وفي الوقت الذي حاول فيه النظام تقديم خفض الدعم على أنه “إجراء تقشف” مؤقت، فإنه يعتزم بوضوح تغيير نظام الدعم الاجتماعي في البلاد، ومعه بالتأكيد إنتاجها الاقتصادي. وهناك خطر يمكن في كل هذا، وهو خطر الانهيار الشامل والمنهجي. لأنه إذا كان من المفترض أن يكون هذا الإجراء شكلاً من أشكال “اقتصاد الموارد الجانبية”، فهو نسخة متناقضة منه – حيث تتحكم الحكومة في الأسعار وفي قدرة المشترين على شراء السلع، ولا يوجد سوق حر.
وبسبب استمرار الحرب، سعى النظام إلى أن يكون المواطن السوري أكثر اعتمادًا على مؤسسات الدولة، وبهذا يكون مدينًا للنظام لأنه المزود الأساسي للخدمات والوظائف. ولكن مع انكماش الاقتصاد بنسبة “60%” منذ عام 2010، حسب تقديرات البنك الدولي، وانخفاض الليرة السورية منذ ذلك الحين إلى أقل من عُشر قيمتها السابقة، أصبحت الخزائن الوطنية فارغة. ولذلك بات النظام عاجزًا عن توفير هذا الدعم بالتحديد في ظل زيادة الاعتماد على الدولة.
وحتى وقت قريب، كان النظام يرفض تعديل برنامج الأسعار والدعم خوفًا من غضب الجماهير. ولكن النقص الحاد في السلع جعل قرار التعديل أمرًا حتميًا. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي رفعت الحكومة أسعار الوقود والخبز بنسبة 100٪. وكان لتك الزيادات تأثير محدود على المنتجين والموردين لتوفير إمدادات جديدة، ولا يمكنها ذلك. فهناك عوائق هيكلية في شكل عقوبات، ونقص في الائتمان، ونقص في النقد الأجنبي، وانعدام الثقة، وانعدام أشياء أخرى كثيرة.
ومن المثير للاهتمام أن سعر الخبز بلغ مستويات لا يمكن تحملها وفقًا لرأي الكثيرون. ومع ذلك، لم تحدث الاحتجاجات التي كان يخشاها النظام كثيرًا – بسبب المخاوف من انتقام النظام، وهو ما شجع نظام الأسد على رفع أسعار المحروقات مرتين منذ بداية هذا العام. ورفع النظام أيضًا أسعار غاز الطهي. بالإضافة إلى تقنين إنتاج هذه السلع المدعومة.
وللحد من التكاليف المرتفعة التي يتكبدها المستهلك، وجهت الحكومة بعض المدخرات من تخفيضات الدعم إلى إعانات مالية للموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين. وحصل هؤلاء العمال على ثلاث دفعات بقيمة “50,000” ليرة سورية (15 دولاراً بسعر الصرف في السوق السوداء). وتم تقديم اثنتين من هذه المدفوعات بعد وقت قصير من الارتفاع الأول في الأسعار.
ومع ثبات الرواتب بالعملة المحلية، تراجعت القوة الشرائية للعمال. فقد يحصل موظف الخدمة المدنية اليوم على ما بين 16 دولارًا و26 دولارًا شهريًا، بينما كان راتبه في السابق يتراوح بين 200 و320 دولارًا، وبالتالي، فإن الـ45 دولارًا إضافيًا على مدى الأشهر السبعة الماضية لن تعوض القوة الشرائية الضعيفة للموظف الحكومة العادي – ناهيك عن البؤس الذي يعاني منه العاطلون، والذين يمثلون على الأرجح نصف عدد العمال الراغبين والقادرين.
يتضمن البرنامج الاقتصادي للنظام أخطاءً كثيرة، وهو ما يصعب الموقف على النظام. والإعانات المالية هي منح طارئة، لذلك لا يمكن للعمال تخطيط النفقات المستقبلية بناءً على منح إضافية.
وفي الوقت نفسه، لن يؤدي رفع سعر الوقود إلى زيادة الإنتاج لأن النظام يسيطر على القليل جدًا من الاحتياطيات في أرضه. ومع ذلك، فكلما ارتفعت تكلفة الوقود، ارتفع تلقائيًا سعر النقل والسلع الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه الجهات الصناعية المستهلكة للوقود – والتي لم تستفيد من المنح الحكومية – تواجه ضغوطًا أكبر، مما تسبب في إغلاق المصانع جزئيًا أو حتى كليًا. وهذا بدوره يقلل من عائدات الضرائب اللازمة لدفع ثمن النفط الذي يتم استيراده في الغالب من إيران على أي حال. وبدلاً من زيادة إمدادات الغذاء والوقود والاحتياجات الأخرى، هناك القليل من كل شيء، وجميعها باهظة التكلفة.
إذا كان المسؤولون في نظام الأسد ورجاله أكثر كفاءة، فسيحاولون تحسين الإنتاج الزراعي وإنتاج المصانع، ويتصدون لمهربي السلع والمتهربين من الضرائب. ولكن هل هذا تفكير مبالغ فيه؟ فمن أين سيحصل المزارعون على مخزون البذور والأسمدة؟ ومن أين تحصل المصانع على الإمدادات؟ وغالباً ما يكون الموالون للأسد هم نفس الأشخاص الذين يهربون الممنوعات ويتهربون من الضرائب.
إن أفضل ما يتمناه من يعيشون في ظل نظام الأسد هو سقوط نظام الأسد. لأنه من الصعوبة بمكان التخيل أن يكون المسؤول عن الاقتصاد بدون كفاءة – كما لو أن تعديل نظام الدعم سيصلح اقتصادًا لا يدعم شيء تقريبًا. ويميل المرء إلى الاعتقاد بأن أداء الأنظمة الشيوعية في الماضي كان أفضل.
لم يكن الاقتصاد السوري في ظل نظام الأسد اقتصادًا عاديًا قط. فباتت سوريا عاجزة عن الاستيراد والتصدير؛ ولا تمتلك مخزن للعملات الأجنبية. وانعدمت الثقة في النظام بين الدول العادية التي تقدم المساعدات. وحتى رحيل الأسد، سيظل غالبية السوريين محرومين من كل شيء تقريبًا، ومعرضين لخطر الجوع.
---------------------
*حايد حايد، زميل باحث في المركز الدولي لدراسة التطرف بجامعة كينجز كولدج بلندن، وهو أيضاً زميل باحث استشاري في برنامج معهد تشاتام هاوس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.