ربما لهذا السبب أطلقت إدارة الموسوعة، برنامجا تنشيطيا للقسم العربي في هذا الشهر يوليو 2009، بغية إغناء مواد النسخة العربية منها، و قبل عام من اليوم تقريبا، عقد بمكتبة الإسكندرية في مصر، منتدى "ويكيمانيا" وهو الاجتماع السنوي للموسوعة ويكيبيديا الشهيرة ، يومها عنونت "نيويورك تايمز" متابعتها عن القضية، بوصفه تحدي "للويكبيديين" بمحاولتهم جذب الكتاب العرب للموسوعة.
في تلك الندوة فاجأ باحث مصري الحضور، بقوله، أن هناك حوالي 80 مادة في النسخة العربية من الموسوعة، عن الهندسة، وإذا كان هناك – يضيف الباحث – 20 فرعا في علوم الهندسة، فليس لدينا سوى 4 مواد عن كل علم في المتوسط، ويتضمن ذلك هندسة الكومبيوتر.
للتدليل على الأزمة التي تعانيها "ويكبيديا العربية" نذكر على صعيد المقارنة، أن هناك مثلا حوالي 100 ألف مادة باللغة العربية، مقابل 481,064 باللغة الهولندية لنلحظ فقط أن التعداد السكاني لهولندا 16 مليوناً فقط. ويبلغ عدد "الويكبيديين" الهولنديين 248,616، بينما لا يتجاوز عددهم عربيا 211,870.
وبرغم مجمل الإنتقادات التي تتناول موسوعة ويكيبديا، بخصوص الدقة والاحتراف والموثوقية، يذكر "ماتيو أونيل" بمجلة اللموند الفرنسية عدد نيسان/ أبريل 2009، أن الموسوعة "احتفلت في عام 2007 بإحتلالها المرتبة السابعة عشرة (17) بين المواقع التي يتمّ الدخول عليها على الانترنت، بينما كانت دائرة المعارف "بريتانيكا" التي يساهم في تحريرها 100 اسم علمي سبق له نيل جائزة نوبل وقرابة أربعة آلاف خبير، تحتل فقط المرتبة 5128.
لكن الحديث عن سيادة ويكيبيديا في محركات البحث او ما يسمى بترتيب الصفحات "البيج رانك"، هو أمر ربما لا يشمل كل اللغات المدرجة في الموسوعة، فعند البحث في موقع "غوغل" عن كلمة ليبيا باللغة العربية، لا تظهر الموسوعة كأول الخيارات أمام المستخدم، على العكس من ذلك عند البحث بنفس الكلمة باللغة الإنجليزية. وكذلك كلمة مثل "الإرهاب". ويعود ذلك بالأساس لأن عدد الصفحات العربية المتفاعلة في الموسوعة بالعربية أقل منها باللغة الإنجليزية مثلا، ما يجعل الأولى أقل حضورا في خوادم محركات البحث.
يرى البعض أن الأرقام والإحصاءات لا تفيد كثيرا في تبرير أو تفسير العزوف العربي عن إغناء أهم موسوعة جماهيرية على شبكة الإنترنت، خاصة مع وجود المبرر (التقني – المادي) إذ أن سرعة الاتصال – وحتى خدمة الكهرباء - عادة في الدول العربية ليست عالية الجودة، لكن هذا الاعتراض ربما يصطدم بكثرة المشاركات في المدونات العربية والمنتديات. بالرغم من أنه يمكن القول أن تحرير الموسوعة يحتاج أيضا لبحث ووقت على الشبكة أكثر من سواها من المواقع التفاعلية.
لذا من المناسب ربما البحث في أسباب ثقافية أعمق، تفسر هذه "الأنيميا" التي تعاني منها "ويكبيديا العربية":
يمكن أن نذكر هنا سمة جوهرية في عمل الموسوعة، إذ تولي – بشكل براغماتي – أهمية عالية للكم أكثر من "القيمة النوعية"، وهذا ما يظهر أيضا في صفحة الإحصاءات المرفقة بالصفحات الرئيسة لكل لغة من لغات الموسوعة. الهوس الرقمي والتعدادي، يكشف عن الموجه العام لعمل الموسوعة، ولكنه يعتمد على ضامنة أساس، وهي المراجعات والتصويبات، من المشاركين، وكما ينقل عن بعضهم بأنها " الإنتاج الجماعي على يد الأقران".
هذه الضامنة أو مفهوم "التصويب الجماهيري للعلوم" يبدو مختلفا، وحتى غير فاعل في واقع الثقافة العربية....
عمليا وحتى الآن تبدو موسوعة ويكيبيديا غريبة في العمق، عن واقع وطبيعة الحقبة المعرفية والعلمية العربية الراهنة. فالكم هو الضامن لجودة النوع، هذه هي فلسفة الموسوعة، وهذا بالضبط ما ينقص النسخة العربية وبالتالي يلخص أزمتها. فالتراكم الأرشيفي الذي يمنح للموسوعة قيمتها، والتوثيق الجماعي أمر بعيد المنال وفق الظروف الراهنة، والتي نرى انه مصدرها ثقافي بالأساس، حيث انعدام روح البحث مع بطء تصحيح المعلومة، حال حدوث الخطأ.
مثال آخر بحسب إحصائيات شهر حزيران/ يونيو من هذا العام: شاهد كلمة "عرب" في الموسوعة 4893 زائراً، بينما شاهد كلمة "العرب" بالتعريف فقط 1463 زائراً، وبالنظر للغة الإنجليزية فقد شاهد نفس الكلمة 64031 (Arab) زائراً.
الأمر الذي يعاني ببساطة أن كثرة المشاركة غير موجودة، ومن باب أولى أن يضمر هامش الاعتماد على التصويب الجماعي، بما يؤدي نهاية لاستنتاج أن فرصة تصويب المعلومات التي توضع ابتداء، بكل ما يمكن ان تحمله من دوافع شخصية او قصور معرفي، أو أخطاء بشرية، هي جد محدودة في النسخة العربية من الموسوعة. وبالتالي فإن أهم معايير هذه المشروع غير موجودة.
ينضاف لهذا مثلا، ما يعد مسلما به، من حدوث استقطاب إيديولوجي، وسياسي حاد، إن على مستوى كل بلد على حدة، وعلى مستوى الثقافة العربية، والحياة السياسية الإقليمية للعالم العربي، بما يجعل كل الاطروحات ومحاولات البحث وتقديم المعارف عرضة لهذا الاستقطاب السياسي والفكري، وهذا يصبح مؤذيا إذ ان موسوعة معرفية، تصبح مظنة رئيسة، للاستغلال الصراعي بين كل الأطراف. وتفقد المواد الإبتدائية، الكثير من صدقيتها، طالما أن التصويب أمر غير مضمون البتة.
مما يذكر استشهادا هنا؛ الجدل الدائر حول استخدام كلمة شهيد، إذا أن مادتي "حماس – فتح" تمتلئان بوصف الشهيد، بينما يعد هذا لدى الكثيرين وصفا ايجابيا وغير محايد.
ويمكن كذلك النظر لمادة " علي خامنئي" التي تظهر فيها انتقادات غير محايدة لعهد الشاه، ونحو ذلك تمجيد او مدح لعلي خامنئي " مرشد الثورة الإيرانية الحالي"، والأمر كذلك مع مادة " إرنستو تشي جيفارا"، برغم وفرة المعلومات فيها نسبيا.
لا يعني هذا ان الآخرين يختلفون بالمطلق، وليس لديهم صراعات، ولكن كلما زاد الاحتقان الداخلي، كلما سيطرت العواطف وردود الفعل التلقائية، وغير الممنهجة، حتى تكون هي العلامة الأبرز للثقافة.
لربما تلخص أزمة موسوعة ويكيبديا صورة الثقافة العربية، والوضع المعرفي والعلمي، والشواهد لاتخفي، ففي دراسة حكومية – بحسب رويترز - ان التونسي يخصص ثلاث دقائق فقط في المتوسط للمطالعة يوميا مقابل أكثر من ساعتين لمشاهدة التلفزيون. ويمضي في المقاهي 20 دقيقة يوميا إضافة الى سبع دقائق لممارسة الرياضة، بينما يستحوذ النوم على حوالي 36% من وقته إذا ينام 8 ساعات. هذا النموذج ربما يعد متقدما، إذا نظرنا للوضع التونسي مقارنة بدول عربية أخرى، ليست افضل حالا على الإطلاق
"ويكي" تعني السريع في لغة هاواي، ولذلك نجحت بلغات عديدة، يمكنك أن تلاحظ ان حركية الإبداع والتأليف والترجمة نشطة للغاية في تلك اللغات.
ومن الواضح ان حركية عوالم العرب، وحيويتها، لا تستجيب كثيرا، لهذا المفهوم.... ومن هذا، ربما، ما قاله الشاعر ادونيس في وقت سابق هذا العام، إذ يذهب ادونيس بعيدا ويقرر أن "الحضارة العربية في طور الانقراض" معللا ذلك بأن "الثقافة وجهة نظر وحوارات، وليست سكة لقطار واحد". وأنه إذا " اكتملت دورة الإبداع" فالحضارة تنقرض
في تلك الندوة فاجأ باحث مصري الحضور، بقوله، أن هناك حوالي 80 مادة في النسخة العربية من الموسوعة، عن الهندسة، وإذا كان هناك – يضيف الباحث – 20 فرعا في علوم الهندسة، فليس لدينا سوى 4 مواد عن كل علم في المتوسط، ويتضمن ذلك هندسة الكومبيوتر.
للتدليل على الأزمة التي تعانيها "ويكبيديا العربية" نذكر على صعيد المقارنة، أن هناك مثلا حوالي 100 ألف مادة باللغة العربية، مقابل 481,064 باللغة الهولندية لنلحظ فقط أن التعداد السكاني لهولندا 16 مليوناً فقط. ويبلغ عدد "الويكبيديين" الهولنديين 248,616، بينما لا يتجاوز عددهم عربيا 211,870.
وبرغم مجمل الإنتقادات التي تتناول موسوعة ويكيبديا، بخصوص الدقة والاحتراف والموثوقية، يذكر "ماتيو أونيل" بمجلة اللموند الفرنسية عدد نيسان/ أبريل 2009، أن الموسوعة "احتفلت في عام 2007 بإحتلالها المرتبة السابعة عشرة (17) بين المواقع التي يتمّ الدخول عليها على الانترنت، بينما كانت دائرة المعارف "بريتانيكا" التي يساهم في تحريرها 100 اسم علمي سبق له نيل جائزة نوبل وقرابة أربعة آلاف خبير، تحتل فقط المرتبة 5128.
لكن الحديث عن سيادة ويكيبيديا في محركات البحث او ما يسمى بترتيب الصفحات "البيج رانك"، هو أمر ربما لا يشمل كل اللغات المدرجة في الموسوعة، فعند البحث في موقع "غوغل" عن كلمة ليبيا باللغة العربية، لا تظهر الموسوعة كأول الخيارات أمام المستخدم، على العكس من ذلك عند البحث بنفس الكلمة باللغة الإنجليزية. وكذلك كلمة مثل "الإرهاب". ويعود ذلك بالأساس لأن عدد الصفحات العربية المتفاعلة في الموسوعة بالعربية أقل منها باللغة الإنجليزية مثلا، ما يجعل الأولى أقل حضورا في خوادم محركات البحث.
يرى البعض أن الأرقام والإحصاءات لا تفيد كثيرا في تبرير أو تفسير العزوف العربي عن إغناء أهم موسوعة جماهيرية على شبكة الإنترنت، خاصة مع وجود المبرر (التقني – المادي) إذ أن سرعة الاتصال – وحتى خدمة الكهرباء - عادة في الدول العربية ليست عالية الجودة، لكن هذا الاعتراض ربما يصطدم بكثرة المشاركات في المدونات العربية والمنتديات. بالرغم من أنه يمكن القول أن تحرير الموسوعة يحتاج أيضا لبحث ووقت على الشبكة أكثر من سواها من المواقع التفاعلية.
لذا من المناسب ربما البحث في أسباب ثقافية أعمق، تفسر هذه "الأنيميا" التي تعاني منها "ويكبيديا العربية":
يمكن أن نذكر هنا سمة جوهرية في عمل الموسوعة، إذ تولي – بشكل براغماتي – أهمية عالية للكم أكثر من "القيمة النوعية"، وهذا ما يظهر أيضا في صفحة الإحصاءات المرفقة بالصفحات الرئيسة لكل لغة من لغات الموسوعة. الهوس الرقمي والتعدادي، يكشف عن الموجه العام لعمل الموسوعة، ولكنه يعتمد على ضامنة أساس، وهي المراجعات والتصويبات، من المشاركين، وكما ينقل عن بعضهم بأنها " الإنتاج الجماعي على يد الأقران".
هذه الضامنة أو مفهوم "التصويب الجماهيري للعلوم" يبدو مختلفا، وحتى غير فاعل في واقع الثقافة العربية....
عمليا وحتى الآن تبدو موسوعة ويكيبيديا غريبة في العمق، عن واقع وطبيعة الحقبة المعرفية والعلمية العربية الراهنة. فالكم هو الضامن لجودة النوع، هذه هي فلسفة الموسوعة، وهذا بالضبط ما ينقص النسخة العربية وبالتالي يلخص أزمتها. فالتراكم الأرشيفي الذي يمنح للموسوعة قيمتها، والتوثيق الجماعي أمر بعيد المنال وفق الظروف الراهنة، والتي نرى انه مصدرها ثقافي بالأساس، حيث انعدام روح البحث مع بطء تصحيح المعلومة، حال حدوث الخطأ.
مثال آخر بحسب إحصائيات شهر حزيران/ يونيو من هذا العام: شاهد كلمة "عرب" في الموسوعة 4893 زائراً، بينما شاهد كلمة "العرب" بالتعريف فقط 1463 زائراً، وبالنظر للغة الإنجليزية فقد شاهد نفس الكلمة 64031 (Arab) زائراً.
الأمر الذي يعاني ببساطة أن كثرة المشاركة غير موجودة، ومن باب أولى أن يضمر هامش الاعتماد على التصويب الجماعي، بما يؤدي نهاية لاستنتاج أن فرصة تصويب المعلومات التي توضع ابتداء، بكل ما يمكن ان تحمله من دوافع شخصية او قصور معرفي، أو أخطاء بشرية، هي جد محدودة في النسخة العربية من الموسوعة. وبالتالي فإن أهم معايير هذه المشروع غير موجودة.
ينضاف لهذا مثلا، ما يعد مسلما به، من حدوث استقطاب إيديولوجي، وسياسي حاد، إن على مستوى كل بلد على حدة، وعلى مستوى الثقافة العربية، والحياة السياسية الإقليمية للعالم العربي، بما يجعل كل الاطروحات ومحاولات البحث وتقديم المعارف عرضة لهذا الاستقطاب السياسي والفكري، وهذا يصبح مؤذيا إذ ان موسوعة معرفية، تصبح مظنة رئيسة، للاستغلال الصراعي بين كل الأطراف. وتفقد المواد الإبتدائية، الكثير من صدقيتها، طالما أن التصويب أمر غير مضمون البتة.
مما يذكر استشهادا هنا؛ الجدل الدائر حول استخدام كلمة شهيد، إذا أن مادتي "حماس – فتح" تمتلئان بوصف الشهيد، بينما يعد هذا لدى الكثيرين وصفا ايجابيا وغير محايد.
ويمكن كذلك النظر لمادة " علي خامنئي" التي تظهر فيها انتقادات غير محايدة لعهد الشاه، ونحو ذلك تمجيد او مدح لعلي خامنئي " مرشد الثورة الإيرانية الحالي"، والأمر كذلك مع مادة " إرنستو تشي جيفارا"، برغم وفرة المعلومات فيها نسبيا.
لا يعني هذا ان الآخرين يختلفون بالمطلق، وليس لديهم صراعات، ولكن كلما زاد الاحتقان الداخلي، كلما سيطرت العواطف وردود الفعل التلقائية، وغير الممنهجة، حتى تكون هي العلامة الأبرز للثقافة.
لربما تلخص أزمة موسوعة ويكيبديا صورة الثقافة العربية، والوضع المعرفي والعلمي، والشواهد لاتخفي، ففي دراسة حكومية – بحسب رويترز - ان التونسي يخصص ثلاث دقائق فقط في المتوسط للمطالعة يوميا مقابل أكثر من ساعتين لمشاهدة التلفزيون. ويمضي في المقاهي 20 دقيقة يوميا إضافة الى سبع دقائق لممارسة الرياضة، بينما يستحوذ النوم على حوالي 36% من وقته إذا ينام 8 ساعات. هذا النموذج ربما يعد متقدما، إذا نظرنا للوضع التونسي مقارنة بدول عربية أخرى، ليست افضل حالا على الإطلاق
"ويكي" تعني السريع في لغة هاواي، ولذلك نجحت بلغات عديدة، يمكنك أن تلاحظ ان حركية الإبداع والتأليف والترجمة نشطة للغاية في تلك اللغات.
ومن الواضح ان حركية عوالم العرب، وحيويتها، لا تستجيب كثيرا، لهذا المفهوم.... ومن هذا، ربما، ما قاله الشاعر ادونيس في وقت سابق هذا العام، إذ يذهب ادونيس بعيدا ويقرر أن "الحضارة العربية في طور الانقراض" معللا ذلك بأن "الثقافة وجهة نظر وحوارات، وليست سكة لقطار واحد". وأنه إذا " اكتملت دورة الإبداع" فالحضارة تنقرض