قبل أسابيع أعلن رئيس فرع البدل والإعفاء في قوات النظام السوري، العميد إلياس بيطار، في فيديو بثته وزارة الإعلام السورية، أن مديرية التجنيد العامة ستصادر أموال وممتلكات كل من يبلغ سن 42 عاما سواء كان داخل سوريا أو خارجها، ممن لم يؤد الخدمة العسكرية أو يدفع بدل فواتها، وهو ما يساوي 8 آلاف دولار أميركي، وإن لم تكن لديه أملاك أو عقارات فسيُنفذ الحجز الاحتياطي على أملاك أهله وذويه.
وان كان لا يوجد أي نص قانوني يمكن الاستناد إليه لحجز أموال ذوي المكلف المتخلف، فقد اعتبر عدد من المحامين أن ما قاله بيطار يأتي من باب التهديد والتخويف ولإجبار المتخلفين عن الخدمة وذويهم على دفع الأموال للنظام.
إلا أن كلام بيطار تزامن مع معلومات أعلنها المرصد السوري عن مصادرة النظام لأملاك سوريين أغلبهم من الموجودين خارج سوريا حاليا، وذكر المرصد أن ميليشيات إيرانية وعراقية وأفغانية عمدت مؤخرا إلى مصادرة شقق وفيلات في منطقة بلودان ومناطق قريبة منها، وحولتها إلى أماكن إقامة لهم ولعائلاتهم، كما قامت هذه الميليشيات بشراء أراضٍ على كامل الحدود اللبنانية رغم وجود قوانين تمنع بيع وإخلاء الأراضي الحدودية، فقد رصد المرصد السوري شراء الميليشيات لأكثر من 140 قطعة أرض في منطقة الزبداني، أما المنطقة الأكثر كثافة والتي شهدت أكبر شراء للأراضي حتى الآن، فهي منطقة الطفيل الحدودية إذ جرى شراء 200 قطعة أرض حتى اللحظة، وفقا للمرصد.
بدورها ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام السوري استولى على ما لا يقل عن 440 ألف دونم من أراضٍ زراعية في ريفي حماة وإدلب تعود ملكيتها لمعارضين ولاجئين خارج البلاد ونازحين في الداخل. وأضافت الشبكة في تقريرها، أن النظام اعتمد أسلوب المزادات العلنية للاستيلاء على أراضي المعارضين وممتلكاتهم.
وإن كان ذلك كله قد رفع وتيرة الحديث عن التغيير الديموغرافي الذي يقوم به نظام الأسد في سوريا، إلا أن واقع الحال أن مخطط التغير الديموغرافي بدأ مع وصول نظام البعث وخصوصا مع استلام حافظ الأسد للسلطة.
فبعيد استيلاء الأسد على السلطة، سارع بتطبيق مشروع الحزام العربي، فنقل السكان العرب الذين غمرت مياه سد الفرات قراهم عام 1974 وقام بتوطينهم شمالاً على حساب الأكراد، إضافة إلى تشجيع عشرات الآلاف من أبناء الطائفة العلوية على الهجرة من قراهم إلى المدن وتحديدا دمشق وحمص، وكل ذلك تم بالاستيلاء على أراض للدولة والسماح ببناء مساكن عشوائية كان السوريون يشيرون لها باسم «مستوطنات»، كأحياء عش الورور ومزة 86 وغيرهما في دمشق، وحيي عكرمة والزاهرة في حمص.
ومع انطلاق الثورة السورية، أخذ مخطط نظام الأسد منحى متسارعا بإحداث التغيير الديموغرافي، كما دخلت أدوات جديدة أكثر عنفا لإحداث التغيير المنشود، فقد اتبع الأسد سياسة الأرض المحروقة في جميع المناطق التي ثارت على حكمه، فرأينا كيف تم حصار وتدمير بابا عمرو في حمص، وقتل المئات من أهلها، ليتم لاحقا تهجيرهم، وتحت ذريعة إعادة الإعمار تم الاستيلاء على الكثير من أملاك المهجرين.
الأمر نفسه حصل في القصير، فبعد أن احتلتها ميليشيات حزب الله وهجرت أهلها، باتت القصير مدينة «مملوكة»لميليشيات حزب الله ويمنع على أهلها العودة إليها.
الوعر؛ وبعد حصار استمر لسنوات، كان ثمن فك الحصار هو تهجير من بقي من أهلها، حتى إن الكثير منهم يمنع حتى اليوم من العودة إلى منزله.
الأمر نفسه تم في الغوطة وداريا وأغلب مدن وقرى ريف دمشق، وكانت عملية التغيير الديموغرافي «الفاقعة»هي اتفاقية المدن الأربع، التي وقعها النظام السوري مع الفصائل برعاية قطرية، فتم إجلاء سكان الزبداني ومضايا، مقابل إجلاء أهالي نبل والزهراء.
لقد اتبع نظام الأسد ومعه إيران وميليشياتها على ارتكاب المجازر الطائفية وحصار وتجويع السكان، واعتقال الشباب وتعذيبهم وكذلك النساء، لإرغام السكان على ترك منازلهم وأراضيهم، فصار عدد السوريين المهجرين بين لاجئ ونازح يفوق عدد السوريين الذين تمكنوا من البقاء في منازلهم.
لقد نجح الأسد بتحويل سوريا إلى أرض مشاع، قبل بيعها لإيران، مقابل بقائه على كرسي «الحكم»، فإن كانت إيران تسعى لإقامة إمبراطوريتها الفارسية، فإن كل ما يسعى إليه الأسد هو الحكم، حتى لو لم يتبق هناك من يحكمه، كيف لا وهو الذي قال يوما إن سوريا «ليست لمن يسكن فيها ويحمل جواز سفرها وإنما لمن يدافع عنها ويحميها».
---------
مجلة المجلة