وكان هذا القلق و هذا الخوف الشرارة الأولى التي اشعلت الحرب الاهلية الأولى الإنكليزية بين عامي " 1642 -1646 " بين أنصار الملك تشارلز الأول من جهة وجيش البرلمانيين وحلفائهم الاسكتلنديين من جهة أخرى، و منيت القوات الملكية بهزيمة الملك تشارلز الذي قام بتسليم نفسه للاسكتلنديين، والذين سلموه بدورهم إلى البرلمانيين. ، و بعد مرور عام استطاع الملك إقامة تحالف مع الاسكتلنديين في مقابل إعطائهم بعض الحريات الدينية، إلا أن قائد الثوار "أوليفر كروم ويل " استطاع أن يحسم الموقف بصورة نهائية حيث قام بعقد جلسة خاصة للبرلمان، بعد أن تم انتقاء أعضائه من بين أنصار الثوريين، وأصدر حكم بإعدام الملك، لتُضرب عنقه ، ونتج عن هذه الحرب ظهور حركة لا سلطوية فوضوية أطلق عليها اسم " الحفارون " لا تعترف لا بسلطة البرلمان ولا بسلطة الملك ولا بأي سلطة أخرى , بينما أُطلق على البرلمانيون ومؤيديهم "مدوّري الرؤوس " و انصار الملك " الملكيون " .
وللوقوف على الدروس المستفادة من هذه الحرب سأركز على نقطتين أجدهما قاسماً مشتركاً مع ما يجري في الصراع بين قوى المعارضة السورية وقوى الثورة.
النقطة الأولى: هو دور عشيقة النائب " توماس وينتورث " المقرّب من الملك الامر الذي منحها حظوة كبيرة لدى الملك الى درجة مكّنتها من معرفة أسرار " الملك، والبرلمانيين " ولما تم كشف أمر عشيقها من قبل البرلمانيين أصدروا حكم الإعدام بحقه وأجبروا الملك على تصديقه، وانتهى بتنفيذ الحكم، وعلى اثره انقلبت هذه العشيقة على الملك وقامت بإفشاء اسرار الملك وخططه الى البرلمانيين التي أدت للإطاحة به وإعدامه.
النقطة الثانية: الصراع على الشرعية بين الملك وبين البرلمانيين، حيث كانت عقيدة الحق الإلهي المقدّس وألوهية الملك الصغرى " هي المشروعية " التي يستند إليها الملك في حكمه ، و بين الشرعية التي يستند إليها البرلمانيون في وجودهم و المطالبة بحقوقهم و هي شرعية قانونية تحكمها احكام النيابة والتفويض و التمثيل .
وكان من نتائج هذه الحرب ظهور طرف ثالث في الصراع وهم " الحفارون " وهو تيار شعبي قوي يتبنى عقيدة " الحريّة المركزة " للأفراد التي أصبحت فيما بعد أساس ظهور حركة " الاناركية أو اللاسلطوية او الفوضوية " الذي نشطت في كل الحروب الاهلية التاريخية في أوروبا ، وهي حركة تؤمن بالسلطة المطلقة للفرد في فعل ما يشاء بدون أخذ أي اعتبار لإله أو لحكومة أو أية قوانين أخلاقية وأن مفهوم الحقوق تضليل ومغالطة للعقل، فالمجتمع ليس له وجود ولكن وجود الأفراد هي حقيقة المجتمع على قاعدة "إذا كان للفرد الحق في حكم نفسه، فإن كل الحكومات الخارجية هي طغيان".
إن الاستبداد في طبيعته يُنتج عوامل مقاومته لأنه تعدّي على الحقوق الطبيعية والاساسية للإنسان ، وهذا الاعتداء يُحفِّز غريزة البقاء و الدفاع عن النفس ، فكلما زاد منسوب الطغيان كلما زاد الضغط على الشعب إلى أن يصل إلى درجة الانفجار ، وفي هذه اللحظة يقف الجميع أمام استحقاق وجودي يفرض على المستبِّد الرجوع عن ظلمه و طغيانه ، ويفرض على الشعب إفراز هياكل مؤطّرة قادرة على حمل أمانة المطالبة بالحقوق و مواجهة الاستبداد و اجباره على رد هذه الحقوق والاحتكام الى هذا الشعب والالتزام بإرادته ، لذلك فإن مسؤولية من قبِلَ حمل الأمانة مسؤولية مباشرة أمام الشعب ، فإن تجاوز حدود التفويض بأن فرّط أو بدّدَ أو خان الأمانة فالشعب هو صاحب الحق في محاسبته والحكم عليه ولا معقِّب لحكمه .
إن التوافق أو التواطؤ أو أي نوع من الشراكة بين ممثلي الشعب وبين السلطة المستبدّة على حساب حقوق الشعب يؤدي الى تزاوج غير شرعي بين السلطة وبين ممثلي الشعب مما يضعهما في خانة أعداء الشعب، ويُكرِّس في نفوس الافراد قناعة أنه أصحاب الحقّ المطلق في فعل ما يشاؤون دون اعتبار لأي حكومة أو برلمان أو أي سلطة أو قوانين أو أخلاق أو عقائد ".
وعليه فإن الاعتراف المنقوص ينتج شرعية معلولة لا يمكن التمسك بها الا بمواجهة أطرافها، وأن الحقوق المكتسبة من هذه الشرعية ليست حجّة مُلزِمة للكافة وإنما تقتصر أثارها فيما بين أطرافها.
إن مشكلة السوريين اليوم ناتجة عن أزمة شرعية التمثيل سواء كان على صعيد النظام أو على صعيد الثورة والمعارضة، فشرعية النظام كانت أول من سقط أو حُكِم ببطلانها بأثر رجعي أي ثبوت بطلان سلطة انقلاب حافظ اسد، وبالتالي بطلان توريثها لوريثه المجرم بشار بالإضافة للأسباب الأخرى للبطلان.
وشرعية الائتلاف وملحقاته أصبحت محل جدل أوجده الخلط بين مفهوم المشروعية الثورية و بين مفهوم " الشرعية " التي يحتج بها أعضاؤه أمام قوى الثورة ، هذه الشرعية وفق تصوّرهم متأتية من اعتراف أصدقاء الشعب السوري به كمرجعية سياسية وحيدة للشعب السوري ، وهم بهذا الفهم حوَّلوها إلى إحدى أهم الازمات الثورية التي تُهدد كيان الثورة و تعيق تقدم العمل الثوري على كافة الأصعدة لأنها افقدت مفهوم المشروعية من محتواه و غلّبت الاعتراف الخارجي وهو " حاجة " على الاعتراف الداخلي " وهو " ضرورة" , فالأول يُنتج شرعية تبعية تدور مع الشرعية الأصلية وجوداً وعدماً ، ولا يمكن التذرع بالشرعية الخارجية المنقوصة في مواجهة أصحاب الحقوق الأصليين لأنها تنزع آخر مظاهر المشروعية الثورية منهم .
إن الثورات تبدأ في بداياتها بالفوضى ثم تنتقل الى مرحلة التنظيم، وتنتهي بالوصول الى السلطة وممارسة الحكم ، نحن اليوم نعيش أزمة في الأداء و التنظيم والتي يقوم بها القائمين على مؤسسات الثورة والمعارضة سببها إتباع سياسة حرق المراحل أو استباق الأمور فالمرحلة التي تسبق اسقاط النظام تقتضي منا ممارسة التنظيم الثوري فقط وهذا التنظيم له قواعده و آلياته ، وأهدافه ، أما مرحلة ما بعد اسقاط النظام و انتقال مسؤولية الحكم وإدارة البلاد تحكمها قواعد و آليات و أهداف تختلف جذريّاً عن مرحلة التنظيم الثوري ، فالتنظيم الثوري حالة مؤقته تقوم على المشروعية التي تستند الى الثورية ، بينما الحكم وإدارة البلاد يفترض بها الديمومة و الاستمرار و تقوم على الشرعية أي الى الدستور والقانون .
إن الخلط بين المشروعية والشرعية في أي من مراحل الثورات او مراحل الحكم يؤدي الى انهيار الثورة لأنها ستفقد مشروعيتها الثورية وتُحوّلها الى سلطة حكم واقع، ويؤدي الى انهيار السلطة الحاكمة لأنها ستفقد الشرعية الدستورية وتحوّلها الى سلطة أمر واقع أيضاَ قد تكون " ثورة مضادّة " الامر الذي يوفّر الظروف الملائمة لظهور ونهوض التيارات اللاسلطوية أو الفوضوية " ثورة على الثورات ".
فحرق المراحل الثورية واستباق الأمور والخلط بين " المشروعية الثورية " و " الشرعية الدستورية " أخرج الثورة عن مسارها وحوّلتها قوى المعارضة إلى " سلطة مستبدّة " في مواجهة سلطة مستبدّة أخرى كلاهما يسبب أو يلحق الأذى والضرر بالشعب ، مما ولّدَ الفوضى وأسّس لظهور تيارات لا سلطوية تكمن خطورتها في وجودها وانتشارها في صفوف الشعب والتي ستكون من أهم العوائق امام سلطة الحكم الانتقالي أو السلطة التي يمكن أن تفرزها الثورة لتولي إدارة دفة الحكم ، وقد يكون جزاؤها الحرمان من الشرعية والمشروعية و مبرراً لإسقاطها ومحاسبتها على قاعدة " من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " والدخول في نفق اللاستقرار والفوضى الدائمة والمتجدّدة , وعليه فمن استعجل الوصول الى السلطة أو القيادة أو أي منصب بطرق تتنافى مع الأصول الدستورية و القانونية والأخلاقية و الثورية و التنظيمية مصيره مصير الملك شارل ومصير من يشاركه أو يُفرِّط أو يُبدِّد أو يَخون الأمانة مصير العشيقين حليفي الملك .
------------
غرفة سوريا
وللوقوف على الدروس المستفادة من هذه الحرب سأركز على نقطتين أجدهما قاسماً مشتركاً مع ما يجري في الصراع بين قوى المعارضة السورية وقوى الثورة.
النقطة الأولى: هو دور عشيقة النائب " توماس وينتورث " المقرّب من الملك الامر الذي منحها حظوة كبيرة لدى الملك الى درجة مكّنتها من معرفة أسرار " الملك، والبرلمانيين " ولما تم كشف أمر عشيقها من قبل البرلمانيين أصدروا حكم الإعدام بحقه وأجبروا الملك على تصديقه، وانتهى بتنفيذ الحكم، وعلى اثره انقلبت هذه العشيقة على الملك وقامت بإفشاء اسرار الملك وخططه الى البرلمانيين التي أدت للإطاحة به وإعدامه.
النقطة الثانية: الصراع على الشرعية بين الملك وبين البرلمانيين، حيث كانت عقيدة الحق الإلهي المقدّس وألوهية الملك الصغرى " هي المشروعية " التي يستند إليها الملك في حكمه ، و بين الشرعية التي يستند إليها البرلمانيون في وجودهم و المطالبة بحقوقهم و هي شرعية قانونية تحكمها احكام النيابة والتفويض و التمثيل .
وكان من نتائج هذه الحرب ظهور طرف ثالث في الصراع وهم " الحفارون " وهو تيار شعبي قوي يتبنى عقيدة " الحريّة المركزة " للأفراد التي أصبحت فيما بعد أساس ظهور حركة " الاناركية أو اللاسلطوية او الفوضوية " الذي نشطت في كل الحروب الاهلية التاريخية في أوروبا ، وهي حركة تؤمن بالسلطة المطلقة للفرد في فعل ما يشاء بدون أخذ أي اعتبار لإله أو لحكومة أو أية قوانين أخلاقية وأن مفهوم الحقوق تضليل ومغالطة للعقل، فالمجتمع ليس له وجود ولكن وجود الأفراد هي حقيقة المجتمع على قاعدة "إذا كان للفرد الحق في حكم نفسه، فإن كل الحكومات الخارجية هي طغيان".
إن الاستبداد في طبيعته يُنتج عوامل مقاومته لأنه تعدّي على الحقوق الطبيعية والاساسية للإنسان ، وهذا الاعتداء يُحفِّز غريزة البقاء و الدفاع عن النفس ، فكلما زاد منسوب الطغيان كلما زاد الضغط على الشعب إلى أن يصل إلى درجة الانفجار ، وفي هذه اللحظة يقف الجميع أمام استحقاق وجودي يفرض على المستبِّد الرجوع عن ظلمه و طغيانه ، ويفرض على الشعب إفراز هياكل مؤطّرة قادرة على حمل أمانة المطالبة بالحقوق و مواجهة الاستبداد و اجباره على رد هذه الحقوق والاحتكام الى هذا الشعب والالتزام بإرادته ، لذلك فإن مسؤولية من قبِلَ حمل الأمانة مسؤولية مباشرة أمام الشعب ، فإن تجاوز حدود التفويض بأن فرّط أو بدّدَ أو خان الأمانة فالشعب هو صاحب الحق في محاسبته والحكم عليه ولا معقِّب لحكمه .
إن التوافق أو التواطؤ أو أي نوع من الشراكة بين ممثلي الشعب وبين السلطة المستبدّة على حساب حقوق الشعب يؤدي الى تزاوج غير شرعي بين السلطة وبين ممثلي الشعب مما يضعهما في خانة أعداء الشعب، ويُكرِّس في نفوس الافراد قناعة أنه أصحاب الحقّ المطلق في فعل ما يشاؤون دون اعتبار لأي حكومة أو برلمان أو أي سلطة أو قوانين أو أخلاق أو عقائد ".
وعليه فإن الاعتراف المنقوص ينتج شرعية معلولة لا يمكن التمسك بها الا بمواجهة أطرافها، وأن الحقوق المكتسبة من هذه الشرعية ليست حجّة مُلزِمة للكافة وإنما تقتصر أثارها فيما بين أطرافها.
إن مشكلة السوريين اليوم ناتجة عن أزمة شرعية التمثيل سواء كان على صعيد النظام أو على صعيد الثورة والمعارضة، فشرعية النظام كانت أول من سقط أو حُكِم ببطلانها بأثر رجعي أي ثبوت بطلان سلطة انقلاب حافظ اسد، وبالتالي بطلان توريثها لوريثه المجرم بشار بالإضافة للأسباب الأخرى للبطلان.
وشرعية الائتلاف وملحقاته أصبحت محل جدل أوجده الخلط بين مفهوم المشروعية الثورية و بين مفهوم " الشرعية " التي يحتج بها أعضاؤه أمام قوى الثورة ، هذه الشرعية وفق تصوّرهم متأتية من اعتراف أصدقاء الشعب السوري به كمرجعية سياسية وحيدة للشعب السوري ، وهم بهذا الفهم حوَّلوها إلى إحدى أهم الازمات الثورية التي تُهدد كيان الثورة و تعيق تقدم العمل الثوري على كافة الأصعدة لأنها افقدت مفهوم المشروعية من محتواه و غلّبت الاعتراف الخارجي وهو " حاجة " على الاعتراف الداخلي " وهو " ضرورة" , فالأول يُنتج شرعية تبعية تدور مع الشرعية الأصلية وجوداً وعدماً ، ولا يمكن التذرع بالشرعية الخارجية المنقوصة في مواجهة أصحاب الحقوق الأصليين لأنها تنزع آخر مظاهر المشروعية الثورية منهم .
إن الثورات تبدأ في بداياتها بالفوضى ثم تنتقل الى مرحلة التنظيم، وتنتهي بالوصول الى السلطة وممارسة الحكم ، نحن اليوم نعيش أزمة في الأداء و التنظيم والتي يقوم بها القائمين على مؤسسات الثورة والمعارضة سببها إتباع سياسة حرق المراحل أو استباق الأمور فالمرحلة التي تسبق اسقاط النظام تقتضي منا ممارسة التنظيم الثوري فقط وهذا التنظيم له قواعده و آلياته ، وأهدافه ، أما مرحلة ما بعد اسقاط النظام و انتقال مسؤولية الحكم وإدارة البلاد تحكمها قواعد و آليات و أهداف تختلف جذريّاً عن مرحلة التنظيم الثوري ، فالتنظيم الثوري حالة مؤقته تقوم على المشروعية التي تستند الى الثورية ، بينما الحكم وإدارة البلاد يفترض بها الديمومة و الاستمرار و تقوم على الشرعية أي الى الدستور والقانون .
إن الخلط بين المشروعية والشرعية في أي من مراحل الثورات او مراحل الحكم يؤدي الى انهيار الثورة لأنها ستفقد مشروعيتها الثورية وتُحوّلها الى سلطة حكم واقع، ويؤدي الى انهيار السلطة الحاكمة لأنها ستفقد الشرعية الدستورية وتحوّلها الى سلطة أمر واقع أيضاَ قد تكون " ثورة مضادّة " الامر الذي يوفّر الظروف الملائمة لظهور ونهوض التيارات اللاسلطوية أو الفوضوية " ثورة على الثورات ".
فحرق المراحل الثورية واستباق الأمور والخلط بين " المشروعية الثورية " و " الشرعية الدستورية " أخرج الثورة عن مسارها وحوّلتها قوى المعارضة إلى " سلطة مستبدّة " في مواجهة سلطة مستبدّة أخرى كلاهما يسبب أو يلحق الأذى والضرر بالشعب ، مما ولّدَ الفوضى وأسّس لظهور تيارات لا سلطوية تكمن خطورتها في وجودها وانتشارها في صفوف الشعب والتي ستكون من أهم العوائق امام سلطة الحكم الانتقالي أو السلطة التي يمكن أن تفرزها الثورة لتولي إدارة دفة الحكم ، وقد يكون جزاؤها الحرمان من الشرعية والمشروعية و مبرراً لإسقاطها ومحاسبتها على قاعدة " من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " والدخول في نفق اللاستقرار والفوضى الدائمة والمتجدّدة , وعليه فمن استعجل الوصول الى السلطة أو القيادة أو أي منصب بطرق تتنافى مع الأصول الدستورية و القانونية والأخلاقية و الثورية و التنظيمية مصيره مصير الملك شارل ومصير من يشاركه أو يُفرِّط أو يُبدِّد أو يَخون الأمانة مصير العشيقين حليفي الملك .
------------
غرفة سوريا