يضطر احياناً المتخاصمون لفتح حواجزهم العسكرية أمام الحركة التجارية ويغلقونها حين الطلب من الداعمين.
حيث يوجد في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية المسيطرة عليها قوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي، آبار النفط وحقول القمح، التي تكفي السوريين المحليين، في جميع مناطق النفوذ العسكري، لولا افتعال الحرائق فيها بقصد أو بغير قصد.
أما في الشمال والشمال الغربي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من الجارة تركيا، تعتبر المنطقة خزان الزيتون وزيته و الفستق الحلبي، والمزروعات الموسمية، إذ يحقق الزيتون والفستق الحلبي اكتفاء ذاتيا محليا ويزيد اضعافه للتصدير.
كما أن المنافذ البرية الحدودية مع تركيا في تلك المناطق (معبر باب السلامة- معبر باب الهوى- معبر جرابلس) التي مازالت تنشط تجاريا بشكل متصاعد، بعد اعتماد السوق المحلية السورية على البضائع التركية في ظل انحسار الصناعة المحلية بسبب عوائق خلفتها الحرب للصناعيين والتجار، وتوسع نطاقها وفق رؤية وأهداف الدول المتداخلة.
أما في مناطق سيطرة النظام، المدعوم روسيا وإيرانياً، فالحياة هناك تعتبر الأغلى معيشيا بسبب استيرادها للبضائع الايرانية والروسية عبر الموانئ البحرية، التي تعتبر تكلفة نقلها مرتفعة جداً، مما يفسح المجال لإدخال البضائع التركية بالتهريب من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة عبر تجار الحرب في ضفتي السيطرة.
هنا أود الأشارة الى أن مناطق سيطرة النظام تعتبر ذات استهلاك أكبر من باقي المناطق، بسبب استقرار معظم سكانها في منازلهم وعدم مغادرتهم لها، باستثناء المناطق التي أعادها النظام لسيطرته بعد أن كانت محررة (الغوطة الشرقية، بعض أحياء حُمُّص، قرى وبلدات من القلمون، أحياء حلب الشرقية، بعض مناطق ومدن حوران والقنيطرة).
هذا ما يجعل مناطق الفدرلة العسكرية بحاجة بعضها بعضا بهدف التكامل الاقتصادي والتجاري، والذي يكون احياناً سببا رئيسيا في الصراع المشتعل بسبب طموح المتداخلين الإقليميين والدوليين في كسب مناطق تزخر بموارد وقطاعات وطرق الترانزيت، والتي أصبحت أحد أسباب التصعيد في إدلب من خلال “الضغط لتأمين محيط الطرق الدولية وفتحها”، خصوصاً أن من المفترض وفق اتفاق “سوتشي” وفتح طريق حلب-حماة، وحلب-اللاذقية نهاية العام الماضي، اذ ينصّ الاتفاق على أنه” ستجري استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين” إم 4″ (حلب-اللاذقية) و”إم 5″(حلب-حماة) بحلول نهاية عام 2018″.
حقيقة بعد ثماني سنوات من الصراع المسلح بأدوات، محلية وخارجية، بات من الصعب على السوريين التعايش المشترك والعودة للحالة الطبيعية، بسبب شلالات الدماء التي تسببت فيها الحرب ومشاركة قوى متطرفة إيرانية وعراقية عدة، و”حزب الله” اللبناني ليكونوا الى جانب النظام في حربه وقمعه لمطالب السوريين في العدالة والحرية، وسحق معارضيه فيما يبدي النظام ولاءً كاملا لنظام طهران وقاعدة حميميم الروسية التي حافظت على وجوده حتى الساعة.
بنية المجتمع السوري وتنوعها العرقي لن تسمح بسهولة في العقد أو العقدين المقبلين من التعايش من دون خروقات واضطرابات أمنية، اذ تغذي أي حادثة حروب فرعية تكون عائقا أمام الاستقرار المستدام، والذي من دونه لن تولد التنمية الاقتصادية والمجتمعية، ويبقى البلد بحالة توتر سياسي تجعل من الجميع في حالة تأهب والاصبع على الزناد.
بناء على ما سبق، أعتقد أن الفيدرالية قد تكون عاملا مساعدا نحو الاستقرار، بسبب توزع موارد سورية الاقتصادية، مع بقاء الجيش والسياسة الخارجية مركزية، و إعطاء مساحة للتكنوقراط لوضع نظام ضرائب عادل يراعي سكان الفيدراليات المناطقية.
----------
السياسة