نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الفرق بين حفتر ومواطنه الأميركي الجنرال سميدلي




لماذا لم تشهد الولايات المتحدة أي انقلاب طوال تاريخها على رغم انتشار السلاح فيها والمزاج العسكري؟ بينما سرعان ما لجأ الجنرال الليبي المنشق خليفة حفتر إلى «الانقلاب»، بزعم وضع حد للفوضى والإرهاب والخروج على القانون والعجز عن بناء ليبيا الجديدة بعد انتصار الثورة وإسقاط نظام معمر القذافي الاستبدادي.


 
لقد عاش الجنرال خليفة حفتر في الولايات المتحدة وتحديداً في فرجينيا وحصل على الجنسية الأميركية ومارس حقه الانتخابي فيها، وبالتالي، لا بد من أنه تعلّم هناك الكثير من قيم الديموقراطية والعدالة والاحتكام للقانون، إلا إذا عاش منعزلاً يفكر مثل خصمه - ورفيق سلاحه أيضاً - معمر القذافي الذي لم يكن يرى في الولايات المتحدة غير اضطهاد الهنود الحمر والتفرقة العنصرية، كي يقيم حاجزاً بين قيمه الثورية الساذجة وقيم العدالة والديموقراطية الحقيقية، فلماذا عجز حفتر عن الاحتكام لمنطق الجماعة والشراكة وعاد بسرعة إلى قيم العسكري «المملوكي» الذي يحتكم فقط للقوة للوصول إلى السلطة، بعدما فتح الله عليه، فأغدق عليه البعض مالاً، والتفّ حوله الأنصار وأبناء القبيلة، فكان بإمكانه أن يمضي إلى المجلس الوطني الليبي، فيحمي شرعيته، ويعزز موقفه، ويدعمه بإجراء انتخابات جديدة قد يفوز فيها بأعلى الأصوات، فيشكل بحكم خبرته العسكرية الواسعة، جيشاً وطنياً حقيقياً، لا فصيلاً يسميه «الجيش الوطني» فيصبح زعيماً وطنياً بالتراضي مثل الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الذين لا تزال آثارهم موضع حفاوة في وطنه الثاني، ولاية فيرجينيا، أرض الأحرار كما تسمى.
لا بد أن أحد أصدقائه من السياسيين الأميركيين الذين احتفظوا به بديلاً محتملاً للقذافي في زمن ما قبل الربيع العربي، اصطحبه يوماً إلى «ماونت فيرنون» المزرعة المزار التي تقاعد فيها أول رئيس أميركي وبطل حرب الاستقلال جورج واشنطن، بعدما أصرّ ألا يجدد له بعد دورتين انتخابيتين، ليضع قاعدة أساسية في مفهوم الديموقراطية هي تداول السلطة وعدم تخليد الحاكم، فلا يطغى ويتفرعن، ولا يفسد في الأرض، لأنه يعلم أنه يوماً سيعود مواطناً فيحاسب.
لماذا لم يتعلم شيئاً من هذا وخرج يهدد ويتوعد؟ إنه يريد «تنظيف» ليبيا من خصومه السياسيين، ومحاكمة أعضاء المجلس الوطني وهم ليبيون منتخبون! كيف سيفعل هذا، بإعدامهم أم اعتقالهم؟ كم سجناً يحتاج لاعتقال كل من يعارضه؟ وبالتأكيد سيكون هناك آلاف يعارضونه، إذ من الطبيعي أن يكون في أي نظام سوي معارضة، لكن الانقلابيين لا يحبون المعارضة، بل حتى يخشونها، وبالتالي لا بد من الاعتماد على القوة والبطش. وهذان يغذيان المعارضة والكراهية، فتبقى البلاد في دائرة العنف والعنف المضاد، فهل ثمة ما يستحق هذا؟ لعل الجواب لدى الراحل سيف الإسلام عبدالجليل، آخر وزير دفاع في عهد الملك إدريس الذي حاورته صحيفة «الشرق الأوسط» خلال الأشهر الأولى للثورة الليبية، وقبيل وفاته بأشهر قليلة، فقال في معرض إجابة عن سؤال حول رأيه في الانقلاب الذي أطاح بالملك: «لم يكن هناك مبرر لانقلاب القذافي (والذي شاركه فيه رفيق سلاحه حفتر)، ولكن لأن العالم العربي شهد موجة ركوب العسكريين الحكم قام القذافي بثورته». بالتأكيد لم يكن هناك مبرر لانقلاب القذافي، والذي أهدر 40 عاماً من حياة ليبيا والليبيين.
سيقول أحد ما بعد عام أو أعوام جملة عندما تؤرخ هوجة حفتر الأخيرة، وسيجد فيها الليبيون ما ينكرونه ويتحسرون عليه في حال نجاحها أو فشلها، وكلاهما سيان، فهم ثاروا على معمر القذافي لاستبداده، وبالتالي لا يريدون مستبداً آخر حتى لو كانوا اليوم يتمنون زعيماً يضع حداً للفوضى وانعدام الأمن الذي يعيشونه، فرأى بعضهم ذلك في حفتر، ولكن نجاحه يعني استبداداً، فهناك من سيحاربونه بشراسة، فلو انتصر عليهم سيوزعهم بين السجون والمشانق، أو يدفعهم إلى النزول تحت الأرض، وليس في هذا نجاح ولا حالة مستدامة، وإنما نظام استخباراتي يعيش في خوف ويعيش شعبه في خوف، وإن لم يحسم المعركة فستدخل ليبيا بقبائلها وتعصباتها الجهوية وتياراتها السياسية في حرب بسوس تستعر سنوات وسنوات.
أعود إلى أول سؤال في المقالة ولعل في إجابته فائدة للجنرال: لماذا لم تشهد الولايات المتحدة انقلابات، ولا حتى محاولة انقلاب خلال تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام؟ وجدت الإجابة في المحاولة الوحيدة المسجلة في التاريخ الأميركي للانقلاب والمعروفة بمؤامرة رجال الأعمال. عام 1934، كانت أميركا تمرّ بفترة صعبة، الكساد العظيم أفقر الأميركيين ودمّر الاقتصاد معه، في الفترة نفسها لم تكن «الفاشية» ذات سمعة سيئة كما هي اليوم، بل كانت فكرة رائجة، إذ نجح صاحبها موسوليني في إيطاليا في تحريك الاقتصاد هناك بتلبية حاجة رجال الأعمال والصناعيين والبطش بالاتحادات العمالية ومحاربة الإضرابات بالقوة. يبدو أن ثلة من الصناعيين الأميركيين أعجبهم النموذج الفاشي الإيطالي، فأرسلوا إلى أكبر جنرال يومها في الجيش الأميركي سمدلي بتلر من يقترح عليه أن يقود عملية عسكرية للاستيلاء على الحكم، وأنهم على استعداد لتمويل وتجهيز نصف مليون جندي للزحف على واشنطن.
لم تعجب الفكرة الجنرال بتلر، وقام بالإبلاغ عن المؤامرة وسط تشكيك كبير من الصحافة التي لم تصدق أن هناك أحمقاً يفكر في عمل «انقلاب» في أميركا، ولكن الكونغرس تعامل مع المسألة بجدية واستمع إلى شهادة بتلر وحقق فيها، وخرج بتقرير رسمي يؤكد وجود مشروع مؤامرة وإن لم يتفق مع كثير من التفاصيل التي رواها الجنرال، ولكن المهم في القصة هي إجابة الجنرال سميدلي عن سؤال لماذا رفض فكرة الانقلاب، فردّ قائلاً: «اهتمامي هو بالحفاظ على الديموقراطية، وإذا كان بإمكانك أن تجمع 500 ألف جندي تشتم منهم رائحة الفاشية، فإنني أستطيع أن أجمع 500 ألف آخرين يقاتلونهم بشراسة، وحينها سنكون جميعاً في أتون حرب أهلية طاحنة».
هذه هي الحكمة التي لم يتعلمها حفتر خلال 20 عاماً عاشها كمواطن أميركي في فرجينيا. إن كنت تستطيع جمع عشرات الآلاف من الجنود لفرض ما تراه صحيحاً في ليبيا، فإن غيرك قادر على جمع مثلهم، وحينها ستكونون أيها الليبيون في أتون حرب أهلية طاحنة، بينما نتفرج عليكم نحن العرب، ونؤيد هذا ونشجع ذاك.
---------------
الحياة
 
 

جمال خاشقجي
السبت 24 ماي 2014