نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


فيمَ يفكر أحفاد يهود الجزائر؟




تعد مسائل الذاكرة من أعتى المواضيع التي يمكن أن تتاح للنقاش العام في الجزائر. منذ أسابيع قليلة جرَّ حوار تلفزيوني مع برلماني سابق وابن “العقيد عميروش” أحد أهم قادة ثورة التحرير الجزائرية، صاحب القناة المذيعة للبرنامج والضيف إلى قاعات المحاكم، بل علق نشاط القناة لمدة أسبوع، لما اعتبر تجنيا على شخص مؤسس الدولة الجزائرية “الأمير عبد القادر الجزائري” من خلال كلام غير دقيق، فيه اتهام ضمني للأمير بالخيانة والعمالة.


تنعق أصوات شجباً وإدانة إثر صدور أي كتاب يخالف الرواية الرسمية للتاريخ أو يتيح معلومات إضافية، في حين يحتفى بالكتب التاريخية التي تدعم السرديات السائدة حول حقب التاريخ المختلفة أيما احتفاء. يعتبر إرث الأقدام السوداء ويهود الجزائر بخاصة من المواضيع التي يتم تفادي الخوض فيها علنا، فهي من أشد مسائل الذاكرة تعقيداً في جزائر اليوم، ويهود الجزائر هم جزائريون قامت فرنسا بمنحهم حقوقا كمواطنين فرنسيين نهاية القرن التاسع عشر، بموجب ما يعرف بـ “قانون كريميو”، قبل أن تعود وتنزع عنهم تلك الميزات قبيل الحرب العالمية الثانية معتبرة إياهم من الأهالي مجددا لمدة قصيرة، تحت حكم الماريشال بيتان، في أعتى مراحل صعود الفاشية الفرنسية، سرعان ما أعادت إليهم تلك الامتيازات مرة أخرى بعد فترة. وجد المسلمون الجزائريون في ذلك القبول تواطؤاً يهودياً واضحاً مع المستعمر، على الرغم من وجود الكثير من اليهود وذوي الأصول الأوروبية في صفوف جيش التحرير وجبهته. وجد مئات الآلاف من الجزائريين الذين يدينون باليهودية أنفسهم مجبرين على الرحيل بعد الاستقلال مباشرة لمن حالفه حظ البقاء حتى تلك المرحلة، بعد تزايد وتيرة العنف من عدة أطراف، “جيش الدولة الحديثة ومحاربوها” الذين كانوا بالحدود والذين سعوا لتطهير فعلي للبلد الذي أبصر النور لتوه من كل من ناوأه بالأمس القريب، و”منظمة الجيش السري” التي رأت في قرارات ديغول الموافقة على استقلال الجزائر خيانة للفرنسيين، ولفرنسا بالتفريط بإحدى أهم مستعمراتها. في ظل غياب لطرح موضوعي ومساءلة حقيقية لذاكرة الجزائر المستعمرة وتاريخ الثورة عن مكانة اليهود كمكون للهوية الاجتماعية للبلد، إضافة لصعوبة الوصول إلى كل الأرشيف عن تلك المرحلة المحورية في تاريخ الجزائر المستقلة، تلعب الرواية دور المصدر البديل لاستقراء التاريخ خصوصاً مع بروز توجه جديد في كتابة رواية السيرة الذاتية لدى بعض الكتاب الفرنسيين، من أحفاد وأبناء الأقدام السوداء من اليهود خصوصاً. “جاكوب.. جاكوب” (دار لوليفييه، فرنسا 2014) للكاتبة والسينمائية الفرنسية فاليري زناتي يعد من أهم المحاولات الأدبية التي تناولت مسألة يهود الجزائر، من خلال قص حكاية عم والدتها الجندي جاكوب ملكي الذي غادر بعمر التسعة عشر سنة بيت العائلة بقسنطينة، للمشاركة في إنزال الحلفاء كجندي فرنسي. تعمد الكاتبة التي حصدت الكثير من الجوائز عن هذه الرواية في فرنسا وخارجها (جائزة فرانس إنتر لأحسن عمل روائي وجائزة المتوسط عن أفضل عمل روائي_2015) للتخييل في تصور حياة هذا الجندي المراهق، مقدمة توصيفا دقيقاً لحياة يهود الجزائر في تلك المرحلة، ما عانوه من نفاق فرنسا المستعمرة في التعامل معهم وكيف انتزعتهم عن أرض لطالما انتموا إليها، العمل الذي تصفه بـ “البوح” و”سر العائلة” الذي تطلب منها زمناً طويلاً حتى تتمكن من التخلص من عبئه، من خلال عمل أدبي أشبه بالتطهر النفسي منه للكتابة كما تقول. لا تختلف رواية “سر سارة” للصحفية والروائية هيلين تافال المولودة بمدينة “مغنية” غرب الجزائر، والتي عرف والدها جيداً أحمد بن بلة أول رؤساء الجزائر المستقلة كما تسر، كثيراً عن مبدأ فاليري زناتي في رصد حياة أهلها، تعمد هي الأخرى للتخييل لبناء رواية حول قصة حقيقية عاشتها جدتها سارة تواتي المولودة بـ “مغنية”، حب مستحيل جمعها بقريب لها وهي بسن الخمس عشرة سنة، العلاقة المتوترة بين عائلتي الشابين حالت دون ارتباطهما رسميا. انتحر الشاب جوزيف أما المراهقة سارة (جدة الكاتبة) فقد اضطرت لطمس معالم حملها خارج إطار الزواج وتسليم وليدها لجار، طبيب أطفال من أصول ألمانية، قام بدوره بمنح الطفل لأخته وزوجها اللذين لا ينجبان. يكبر الطفل المولود سنوات العشرينات من القرن الماضي وسرعان ما يتحول لجندي نازي في جيش هتلر يرتكب الكثير من الفظاعات ضد اليهود، رغم ملامحه اليهودية الشمال إفريقية (بحسب تعبير الكاتبة) وينال حظوة ومنزلة متقلداً أعلى الأوسمة، قبل أن يراجع نفسه ويقوم بأعمال جليلة فيمنع ترحيل بعض يهود أوروبا محاولاً التكفير عن ذنوبه، وهو ما سيمنع عنه المحاكمة في أرذل عمره. تستعيد هيلين ذكريات جدتها، تروي الحزن الذي ظل مخيما عليها، رغم أنها تزوجت وأنجبت الكثير من الأطفال، ثم أجبرت على الرحيل رفقة أولئك الذين رحلوا من الجزائر غداة الاستقلال. تتخيل الكاتبة عودتها لأرض مولدها محاولة حل لغز هذه الجدة، فتحكي أنها وجدت خرابا مكان منزل أهلها، كما تحكي بعض التفاصيل (غير الدقيقة) عن جزائر اليوم هي التي استعانت بما يحكيه لها أصدقاؤها الجزائريون من أهل المنطقة متمنية زيارة مسقط رأسها. “خياط غليزان” لـ أوليفيا القايم والذي صدر شهر سبتمبر/أيلول 2020 عن دار”ستوك” بفرنسا، يبدو أكثر هذه المحاولات ملامسة للسيرة الذاتية، ينتفي التخييل تقريباً عن نص الكاتبة والصحفية الفرنسية، وهي تحكي قصة جدها مارسيل القايم الخياط الذي ولد وعاش في “غليزان”، وتمنى أن يزور مرة أخيرة تلك الأرض التي تمسك بها حتى أصبح أمر بقائه مستحيلا. تنطلق الرواية بمشهد اختطاف الشاب “مارسيل” في عز ثورة التحرير من بيته أمام أنظار زوجته وأطفاله نحو وجهة مجهولة، ليجد نفسه أمام “أسد الأكفادو” قائد الولاية التاريخية الثالثة والشهيد العقيد عميروش آيت حمودة يطلب منه أن يخيط له لباساً ملائماً. يتعرف جد الكاتبة على بطل الثورة من خلال ما يقال عنه في الصحف لكن أيضاً لأن معاملات سابقة ربطت بين الرجلين، فهو ذاته عميروش المجوهراتي الذي اقتنى منه مجوهرات زواجه، وما أهداه لعقيلته خلال سنوات زواجه الأولى. لا تكتفي أوليفيا القايم بسرد قصة جدها، بل تربطه مباشرة بسيرتها هي، محاولة مساءلة حاضرها في فرنسا، دون أن تغفل تقديم تشريح لما عرفته عائلتها ويهود الجزائر المهجرون قسراً في فرنساً التي اقترح رئيس الحكومة جورج بومبيدو تفريقهم على دول أخرى في أمريكا اللاتينية مثلا لأنهم بمثابة العبء على فرنسا في بداية تغريبتهم. فقر، عنصرية رسمية وشعبية، حنين مورث وتساؤلات كثيرة، أسئلة تضغط ولا تجد إجابة تقول القايم: “لما منحونا حقوقا لم نطلبها؟” (عن قانون كريميو)، ثم تضيف حزينة عن “بلد تشعر بالانتماء إليه دون أن تتمكن من زيارته”، هي التي قدمت طلبا لدخوله سنة 2019 قوبل بالرفض، أما فاليري زناتي فتكرر أنها جزائرية وتحمل هذه الأرض في دمها، رغما عنها “أنا يهودية كيهود تونس والمغرب لكن أختلف عنهم في التفاصيل، تفاصيلي جزائرية”. الغريب أن الروايات الثلاث لا تحمل تعنيفا أو إساءة صريحة للجزائر الرسمية والشعبية، تفيض حنيناً وتساؤلات، ولوماً على فرنسا الرسمية بحكوماتها المتعاقبة التي فرقت بين أبناء الوطن الواحد لحساب أهداف مرحلية، ينتفي عنها أي توريط للصراع العربي-الإسرائيلي، تبدو أقرب لورم إضافي ينهش ذاكرة هشة بالأساس، لم تكتب بعد، قد تفتح المجال لتطوير نوع جديد وخاص من السيرة الذاتية. ---------- الناس نيوز

غادة بو شحيط
الاربعاء 11 غشت 2021