.
ولم يكن الائتلاف ... منذ تشكيل خلطته ، وتحضير توليفته ، وفكه وإعادة تركيبه مرة بعد مرة محط أمل ، أو موضع رجاء . ولكن هذه الحقيقة على مرارتها لا تنفي أن المشهد السوري اليوم بحاجة إلى ( صيغة جامعة ) تعبر عنه ، وتنطق باسمه ، وتحمل عبء تمثيله . والائتلاف اليوم الذي بُني على جرف ، وسار في طريق الثورة على حرف يتعرض لهزة ربما يكون لها توابع وروادف ولا أحد يدري أين سيكون منتهاها ...
لقد احتمل السوريون الشعب والثورة هذا الائتلاف طويلا ، وداروا عن عبثيته وقصوره وتردده وتشرذمه كثيرا ، ليقتحم بهم هذه العقبة ، وليعبر بهم هذه الثغرة . وسواء كان قراره بالنسبة لمنعطف جنيف : نعم ..أو لا ؛ فإنه ليس من الحكمة ولا من الرؤية الوطنية أن يقوم بعض الذين طالما أفطروا وتغدوا وتعشوا على موائد الجائعين من أبناء الشعب السوري بالتخلي عن مسئوليتهم الوطنية أمام الاستحقاق الوطني الأخطر منذ انطلاقة الثورة ..
ومع تفهمنا لكل ما يقال ويساق في تسويغ موقف المحبنطئين ، بل ومع أن عندنا أكثر مما عندهم ، إلا أننا نؤكد أن التناقض الأول والأكبر والأساس في مسيرة العملية السياسية السورية هي مع بشار الأسد ، وضده ، لمواجهة كيده ومكره بما يستحق . إن الغضب للهزائم الصغيرة ، والفرح بالانتصارات الصغيرة ومن قبل خوض المعارك الصغيرة كله ليس من فعل الراشدين ولا العقلاء ولا الأغمار الذين يستشعرون الحد الأدنى من المسئولية الوطنية ..
وكل هذا يفرض على كتل الائتلاف وشخصياته ريثا ...
وإنه وبعد أن تخلى من تخلى عن مسئوليته في الليلة الظلماء والموقف الضنك فقد غدا من واجب كل كتل الائتلاف المتبقية فيه أن تكون أكثر ريثا وحكمة في تقليب أمرها ، واتخاذ قرارها ، وإعادة حساب المواقف على قاعدة حساب الربح والخسارة في مؤدى أي موقف على محور الصراع الأساسي .
لقد كان مثيرا للقلق الوطني ما تناهى إلى الرأي العام أن كتلة قوية ومنظمة وذات قيادة مركزية مثل جماعة الإخوان المسلمين لم تستطع أن تحسم قرارها في بنية الائتلاف فصوت أعضاؤها وأنصارها في أكثر من اتجاه وإذا حصل هذا مع الجماعة الأكثر تنظيما ومركزية في بنية الائتلاف فماذا ينتظر السوريون المنكوبون من تجمعات وكتل ظرفية ووقتية لم يجمعها إلا أفق لحظة أو تصور مصلحة عابرة ..
واجب الوقت بالنسبة إلى المتطلعين إلى نصرة هذه الثورة في هذا الموقف الضنك الذي حشرت الثورة والمعارضة فيه هو الانتصار على النفوس والانتصار على الأهواء الذاتية والانخراط بوعي في المشروع الوطني بأبعاده ..
والموقف من جنيف2 ...
ولا يزال الحديث عن جنيف2 بالنسبة للمعارضة الائتلافية مترددا . فقيادة الائتلاف التي سبقت إلى إعطاء وعدا مفتوحا بحضور المؤتمر تواجه الآن موقفا صعبا يجعلها تتهرب من استحقاقاته فتؤجل حسم قراره مرة بعد مرة ..
إن أول ما يجب أن يقال في السياق إنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتحول الموقف من جنيف إلى قنطرة لتصفية الحسابات الائتلافية الداخلية ، أو إلى أداة للحرب بين القوى الائتلافية . القرار يجب أن يحسم بوحي المعادلة الوطنية فقط .
والحقيقة الثانية هي أن الموقف من جنيف2 يجب أن يصاغ على طريقة : نعم أو لا ، نحضر أو لا نحضر جوابا على كتاب الدعوة الذي وجهه السيد بان كيمون . بل أصبح من العبث التداري وراء اللغة المتلعثمة ، والطروحات الحالمة المشروطة . هذه هي الدعوة وهذا هو المؤتمر نحضر أو لا نحضر بمباشرة ووضوح وشفافية وإرادة وحسن تقدير ..
وسيكون بمقدور قوى المعارضة والائتلاف أن تناور بالطريقة نفسها على جواب عصابة بشار الأسد : هل هم موافقون على حضور المؤتمر حسب مقدمات كتاب الدعوة وتأسيساته : نعم ...أو لا ، بلا لف ولا دوران ..
ويبقى السؤال قائما : نحضر أو لا نحضر ، والجواب على هذا السؤال كان يجب أن يتم التحضير له قبل خمس أو ست نقلات من المربع الذي نحن فيه ..
الجواب ليس سهلا ، وسيكون له تداعيات ، وستنبني عليه مسئولية وطنية ربما تمتد بعيدا في حسم أمر الثورة والثوار . لا يملك المرء إلا أن يدعو للذين يتحملون مسئولية القرار بالتسديد والتوفيق وحسن الاختيار . وقديما قالت العرب : قبل الرماء تملأ الكنائن ..فهل في كنانة الائتلاف وكتله وشخصياته سهم يرمون به إن قالوا نعم والأهم إن قالوا : لا ..؟!