في "سبت النور" إنقشع الضباب. إتضحت الرؤية. وبان المشهد، بكل أبعاده: وفيق صفا، في اجتماع رسمي في وزارة الداخلية، جنبا الى جنب مع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية في لبنان، برئاسة "الصقر" نهاد المشنوق.
مشهد يُذكّرنا بلبنان ما قبل 14 شباط 2005. غاب رستم غزالة فحضر وفيق صفا. لا فارق كبيرا بين الإثنين. هما حليفان، حتى قتل آخر واحد من أعدائهما.
مشهد يُسقط آخر إنجازات ثورة الأرز.
لم يكن أحد يمكن أن يتصوّر أن يغيب وسام الحسن بجريمة اغتيال وُجهت أصابع الإتهام فيها الى "حزب الله"، ويحضر وفيق صفا الذي ورث نجوم اللواء!
لم يكن أحد يمكن أن يتخيّل أن تنتقل مطالبة حسن نصرالله بالإعتذار من بيروت، بسبب ما اقترفه في 7 أيار 2008، الى جلسة تنسيق رسمية مع ممثل حسن نصرالله في الإدارات الأمنية، قبل أيام معدودات على حلول الذكرى السنوية لهذه الغزوة.
لم يكن أحد يمكن أن يُصدّق بأن السُترة التي نزعها الرئيس سعد الحريري في خطاب العودة الى الجذور، يمكن أن يرتديها نهاد المشنوق، بمجرد وصوله الى وزارة الداخلية.
المشهد "سوريالي". لو تحدّثنا عنه، سابقا، لاتهمنا الناس بالجنون.
لو قُلنا إن ثمن مشاركة "حزب الله" في القتال في سوريا لمصلحة نظام بشار الأسد، سيدفعه، من كيس الدولة وهيبة الدولة، وزير يمثّل " المستقبل" وما يسميه هو جمهور رفيق الحريري، لاتهمنا بالتآمر وخوض حرب خبيثة لمصلحة "حزب الله".
لو قلنا إن شعار نزع سلاح "حزب الله" سيُنسى لمصلحة الإعتراف بجهاز "حزب الله" الأمني، لقيل فينا ذمّا ما لا يتصوّره عاقل.
أما وقد حصل ما حصل، ثمة من يدعونا الى الواقعية، وإلى الموضوعية.
الواقعية بمعنى أن "حزب الله" أمر واقع ولا بد من التنسيق معه.
"الواقعيون الجدد" يتخيّلون اننا في التركيبة اللبنانية جدد.
ألم يكن "حزب الله" أمرا واقعا، في 5 أيار 2008، حتى اتخذت قرارات "غير واقعية"؟ ألم يكن "حزب الله" أمرا واقعا، قبل إسقاط حكومة سعد الحريري، حتى اتُخذت مواقف مواجهة؟ ألم يكن "حزب الله" أمرا واقعا عندما نشر ذوي القمصان السود وأتى بنجيب ميقاتي رئيسا للحكومة؟ ألم يكن ميقاتي الذي عارضناه نتاج الأمر الواقع؟ ألم يكن مسار وليد جنبلاط الذي ناهضناه وانشقينا عنه، يدعو الى التعامل مع "حزب لله" على أساس أنه "أمرواقع"؟
أليست حرب "حزب الله" في سوريا، هي السبب في مأساة أبناء بلدة الطفيل؟ أليست هي الحرب نفسها التي قلنا إنها تجذب الويلات الى لبنان؟ أليست هي الحرب التي رفضناها وقلنا إنها أسقطت ورقة التوت عن "حزب الله"؟
صحيح أن لا شيء جامدا في السياسة، والأعداء يمكن أن يتحالفوا، والخصوم يمكن أن يتحاببوا، ومعايير الأمس قد تنقلب كليا اليوم، لكن ذلك يكون خطأ إذا لم يقترن بشرط إجراء مراجعة شاملة ، وبشرط مصارحة الناس، مسبقا ، بتغيير المسار.
هل ثمة من احترمنا وفعل؟
هل ثمة من يريد أن يقنعنا بأن مجرد وصول شخصه "العظيم" الى السلطة، يقلب المعطيات، ويصصح الأخطاء، ويسمح بجعل الأسود أبيضا، والتعاطي مع الذئب على أنه حمل، ويجعل القبور المكلسة صالونات فخمة؟
هل يعرف هؤلاء الذين احتفلوا بمطرقة العدالة أن وفيق صفا ، يُعتبر بالمقارنة، مع مصطفى بدر الدين- كبير المتهمين باغتيال رفيق الحريري- مجرد حاجب، فعندما يحضر بدر الدين يتأهب وفيق صفا؟
الصورة الخارجة من وزارة الداخلية حيث رُقي وفيق صفا الى رتبة لواء وشغل مقعد وسام الحسن، واعتُبر من ضمن الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الرسمية، هي أخطر من كل البيانات الوزارية، وأبشع من كل المعادلات الثلاثية والخشبية.
لسنا معنيين بأسرار هذه الصورة، ولا بترتيباتها، ولا بالمسؤول عنها، تنفيذا وتخطيطا وتدخلا. لسنا معنيين بأي توضيح.
نحن معنيون فقط برمزيتها وبتداعياتها وبتأثيراتها.
نحن معنيون بتصرف مسؤول يُسقط هذه الصورة، كمرسّخ لتشريع مرفوض لحزب الله وأمنه قبل سلاحه، بحيث كلما ذّكرت هذه الصورة، أّرفقت بالتدبير المسؤول المترتب عنها.
لذلك، من حقنا أن نقول لنهاد المشنوق: إستقل!