الملف الذي تغذّى لنحو شهر على تصريحات روسية وتركية في هذا السياق، قوبل بعدم ترحيب أمريكي، وتأثر بمجموعة عوامل توحي بتراجع احتمالية لقاء أردوغان مع الأسد قبل الانتخابات المزمع إجرائها في 14 من أيار المقبل. ونتج عن لقاء الوزيرين، في 18 من كانون الثاني الحالي، بيان مشترك صادر عن الخارجية الأمريكية، لكنه لم يتطرق لمسألة تقارب “أنقرة- دمشق”.
واكتفى البيان بالحديث عن نقاش الطرفين لأوجه “الأزمة السورية” كافة، مع تشديد الالتزام بآلية سياسية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، بالإضافة إلى الاتفاق على مواصلة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وحزب “العمال الكردستاني”، مع ترحيب مشترك بتمديد آلية تسليم المساعدات إلى الشمال السوري، عبر الحدود.
وسبق الزيارة حديث غير رسمي عن “مغريات” أمريكية لأنقرة، تثنيها عن موقفها حيال التقارب مع الأسد، كما تراجع بعد اللقاء، حضور “مسار التقارب” في تصريحات مختلف الأطراف “المعنية” بالملف السوري. الباحث في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، لفت إلى تزامن تراجع التصريحات التركية حول مسار التقارب، مع الشروط التي وضعها النظام، وطالب خلالها بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
ورجّح عودة أوغلو، في حديث لعنب بلدي، وجود محاولات “خلف الكواليس” بين الأتراك والروس والنظام لإعادة اجتماع وزراء الدفاع للأطراف ذاتها، معتبرًا أن دخول الجانب الأمريكي خلط الأوراق في الملف، سيما بعد لقاء وزير الخارجية التركي، ونظيره الأمريكي.
واعتبر الباحث عودة أوغلو الحديث عن لقاء وزراء الدفاع مرة أخرى، إشارة واضحة لاستمرار الخلافات على الصعيدين الأمني والعسكري، وأن المناخ غير جاهز للانتقال إلى الشق السياسي.
كما أن الحديث عن احتمال منح واشنطن ضوءًا أخضر أو غض طرف للعملية التركية في سوريا، وتصريحات قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، التي لا تستبعد العملية، عوامل من شأنها عرقلة قطار التقارب التركي مع النظام، وفق الباحث.
حديث قالن تضمن أيضًا تلويحًا تركيًا بالعملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، معتبرًا أنها “لا تزال خيارًا مطروحًا على الطاولة بالنظر إلى مستوى التهديد الذي تواجهه أنقرة”.
وجاء الموقف التركي بعد آخر صدر من دمشق على لسان الأسد، رفع خلاله شروط التفاوض عاليًا، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من الأراضي السورية.
ورغم وصف أنقرة لجوّ اللقاء بالـ”بناء”، لكن توصلًا لموعد دقيق ورسمي للقاء وزراء الخارجية للأطراف ذاتها، لم يحدث حتى إعداد هذه المادة.
وبعد اللقاء بأيام، قال وزير الخارجية التركي، إن أنقرة اقترحت عقد اجتماع لوزراء خارجية تركيا وسوريا في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي، لكن تصريحًا آخر للوزير التركي في 12 من الشهر نفسه، نفى وجود تاريخ محدد للقاء، لافتًا لاحتمالية انعقاده مطلع شباط المقبل.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، قالت في 12 من كانون الثاني، إن الجانب الروسي يعمل لتنظيم لقاء يجمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا، لكن “من الناحية العملية، لم تجري الموفقة بعد على موعد محدد”، وفق ما نقلته قناة “RT ” الروسية، الناطقة بالعربية.
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، استبعد حصول لقاء على المستوى الرئاسي بين أردوغان والأسد برعاية روسية، قبل لقاء وزراء الخارجية، ما يفسر التركيز على تطوير مسار الحوار بين أنقرة ودمشق إلى مستوى وزراء الخارجية.
ولفت علوش إلى وجود عقبات كثيرة تعترض هذه المسار، وأبرزها شروط النظام السوري “التعجيزية”، المرتبطة بانسحاب تركي من الأراضي السورية، والتي تشير إلى أن واقع علاقات الجانبين معقد لدرجة تفوق الآمال التركية بتحقيق انفراجة سريعة مع دمشق.
ورغم الترحيب الإيراني العلني بتقارب “أنقرة- دمشق”، لكن التصريحات التي جاءت على لسان الأسد والمقداد بالتزامن مع وجود “الضيف الإيراني”، شكلت موقفًا أكثر حدة ووضوحًا للنظام في مسار التقارب.
والخلاصة من تصريحات الأسد والمقداد التي صبّت في السياق نفسه، التأكيد على أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”.
كما أكد المقداد، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني، أن أي لقاءات سياسية يجب بناؤها على احترام السيادة السورية ووجود الجيش كضامن حقيقي لسلامة أراضيها.
وتأتي زيارة عبد اللهيان، بعد تأجيل جرى أواخر 2022 لزيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق.
وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، أبدى عبد اللهيان امتنانه لتغير مسار العلاقات بين تركيا والنظام، لكن تصريحات كبير مستشاريه للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، خلال مقابلة أجراها مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إسنا “، في اليوم نفسه، أكدت عدم إمكانية حل القضية السورية بسهولة دون وجود إيران.
وقال خاجي حينها، إن مشاركة إيران في جميع القضايا المتعلقة بـ”الأزمة السورية” ستستمر بكامل قوتها في المستقبل.
وأضاف المسؤول الإيراني أنه خلال الزيارة الأخيرة إلى دمشق، “أجرينا مناقشات مستفيضة مع الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وكان من الواضح تمامًا أهمية الدور الإيراني الذي تؤكده السلطات السورية وتقر بأن هذا الدور يجب أن يستمر”. واستبعد الباحث طه عودة أوغلو تراجع الدفاع الروسي باتجاه تحقيق لقاء بين أردوغان والأسد، مشيرًا لمحاولات سابقة بُذلت بهذا الصدد، لكن العامل الأمريكي مؤثر، إلى جانب محاولة طهران عرقلة التقارب، سيما كونها خارج المعادلة و”مهمشة”، رغم رغبتها بالحضور في الملف، ما يعني احتمالية ضغط إيراني على النظام لوضع شروط “تعجيزية” على الجانب التركي.
وفيما يتعلق بتراجع النظام عن المضي في الحوار مع تركيا، اعتبر الباحث محمود علوش هذه الخطوة، محاولة من النظام لمقاومة ضغوط موسكو في مسار التقارب، بعدما دخل مضطرًا على وقع الضغوط الروسية، في الآلية الثلاثية التي اقترحتها أنقرة.
كما لفت إلى الدور الإيراني الذي أسهم في دفع الأسد لوضع شروط صعبة، لتعقيد المفاوضات، فإيران وجدت نفسها مهمشة، رغم أنها إحدى “الدول الضامنة” لمسار “أستانة”، وغيابها عن مسألة التقارب يضعف مصالحها ودورها في سوريا، وهذا لا يعني رغبتها بإفشال المفاوضات مقدار رغبتها بفرض نفسها على الطاولة، وفرض مصالحها على تركيا وروسيا، بالملف السوري، بحسب علوش.
ورغم أن الدور الروسي مهم كوسيط بين الجانبين، وفق علوش، تبقى تعقيدات الملف ليست سهلة، ما يعني صعوبة التوصل لعلاقة طبيعية بين تركيا والنظام في الفترة المقبلة.
خلط أوراق أمريكي
شكّل لقاء وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، نقطة توقف نسبية عند حد التصريحات التي توحي بلقاء سياسي رفيع المستوى بين أنقرة ودمشق.واكتفى البيان بالحديث عن نقاش الطرفين لأوجه “الأزمة السورية” كافة، مع تشديد الالتزام بآلية سياسية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، بالإضافة إلى الاتفاق على مواصلة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وحزب “العمال الكردستاني”، مع ترحيب مشترك بتمديد آلية تسليم المساعدات إلى الشمال السوري، عبر الحدود.
وسبق الزيارة حديث غير رسمي عن “مغريات” أمريكية لأنقرة، تثنيها عن موقفها حيال التقارب مع الأسد، كما تراجع بعد اللقاء، حضور “مسار التقارب” في تصريحات مختلف الأطراف “المعنية” بالملف السوري. الباحث في الشأن التركي، طه عودة أوغلو، لفت إلى تزامن تراجع التصريحات التركية حول مسار التقارب، مع الشروط التي وضعها النظام، وطالب خلالها بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.
ورجّح عودة أوغلو، في حديث لعنب بلدي، وجود محاولات “خلف الكواليس” بين الأتراك والروس والنظام لإعادة اجتماع وزراء الدفاع للأطراف ذاتها، معتبرًا أن دخول الجانب الأمريكي خلط الأوراق في الملف، سيما بعد لقاء وزير الخارجية التركي، ونظيره الأمريكي.
واعتبر الباحث عودة أوغلو الحديث عن لقاء وزراء الدفاع مرة أخرى، إشارة واضحة لاستمرار الخلافات على الصعيدين الأمني والعسكري، وأن المناخ غير جاهز للانتقال إلى الشق السياسي.
كما أن الحديث عن احتمال منح واشنطن ضوءًا أخضر أو غض طرف للعملية التركية في سوريا، وتصريحات قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، التي لا تستبعد العملية، عوامل من شأنها عرقلة قطار التقارب التركي مع النظام، وفق الباحث.
مربّع موسكو الأول
خلال لقائه في 14 من كانون الثاني، مجموعة من ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية، لشرح وجهة النظر التركية حيال الأجندة الدولية بعد دخول أنقرة ودمشق في مسار تطبيع علاقات سياسية، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إنه قبل اجتماع وزيري خارجية تركيا وسوريا، سيعقد لقاء بين وزيري دفاع الجانبين مجددًا.حديث قالن تضمن أيضًا تلويحًا تركيًا بالعملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، معتبرًا أنها “لا تزال خيارًا مطروحًا على الطاولة بالنظر إلى مستوى التهديد الذي تواجهه أنقرة”.
وجاء الموقف التركي بعد آخر صدر من دمشق على لسان الأسد، رفع خلاله شروط التفاوض عاليًا، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من الأراضي السورية.
احتمالات.. أجل غير مسمى
في 28 من كانون الأول 2022، انعقد لقاء بين وزراء دفاع تركيا وروسيا، والنظام السوري، في موسكو.ورغم وصف أنقرة لجوّ اللقاء بالـ”بناء”، لكن توصلًا لموعد دقيق ورسمي للقاء وزراء الخارجية للأطراف ذاتها، لم يحدث حتى إعداد هذه المادة.
وبعد اللقاء بأيام، قال وزير الخارجية التركي، إن أنقرة اقترحت عقد اجتماع لوزراء خارجية تركيا وسوريا في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي، لكن تصريحًا آخر للوزير التركي في 12 من الشهر نفسه، نفى وجود تاريخ محدد للقاء، لافتًا لاحتمالية انعقاده مطلع شباط المقبل.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، قالت في 12 من كانون الثاني، إن الجانب الروسي يعمل لتنظيم لقاء يجمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا، لكن “من الناحية العملية، لم تجري الموفقة بعد على موعد محدد”، وفق ما نقلته قناة “RT ” الروسية، الناطقة بالعربية.
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، استبعد حصول لقاء على المستوى الرئاسي بين أردوغان والأسد برعاية روسية، قبل لقاء وزراء الخارجية، ما يفسر التركيز على تطوير مسار الحوار بين أنقرة ودمشق إلى مستوى وزراء الخارجية.
ولفت علوش إلى وجود عقبات كثيرة تعترض هذه المسار، وأبرزها شروط النظام السوري “التعجيزية”، المرتبطة بانسحاب تركي من الأراضي السورية، والتي تشير إلى أن واقع علاقات الجانبين معقد لدرجة تفوق الآمال التركية بتحقيق انفراجة سريعة مع دمشق.
قد يكون لقاء أردوغان والأسد واردًا لأن أردوغان يرغب بذلك، لكن كلما اقتربت الانتخابات يصعب بشكل أكبر عقد لقاء على المستوى الرئاسي بين الجانبين. محمود علوش- باحث في العلاقات الدولية |
الأسد “يتمنّع”
التقى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، نظيره السوري، فيصل المقداد، ورئيس النظام، بشار الأسد، في 14 من كانون الثاني.ورغم الترحيب الإيراني العلني بتقارب “أنقرة- دمشق”، لكن التصريحات التي جاءت على لسان الأسد والمقداد بالتزامن مع وجود “الضيف الإيراني”، شكلت موقفًا أكثر حدة ووضوحًا للنظام في مسار التقارب.
والخلاصة من تصريحات الأسد والمقداد التي صبّت في السياق نفسه، التأكيد على أن الدولة السورية لن تسير إلى الأمام في حوارها مع الجانب التركي إلا إذا كان الهدف إنهاء الاحتلال ووقف دعم “التنظيمات الإرهابية”.
كما أكد المقداد، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني، أن أي لقاءات سياسية يجب بناؤها على احترام السيادة السورية ووجود الجيش كضامن حقيقي لسلامة أراضيها.
وتأتي زيارة عبد اللهيان، بعد تأجيل جرى أواخر 2022 لزيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق.
“نشاط” إيراني
بعد يومين فقط من لقائه مع الأسد والمقداد، التقى عبد اللهيان في أنقرة بالرئيس أردوغان، ووزير الخارجية، جاويش أوغلو، في 17 من كانون الثاني.وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، أبدى عبد اللهيان امتنانه لتغير مسار العلاقات بين تركيا والنظام، لكن تصريحات كبير مستشاريه للشؤون السياسية الخاصة، علي أصغر خاجي، خلال مقابلة أجراها مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إسنا “، في اليوم نفسه، أكدت عدم إمكانية حل القضية السورية بسهولة دون وجود إيران.
وقال خاجي حينها، إن مشاركة إيران في جميع القضايا المتعلقة بـ”الأزمة السورية” ستستمر بكامل قوتها في المستقبل.
وأضاف المسؤول الإيراني أنه خلال الزيارة الأخيرة إلى دمشق، “أجرينا مناقشات مستفيضة مع الأسد وكبار المسؤولين السوريين، وكان من الواضح تمامًا أهمية الدور الإيراني الذي تؤكده السلطات السورية وتقر بأن هذا الدور يجب أن يستمر”. واستبعد الباحث طه عودة أوغلو تراجع الدفاع الروسي باتجاه تحقيق لقاء بين أردوغان والأسد، مشيرًا لمحاولات سابقة بُذلت بهذا الصدد، لكن العامل الأمريكي مؤثر، إلى جانب محاولة طهران عرقلة التقارب، سيما كونها خارج المعادلة و”مهمشة”، رغم رغبتها بالحضور في الملف، ما يعني احتمالية ضغط إيراني على النظام لوضع شروط “تعجيزية” على الجانب التركي.
وفيما يتعلق بتراجع النظام عن المضي في الحوار مع تركيا، اعتبر الباحث محمود علوش هذه الخطوة، محاولة من النظام لمقاومة ضغوط موسكو في مسار التقارب، بعدما دخل مضطرًا على وقع الضغوط الروسية، في الآلية الثلاثية التي اقترحتها أنقرة.
كما لفت إلى الدور الإيراني الذي أسهم في دفع الأسد لوضع شروط صعبة، لتعقيد المفاوضات، فإيران وجدت نفسها مهمشة، رغم أنها إحدى “الدول الضامنة” لمسار “أستانة”، وغيابها عن مسألة التقارب يضعف مصالحها ودورها في سوريا، وهذا لا يعني رغبتها بإفشال المفاوضات مقدار رغبتها بفرض نفسها على الطاولة، وفرض مصالحها على تركيا وروسيا، بالملف السوري، بحسب علوش.
خطوط عريضة
الباحث محمود علوش، أشار أيضًا لضرورة التوصل لاتفاق مبدأي على العناوين العريضة للمرحلة الجديدة المحتملة بين الجانبين، فشروط النظام السوري توحي بصعوبة التوصل لأرضية مشتركة أو خارطة طريق بين أنقرة ودمشق، خصوصًا أن تركيا تربط وجودها العسكري في سوريا، بتحقيق تتقدم في العملية السياسية.ورغم أن الدور الروسي مهم كوسيط بين الجانبين، وفق علوش، تبقى تعقيدات الملف ليست سهلة، ما يعني صعوبة التوصل لعلاقة طبيعية بين تركيا والنظام في الفترة المقبلة.