اللبنانية حوالي خمسة كيلومترات من مواقع على طول الحدود في وقت متأخر من يوم الاثنين، واختارت على ما يبدو البقاء على الهامش، كما فعلت تاريخيًا في الصراعات الكبرى مع إسرائيل.
وقبيل إعلان الجيش الإسرائيلي، قال مسؤول إسرائيلي لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إن نظراءهم الأميركيين أُبلغوا بأن هدف العملية المحدودة هو إزالة مواقع حزب الله على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، وبالتالي تهيئة الظروف لاتفاق دبلوماسي يتم بموجبه دفع قوات الحركة إلى ما وراء نهر الليطاني، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي محاولة على ما يبدو لتهدئة المخاوف الأميركية بشأن التوغل، قال مسؤولان إسرائيليان لموقع أكسيوس الإخباري إن العملية ستكون محدودة، ولأنها لا تهدف إلى احتلال جنوب لبنان.
وفي حين أعربت الولايات المتحدة عن قلقها في وقت سابق من يوم الاثنين من أن أي توغل محدود قد يتوسع ويتحول إلى شيء آخر بمجرد بدءه، بدا أن إدارة بايدن أعربت عن دعمها للمداهمات من خلال مكالمة بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وقال أوستن، بحسب بيان البنتاغون حول المكالمة، “اتفقنا على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود لضمان عدم تمكن حزب الله اللبناني من شن هجمات على غرار هجمات السابع من أكتوبر على البلدات الشمالية في إسرائيل”.
وخلال المكالمة، ناقش الرجلان العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، وأوضح أوستن “أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
ورغم أنه بدا وكأنه يعبر عن دعمه للعملية العسكرية الإسرائيلية، إلا أن أوستن أكد مع ذلك أن التوغل لم يكن غاية في حد ذاته.
وقال في البيان “أكدت أن هناك حاجة إلى حل دبلوماسي لضمان عودة المدنيين بأمان إلى منازلهم على جانبي الحدود”.
وأضاف البيان أن وزير الدفاع الأميركي “أوضح أن الولايات المتحدة في وضع جيد للدفاع عن الأفراد الأمريكيين وشركاء وحلفاء الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات من إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران، وعازمة على منع أي طرف من استغلال التوترات أو توسيع الصراع”. وأضاف أن أوستن “أكد على العواقب الوخيمة التي قد تتعرض لها إيران في حال اختارت شن هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل”.
وفي حديثه لصحيفة تايمز أوف إسرائيل في وقت سابق من مساء الاثنين، أكد مسؤول أمريكي أنه في حين أن إدارة بايدن فهمت وقبلت ما تحاول إسرائيل تحقيقه، إلا أن واشنطن لا تزال قلقة من أن الجيش الإسرائيلي قد يتورط في لبنان أو يتم دفعه إلى توسيع المهمة في وقت لاحق. ولكن أشار المسؤول إلى أن إسرائيل أيضا قلقة بشأن مثل هذا التوسع في المهمة.
وتأكيدا على هذا القلق، أشار مسؤول أميركي آخر إلى وصف إسرائيل غزوها للبنان عام 1982 بأنه “غزو محدود”، وكيف تحول إلى احتلال لجنوب لبنان لمدة 18 عاما.
وجاءت بداية الهجوم البري الإسرائيلي بعد نحو أسبوعين من تكثيف القتال مع حزب الله، وبعد إطلاق عملية “السهام الشمالية” في وقت سابق من سبتمبر لتحقيق هدف الحرب المعلن مؤخرا لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم بعد إجلائهم في أكتوبر الماضي في ظل الصواريخ الكثيفة من قبل الحركة اللبنانية.
وفي وقت سابق من شهر سبتمبر، انفجرت آلاف من أجهزة الاتصالات التابعة لحزب الله، مما أدى إلى إخراج نحو 1500 مقاتل من الخدمة، في هجوم ألقي باللوم فيه على إسرائيل على نطاق واسع.
وبعد ذلك، شنت إسرائيل هجمات مستهدفة لعدة أيام، أدت إلى القضاء على معظم قيادات حزب الله في ضربات متكررة، بلغت ذروتها عندما قتلت القوات الإسرائيلية زعيم حزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة، عندما أسقطت طائرات مقاتلة قنابل ضخمة خارقة للتحصينات على المقر الرئيسي للحركة الواقع تحت مباني سكنية في إحدى ضواحي بيروت.
وأكد الجيش في بيانه صباح الثلاثاء أنه “يواصل عملياته لتحقيق أهداف الحرب ويفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن مواطني إسرائيل وإعادة مواطني شمال إسرائيل إلى منازلهم”.
وطوال فترة القتال المكثف، حذر الجيش الإسرائيلي من أنه قد يشن هجوماً برياً محدوداً على لبنان، مما دفع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى بذل محاولة أخيرة على ما يبدو يوم الاثنين لتجنب مثل هذا الاحتمال من خلال الإعلان عن استعداد الحكومة اللبنانية لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعام 2006 بالكامل والذي كان يهدف إلى إنهاء الوجود المسلح لحزب الله جنوب نهر الليطاني.
ز
ولكنه لم يعلن التوصل إلى اتفاق مع حزب الله بشأن هذه المسألة، ولم يوضح كيف يقترح تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701 ــ الذي ينص على منع حزب الله من الحفاظ على وجود عسكري جنوب الليطاني ــ من دون استخدام القوة ضد الحركة التي تسيطر فعليا على جنوب لبنان.
وفي الساعات التي سبقت المداهمات المحدودة، بدأت عدة دول أوروبية في سحب دبلوماسييها ومواطنيها من لبنان. وأرسلت ألمانيا طائرة عسكرية لإجلاء أقارب الدبلوماسيين وغيرهم، في حين أرسلت بلغاريا طائرة حكومية لإجلاء أول مجموعة من مواطنيها.
وقالت المملكة المتحدة إنها استأجرت رحلة تجارية لرعاياها الراغبين في الإجلاء من لبنان، ومن المتوقع أن تغادر من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يوم الأربعاء، مع احتمال تنظيم رحلات أخرى اعتمادا على الطلب. وقالت كندا إنها حجزت 800 مقعد على رحلات تجارية لمواطنيها الراغبين في الإجلاء. ويوجد حوالي 45 ألف كندي حاليًا في لبنان، ومن المقرر أن تغادر الرحلة التالية يوم الثلاثاء.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن بدء عملياته داخل لبنان، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية أن الدفاعات الجوية في البلاد اعترضت “أهدافا معادية” فوق منطقة دمشق، في أعقاب انفجار سمع في العاصمة.
وفي وقت لاحق، قالت قناة التلفزيون السورية الرسمية إن إحدى مذيعاتها قُتلت في ما قالت إنها ثلاث جولات من الغارات الإسرائيلية المزعومة في منطقة العاصمة. وقالت القناة إن المذيعة صفاء أحمد، “شهيدة إثر العدوان الاسرائيلي الغادر الذي تعرضت له العاصمة دمشق”.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن مصدر عسكري قوله إن شخصين آخرين قتلا وأصيب تسعة آخرين. ولم يصدر أي تعليق فوري من الجيش الإسرائيلي الذي نادرا ما يعلق على تقارير عن غارات جوية داخل سوريا.
وانطلقت صفارات الإنذار التي تحذر من صواريخ حزب الله بشكل دوري في شمال إسرائيل ليلة الاثنين وحتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، كما وردت أنباء عن ضربات إسرائيلية في جنوب لبنان وبيروت.
وأطلقت ثلاثة صواريخ من لبنان باتجاه بلدة “شتولا” الإسرائيلية قبل منتصف الليل بقليل، ما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار في البلدة الحدودية. وسقطت جميع الصواريخ في مناطق مفتوحة، وتبنى حزب الله الهجوم.
كما انطلقت صفارات الإنذار في بلدة “مسغاف عام” في الجليل الأعلى والمنطقة المحيطة بها بعد وقت قصير، ولم ترد تقارير عن وقوع أضرار أو إصابات.
وقال الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق إن عشرة صواريخ أطلقت من لبنان، اعترضت منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي بعضها، بينما سقط البعض الآخر في مناطق مفتوحة.
وفي غضون ذلك، اعترض سلاح الجو الإسرائيلي طائرة مسيّرة فوق البحر الأبيض المتوسط، على بعد عشرات الكيلومترات إلى الغرب من ساحل إسرائيل.
وقبل منتصف الليل بقليل، حذرت القوات الإسرائيلية المدنيين لمغادرة ثلاثة مواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله المعروف باسم الضاحية، قبل أن تبدأ في شن غارات على المنطقة، وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن انفجارات كبيرة سمعت في جميع أنحاء بيروت.
وقال مسؤول أمني لبناني لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن هويته إن إسرائيل نفذت “ستة أو سبع ضربات” على الأقل في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولم يتضح على الفور ما هي الأهداف أو الأضرار التي لحقت بها، ولكن قالت وزارة الصحة اللبنانية إنه خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، قُتل ما لا يقل عن 95 شخصًا وجُرح 172 في الضربات الإسرائيلية على المناطق الجنوبية من البلاد وسهل البقاع الشرقي وبيروت. وفي جنوب لبنان، قالت وسائل إعلام لبنانية ومصدر فلسطيني إن إسرائيل شنت غارة على مبنى في مخيم عين الحلوة الفلسطيني قرب صيدا.
وكانت هذه أول ضربة على المخيم المكتظ بالسكان، وهو الأكبر بين المخيمات الفلسطينية العديدة في لبنان منذ اندلاع الأعمال العدائية عبر الحدود قبل نحو عام.
وقال مسؤولان أمنيان فلسطينيان إن الغارة استهدفت منير المقدح، قائد فرع لبنان في الجناح العسكري لحركة فتح الفلسطينية كتائب شهداء الأقصى. ولم يتضح على الفور مصير المقدح.