يرى الإعلامي والصحافي السوري السيد فراس ديبة أن " هناك فارق بين الإنسجام والإندماج، فالإنسجام ينتج عن تقبل الطرفين لوجودهما معاً في حيز جغرافي واحد، سواء كان هذا الحيز بناية أو حياً أو دولةً، ويقوم الإنسجام على قبول كل طرف للآخر بعاداته وسلوكه وخصوصيته الثقافية، وفي الحالة السورية - التركية هذا الإنسجام موجود نوعاً ما على صعد ضيقة في التعامل المباشر، لكنه غير موجود على المستوى العام. بينما الإندماج يشمل على اندماج السوريين بالمجتمع التركي ثقافياً واجتماعياً وقانونياً، ويصعب جداً الوصول إليه، لأسباب تتعلق بطبيعة حياة معظم السوريين في تركيا، حيث لا يملكون الوقت والقدرة على تعلّم ثقافة الشعب التركي، ولا يستطيعون تقبّل الاختلاف الثقافي بسهولة نتيجة لذلك." ثم تابع يقول:" يختلف الوضع عند الطلاب في المدارس والجامعات، الذين أصبحوا يمتلكون الثقافة الاجتماعية التركية، والجاهزين للاندماج في المجتمع التركي، لكن حضور الخطاب العنصري التحريضي الذي يحض على الكراهية يجعل اندماجهم محدوداً. لا يمكن تحقيق الإنسجام أو الإندماج بدون تصحيح نظرتي الشعبين لبعضهما، والتعاطي بصرامة تجاه خطاب الكراهية والتحريض العنصري، بأي اتجاهٍ كان. ويتحمل الجانب الحكومي التركي المسؤولية الكبرى في الوقوف الحازم أمام الخطاب العنصري، إضافة إلى مسؤوليته عن تصحيح الشائعات الكاذبة التي يتداولها كثير من الأتراك عن المساعدات المادية والتسهيلات التي يحصل عليها السوريون من الحكومة التركية على حساب الشعب التركي."
أما الناشط السوري السيد منجد الباشا فتحدث لاشراق قائلا:" حول إمكانية الإنسجام والإندماج بين السوريين والإخوة الأتراك، أقول: لابد من التمييز أولاً بين مفهوم الإمكانية والضرورة. وكذلك لابد ثانيًا. من العودة إلى المسألة الأساسية في عملية الإندماج المطروحة كسؤال والإضاءة عليها، ألا وهي، الموروث التاريخي المشترك الذي تمحور حول ثقافة مشتركة لكلا الشعبين التركي والسوري بل والشعوب العربية الأخرى. وعليه، فإن الثقافة المشتركة هذه في كثير من عناصرها، وأهمها الدين الإسلامي نفسه بمقوماته الشرعية والعقيدية والإقتصادية والأخلاقية، وكذلك العادات والتقاليد ونمط الحياة، في المأكل والمشرب، والمفاهيم الإجتماعية وقيم العمل والأخلاق والطراز العمراني والفن والموقف من المرأة والموقف من العالم، وكذلك الفهم المشترك للنظام الاقتصادي والمالي، ومفاهيم العدالة والمساواة. كل ذلك كوَّن عددًا مشتركًا من العناصر، شكلت حافزًا مسرعًا للتفاعل والتعامل وإنتاج حالة من حالات الإندماج التدرجي، بين السوريين والأخوة الأتراك. هذا أيضًا بغض النظر عن الخواص البيولوجية للشعب السوري الذي شهد العالم له بذكائه الفطري ومهاراته وقابليته للتأقلم الغريزي مع الواقع والمستجدات التي تواجهه." ثم أردف : " يمكننا القول إن جميع ما تقدم إنما يشكل حالة من حالات إمكانية الإندماج والإنسجام ولانقول حتمية ذلك، أو ضرورته، لأن عوامل ومحفزات هذا الإنسجام أو الإندماج السالبة. تفرض نفسها أيضًا في المساحة الذهنية والثقافية الموروثة التي أشرنا إليها، ألا وهي تلك الثقافة التي بدأت تنداح وتنتشر في الفضاءات المتعددة التي كانت تجمع بين الشعبين تحت مظلة سياسية واحدة وهي مظلة الخلافة الإسلامية العثمانية. وذلك في أواسط القرن التاسع عشر، حيث بدأت الخلافة العثمانية مرحلة ضعفها وأفول نجم هيمنتها. وما رافق ذلك من انتعاش للفكر الصاعد الحديث، من الفكر القومي والبرجوازي والليبرالي وحقوق الإنسان وحرياته متعددة الأوجه، وكذلك ما بدأ من ظهور لنمط اقتصاد برجوازي رأسمالي متطور ومعقد، ونظريات فكرية توازيه وتروج له." ثم تابع يقول لاشراق" هذا الجانب من الموروث التاريخي الثقافي سرعان ما تمركز في فضاءات هذا الموروث المشترك ليشكل ثقافة ووعيًا موازيًا بل ونقيضًا. وأخذ يشير إلى هذا الموروث المشترك على أنه إرثًا ونمطًا يفرض نفسه سياسيًا على الشعب السوري، والشعوب العربية وغير العربية. ويضغط عليه باتجاه الانعتاق والتحرر الثقافي والسياسي.
وعليه يمكننا القول إن هذا الجانب من الموروث ربما خلق حالة من حالات الكبح والمنع للذهاب بعملية الاندماج أو الإنسجام حتى المدى الأقصى وربما الأخير.
وهذا مايسمح لنا بالإجابة على السؤال هذا من خلال فكرة الضرورة. التي أرى أن تحقق هذه الضرورة أو عدمها مرتبط بمدى تمكن الثورة السورية العظيمة ثورة الحرية والكرامة، من الانفلات من كوابح الإفشال التي مورست وتمارس عليها، وكذلك من إمكانية انتصارها في تحقيق أهدافها في الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة. " ثم قال:" عندها تصبح هذه الضرورة في تحققها تأخذ طابع الميل نحو الإفتراق عن حالة الإندماج أو الإنسجام حتى. ولتأخذ شكل التبلور أو التمترس حول الذات السورية العربية المستقلة السيدة الخالصة.".
من جهته تحدث الناشط السوري السيد محمود عادل بادنجكي لإشراق بقوله" الإندماج في أي مجتمع هو ضرورة لازمة لاستمرار العيش في أيّ بلد، بعيداً عن التمييز، والنظرة المستعلية من المجتمع المضيف، أو الشعور بالنقص من قِبَل الضيف.
أمّا من حيث الإمكانيّة، فأعتقد أنّها متوفّرة في اللجوء الأوروبي بأكثر منه في بلد مسلم مثل "تركيا"، التي من المفترض أن تكون هي البيئة الأكثر خصوبة للإندماج بحكم الدين والتشابه في العادات.
في دول اللجوء الأوروبي، لا توجد الكثافة الصُلبة لمجتمع السوريين مثلما هي في "تركيا". فالتكتّل يخلق نواة مجتمع متقوقع يقوم على تأمين الخدمات المتبادَلة، ويستقلّ إلى حدّ كبير في التعاطي مع المجتمع التركي الأوسع، سوى في التعامل الملزم مع الجهات العامّة والمانحة غالباً.
أمّا في "أوروبا" فالانخفاض النسبي في عدد أفراد المجتمع (اللاجئ)، وتباعد المسافات النسبيّ، وإجراءات البلد المضيف من إلزاميّة تعلّم اللغة، والتأهيل المهنيّ، تجعل الاندماج واقعاً لا محالة، وفي فترة قصيرة نسبيّاً." ثم قال " بينما في "تركيا" فإنّ حالة الإندماج الأكثر نجاحاً هي حالة تلاميذ المدارس والطلّاب، الذين يتشرّبون اللغة والعادات التفصيليّة، اللازمة للإنسجام مع أقرانهم. وذلك سيؤدّي للإندماج اللاحق حُكماً، وهو إنّما يحتاج إلى فترات زمنيّة أطول.".
---------
اشراق