ففي دماغ كل منا سقف عال من المرونة يرحب بالتجارب الجديدة والعادات والسلوكيات التي لم يألفها الإنسان من قبل، حسبما ذكرت لي باحثة الدكتوراه هيا الخفران، مثل ارتياده للنادي الرياضي، أو رفع الأثقال، أو الانكباب في الصباح الباكر على جدول إنتاجية مكثف، أو ممارسة رياضة، أو اكتساب عادة تبدو صعبة. فما نراه صعباً في البداية هو مجرد شعور مؤقت سرعان ما يذوب أمام وهج مقدرة الدماغ العظيمة في التكيف مع التغيرات.
وبصورة أدق يمكننا القول إن العلماء عندما درسوا الدماغ عند تعرضه لتجارب وعادات جديدة، فإنه قد يتفاجأ لأول وهلة، ثم سرعان ما تنطلق مليارات الخلايا والنهايات العصبية في مهمات داخلية للبحث عن هذا القادم الجديد حتى تجد لها منفذاً مريحاً في الدماغ. ومع مرور الوقت يتحول هذا السلوك إلى «سليقة» أو تصرف بديهي لا يشعر به، تماماً مثل قيادة السيارة أو الطائرة أو القارب لأول مرة، ثم يتحول هذا مع مرور الوقت إلى أمر تلقائي لا نشعر به. وذلك مما يفسر رغبتنا في المكوث طويلاً في منطقة الراحة comfort zone بدلاً من الخروج إلى تحديات جديدة... وهو ما يعد من عجائب العقل البشري.
ولهذا فإنه ينصح دائماً بتعريض الإنسان دماغه لمعلومات، وتجارب، وعادات، وسلوكيات جديدة للاستفادة القصوى من قدراته الفذة. وتجريب الجديد الذي نقاومه بداية ثم لا يعدو كونه شعوراً مؤقتاً سرعان ما يتبدد تدريجياً.
إذن الليونة العصبية هي المقدرة الذهنية على التغيير والتكيف. ولحسن الحظ فإن لها دوراً وظيفياً functional، إذ تساعد وظائف الدماغ على الانتقال من أماكنها المعطلة نتيجة حادث أو جلطة دماغية للبحث عن أماكن أخرى تؤدي للإنسان مهامه (الوظيفة الدماغية المطلوبة)، وهي مقدرة هائلة للبحث السريع عن طرق بديلة، كما أنها تجدد الخلايا العصبية. أما دورها الهيكلي فيتمثل في إحداث تغيرات هيكلية في الخبرات والذكريات.
باختصار، لوحظ أن دماغ الإنسان يسهل عملية تعلم أمور جديدة، وتعزيز قدرات المرء الذهنية المعرفية، والتشافي من الإصابات. ولذا يدعو العلماء إلى تعلم لغات جديدة، ومهارات، واكتشاف أماكن مختلفة وهوايات كامنة، فضلاً على المزيد من القراءة، وهي «أم الهوايات» كما أسميها. وللحفاظ على ذلك كله يتوقع العلماء منا أن نأخذ قسطاً كافياً من النوم والمواظبة على التمرين الرياضي، وذلك حتى نحافظ على أداء دماغي وبدني مميز.
-----------
الشرق الاوسط