النظرية البعثية تستند إلى اعتبار استبدادي غير مبرهن علمياً بوحدة العالم العربي تحت "أمة واحدة"
الأمة الفرنسية مختلفة عن الألمانية عن البريطانية....
في العالم العربي أربعة أمم في أربعة أقاليم حسب كل المعطيات العلمية والتاريخية والجغرافية: العرب (الخليج) - الهلال الخصيب - وادي النيل - المغرب العربي
في الهلال الخصيب وحده يوجد تمازج حضاري وإنساني غير موجود في أي بلد من بلدان العالم العربي
كرد آشور كلدان سريان تركمان داغستان شركس عرب أرمن ...
الإسلام والمسيحية واليهودية بكل مذاهبها الصابئة....تقريباً أكثر من 20 مذهب.
أسلوب الحياة في الغناء والدبكة والفن والموسيقى مختلف
أسلوب الحياة في تقاليد المأكل والمشرب والملبس ...
أسلوب العمران من قلاع ومسارح وملاعب كرة (كملعب عمريت الأولمبي)
وتجد أن البعث جاء يريد أن يلغي هذا التنوع وتعريبه على نفس المنهج العثماني في التتريك. وطبعاً بنية طيبة وهي معاكسة التتريك.
هذا استفزّ الأقليات الأتنية كالكرد والأشوريين وغيرهم فبعضهم صار يحبذ الانفصال وبعضهم صار يحبذ الهجرة.
أراد البعث "تعريب" اسماء المدن منطلقاً من نظريته غير العلمية ورسالته الخالدة
اعتبر أن التاريخ يبدأ بالاسلام وهذا نفاق معرفي أُصبغ عليه طابع قدسي.
نحن نحب التعاون مع العالم العربي ولكن أوصلنا فكر البعث وتطبيقه إلى تفتيت المجتمع
ومازال بعض البعثيون يريدون إحياء تعاليم رثة وبالية لمنظري البعث الذين هم ضحالة معرفية وفقاعة فكرية ركبت شعارات العروبة ومهدت لظهور الأفكار السلفية وتيارات القاعدة التي تريد أيضاً بعث التراث والهروب من التقدم.
إني أنصح البعثيون أن ينظروا إلى تطبيقهم ليجدوا أن فكرتهم التوحيدية لم تلقى صدى إلا في الهلال الخصيب. وهذا يعني أن نيتهم سليمة ولكن النظرية يجب أن تُراجع. خاصة وأنها مبنية على شوفينية وكراهية للأخر.
لقد أثبتت مكتشفات التاريخ وحدة المنطقة -الهلال الخصيب- وكونها منبع الحضارات الإنسانية في الأبجدية والعمران والموسيقا والفلسفة وبناء السفن والتجارة.
لن تجد نفسك غريباً إن مشيت من بيروت إلى بغداد إلى الإسكندرون إلى الأحواز...
ستجد أنك في مجتمع آخر في مصر. مجتمع عربي ولكن مصري أولاً ولن يستحي المصري في ذلك فلماذا علينا أن نستحي بانتمائنا.
لن تجد في مصر أو الرياض أو الرباط قلعة كقلعة دمشق ولا كأعمدة بعلبك ولا برج بابل ولا قلعة بيترا
لن تجد دبكة كوردية أو آشورية يعانق جمالها السماء
لن تجد كصوت فيروز وكموسيقى الرحابنة وفلسفة أبي العلاء
لن تجد ملعباً أولمبياً كملعب عمريت ولا مسرحاً كمسرح بصرى
ولن تجد مطبخاً متطوراً ولا عادات في الأعراس والأحزان والحرب والسلم
هذه النظرية التي تريد إخضاع الواقع لاستبدادها بدلاً أن تحترم الواقع الاجتماعي هي لمزبلة التاريخ.
وإن كانت مصالح الدول العظمى تركتها تنمو لأنها تدرك أنها نظرية مخربة فإن الأجيال ستلفظها
على نفس المنهج تسير اآن التيارات الاسلاموية التي تريد توحيد المسلمين من أندونيسيا للمغرب. ولم يكلفوا حضراتهم سؤال أهل ماليزيا مثلاً رأيهم بالموضوع.
أعتقد أنهم لن يروا مصلحتهم الوحدة معنا لأننا متخلفون فكرياً ومبتلون ببهلوانات جعلنا منهم قديسين وأولياء.
يحكى أن جحا قرر تزويج ابنه من ابنة الملك فاستشار ابنه فوافق وكذلك زوجته فوافقت. فسرّ كثيراً وقال: بسيطة لم يبق لدينا إلا موافقة الملك وزوجته وابنته.