ليست مجرد خطوة جديدة الى الوراء في مسار هذا الحلم القديم بأن تخرج سوريا من هذا الكابوس المستمر منذ أكثر من نصف قرن. شعار التوجه شرقاً، نحو الصين تحديداً، وليس اليابان او كوريا الجنوبية أو بقية النمور الاسيوية، ما زال يثير الجدل والشك. لم يكن أحد يخشى من ذلك "التوجه نحو الشرق"، بل كان الخوف من ان تتوجه الصين نفسها نحو الغرب..نحو سواحل البحر المتوسط التي بلغتها قوات القائد التاريخي جنكيز خان في اواسط القرن الثالث عشر.
ويبدو أن هذا ما يحصل الان، عندما دفعت الصين مشروع شق طريق الحرير الذي يعبر إيران وتركيا وصولا الى اوروبا ، الى مستوى "الشراكة الاستراتيجية مع سوريا. هكذا بالحرف جاء على لسان الرئيس الصيني شي جينبينغ أمام ضيفه الرئيس السوري بشار الاسد يوم الجمعة الماضي، قبل ان يوقع البلدان على سلسلة من اتفاقات التعاون الاقتصادي، والتجاري..التي تشبه الى حد بعيد تلك التي وقعتها سوريا مع إيران وروسيا، ولم تفلح في وقف الانهيار الاقتصادي والمالي السوري، كما لم تفسح للإيرانيين والروس في استرداد بعض من ديونهما واستثماراتهما العسكرية والسياسية والاقتصادية في سوريا طوال السنوات ال12 الماضية.
المفاجأة مدوية بلا شك. وهي تتناقض مع ما راج في الاوساط السورية الموالية والمعارضة عن أن زيارة الاسد، هي مجرد تلبية لدعوة صينية الى حضور افتتاح الالعاب الاسيوية في مدينة هانغتشو الصينية، يمكن التطرق خلالها الى مسائل العلاقات الثنائية وفرص تطويرها..في الوقت الذي تحول فيه الرئيس السوري الى ضيف رسمي رئيسي ما زالت المحادثات "الاستراتيجية" مستمرة معه حتى اليوم الاثنين، في ما يبدو انه مؤشر على أن بكين قررت تحويل سوريا، البلد المدمّر والنظام المتهالك، الى قاعدة استثمارية متقدمة شرق المتوسط، بما يتخطى التجربة الإيرانية والروسية المتعثرة، من دون ان يصطدم معها.
لوهلة، بدا أن الحفاوة الصينية بالاسد والتوجه نحو سوريا هما جزء من رد بكين على مشروع خط التعاون الهندي الاوروبي الذي يمر بالامارات والسعودية واسرائيل، والذي اعلن عنه في قمة العشرين الاخيرة، مع أن هذا المشروع سياسي ودعائي أكثر مما هو اقتصادي، طالما ان التجارة بين الهند وأوروبا، مرورا بالخليج العربي واسرائيل، لا تعد بالكثير، ولا تبنى حسب الخبراء على دراسات جدوى مهمة. لكن، ومهما يكن من أمر هذه الفكرة، فإن الفتح الصيني الجديد لسوريا، والتعويم المؤكد لنظامها، هو بمثابة زلزال سياسي في المشرق العربي والمتوسط، لا يرث فقط الشراكة الايرانية او الروسية مع دمشق، بقدر ما يدفعها الى مستويات متقدمة، تتجاوز الحاجة الى مشروع المصالحة العربية مع الاسد، ومشروع الانفتاح التركي عليه.
صحيح أنه ليس لدى الاسد الآن أعداء أو حتى خصوم فعليين، لا في الداخل ولا في الخارج، لكن شراكته الاستراتيجية الجديدة مع الصين، هي بكل المعايير السياسية أهم بما لا يقاس من كل ما قدمه له الايرانيون والروس عندما حالوا دون سقوطه طوال السنوات ال12 الماضية. إعادة تأسيس نظامه، هو أقل ما يمكن ان يتوقع من تلك الشراكة، التي يمكن ان تجعل شرق المتوسط بحيرة صينية مقفلة..اذا ما صمد بشار، وإذا ثبت أن سوريا ليست مجرد حفرة، أو ثغرة، واصبحت قاعدة متقدمة لأحفاد جنكيز خان.
-----
المدن