فاز إبراهيم الجبين منذ أيام قليلة بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة عن مخطوطة كتاب "الرحلة الأوروبية - من دمشق إلى روما، باريس، ميونيخ، فيينا، بلغراد، بودابست، صوفيا، استانبول" 1911-1912 للسوري فخري البارودي" ذلك الكتاب الذي يقول عنه صاحبه: "الرحلة الأوروبية“ كتاب تم بناؤه وتوثيق مراحله من خلال أوراق الباردوي وكتبه والعديد من المصادر التي تناولت كل ما يتصل بشخصيته.
وقد بدأت تلك الرحلة حين قرّر البارودي الشاب مواصلة دراسته في فرنسا، فانطلق في مسار يبدأ من دمشق ويمر بفلسطين ومصر ثم إيطاليا ومن ثم فرنسا، ليقيم زمناً هناك ويرصد مشاهداته ويدون عليها ملاحظاته. في وقت مبكر، حين كانت البلاد العربية لا تزال تحت ظل السلطنة العثمانية. وفي مسار عودته سيمر البارودي أيضاً بالعديد من البلدان ويلتقي الشخصيات التي ستكون لها أدوار مؤثرة لاحقاً سواء في المشرق العربي أو في أوروبا ذاتها.
وقد بدأت تلك الرحلة حين قرّر البارودي الشاب مواصلة دراسته في فرنسا، فانطلق في مسار يبدأ من دمشق ويمر بفلسطين ومصر ثم إيطاليا ومن ثم فرنسا، ليقيم زمناً هناك ويرصد مشاهداته ويدون عليها ملاحظاته. في وقت مبكر، حين كانت البلاد العربية لا تزال تحت ظل السلطنة العثمانية. وفي مسار عودته سيمر البارودي أيضاً بالعديد من البلدان ويلتقي الشخصيات التي ستكون لها أدوار مؤثرة لاحقاً سواء في المشرق العربي أو في أوروبا ذاتها.
ويضيف الجبين: ما سيجده القارئ هو توثيق لذلك كله، وتفصيل له، وكذلك تتبع لمسار الرحلة دقيقة بدقيقة، ومكاناً مكاناً. المسارح والحروب والشخصيات والأزياء والمقطوعات الموسيقية والقصائد، علاوة على المقدمة والدراسة والملاحق المتخصصة وملاحق الصور والخرائط، وكل ذلك يدور حول شخصية فخري البارودي التي لم تقف عند المكانة الاجتماعية والطبقية له وأهو أحد أثرى أثرياء سورية، فتوسعت لتحول البارودي إلى رمز للتحديث والتغيير في السياسة والعلوم والموسيقى والعمل الخيري والتنموي واستثمار الموارد البشرية، ولو تلفت القارئ حوله لوجد الكثير من آثار البارودي وبصماته في حياتنا العامة دون أن ندري.
وعن المخطوطات في أدب الرحلات التي لم تبح بأسرارها بعد يقول إبراهيم الجبين: لا أشك في أن هناك عالماً آخر ينتظرنا هناك، في حقل المخطوطات المتصلة بأدب الرحلة، وهذا ما يجعل من عمل مركز الأدب الجغرافي وارتياد الآفاق الذي ترعاه مؤسسة السويدي ويديره الشاعر نوري الجراح عملاً متميزاً ومثابراً بينما يسود مناخٌ من الابتعاد عن تلك الثقافة الرصينة التي تفرض تقاليد البحث والتوثيق والتدقيق.
ويضيف: ما عثرت عليه هنا بعد متابعتي لمئات الكتب التي صدرت عن هذا المركز وعن الجائزة التي امتد عمرها ليصل إلى 20 عاماً هذه السنة؛ أن أدب الرحلة حقل شيق وغني جداً، فأنت في طريق الرحالة تتعرف على الأماكن والنباتات والبشر والكائنات الحية والتواريخ والتضاريس وغير ذلك، وهو سيل من المعلومات المتدفقة والمتجددة مع كل رحلة لا تتيحه بقية الصنوف الأدبية.
وبالنسبة إلي كانت المشاركة في جائزة ابن بطوطة خلال السنوات العشر الماضية تغريني كل دورة، ولكن لم يكن هناك من مشروع يمكنني اعتباره جديراً بالشغل عليه لوقت طويل، فهكذا عمل، كما تعلم، يستغرق زمناً ويتطلب جهوداً وتركيزاً عالياً لا يتوافر دوماً. حتى جاء البارودي، فحقق لي الكثير من الأهداف، على مستوى أنه مادة عربية مهمة وثرية، وعلى جانب تشابه الزمنين مطالع القرن العشرين وأيامنا هذه، وأيضاً لشعوري بحاجة السوريين إلى استرداد تلك الشخصيات التي سُرقت منهم والتي يمكن أن تُلهمهم وتقود خطاهم مجدداً.
ويرى الجبين أن الحدود بين الرحلة المحققة والرحلة المعاصرة والرحلة المترجمة واليوميات، هي حدود شديدة الحساسية والدقة. أولاً الذهنيات التي تصدر عنها تلك النصوص والتي ستختلف باختلاف أغراضها، وبعد ذلك سينشأ القالب الخاص بكل نمط، تخيل كيف يمكن أن تكتب رحلة في القرن الخامس الهجري، على سبيل المثال، وتخيل كيف يمكن لك أن تكتبها اليوم بعد مرور ألف عام إذا أردت ذلك. اللغة والمعلومات والآفاق العلمية المواكبة. الأمر ذاته يتصل بالرحلة المترجمة التي تنقل لك كيف يرانا الآخر، أو كيف يرى ذلك الآخر العالم، بعينه هو، هذه المرة، لا بأعيننا نحن.
وعن المخطوطات في أدب الرحلات التي لم تبح بأسرارها بعد يقول إبراهيم الجبين: لا أشك في أن هناك عالماً آخر ينتظرنا هناك، في حقل المخطوطات المتصلة بأدب الرحلة، وهذا ما يجعل من عمل مركز الأدب الجغرافي وارتياد الآفاق الذي ترعاه مؤسسة السويدي ويديره الشاعر نوري الجراح عملاً متميزاً ومثابراً بينما يسود مناخٌ من الابتعاد عن تلك الثقافة الرصينة التي تفرض تقاليد البحث والتوثيق والتدقيق.
ويضيف: ما عثرت عليه هنا بعد متابعتي لمئات الكتب التي صدرت عن هذا المركز وعن الجائزة التي امتد عمرها ليصل إلى 20 عاماً هذه السنة؛ أن أدب الرحلة حقل شيق وغني جداً، فأنت في طريق الرحالة تتعرف على الأماكن والنباتات والبشر والكائنات الحية والتواريخ والتضاريس وغير ذلك، وهو سيل من المعلومات المتدفقة والمتجددة مع كل رحلة لا تتيحه بقية الصنوف الأدبية.
وبالنسبة إلي كانت المشاركة في جائزة ابن بطوطة خلال السنوات العشر الماضية تغريني كل دورة، ولكن لم يكن هناك من مشروع يمكنني اعتباره جديراً بالشغل عليه لوقت طويل، فهكذا عمل، كما تعلم، يستغرق زمناً ويتطلب جهوداً وتركيزاً عالياً لا يتوافر دوماً. حتى جاء البارودي، فحقق لي الكثير من الأهداف، على مستوى أنه مادة عربية مهمة وثرية، وعلى جانب تشابه الزمنين مطالع القرن العشرين وأيامنا هذه، وأيضاً لشعوري بحاجة السوريين إلى استرداد تلك الشخصيات التي سُرقت منهم والتي يمكن أن تُلهمهم وتقود خطاهم مجدداً.
ويرى الجبين أن الحدود بين الرحلة المحققة والرحلة المعاصرة والرحلة المترجمة واليوميات، هي حدود شديدة الحساسية والدقة. أولاً الذهنيات التي تصدر عنها تلك النصوص والتي ستختلف باختلاف أغراضها، وبعد ذلك سينشأ القالب الخاص بكل نمط، تخيل كيف يمكن أن تكتب رحلة في القرن الخامس الهجري، على سبيل المثال، وتخيل كيف يمكن لك أن تكتبها اليوم بعد مرور ألف عام إذا أردت ذلك. اللغة والمعلومات والآفاق العلمية المواكبة. الأمر ذاته يتصل بالرحلة المترجمة التي تنقل لك كيف يرانا الآخر، أو كيف يرى ذلك الآخر العالم، بعينه هو، هذه المرة، لا بأعيننا نحن.
وللجبين رأي مهم في ما يسمى أدب متخيل للرحلات مثل أدب الخيال العلمي أو أدب الخيال التاريخي على سبيل المثال، ويؤكد أن سؤال أدب الرحلة الخيالية سؤال مثير، خاصة حين يوجّه إلى روائي. لكن أليس على كل قصة وكل رواية أن تكون رحلة متخيلة شيقة أساساً؟ حتى وإن شابها أو خالطها الواقع وتداخلت فيها الحقيقة مع الخيال والتوثيق. أتفق معك، وأتمنى لو نقلنا الأدباء العرب المعاصرون في رحلات متخيلة في المكان والزمان.
أما عن أدب الرحلة عن طريق مواقع الإنترنت حيث يستطيع أي شخص أن يسافر عبر المواقع والبلدان والأماكن المختلفة وهو جالس في منزله، فيوضح الجبين أننا نعيش زمنا مختلفا، جديدا، ومليئا بأدوات المعرفة، حيث يمكن للرحلة أن تكون افتراضية أو بالواقع المعزّز فينقلك جهاز بسيط إلى جزر الكناري، وبعد دقائق تكون في أدغال إفريقيا، لكن المثير أن ينقلك في مركبة زمنية إلى ما يمكن أن يطلعك على تفاصيل ووقائع حصلت في الماضي وشكّلت زمنك الحالي وما فيه من ألغاز تستوجب الحل. ولا يمكن لها أن تفعل ذلك من تلقاء ذاتها، بل على إنسانها أن يفعل.
أما تأثير "كورونا" على أدب الرحلة، فيوضح إبراهيم الجبين أن كورونا أجلس الناس في البيوت، قد يكون حدّ من قدرتهم على الترحال، لكنه أتاح لهم الوقت للاطلاع على رحلات الآخرين والقراءة والبحث والاستمتاع بذلك. ويؤكد أن الإنسان ارتبط بالرحلة، وارتبطت الرحلة بالإنسان منذ أن خُلق، وما هبوط آدم وحواء من جنتهما؟ إلا بداية رحلة بشرية جديدة على وجه البسيطة، موضحا أن رحلة واحدة، من جلجامش إلى قوافل اللاجئين التي تسري اليوم في عروق الكوكب، هي رحلة النجاة والبحث عن الذات. هل تراهم مجرد نازحين لن يتأثروا بما حولهم في طرقهم ومقامهم الجديد؟ كل واحد منهم رحالة جديد وسيكون لديه ذاكرته وتدويناته المكتوبة والمرئية.
وعن نصيب الكاتبة العربية من أدب الرحلة، وهل هناك من استطعن الخوض في هذا المجال ببراعة؟ يوضح الجبين أنه كان أمرا صعباً، كما يمكن أن نتخيل، على المرأة العربية أن تخرج في الماضي في رحلة تستغرق زمنآً طويلاً وحدها، لا المرأة العربية وحسب، بل المرأة من كل أنحاء العالم، وحين تجد شخصيات مثل اللايدي جاين أو أغاثا كريستي وسواهما، فقل لي كم يمكن أن تعدّ من النساء قياساً بعدد الرحالة الرجال حول العالم.
ويضيف أن من اللافت أن تلك الظاهرة كانت موجودة وهي موجودة اليوم، سواء في الرحلة أو في توثيقها، خذ مثلاً الكاتبة المصرية منصورة عز الدين التي فازت أيضاً بجائزة ابن بطوطة هذه الدورة عن كتابها ”خطوات في شنجهاي- في معنى المسافة بين القاهرة وبكين“ وقبل ذلك الكويتية منى الوزان وكتابها ”في ظلال الإنكا.. مغامرة تسع نساء في البيرو“ وهناك غيرهما الكثيرات ممن اتجهن نحو هذا الفضاء المثير.
------------
ميدل ايست اونلاين
أما عن أدب الرحلة عن طريق مواقع الإنترنت حيث يستطيع أي شخص أن يسافر عبر المواقع والبلدان والأماكن المختلفة وهو جالس في منزله، فيوضح الجبين أننا نعيش زمنا مختلفا، جديدا، ومليئا بأدوات المعرفة، حيث يمكن للرحلة أن تكون افتراضية أو بالواقع المعزّز فينقلك جهاز بسيط إلى جزر الكناري، وبعد دقائق تكون في أدغال إفريقيا، لكن المثير أن ينقلك في مركبة زمنية إلى ما يمكن أن يطلعك على تفاصيل ووقائع حصلت في الماضي وشكّلت زمنك الحالي وما فيه من ألغاز تستوجب الحل. ولا يمكن لها أن تفعل ذلك من تلقاء ذاتها، بل على إنسانها أن يفعل.
أما تأثير "كورونا" على أدب الرحلة، فيوضح إبراهيم الجبين أن كورونا أجلس الناس في البيوت، قد يكون حدّ من قدرتهم على الترحال، لكنه أتاح لهم الوقت للاطلاع على رحلات الآخرين والقراءة والبحث والاستمتاع بذلك. ويؤكد أن الإنسان ارتبط بالرحلة، وارتبطت الرحلة بالإنسان منذ أن خُلق، وما هبوط آدم وحواء من جنتهما؟ إلا بداية رحلة بشرية جديدة على وجه البسيطة، موضحا أن رحلة واحدة، من جلجامش إلى قوافل اللاجئين التي تسري اليوم في عروق الكوكب، هي رحلة النجاة والبحث عن الذات. هل تراهم مجرد نازحين لن يتأثروا بما حولهم في طرقهم ومقامهم الجديد؟ كل واحد منهم رحالة جديد وسيكون لديه ذاكرته وتدويناته المكتوبة والمرئية.
وعن نصيب الكاتبة العربية من أدب الرحلة، وهل هناك من استطعن الخوض في هذا المجال ببراعة؟ يوضح الجبين أنه كان أمرا صعباً، كما يمكن أن نتخيل، على المرأة العربية أن تخرج في الماضي في رحلة تستغرق زمنآً طويلاً وحدها، لا المرأة العربية وحسب، بل المرأة من كل أنحاء العالم، وحين تجد شخصيات مثل اللايدي جاين أو أغاثا كريستي وسواهما، فقل لي كم يمكن أن تعدّ من النساء قياساً بعدد الرحالة الرجال حول العالم.
ويضيف أن من اللافت أن تلك الظاهرة كانت موجودة وهي موجودة اليوم، سواء في الرحلة أو في توثيقها، خذ مثلاً الكاتبة المصرية منصورة عز الدين التي فازت أيضاً بجائزة ابن بطوطة هذه الدورة عن كتابها ”خطوات في شنجهاي- في معنى المسافة بين القاهرة وبكين“ وقبل ذلك الكويتية منى الوزان وكتابها ”في ظلال الإنكا.. مغامرة تسع نساء في البيرو“ وهناك غيرهما الكثيرات ممن اتجهن نحو هذا الفضاء المثير.
------------
ميدل ايست اونلاين