يأتي القصف في إطار تصعيد عسكري مستمر في المنطقة الواقعة شمال غربي سوريا، والتي تخضع لوقف إطلاق النار برعاية روسيا وتركيا منذ العام الماضي، تحديداً بعد لقاء الرئيسين: بوتين-أردوغان، في 5 آذار/ مارس، بموسكو الروسية.
حتى اللحظة لم يتضح سبب التصعيد، ولكنه أتى بعد مناسبتين؛ قسَم الأسد، والجولة الـ 16 من مسار أستانا غير المحدد بعدد جولاته، إذ تشير الدلالات إلى أن نهايته مرتبطة بإعادة الروس كلَّ المناطق الشمالية الغربية التي خرجت عن سيطرة النظام خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية.
في اليوم الذي كان الأسد يضع يده على القرآن الكريم، يتعهد بحماية الشعب وسلامة أراضي "بلاده"، أسفرت هجمات قواته وحلفائه الإيرانيين على قريتي سرجة وإحسم في إدلب، عن ارتقاء 14 شهيداً مدنياً، سبعة منهم أطفال.
وهنا يأتي السؤال على شكل استفسار مبني للمعلوم؛ هل يمكن للأسد خرق الاتفاق الذي تم بين قادة روسيا وتركيا؟ الجواب: نعم، تقوم قوات الأسد وحلفاؤها الإيرانيون ـ مع غض الطرف من قبل روسيا ـ بخروقات لكل ما ينتج عن مسار أستانا طيلة الأعوام الأربعة الماضية.
وفي ظل تلك المؤشرات، يمكننا القول إنَّ إدلب تدفع ثمن تعارض المصالح الإقليمية وفي بعض الأحيان الدولية، وهذا ما أظهرته التصريحات الإعلامية بين الدبلوماسية الروسية-الأمريكية من أجل تمرير المساعدات الإنسانية عن طريق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
يعتبر القرار الدولي 2585 القاضي بتجديد تدفق المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا ولمدة ستة أشهر مع إمكانية تمديدها لفترة مماثلة، انتصاراً لكل من الولايات المتحدة وروسيا معاً، وذلك بعد القمة التي جمعت زعماء البلدين في الـ 16 من يونيو/ حزيران الماضي في جنيف.
الانتصار الروسي يأتي من خلال كسب اعتراف إدارة بايدن بالدور الروسي في سوريا وعدم الانتقاص منه، بعد أن حازت موسكو على ضوء أخضر أمريكي، إبَّان ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بعد لقائه مع بوتين في سبتمبر 2015 على هامش قمة الأمم المتحدة في نيويورك. تلاه بعد 48 ساعة تدخل روسي لحسم المعركة لصالح نظام الأسد.
أمَّا إدارة بايدن، فيرتسم انتصارها بتجنيب واشنطن شركاءَها الأتراك كارثة إنسانية محدودة النطاق والفترة الزمنية، وتكريساً لبرنامج بايدن الانتخابي؛ بإعادة نشر القيم الأمريكية التي تنادي بحقوق الإنسان، ورفع الظلم عن المستضعفين!
غير أن الأمريكيين والغرب عموماً، لم يعطلوا آلة القتل الروسية التي تفتك بأهالي إدلب والمهجرين إليها حتى اللحظة الراهنة.
تساؤلات عدة تصل من جبل الزاوية عن الخيارات التركية، بعد موجة التنديد الشعبي بدور أنقرة ونقاطها العسكرية في المنطقة، وصمت قادتها والقذائف تتطاير بالقرب من جنودهم. إلا أن الإجابة لا تزال في إجازة عيد الأضحى، أو أن الأولوية التركية في هذه الفترة تتمثل بالتحضير للذهاب وسد الفراغ العسكري في أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي منها، وسيطرة طالبان على 90 بالمئة منها.
غالب الظن وكما عودتنا السياسة التركية، سيتم استيعاب غضب أهل إدلب بالرد على مواقع قوات النظام، إلى حين توصل الفرق الفنية التركية الروسية لصيغة جديدة تفسر اتفاق آذار/ مارس 2020، بما لا يخل في بند إبعاد الفصائل العسكرية عن ضفتي الطريق الدولي "أم 4 " بعمق 7 كيلو متر.
وعليه، ختاماً، يمكن القول إنَّ فصائل المعارضة باتت رهناً لإشارات خارجية، أي لا تشبه البدايات عندما كان الهدف من التسليح حماية المتظاهرين السلميين والمدنيين الذين كانوا عرضة لابتزاز فروع النظام الأمنية وجيشه السلطوي.
أرجو أن تحركهم قريباً الغيرة جراء تحركات طالبان، ولو أن الأخيرة ليست أهلاً لجعلها مثالاً يحتذى به، ولكنها نموذج جديد يدل على أن الفصيل الذي كان منبوذاً في السابق، أصبح ندَّاً في الحاضر!
--------
الطريق