نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


أمراء حرب عابرون للقارات






كثيرا ما يُقرن ما يحدث في الوطن العربي من هزات عنيفة، ورياح الثورات الرملية، بمثيله عالميا من حيث القوة الشعبية وقدراتها على استعادة المبادرة من النظم الفاسدة لدرجة أن ذلك أغرى الكثير من الثوار عبر العالم للانضمام لها بدون تردد لأسباب أيديولوجية أو اجتماعية مشتركة أو ثقافية أو إنسانية.


 
مثل ثورة إيميليانو زباتا في 1910، ضد الرئيس الجنرال بورفيريو دياز، في المكسيك، التي دفعت بالكثير من فلاحي أمريكا اللاتينية المجاورين للالتحاق بها، والمشاركة فيها حتى الموت.  أو ثورة التشي أو إرنيستو تشي غيفارا الأرجنتيني، الذي سحـــب وراءه ثوار كوبا وكولمبيا والبيرو وبوليفيا وغيرها. والثورة الجـــــزائرية التي جرت نحوها العديد من الثوار، أولا من النخب الفرنسية اليسارية والليبيرالية، ومن ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وغيرها، لدرجة أن بعضهم مات من أجل مثلها النضالية العليا، لأنها كانت تشكل بالنسبة لهم رمزا للقضايا العادلة.
ولم يكن وراء ذلك الانضمام الحر أي مصلحة فردية خاصة. هذا كله مفهوم ويمكن تفسيره بسهولة.  لأن مشترك المظالم ومشترك الفكر الثوري ومثّل الحرية، تدفع فئات اجتماعية خارجية كثيرة إلى التعاطف الكبير مع قضايا التحرر الوطني. لكن الذي أثار انتباهي بقوة هو المقارنة التي قرأتها مؤخرا في جرائد فرنسية كثيرة،  بين الثورة الإسبانية ضد فرانكو، بعد انتصار الجبهة الشعبية، وانتماء الفيالق الدولية التي بلغ عددها الأربعين ألف من أكثر من خمسين جنسية.
المقارنة لا تستقيم، وتحتاج إلى قليل من التبصر. لأن هؤلاء الثوار الذين التحقوا بالثورات والانتفاضات العالمية الكبيرة، كانوا يساريين، أو متنورين أو ليبراليين أو حتى فوضويين رفضوا فكرة الظلم، ذهبوا بخيارات فردية ثقافية وأيديولوجية لاختبار أفكارهم وقناعاتهم ميدانيا كلوي مرسييه فيغا، أندريه مالرو، سيمون فيي، إرنست هيمنغواي، وغيرهم، ولم يكونوا أناسا عاديين. وانتموا إلى أنصار الثورة الإسبانية بقناعة، مكونين الفيلق الدولي الذي قاوم حتى الموت، بعد انكسار الثورة وانتصار الفاشية التي استمرت في حكمها الدكتاتوري 36 سنة. في كل الأحوال، لم يكن هؤلاء الثوار مرتزقة، بل كثيرا ما ذهبوا ضد إرادات بلدانهم المتحالفة، أو المرتبطة بحسابات سرية أو معلنة مع فرانكو، والكثير منهم ترك حياته هناك.
لهذا فالمقارنة السهلة تحتاج إلى تعمق حقيقي في الًظاهرة والأهداف والقناعات أيضا. من هم الذين يذهبون اليوم ليلتحقوا بالعراق أو بسوريا أو ليبيا أو المالي أو غيرها؟ ما هي قناعاتهم ودوافعهم وأهدافهم؟ هناك ثلاث عينات مختلفة جذريا. الفئة الأولى مجموعات تقودها قناعات ثورية متأصلة وتعطشا نحو العدالة. وهي للأسف فئة محدودة عدة وعددا، لكنها موجودة. كانت وقودا للثورات العربية في لحظاتها الأولى. الفئة الثانية، هي مكونة من مجموعات دينية أتت في البلدان العربية والإسلامية وحتى من الغرب ، تشكل ظاهرة كبيرة، مؤمنة بما تقوم به في ظل أوضاع حياتية مزرية في بلدانها، أو في غرب تراه متهالكا يعوم في الرذيلة.
تريد أن تعطي لحياتها معنى. والاستشهاد في تصورها يجعلها تفوز بالغفران الإلهي نظرا لحسن صنيعها، وهي مجموعة كثيرا ما تستعمل كلحم المدافع. سخية بروحها، وعمياء في قناعاتها الأخروية، على الرغم من أن ثقافتها الدينية وعربيتها محدودتان. فهي مجندة لقضية محددة ومخترقة حتما بالكثير من المرتزقة وأمراء الحروب. ولكن لا يمكن التشكيك في قناعاتها عموما. فهي مثل الآلات، لا حدود لجرائمها. ولا نستغرب أن الذين ذبحوا الرهائن الغربيين أو العرب، لم يكونوا في النهاية إلا قتلة، ومجرمين خارجين من صلبها. إذن من الصعب أن نتحدث عن خيارات واعية حقيقة. الفئة الثالثة، وهي فئة تعرف من أين تُؤكل الكتف. عبارة عن مجموعة من المرتزقة. يلبسون لباس الدين، ويتخفون وراءه لأن مصالحهم مادية بشكل مباشر. يرتكزون فكريا على خليط من العناصر الدينية والتقاليد الطقوسية الاجتماعية، المشتتة وغير المتماسكة.
وهم ما يسمى بأمراء الحرب. هم من استولوا على حقول النفط في العراق وسوريا وليبيا، وأصبحوا يديرونها براحة كبيرة. وهم من يقايض السلاح بما يجنونه من تهريب للمخدرات التي حللوها للحاجة. ويستغلون أموالها بدون أية مرجعية دينية. هناك طريقة في قسمة المال المجني. جزء يذهب نحو شراء الأسلحة، وجزء ثان نحو تسيير شؤون الفيالق والمجموعات من أكل وشرب وملبس، وجزء ثالث وهو المهم، يتقاسمه أمراء الحرب فيما بينهم. هذه المجموعات استرخصت الجسد العربي بمعناه الحقيقي والرمزي، والأوطان، حتى أصبح الأمر لا قيمة له. لا حدث. أن يقتل العشرات ثم الآلاف، كأن شيئا لم يكن. أصبح الدم العربي لا يساوي جناحي بعوضة. أصبحنا اليوم لا نتوقف كثيرا عند عدد الأموات. فهم مجرد أرقام منزلقة لا روح فيها. سيارة ملغومة في بغداد تودي بـ40 عراقيا. قصف عشوائي في سوريا يحصد أكثر من 50 تلميذا. داعش تغتال 200 مواطنا لأنهم رفضوا السير في ركابها.  ضحايا الحرب الأهلية في سوريا تجاوز 250.000 ضحية.
أما العراق، فقد تعود مع الاحتلال الأمريكي على الأرقام لحظة فقد الملايين في حروب لم تؤد إلا إلى المزيد من الخراب. نعرف اليوم بشكل واضح أن الموت لا يصنع مجدا. والرعب لا يبني حضارة ولا تاريخا. أين سبل المقارنة بين قضية فيها ظلم، يتبناها الناس ويذهبون نحوها بوضوح وبقناعة عميقة. وقضايا بدأت عادلة في رهاناتها المثالية ضد الدكتاتوريات العربية، ثم التبست عندما أصبح سادتها أمراء الحروب والتقتيل الجماعي والعدمية، لا تتحكم فيها بلدانها أو قيادات عاقلة، ولكن مجموعات إجرامية لا تدين إلا بالذهب الأصفر والأسود وخطابات الموت والرماد.  
--------------------
القدس العربي

واسيني الأعرج
السبت 27 ديسمبر 2014