تعددت الرؤى والطروحات حول الدستور السوري القادم، وقد لفت نظري بناء بعض هذه الرؤى والطروحات على أسباب موجبة منها ” مخاوف وهواجس فئوية، الظروف الاستثنائية، التفكك المجتمعي ، الديموقراطية المُعطلّة، التصحّر السياسي، خوف الاقليات من الأغلبية…”
الدساتير والقوانين حاجة وطنية وضرورة قانونية وهي عقد اجتماعي تتلاقى فيه إرادات الجميع أو الأكثرية العظمى يتضمن مجموعة من القواعد والنصوص التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع فيما بينهم من جهة وبينهم وبين السلطة أو الدولة من جهة أخرى، ومن طبيعة الدساتير الإستقرار والثبات مع المرونة والتي تمنحها قابلية التعديل عند الاستحقاقات الطارئة والمستجدة المؤثرة على النظم الدستورية والقانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد.
المخاوف و الهواجس ذات منبع نفسي ناتج عن الظروف التي تحيط بصاحبها ، وتختلف من شخص لآخر ، و من جماعة لآخرى، و من طبيعة الظروف التغّير والتبدل ، لذلك لا يمكن البناء على تلك المخاوف و الهواجس في وضع قواعد دستورية أو قانونية ثابتة عصّية على التعديل أو الالغاء ، لأننا إن فعلنا ذلك نكون قد نقلنا هذه المخاوف و الهواجس من حيّز النفوس الى حيّز الوجود وبالتالي فرضها كأمر واقع يتعامل معها اصحابها على أنها حقوق مكتسبة أو إمتيازات خاصة مما يثير عند الأخرين مخاوف و هواجس ” مضادّة ” ويؤدي الى الخلاف ثم يتطور إلى نزاع ثم إلى صراع صفري لذلك فإن الشعوب التي تحكمها المخاوف والهواجس هي شعوب غير مستقرة و معرّضة لكل انواع الفتن و الصراعات . .
إن السبيل الى إزالة المخاوف والهواجس وسدّ باب الفتن والصراعات، هو زرع الطمأنينة في نفوس الجميع من خلال وضع قواعد ناظمة للعلاقات تبعث الثقة والطمأنينة تقوم على العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وهو جوهر القيم الدستورية، ومنه تستمد النصوص الدستورية سموّها وتفرض احترامها، لذلك فإن أي وثيقة أو اية مبادئ لا تدور في هذا الفلك لا يُعوّل عليها لا في كتابة دساتير ولا في بناء مجتمعات مستقرة.
العيش المشترك يقوم على الاعتراف بالآخر واحترام خصوصيته، وعلى قيم العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والعيش المشترك قدرُ يفرضه الوجود في الحيّز الجغرافي الواحد والانتماء الى حيّز اجتماعي وثقافي وحضاري واحد، والخصوصية لا تعني الشذوذ عن السياق العام أو أنها إمتياز خاصًا عن الغير يمنحنا الحق بالانغلاق على أنفسنا، وإنما خصوصياتنا المتعددة والمتنوعة هي الأساس الذي يقوم عليه انتماؤنا الحضاري الجامع و هي سياج حيّزنا الجغرافي.
إن الصراع بين الخصوصيات ينتج هويات متصارعة تقودنا الى الصراع الصفري الذي لا منتصر فيه , و أما التنافس بين الخصوصيات في الفلك الحضاري هو الذي أنتج أجمل و أنفع ما يكون للجميع ، لذا فإن تكريس استقطاب الهويات الفرعية يعني تفكيك الهوية الوطنية الجامعة , وإن البناء و اعادة الاعمار لا يكون على المُفكك أو الأنقاض , لأن هذا التفكيك طارئ مُفتعل و مدروس للقضاء على الهوية الجامعة التي تمتد إلى عمق التاريخ ، و إن بعث الثقة و إزالة سوء النوايا من النفوس يكون بإقامة العدالة و تكريس احترام الحقوق والحريات و احترام الدستور والقانون ، و إعادة الإعمار تكون بتحقيق التنمية الشاملة ، و تكريس المواطنة يكون بإقامة العدالة الاجتماعية ، و إن إزالة الاحتقان و الغضب والأحقاد يكون بإقامة العدالة والإنصاف و جبر الضرر الذي يقود إلى تكريس الاحتكام إلى القضاء بدل الاحتكام إلى الثأر و الانتقام.
وحيث أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه، وإن الحِلّ هو الضدّ، وحيث أن العقد ينعقد إذا توفرّت أركانه ” التراضي والمحل والسبب و الشكل ” ويدور العقد معها وجودا أو عدماً، كما يشترط لصحة العقود ” أهلية المتعاقدِين و خلوِّ إرادة كل منهم من العيوب ” و إن جزاء فقدان أي من شرط من شروط الصحة، قابلية العقد للإبطال أو البطلان النسبي.
وحيث إن الدستور عقد تلتقي فيه إرادة كل السوريين ومحلّه ” حقوقهم وواجباتهم الدستورية والسياسية والاجتماعية والتشريعية و الاقتصادية، والثقافية ” وسببه ضرورة تنظيم هذه العلاقات في أُطُر و قواعد دستورية وفق ما استقرّ عليه الفقه والعرف الدستوري، فإنه ” إذا لم تتوفر هذه الأركان مجتمعة فحكم العقد البطلان، و بالتالي يكون الجميع في حلٍ من أي التزام قد يترتب عليه.
كما أن فقدان شرعية او مشروعية من يصوغ أو يضع شروط العقد، أو إذا كانت إرادتهم المتعاقِدِين معيبة بأحد عيوب الإرادة ” الغلط أو الاكراه او التدليس او الاستغلال “.
إن فرض العقد الاجتماعي على الشعب بالقوة او من قبل سلطة غير ذات شرعية أو مشروعية ، يُحول العقد الاجتماعي من عقد بالتراضي الى عقد إذعان يُجبر فيه الطرف الأضعف على قبول كامل شروط وبنود العقد دون أن يكون له الحق في تعديلها أو الإضافة عليها وليس له غير الخضوع الكامل لإرادة الطرف الأقوى, وهذا يتناقض مع طبيعة وأهداف و آليات إبرام العقد الاجتماعي وكتابة الدستور ، الامر الذي يوجب على الجميع الالتزام بالعرف و القانون الدستوري، وما استقرّ عليه الفقه القانوني و الابتعاد عن البِدع و الاجتهاد غير المنضبط لتمرير اهداف وغايات لا تساهم في استقرار البلاد و لا في استقرار علاقات الافراد فيما بينهم أو العلاقات بينهم وبين الدولة .
----------
رسالة بوست
الدساتير والقوانين حاجة وطنية وضرورة قانونية وهي عقد اجتماعي تتلاقى فيه إرادات الجميع أو الأكثرية العظمى يتضمن مجموعة من القواعد والنصوص التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع فيما بينهم من جهة وبينهم وبين السلطة أو الدولة من جهة أخرى، ومن طبيعة الدساتير الإستقرار والثبات مع المرونة والتي تمنحها قابلية التعديل عند الاستحقاقات الطارئة والمستجدة المؤثرة على النظم الدستورية والقانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البلاد.
المخاوف و الهواجس ذات منبع نفسي ناتج عن الظروف التي تحيط بصاحبها ، وتختلف من شخص لآخر ، و من جماعة لآخرى، و من طبيعة الظروف التغّير والتبدل ، لذلك لا يمكن البناء على تلك المخاوف و الهواجس في وضع قواعد دستورية أو قانونية ثابتة عصّية على التعديل أو الالغاء ، لأننا إن فعلنا ذلك نكون قد نقلنا هذه المخاوف و الهواجس من حيّز النفوس الى حيّز الوجود وبالتالي فرضها كأمر واقع يتعامل معها اصحابها على أنها حقوق مكتسبة أو إمتيازات خاصة مما يثير عند الأخرين مخاوف و هواجس ” مضادّة ” ويؤدي الى الخلاف ثم يتطور إلى نزاع ثم إلى صراع صفري لذلك فإن الشعوب التي تحكمها المخاوف والهواجس هي شعوب غير مستقرة و معرّضة لكل انواع الفتن و الصراعات . .
إن السبيل الى إزالة المخاوف والهواجس وسدّ باب الفتن والصراعات، هو زرع الطمأنينة في نفوس الجميع من خلال وضع قواعد ناظمة للعلاقات تبعث الثقة والطمأنينة تقوم على العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وهو جوهر القيم الدستورية، ومنه تستمد النصوص الدستورية سموّها وتفرض احترامها، لذلك فإن أي وثيقة أو اية مبادئ لا تدور في هذا الفلك لا يُعوّل عليها لا في كتابة دساتير ولا في بناء مجتمعات مستقرة.
العيش المشترك يقوم على الاعتراف بالآخر واحترام خصوصيته، وعلى قيم العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والعيش المشترك قدرُ يفرضه الوجود في الحيّز الجغرافي الواحد والانتماء الى حيّز اجتماعي وثقافي وحضاري واحد، والخصوصية لا تعني الشذوذ عن السياق العام أو أنها إمتياز خاصًا عن الغير يمنحنا الحق بالانغلاق على أنفسنا، وإنما خصوصياتنا المتعددة والمتنوعة هي الأساس الذي يقوم عليه انتماؤنا الحضاري الجامع و هي سياج حيّزنا الجغرافي.
إن الصراع بين الخصوصيات ينتج هويات متصارعة تقودنا الى الصراع الصفري الذي لا منتصر فيه , و أما التنافس بين الخصوصيات في الفلك الحضاري هو الذي أنتج أجمل و أنفع ما يكون للجميع ، لذا فإن تكريس استقطاب الهويات الفرعية يعني تفكيك الهوية الوطنية الجامعة , وإن البناء و اعادة الاعمار لا يكون على المُفكك أو الأنقاض , لأن هذا التفكيك طارئ مُفتعل و مدروس للقضاء على الهوية الجامعة التي تمتد إلى عمق التاريخ ، و إن بعث الثقة و إزالة سوء النوايا من النفوس يكون بإقامة العدالة و تكريس احترام الحقوق والحريات و احترام الدستور والقانون ، و إعادة الإعمار تكون بتحقيق التنمية الشاملة ، و تكريس المواطنة يكون بإقامة العدالة الاجتماعية ، و إن إزالة الاحتقان و الغضب والأحقاد يكون بإقامة العدالة والإنصاف و جبر الضرر الذي يقود إلى تكريس الاحتكام إلى القضاء بدل الاحتكام إلى الثأر و الانتقام.
وحيث أن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه، وإن الحِلّ هو الضدّ، وحيث أن العقد ينعقد إذا توفرّت أركانه ” التراضي والمحل والسبب و الشكل ” ويدور العقد معها وجودا أو عدماً، كما يشترط لصحة العقود ” أهلية المتعاقدِين و خلوِّ إرادة كل منهم من العيوب ” و إن جزاء فقدان أي من شرط من شروط الصحة، قابلية العقد للإبطال أو البطلان النسبي.
وحيث إن الدستور عقد تلتقي فيه إرادة كل السوريين ومحلّه ” حقوقهم وواجباتهم الدستورية والسياسية والاجتماعية والتشريعية و الاقتصادية، والثقافية ” وسببه ضرورة تنظيم هذه العلاقات في أُطُر و قواعد دستورية وفق ما استقرّ عليه الفقه والعرف الدستوري، فإنه ” إذا لم تتوفر هذه الأركان مجتمعة فحكم العقد البطلان، و بالتالي يكون الجميع في حلٍ من أي التزام قد يترتب عليه.
كما أن فقدان شرعية او مشروعية من يصوغ أو يضع شروط العقد، أو إذا كانت إرادتهم المتعاقِدِين معيبة بأحد عيوب الإرادة ” الغلط أو الاكراه او التدليس او الاستغلال “.
إن فرض العقد الاجتماعي على الشعب بالقوة او من قبل سلطة غير ذات شرعية أو مشروعية ، يُحول العقد الاجتماعي من عقد بالتراضي الى عقد إذعان يُجبر فيه الطرف الأضعف على قبول كامل شروط وبنود العقد دون أن يكون له الحق في تعديلها أو الإضافة عليها وليس له غير الخضوع الكامل لإرادة الطرف الأقوى, وهذا يتناقض مع طبيعة وأهداف و آليات إبرام العقد الاجتماعي وكتابة الدستور ، الامر الذي يوجب على الجميع الالتزام بالعرف و القانون الدستوري، وما استقرّ عليه الفقه القانوني و الابتعاد عن البِدع و الاجتهاد غير المنضبط لتمرير اهداف وغايات لا تساهم في استقرار البلاد و لا في استقرار علاقات الافراد فيما بينهم أو العلاقات بينهم وبين الدولة .
----------
رسالة بوست