“إنهم مزيج من الدين والجريمة المنظمة” بهذه العبارة أجاب أسامة بن لادن، أو الشيخ أسامة – كما يحلو لأتباعه تسميته – سائله الذي سأله عن رأيه في الدكتور حسن الترابي وجماعته (حزب الأمة) خلال مباحثات الأيام الأخيرة لتصفية شركات بن لادن في السودان.
لم تحمل إجابة ابن لادن تجنّي، بقدر ما حملته من قصور في الشمول، إذ أنها اقتصرت على الترابي وجماعته في حين أنها تنطبق على تيارات الإسلام السياسي برمتها، بما فيها القاعدة نفسها قبل اندماج جماعة الجهاد المصري فيها. حيث تحولت القاعدة المركزية نتيجة هذا الاندماج إلى الجريمة المنظمة تحت غطاء ديني، ما لبث البغداديَين أن حولاها إلى التوحش الملصق بالدين. هذا التدرج صعوداً رغم خطورته إلا أنه أقل خطورة من التدرج نزولاً، الذي تمارسه هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في مسيرتها على الساحة السورية، فما هو الدافع لهذا التدرج بالنزول الذي تنتهجه النصرة؟
في لقاء على قناة العربية الحدث ضمن برنامج التاسعة عشر، يدلي المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جيمس جيفري” بدلوه عن أبي محمد الجولان ي وعصابته، التي سُميت زوراً بـ”جبهة النصرة لأهل الشام”، صرح جيفري خلالها عن تواصل للجولاني مع الجانب الأمريكي عام ٢٠١٨، ثم يعدد جيفري محاسن هيئة تحرير الشام وفق الرؤية الأمريكية كالتالي: حماية الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها من أي هجمات تنطلق من الأراضي السورية، إضافة لقتالها داعش والقاعدة التنظيمين المتشددين. قبلها بأيام نشر الصحفي الأمريكي، “مارتن سميث” المقابلة التي أجراها مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولان ي. وما بينهما ذُكر لقاء لأحد ضباط المخابرات البريطانية “MI6” مع الجولان ي لم يرشح عنه أي معلومات، مع صعوبة تأكيد أو نفي لمثل هذه اللقاءات. كل ما ذكر آنفاً يصب في النهج الذي يقوده الجولان ي لرفع اسم الهيئة من قوائم الإرهاب الأمريكية ومن ثم الوصول إلى دور وظيفي، تم التصريح عنه في لقاء الجولان ي/ سميث بالتعاون في مجال المساعدات الإنسانية. إلا أن هذا الطرح غير موفق وغير صادق في ذات الوقت، أما أنه غير موفق فلئن الولايات المتحدة ليست من الغباء لمنح الجولان ي أداة استراتيجية للهيمنة على المجتمع عبر رغيف الخبز، مع ما تمارسه الهيئة من هيمنة عن طريق الرعب، وشراء الذمم للشخصيات المؤثرة في المجتمع والقوى المحلية، وأما أنها غير صادقة، لكون الساحة التي يمكن أن تلتقي بها الهيئة مع أمريكا في الجغرافية السورية، تتمثل في مقاتلة مليشيات الأسد والمليشيات الإيرانية أو التي تدور في فلكها. لكن هل يمكن أن تجلس الهيئة في هذا المقعد الوظيفي؟ هذا مرهون بالمفاو ضات الجارية في فيينا، للوصول إلى اتفاق مع إيران في ملفها النووي. إضافة لملفَّي الصواريخ والسلوك الإيراني المزعزع في المنطقة. حيث تسعى أمريكا إلى تحجيم إيران في الملفات المذكورة من خلال المسار الدبلوماسي. لذا لا ترغب في استثارتها حالياً للوصول إلى الاتفاق المنشود، أو انهيار المفاو ضات والوصول إلى طريق مسدود. حينها لن تجد الولايات المتحدة حرج في دعم أي طرف يحقق مصالحها على الساحة السورية. خاصة مع إدارة من الحزب الديمقراطي، المعروف بدعمه لتيار الإسلام السياسي. يعزز هذا الرأي بعض التحليلات والدراسات، التي تتحدث عن إمكانية تعاون الولايات المتحدة مع حركة طالبان بغية استخدامها في استنزاف المصالح الصينية في أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من أفغانستان.
عشرات الفصائل تم تصفيتها على مذبح النصرة بحجج البغي والراية “العمّية” (علم الثورة)، والحصول على سلاح أمريكي غربي تارةً، أو الانضمام لغرف الموم والموك، والمشاركة في مؤتمرات الحل السياسي المقبولة ثورياً، كمؤتمر جنيف ، أو الإشكالية كمؤتمر الأستانة وسوتشي تارةً أخرى. حتى تم إفراغ الساحة السورية من الفصائل، التي تصدت لقوات الأسد وحلفائه في معركته ضد الشعب الثائر. ثم جاءت الاستدارة من طرف النصرة لقطف المكاسب السياسية، لحالة شبه الاستفراد بالقرار على الضفة الشرقية للفرات، وهو تماهي مع رأي عبدالله بن محمد، أحد المنظرين المعتبرين لدى الهيئة، حيث دعى للتقرب من المكونات الثورية السياسية والعسكرية، والدخول فيها للسيطرة عليها، ومن ثم السيطرة على القرار السياسي ضمن أي حل مستقبلي. ولعل هذا الطرح يفسر بروز علم الثورة، والسماح في التظاهرات في مناطق سيطرة الهيئة، في الذكرى العشرية للثورة. وهو طرح متمم للإقليمية والمحلية، التي نادى بها المنظر الأكبر للقاعدة المركزية والأب الروحي للنصرة وإمامها الغائب أبو مصعب السوري (مصطفى الست مريم)؛ بعد انفراط عقد القاعدة وضعف السيطرة والتواصل مع فروعها الإقليمية، نتيجة الحرب التي شنها التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة عليها في مطلع الألفية الثالثة.
يقال إن الأفعى التي لا تستطيع تغيير جلدها تكون عرضةً للموت. لذا سعت الهيئة إلى خلع جلدها في معركة البقاء. فمن جبهة النصرة لأهل الشام، بالنيابة عن أمير الدولة الإسلامية في العراق “أبو بكر البغدادي”، إلى الانقلاب على البغدادي وتجديد البيعة لأمير القاعدة الدكتور أيمن الظواهري. ثم نقض البيعة وفك الارتباط وتشكيل جيش الفتح وجبهة فتح الشام، وصولاً إلى هيئة تحرير الشام. تستمر النصرة في تبديل جلدها مع الاحتفاظ بأنيابها في محاولة لتبرئة نفسها من وصمة القاعدة وايديولوجيتها، حيث أرجعها الجولان ي خلال لقائه بمارتن سميث إلى الظروف الزمانية والمكانية.
---------------
لم تحمل إجابة ابن لادن تجنّي، بقدر ما حملته من قصور في الشمول، إذ أنها اقتصرت على الترابي وجماعته في حين أنها تنطبق على تيارات الإسلام السياسي برمتها، بما فيها القاعدة نفسها قبل اندماج جماعة الجهاد المصري فيها. حيث تحولت القاعدة المركزية نتيجة هذا الاندماج إلى الجريمة المنظمة تحت غطاء ديني، ما لبث البغداديَين أن حولاها إلى التوحش الملصق بالدين. هذا التدرج صعوداً رغم خطورته إلا أنه أقل خطورة من التدرج نزولاً، الذي تمارسه هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في مسيرتها على الساحة السورية، فما هو الدافع لهذا التدرج بالنزول الذي تنتهجه النصرة؟
في لقاء على قناة العربية الحدث ضمن برنامج التاسعة عشر، يدلي المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا “جيمس جيفري” بدلوه عن أبي محمد الجولان ي وعصابته، التي سُميت زوراً بـ”جبهة النصرة لأهل الشام”، صرح جيفري خلالها عن تواصل للجولاني مع الجانب الأمريكي عام ٢٠١٨، ثم يعدد جيفري محاسن هيئة تحرير الشام وفق الرؤية الأمريكية كالتالي: حماية الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها من أي هجمات تنطلق من الأراضي السورية، إضافة لقتالها داعش والقاعدة التنظيمين المتشددين. قبلها بأيام نشر الصحفي الأمريكي، “مارتن سميث” المقابلة التي أجراها مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولان ي. وما بينهما ذُكر لقاء لأحد ضباط المخابرات البريطانية “MI6” مع الجولان ي لم يرشح عنه أي معلومات، مع صعوبة تأكيد أو نفي لمثل هذه اللقاءات. كل ما ذكر آنفاً يصب في النهج الذي يقوده الجولان ي لرفع اسم الهيئة من قوائم الإرهاب الأمريكية ومن ثم الوصول إلى دور وظيفي، تم التصريح عنه في لقاء الجولان ي/ سميث بالتعاون في مجال المساعدات الإنسانية. إلا أن هذا الطرح غير موفق وغير صادق في ذات الوقت، أما أنه غير موفق فلئن الولايات المتحدة ليست من الغباء لمنح الجولان ي أداة استراتيجية للهيمنة على المجتمع عبر رغيف الخبز، مع ما تمارسه الهيئة من هيمنة عن طريق الرعب، وشراء الذمم للشخصيات المؤثرة في المجتمع والقوى المحلية، وأما أنها غير صادقة، لكون الساحة التي يمكن أن تلتقي بها الهيئة مع أمريكا في الجغرافية السورية، تتمثل في مقاتلة مليشيات الأسد والمليشيات الإيرانية أو التي تدور في فلكها. لكن هل يمكن أن تجلس الهيئة في هذا المقعد الوظيفي؟ هذا مرهون بالمفاو ضات الجارية في فيينا، للوصول إلى اتفاق مع إيران في ملفها النووي. إضافة لملفَّي الصواريخ والسلوك الإيراني المزعزع في المنطقة. حيث تسعى أمريكا إلى تحجيم إيران في الملفات المذكورة من خلال المسار الدبلوماسي. لذا لا ترغب في استثارتها حالياً للوصول إلى الاتفاق المنشود، أو انهيار المفاو ضات والوصول إلى طريق مسدود. حينها لن تجد الولايات المتحدة حرج في دعم أي طرف يحقق مصالحها على الساحة السورية. خاصة مع إدارة من الحزب الديمقراطي، المعروف بدعمه لتيار الإسلام السياسي. يعزز هذا الرأي بعض التحليلات والدراسات، التي تتحدث عن إمكانية تعاون الولايات المتحدة مع حركة طالبان بغية استخدامها في استنزاف المصالح الصينية في أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من أفغانستان.
عشرات الفصائل تم تصفيتها على مذبح النصرة بحجج البغي والراية “العمّية” (علم الثورة)، والحصول على سلاح أمريكي غربي تارةً، أو الانضمام لغرف الموم والموك، والمشاركة في مؤتمرات الحل السياسي المقبولة ثورياً، كمؤتمر جنيف ، أو الإشكالية كمؤتمر الأستانة وسوتشي تارةً أخرى. حتى تم إفراغ الساحة السورية من الفصائل، التي تصدت لقوات الأسد وحلفائه في معركته ضد الشعب الثائر. ثم جاءت الاستدارة من طرف النصرة لقطف المكاسب السياسية، لحالة شبه الاستفراد بالقرار على الضفة الشرقية للفرات، وهو تماهي مع رأي عبدالله بن محمد، أحد المنظرين المعتبرين لدى الهيئة، حيث دعى للتقرب من المكونات الثورية السياسية والعسكرية، والدخول فيها للسيطرة عليها، ومن ثم السيطرة على القرار السياسي ضمن أي حل مستقبلي. ولعل هذا الطرح يفسر بروز علم الثورة، والسماح في التظاهرات في مناطق سيطرة الهيئة، في الذكرى العشرية للثورة. وهو طرح متمم للإقليمية والمحلية، التي نادى بها المنظر الأكبر للقاعدة المركزية والأب الروحي للنصرة وإمامها الغائب أبو مصعب السوري (مصطفى الست مريم)؛ بعد انفراط عقد القاعدة وضعف السيطرة والتواصل مع فروعها الإقليمية، نتيجة الحرب التي شنها التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة عليها في مطلع الألفية الثالثة.
يقال إن الأفعى التي لا تستطيع تغيير جلدها تكون عرضةً للموت. لذا سعت الهيئة إلى خلع جلدها في معركة البقاء. فمن جبهة النصرة لأهل الشام، بالنيابة عن أمير الدولة الإسلامية في العراق “أبو بكر البغدادي”، إلى الانقلاب على البغدادي وتجديد البيعة لأمير القاعدة الدكتور أيمن الظواهري. ثم نقض البيعة وفك الارتباط وتشكيل جيش الفتح وجبهة فتح الشام، وصولاً إلى هيئة تحرير الشام. تستمر النصرة في تبديل جلدها مع الاحتفاظ بأنيابها في محاولة لتبرئة نفسها من وصمة القاعدة وايديولوجيتها، حيث أرجعها الجولان ي خلال لقائه بمارتن سميث إلى الظروف الزمانية والمكانية.
---------------
الأيام السورية؛