وأولى البريطانيون زيارة عام 2000 أهمية كبيرة لأنها تشير، كما قالوا في الوثائق، إلى انتهاء فترة البرود في العلاقات مع الدولة الخليجية الصغيرة، التي اعتبرها مايكل تاثام، السكرتير الشخصي لرئيس الوزراء البريطاني، حينذاك، توني بلير ، للشؤون الخارجية "شريكا جيدا لبريطانيا في الخليج
وبعد تحديد موعد الزيارة في الفترة بين 23 و26 من يوليو/تموز، كتب تاثام مذكرة تنصح بلير بالقضايا التي تخدم المصالح البريطانية ويجب إثارتها خلال لقاء القمة البريطاني البحريني المرتقب.
وفي مذكرته، قال تاثام إنه "رغم أنها (البحرين) تمر بعملية حذرة للانتقال إلى الليبرالية السياسية، فإن سجلها في مجال حقوق الإنسان موضع تدقيق سياسي ناقد ".
وأضاف "الأمير يرى نفسه واحدا من جيل الزعماء العرب الجديد، مع عبد الله (الثاني) ملك الأردن ، ومحمد (السادس) ملك المغرب ".
وأنهى تاثام مذكرته بنصيحة قائلا "سوف يسعد (الشيخ حمد) بأن يظن أننا نقدر قيمة رؤاه"
وتكشف الوثائق عن أن وصف العلاقة بين الشيخ حمد والملكين الأردني والمغربي بأنها "ناد للحكام الشبان" قد شاع في الدوائر الدبلوماسية والسياسية في بريطانيا.
وفي توصياتها بشأن سبل الاستفادة من الزيارة الأميرية المرتقبة، والقضايا التي يجب أن يتحدث بلير مع الأمير حمد بشأنها، تحدثت وزارة الخارجية عن هذا "النادي".
وقالت "قبل تولي الشيخ حمد الإمارة كانت العلاقات الثنائية باردة بسبب تصورات البحرينيين أننا نركز على سجلهم السىء في مجال حقوق الإنسان. واستجاب الشيخ حمد لسياسة الحوار البناء وغير المعلن. والعلاقة الآن في أقوى نقطة وصلت إليها منذ سنوات عديدة".
ونصحت وزارة الخارجية بلير بألا يثير قضايا حقوق الإنسان مع الشيخ حمد "لأن بيتر هين (وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط) سيثيرها في اجتماع آخر مع الأمير".
وأوصت بلير بأن يقول للشيخ حمد "نحن نعتقد بأنك مقرب من الملك الأردني عبد الله والملك المغربي محمد. تبدو العلاقة مثل ناد للحكام الشبان ّ".
واقترحت الخارجية أن يسعى بلير إلى الحصول على إجابة عن السؤال التالي: "هل هذا منتدى مفيد؟".
ونبهت إلى أن الأمير "سوف يغادر المملكة المتحدة يوم 26 يوليو مع الملك الأردني عبد الله (الذي كان هو الآخر في زيارة إلى لندن) لزيارة الملك المغربي محمد. فقد شكلوا فيما بينهم ّناديا للحكام الشبان ّ غير رسمي".
لم يتحدث الشيخ حمد علنا عن هذا النادي.
في ذلك الوقت كان الأمير البحريني أكبر "أعضاء النادي" سنا، إذ كان سنه 50 عاما، بينما كان الملك الأردني في الـ 38، والملك المغربي في الـ 37 عاما.
وجاءت فكرة النادي بعد شهور من تولي الزعماء الثلاثة مقاليد الحكم في بلادهم في عام 1999.
وكان متوسط أعمار زعماء الدول العربية في ذلك الوقت حوالى 62 عاما، وأكبرهم هو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (82 عاما)، وأصغرهم غزالي عثماني رئيس جزر القمر (41 عاما)
في ذاك الوقت، ألقت بريطانيا بثقلها وراء مشروع الأمير حمد الإصلاحي رغم اعتراضات المعارضة البحرينية، التي كانت نشطة في لندن.
ووصفت وزارة الخارجية البحرين في عهد الشيخ حمد بأنها "مكان جاذب اقتصاديا ومناسب اجتماعيا لممارسة الأعمال". وأبلغت بلير بأن تقييم بريطانيا للبحرين هو أنها "أكثر نجاحا من الدول الخليجية الأخرى في تدريب مواطنيها وإدخالهم في وظائف القطاع الخاص".
الأمير والملك "رفقة روح"
وكان لبيتر فورد، السفير البريطاني لدى المنامة، إسهام واضح في شرح الوضع في البحرين لحكومته، قبل الزيارة.
فكتب يقول "الشيخ حمد حريص على تثبيت التعاون العسكري معنا". وأضاف أن الأمير "يواصل بشجاعة عملية سياسية ليبرالية".
وحسب تقدير السفير، فإن الأمير حمد سعى إلى الحصول على المساندة من زعماء عرب آخرين لمشروعه السياسي.
وقال فورد "على جبهة الشؤون الخارجية، يحرص الأمير على تعزيز "نادي" الحكام الشبان الذي شكله. وربما يجتمع مع الملك عبد الله في لندن ويطير معه إلى المغرب لحضور تتويج رفيق روحه الملك محمد".
وتكشف تقارير وزارة الخارجية عن اتصالات قوية بين الشيخ حمد وبشار الأسد ، رئيس سوريا الذي لم يكن قد مر على توليه الرئاسة خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد عام 2000، سوى أيام قليلة.
وقال السفير فورد "الشيخ حمد على اتصال وثيق مع بشار الأسد، وهو(بشار) عضو محتمل في ّالنادي".
وفي هذا السياق، أبدى السفير تحمسه لتوجه الشيخ حمد، ونصح حكومته بضرورة الاستمرار في مساندته.
وقال" ثقة الأمير في نفسه تنمو، غير أنه لا يزال يميل إلى التردد، مع ذلك، خشية اتخاذ أي خطوات خرقاء"، ولهذا "سيكون جيدا أن نحاول دفعه لأن يمضي بسرعة في موضوع ناديه الذي يضم الحكام الشبان، وفي الإبقاء على انطباعاته عن بشار".
ويكشف السفير عن استشارات قدمتها بريطانيا للأمير بشأن الإصلاح. وقال "فيما يتعلق بحقوق الإنسان ، سيكون جيدا أن نتابع الأمر فيما يتصل بالإنهاء المتوقع للاعتقال دون محاكمة، والنصيحة التي قدمناها بشأن الانتخابات البلدية وسلطات المجلس الاستشاري".
ومع اقتراب موعد الزيارة، أوصى توم بارو، السكرتير الشخصي لوزير الخارجية، بأن يبلغ بلير الأمير حمد بأن لندن ترى أن "بداية بشار جيدة في سوريا". ونصح بأن يُسأل الأمير البحريني عن "تصوره لنهج بشار في العمل على استتباب أموره".
"قوقعة بشار"
وكشف بارو، في توصياته، عن أن تقييم البريطانيين هو أن بشار "جاد في تنفيذ قرار والده الراحل بتحقيق السلام". وطلب التأكيد للزعيم البحريني على أن المملكة المتحدة "جاهزة لمساعدة (بشار) إن طُلب منها".
وبعد مداولات، تقرر أن يركز لقاء بلير والشيخ حمد، الذي استمر نصف ساعة فقط، على القضايا الاستراتيجية، على أن يناقش هين القضايا الأخرى بما فيها حقوق الإنسان ، مع الأمير.
وحسب تقرير للخارجية البريطانية، فإن لقاء حمد وهين، الذي سبق القمة البريطانية البحرينية، أكد "على دعمنا للتقدم الذي حققه الأمير في طريق الإصلاح الداخلي وتناول مسائل حقوق الإنسان".
وخلال اللقاء مع بلير، قال الأمير إن "(وجود) بشار شيء جيد. غير أنه يحتاج إلى تشجيع للخروج من قوقعته ويرى العالم".
وحسب محضر اللقاء، اتفق رئيس الوزراء مع الأمير حمد. وقال "نحتاج إلى المساعدة في بناء ثقة بشار في نفسه. وسيكون دائما مرحبا به للغاية هنا".
واستعرض الأمير مشروعه السياسي الداخلي، الذي قال إنه يهدف لأن تكون البحرين "نموذجا حديثا للأمم الخليجية الأخرى".
وعرض لبعض نتائج هذا المشروع قائلا: يمكن للأجانب الآن أن يتملكوا عقارات في البحرين. النظام القانوني قائم على القانون المدني وليس المبايء القبلية. النساء قادرات على المشاركة الكاملة في المجتمع، العمل، قيادة السيارات والتصويت. هناك نظام تعليم حديث. والمجتمع البحريني متسامح مع كل الأديان".
وأثنى بلير على ما قاله الأمير و"هنأه على التقدم الذي يحققه ".
غير أن الشيخ حمد أسر إلى بلير بعقبة تواجه مشروعه. وقال "يصعب أحيانا الحفاظ على زخم التحديث عندما تكون محاطا بقوى محافظة في المنطقة. وضرب أمثلة بالعراق، وعناصر في إيران وعناصر في السعودية ".
انتهت الزيارة بحصول بريطانيا على تأكيد بتوفير البحرين نقطة انطلاق للطيران الحربي البريطاني لمراقبة حظر الطيران في مناطق العراق الجنوبية. كما أُبرم اتفاق ثنائي بين وزارتي دفاع البلدين بشأن أكاديمية تدريب الطيران البحرينية، وهو ما عبر بلير"عن سعادته البالغة" به.
وحصل الأمير حمد على تأكيدات بمساندة مشروعه الليبرالي السياسي والاقتصادي في البحرين .
بعد شهور من الزيارة، أجرت السلطات البحرينية استفتاء على ميثاق العمل الوطني تمهيدا لتأسيس هيئة تشريعية مؤلفة من مجلسين، الأول مجلس نواب بالانتخاب المباشر، والثاني مجلس شورى معين لكن رأيه استشاري فقط.
اعتبرت الخارجية البريطانية، في تقاريرها الداخلية، الاستفتاء وإطلاق سراح معتقلين سياسيين "خطوتين حاسمتين في برنامج الأمير الإصلاحي، وتُحدِثان تغييرات إيجابية في البلاد".
وقال مارك سديول، السكرتير الشخصي لوزير الخارجية في ذلك الوقت "يجب أن نبدي مساندتنا المستمرة القوية" لسياسة الشيخ حمد.
وتُرجمت هذه التقارير في رسالة رسمية شخصية بعث بها بلير إلى أمير البحرين، قال فيها إن "إقرار الميثاق بهذه النسبة الكبيرة من سكان البحرين الرجال والنساء من كل قطاعات المجتمع، هو أساس قوي يُبنى عليه. وأتمنى لكم ولحكومتكم والشعب البحريني كل نجاح وأنتم تمضون في برنامجكم الإصلاحي الشجاع المرحب به".
بعد مرور عام بالضبط، طلب الأمير لقاء بلير في لندن ضمن جولة خارحية شملت الولايات المتحدة وفرنسا.
وأوصت الخارجية، بإصرار، على قبول الطلب رغم انشغال رئيس الوزراء. وساقت المبررات التالية:
•البحرين حليف مفيد في المنطقة.
•النجاح في تحقيق تغيير ديمقراطي في البحرين يمكن أن يشجع الدول الأخرى في المنطقة على أن تحذو حذوها.
•الأمير حريص على الحصول على المساندة الدولية لمقترحاته (الإصلاحية من أجل تحقيق الديمقراطية)، غير أنه مستعد ايضا للإنصات إلى النصح، وهو يقدر بشكل خاص إقراررئيس الوزراء لأفكاره.
•اللقاء سوف يدعم موقف الأمير في هذا الوقت، الذي يُحتمل أن يكون صعبا، ويُظهر مساندتنا للديمقراطية في المنطقة.
•سياستنا في مساندة وتشجيع إصلاحاته في إطار حوارنا البناء غير المعلن مع الحكومة البحرينية حتى الآن تحقق نجاحا.
•اللقاء السنوي للأمير برئيس الوزراء مهم في طمأنة البحرينيين على أننا لا نتعامل معهم وكأنهم دون رأي أو قيمة، وأننا نقدر علاقاتنا الثنائية تقديرا كبيرا.
ولفتت وزارة الحارجية نظر بلير إلى أن إصلاحات الأمير "لا تلقى مساندة صادقة من بعض البحرينيين المحافظين، وخاصة (عم الأمير حمد) الشيخ خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الذي شغل هذ المنصب لفترة طويلة.
مضى الأمير حمد في تغييراته التي أدت إلى دستور جديد للبحرين عام 2002، وتمكن بمقتضاه من إقالة عمه الراحل.
وبعد أقل من عامين أعلن حمد البحرين مملكة ونفسه ملكا.
ورغم مضي الملك في مشروعه السياسي، امتدت انتفاضات الربيع العربي الشعبية ، التي بدأت من تونس في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2010 ، إلى البحرين، التي لا تزال المعارضة السياسية لنظام الحكم فيها تنشط في لندن .