فتاة أخرى قالت إن مهرباً طلب منها 7 آلاف يورو مقابل نقلها إلى السويد، وأوضح بأن المبلغ مخصص لسفرهما كأزواج. لذلك، عليهما التقاط صورة وهما يقيمان علاقة جنسية كي لا تشك شرطة الهجرة أنهما زوجان مزيفان. امرأة أخرى عمرها تقريباً أربعين سنة قالت إنه كان يجب عليها إقامة علاقة جنسية مع مهربي حدود في طريقها من سوريا عبر تركيا إلى اليونان.
تقارير لمنظمات حقوق إنسان في سوريا وفي دول أوروبية تعرض صورة مخيفة للاستغلال الجنسي لمئات وربما آلاف النساء اللواتي أردن الهرب من رعب الحرب في سوريا إلى دول لجوء آمنة. كثير منهن امتنعن لسنوات عن كشف قصصهن، معظمهن بسبب الخجل والخوف من تنكيل أبناء عائلاتهن بهن، وأخريات خشين من تقديم شكوى في الشرطة لأنهن دخلن إلى الدولة بشكل غير قانوني. وبناء على ذلك، كان يمكن أن يتم إعادتهن إلى سوريا. “الجميع يعرفون هذا السلوك غير الإنساني. يجب عليك اختيار أحد احتمالين فظيعين: إما رفض الاستغلال الجنسي والبقاء عالقة كلاجئة في الدولة التي وصلتِ إليها، وإما أن تقدمي جسمك على أمل الحصول على وثيقة عبور إلى الدولة التي يعيش فيها زوجك أو عائلتك”، قالت ناشطة في منظمة لحقوق الإنسان تعالج موضوع اللاجئات.
تهريب اللاجئين الذي أصبح تجارة بالبشر، بالأساس بالنساء، أمر غير جديد. فقد تم تجنيد لاجئات كثيرات من سوريا للعمل في بيوت دعارة مرتجلة في تركيا واليونان، أمهات قمن ببيع بناتهن للرجال لتمويل انتقال العائلة من سوريا إلى أوروبا، أو تمويل أنفسهن أثناء المكوث في مخيمات للاجئين في لبنان أو سوريا أو الأردن. في بعض الحالات كانت النساء ضحايا لرجال الشرطة والجنود على الحواجز في طريق كثيرة. وقد مررن في أفضل الحالات بفحص جسدي دقيق (فقط)، وكنّ في حالات أخرى ضحايا الاغتصاب وتنكيل جسدي آخر.
اعتبر اغتصاب النساء قبل مئات السنين عقاباً سياسياً هدفه الردع، وليس كدليل على اندلاع غريزي تتسبب به الحرب. ربما يكون الاغتصاب الجماعي الذي قام به رجال “داعش” بالنساء الإيزيديات في العامين 2014 و2015 هو الاغتصاب السياسي والديني الأكثر شهرة في العقود الأخيرة. لم يكن الهدف فقط المس بالنساء، بل معاقبة الأزواج على رفض اعتناق الإسلام أو التجند في صفوف “داعش”، وربما كان وسيلة مخيفة لردع أي مظهر من مظاهر المقاومة. حتى أن أعمال الاغتصاب استخدمت كرسالة للمسلمين، السنة والشيعة على حد سواء، الذين رفضوا تبني التفسير الديني لـ”داعش”. مؤخراً، نشر عن آلاف أعمال الاغتصاب التي قام بها جنود من إثيوبيا وأريتيريا بالنساء التيغريات في الحرب التي اندلعت في الإقليم الشمالي بأثيوبيا. ورغم أن الاغتصاب يعتبر جريمة حرب، إلا أنه لم يقدّم بعد طلب لتقديم زعماء إثيوبيا وأريتيريا للمحاكمة بسبب المسؤولية عن جرائم جنودهم.
“نظام اغتصاب” قديم هو النظام السوري. منذ فترة طويلة بدأت تنشر تقارير عن حجم أعمال الاغتصاب في السجون وفي مكاتب التحقيق وحواجز الطرق التابعة لسيطرة النظام. أجريت مقابلة مع امرأة كانت مسجونة في أحد السجون السورية، قالت إن السجانين اقتادوها إلى غرفة اعتقال نُفذ فيها اغتصاب جماعي لسجينة أخرى. حذرها السجانون بأن هذا سيكون مصيرها إذا لم تقدم لهم معلومات عن زوجها المطلوب.
نشرت منظمة حقوق الإنسان السورية في آذار، بمناسبة يوم المرأة العالمي، تقرير فصل آلاف الحالات التي تسبب فيها رجال النظام بأضرار جنسية للنساء. “تم تعذيب نحو 11.500 امرأة جنسياً على أيديهم بين الأعوام 2011 – 2021″، كتب في التقرير. وتم التوضيح بأنه يصعب إحصاء العدد الدقيق بسبب غياب الوثائق. لذلك، هذه هي معطيات الحد الأدنى.
الاغتصاب السياسي، خلافاً للاغتصاب الشخصي، اعتبر جزءاً من ثمن الحرب الذي يدفعه الأبرياء، “أضرار هامشية”، حسب تعريفه المقرف، الذي ليس لدى الضحايا والأنظمة الكثير لمنعه. منظمات نسوية عربية، وتشريع متقدم في عدد من الدول العربية، وخلق حوار عام في الشبكات الاجتماعية ضد التنكيل بالنساء… كل ذلك حقق عدداً من الإنجازات الباهرة إلى أن اصطدمت بسور التنكيل والاغتصاب السياسي. ذلك الاغتصاب الذي يكون بتشجيع النظام أو على أيدي مليشيات تعمل باسمه، لا يحظى بتغطية إعلامية واسعة. قتل، وذبح، وهدم بيوت… كلها أسس معتادة لإعلام الحرب، ويمكن أن تعدها وتحصيها وتحصي حجمها الاقتصادي، ولكن الاغتصاب أداة حرب غير قابلة للقياس، ولا يمكن إحصاء أضراره بمساطر مالية، وضحاياه من النساء اللواتي في الأصل هن العنصر الأضعف في المجتمع، ويعتبر المس بهن نتيجة من بقايا الحرب وجزءاً من الانتصار.
------------------------------
هآرتس - ترجمة القدس العربي